رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

اقتصاد

1542

التأمين التكافلي قيمة مضافة إلى "فضاء الأمان"

23 مايو 2021 , 07:00ص
alsharq
الدوحة- الشرق

يمكن وصف واقع الحال في أسواق التـأمين العالمية، بما يشبه السباق الساخن، فبعد استفراد شركات التأمين التقليدي بالعمل على مرّ عقود وعقود، ظهر التأمين الإسلامي الذي أحدث خرقاً وفتحاً حقيقياً في مجمل فكرة التأمين ومنطلقاته، بالتالي في بنية الاستثمارات واتجاهات رأس المال العاملة في رحاب هذا القطاع.

والواقع أن المتمعّن أكثر في تفاصيل أسواق التأمين والتطورات الحادّة التي حصلت فيها، سيستنتج أن المسألة بعيدة عن مفهوم التنازع في العلاقة بين القطاعين، لأن صعود نجم التأمين التكافلي لم يكن على حساب حصص التأمين التجاري بشكل كامل أو حتى بشكل أساسي، إذا اصطدم التأمين التقليدي في المجتمعات الإسلامية بأدبيات راسخة في صلب ثقافة وحياة هذه المجتمعات، أبعدت أطيافاً واسعةً من الزبائن المفترضين عن مضمار الخدمات التي تقدمها هذه الشركات، بالتالي كانت أعداداً هائلة من المواطنين في الدول الإسلامية خارج المظلات التأمينيّة بشكل كامل.

وعندما ظهرت فكرة التامين التكافلي وتطبيقاتها المتسارعة، كان التحوّل الحقيقي في بنية أسواق التأمين، إذ تمّ إيجاد مظلّة تأمينية مبتكرة ومناسبة لعشرات أو مئات الملايين ممن هم خارج السوق، وهذا يعني أن التأمين التكافلي شكّل إضافة حقيقية وجوهرية في قوام سوق التأمين العالمية، والظاهر من خلال سيرورة تطور شركات التأمين التكافلي، أنها استقطبت زبائن جدداً إلى عناية مظلات التأمين ولم تعتمد على سحب الزبائن من الشركات التقليدية بشكل أساسي، مع أنه لا بدّ من الاعتراف بأن فكرة التأمين التقليدي قد استهوت بعض من كانوا زبائن لدى شركات التأمين التقليدي، فاختاروا التحوّل إلى المظلات التكافلية لأنها تتناغم مع نسق فكري عقائدي تراثي ثمين تفاخر به الدول الإسلامية، هو منظومة القيم التشريعات التي نصّ عليها الإسلام كأسس عامة في الحياة.

لقد استقر رأي الفقهاء على حرمة التأمين التقليدي بكافة أنواعه، وجواز التأمين التكافلي واعتباره البديل الشرعي للتأمين التقليدي، وذلك بقرارات موثّقة ومعتمدة أصولاً.. بعدها لم يكن هناك خيار سوى التفكير بتطوير التعامل بالتأمين التعاوني وإيجاد تصور جديد واسع يسمح بتكوين شركات تأمين إسلامية يكون التأمين التكافلي هو محور عملها وأساس معاملاتها.

من هنا يبدو من المهم جداً الوقوف عند نقاط التباين والاختلاف بين آليات عمل شركات التأمين التكافلي والأخرى التقليدية، ويبدو أن ثمة فروقات كبيرة من حيث المبدأ الذي تنطلق منه شركات النمطين أو النموذجان.

في الشكل والمضمون

فالتأمين التكافلي يعرف بأنه عقد تأمين جماعي، يلتزم بموجبه كل مشترك بدفع مبلغ من المال على سبيل التبرع لتعويض الأضرار التي قد تصيب أحدهم عند تحقق الخطر المؤمن عليه، ويختلف التأمين التكافلي عن التأمين التقليدي في مسائل بنيوية في الواقع.

ويبدو التباين من الشكل وصولاً إلى الجوهر، ففي التأمين التقليدي يوجد طرفان في العملية التأمينية، هما المؤمن عليه وشركة التأمين، أما في التأمين التكافلي فيوجد به أكثر من طرف من المؤمن عليهم الذين يتم توزيع الأقساط عليهم لتقليل حدة الخطر عند وقوعه على أحدهم وشركة التأمين كطرف آخر، وبالتالي توزع الأخطار هنا على أكثر من فرد.

اختلاف الهدف

من الشكل نصل إلى جوهر الفكرة وفي الجوهر تتعدد الفوارق في الواقع، فالنظام التأميني التكافلي لا يقوم على الربح بالأساس، ولكن هدفه الأول هو تقليل حدة الأخطار بتوزيعها على أكثر من فرد، وهي حقيقة هدف وأصل وجود التأمين، كما تختلف طريقة دفع التعويض والأقساط في التأمين التقليدي عنه في التأمين التكافلي أيضا، فالقسط في النوع الأول التقليدي يكون بصورة مبلغ مالي يتم دفعه من المؤمن له للشركة ويستخدم الفائض من التعويض المدفوع في حالة الضرر كربح مالي للشركة.

أما في التأمين التكافلي الذي يغيّر هذه القاعدة جذرياً، فيتم توزيع الأقساط على أكثر من مؤمن، ويكون في الغالب منخفضاً لأنه يتم توزيعه على أكثر من شخص، والفائض هنا بعد دفع التعويض يتم توزيع الزيادة فيه على المشتركين بعد استثمارها.

وفي التأمين التقليدي يكون قسط التأمين مرتفعاً دائماً لتحقيق أكبر قدر من الربح، لأن فائض الأقساط التأمينية بعد دفع التعويضات للمتضررين يكون ربحاً للشركة. أما في التأمين التكافلي فإن قسط التأمين يكون منخفضاً نسبياً لإتاحة فرصة الاشتراك فيه لأكبر عدد من المؤمن لهم، وفي الحالات التي يكون فيها القسط أكثر من المعدل فتكون فائدة الزيادة فيه للمشتركين "المؤمن لهم" حيث يتم استثمار المتوافر من هذه الأقساط بأسلوب شرعي يعود بالربح عليهم.

علاقة مختلفة

يقوم التأمين عادة على العلاقة بين أطراف العملية التأمينية، وفي هذا الخصوص تختلف العلاقة هنا تماماً بين المؤمن وشركة التأمين، فتقتصر في الحالة الأولى – التأمين التقليدي - على المنفعة المتبادلة من تخفيف حدة الخطر للمؤمن وتحقيق ربح للشركة، أما في التأمين التكافلي فيكون المشترك به شريكا في الشركة وجزءا منها، عن طريق إدارة صندوق الاشتراكات المجمع من المشتركين حملة الوثائق، بغرض مجابهة الأضرار والخسائر التي تلحق بأي منهم مقابل حصة في الفائض في حال تحققه.

الجميل في التأمين التكافلي بهذا الخصوص.. أنه في حالة عجز الصندوق عن الوفاء بالمطالبات المقدمة خلال السنة المالية تقوم الشركة بتمويل هذا العجز عن طريق قرض حسن يسترد عند تحقق الفائض في السنوات التالية، وبذلك فإن المشترك (المؤمن له) هو شريك في الشركة.

التباين بلغة شرعية

بالفعل هو سؤال بالغ الأهمية عمّا يجعل التأمين التقليدي مرفوضا من وجهة نظر إسلامية؟؟.. وكيف تختلف الممارسة التقليدية للتأمين عن التأمين التكافلي؟ وما الذي يجعله يختلف؟

يرى الفقهاء أن التأمين التقليدي أو التجاري ينطوي على سلوكيات تتماهى مع القمار "الميسر" وخاصة التأمين على الحياة، وينطوي معظم التأمين التقليدي على عدم اليقين وعدم وجود شروط واضحة "الغرر".

إضافة على أن التأمين التقليدي يشتمل على رسوم الفائدة وأدوات استثمار الديون وهذا هو "الربا"، وتتوخّى معظم شركات التأمين التقليدية، كونها شركات مساهمة، بمبدأ تعظيم الربح وليس رفاهية المؤمن عليه.

 ومن خصائص عمليات التأمين التقليدية أنها تختلف عن التكافل، ويمكن ملاحظة عدةّ نقاط.. منها المتعلق بشركة التأمين "الشركة" والمؤمن عليه "حامل الوثيقة"، ثم نقل الخسائر باستخدام ملكية محدودة ومصالح الملكية، ووجود المؤسسة كعمل تجاري لتعظيم الربح، إضافة إلى هيمنة المعاملات التجارية مع استثمار أقساط التأمين التي تجذب الأوراق المالية الربوية وغير الإسلامية، وعدم وجود مشاركة أو تأثير من قبل حاملي وثائق التأمين في إدارة المؤسسة.

 فيما تبدو الاستثمارات حلال في " التكافلي" أي مقبولة بموجب أصول الشريعة الإسلامية، ومرتبطة بشكل مباشر بالأصول وتجنب أدوات الدين، والأهداف العامة هي الاعتماد على الذات، وإتاحة عمليات الاكتفاء الذاتي من أجل رفاهية المجتمع.

وهناك ملامح وخصائص أساسية لعملية التأمين التكافلي، تبدأ بشرط التخصص أي الضمان المشترك، وتقاسم المخاطر المشتركة.

وشرط الشراكة، أي المشاركة الربحية، وعمليات الاكتفاء الذاتي.

وبالنسبة لحالة الاستثمار، فتكون في التأمين التكافلي باستخدام الاستثمارات الحلال والخسارة الدافعة، والعقود الإسلامية.

وبالنسبة لشرط الإدارة، ففي التأمين التكافلي يشارك المؤمن عليه في الإدارة وفي مراجعة الدفاتر والحسابات.

على العموم في التأمين التقليدي الهدف الأساسي لشركة التأمين هو تحقيق أكبر قدر من الربح على حساب المؤمن لهم، وتحقيق الأمان إن كان مقصودا فإنه يقصد تبعا واستثناء.

أما في التأمين التكافلي فإن المقصد الأساسي منه هو تحقيق الأمان من خلال التعاون بين المشتركين "المؤمن لهم" على تقليل آثار المخاطر التي تصيب أحدهم على أساس التبرع.. فما يدفعه كل مشترك "مؤمن له" من أقساط هو بقصد التعاون مع أخوانه المشتركين "المؤمن لهم" في تخفيف الضرر الذي قد يصيب أحدهم أو رفعه عنهم، وكل ما يأخذه أحد من المشتركين "المؤمن لهم" إنما هو مما خصصه المشتركون لذلك تبرعا منهم له وهو التعويض عما لحقه من ضرر.

ثوابت لا تبديل فيها

التأمين التقليدي محرم بجميع أنواعه عند أكثر الباحثين، أما التأمين التكافلي فذهب أكثر الباحثين في التأمين إلى القول بجوازه، حيث أفتى بجوازه في مؤتمر علماء المسلمين الثاني المنعقد في القاهرة عام "1965م" ومؤتمر علماء المسلمين السابع عام "1972م" والمجمع الفقهي الإسلامي في دورته التي عقدت في العاشر من شعبان عام "1398هـ" حيث قرر بالإجماع جواز التأمين التكافلي بدلاً من التأمين التقليدي المحرم، حيث استدل المجمع على ذلك بمجموعة أدلّة.. أولها أن التأمين التكافلي يخلو من الربا بنوعيه الفضل والنساء، فعقود المساهمين فيه ليست ربوية ولا تستغل أقساط التأمين في المعاملات الربوية.

والثاني أن التأمين التكافلي من عقود التبرعات التي يقصد بها التعاون على توزيع الأخطار والاشتراك في تحمل المسؤولية عند حدوث الكوارث وذلك عن طريق مساهمة الأشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر.

والثالث أن التأمين التكافلي يخلو من المقامرة والغرر والجهالة، وإن معرفة المساهمين فيه بتحديد ما قد يعود بالنفع عليهم لا يضر لأنهم متبرعون.

ومن حيث طبيعة العقد.. فإن التأمين التقليدي هو من عقود المعاوضات، بينما عقد التأمين التكافلي يدخل في مسمى عقود التبرعات وفيه من المعاملة التي هي أساسها التعاون والتبرع فهي خالية من المعاوضة بتاتـاً.

ومن حيث استثمار الأموال، ففي التأمين التقليدي تستثمر الأموال على أساس الربا المحرم، أما في التأمين التكافلي فإن استثمار أموال التأمين يكون بالطرق المشروعة وليس فيه شيء من الربـا.

هي فروقات مسندة إلى أصول الفقه واجتهادات علماء المسلمين، بالتالي تكفّلت بإنعاش وانتعاش أعمال شركات التأمين التكافلي، التي باتت خياراً رائجاً ليس في الدول الإسلامية، بل في مختلف دول آسيا وأوروبا وأمريكا أيضاً.

مساحة إعلانية