ثقافة وفنون

590

بالصور.. "الشرق" تزور متحف المقاطعة السادسة بجنوب إفريقيا

"هدموا بيتي وفتتوا بآلاتهم ذكرياتي.. حاولوا اقتلاع جذوري فشردوني بعيدا مثل آلاف من سكان جنوب إفريقيا، الذين عانوا مرارة الفصل العنصري، لكنى عفوت وسامحت وما كنت لأفعل لولا يقيني بعودتي يوما إلى أرضى".

بهذه الكلمات بدأ نور إبراهيم مرشد متحف المقاطعة السادسة بسرد قصة منطقة كان شاهد عيان على جريمة اقترفتها بحقها أقلية بيضاء حكمت البلاد فساوت بلحظة تعسفية منازل سكانها بتراب الأرض.

استهل إبراهيم حديثه لـ"بوابة الشرق" قائلا: السلام عليكم أنا رجل مسلم أفخر بإسلامي ولدت وعشت هنا وتضررت كآلاف غيري عندما أعلنت حكومة الفصل العنصري يوم 11 فبراير عام 1966 المقاطعة منطقة تخص البيض فقط بعدما كانت بوتقة تنصهر فيها كل الأعراق والديانات تحت مظلة المحبة والسلام والآخاء.

وتابع, هذه الروح السمحة لم تروق للنظام والمستعمرين فقرروا نزع الملكية عن سكان الأرض الأصليين وتشريد ذوى البشرة الداكنة والملونيين إلى مناطق بعيدة وأحيانا إيفادهم لجزر خارج حدود الدولة, فالمقاطعة السادسة كانت تستوعب برتغاليين ومسلمين ومسيحيين وهندوس وكذلك يهود.

وقد بلغ عدد المشردين عن ديارهم قرابة 170 ألف مواطن, هاجر معظم اليهود منهم وقتذاك إلى الولايات المتحدة الأمريكية علما بأنهم يشكلون حاليا جالية يصل قوامها إلى 21 ألف شخصا ينعمون ينعمون بحرية عقائدية مع انتشار دور العبادة اليهودية في جنوب إفريقيا.

تفريق الأزواج

ولم يؤيد كل الأفارقة البيض هذه السياسة العنصرية على العكس هاجمها بعضهم ودعموا جيرانهم الذينتحدوا السلطة الحاكمة وقرروا التمسك بأحقية تملك أراضيهم.

وكان نور الملون البشرة أحد ضحايا الفصل العنصري حيث تهدم بيته وتم إبعاده لجزيرة عمل فيها حارس مدرسة لكن ثقة تسربت إلى نفسه الهمته بالعودة إلى أرضه وإعادة بناء داره وهو ما تحقق.

وتعد أبرز مساوئ إقرار المقاطعة السادسة منطقة للبيض وفقا لشهادة نور, استصدار قوانين لتفريق الأزواج من غير اللون الأبيض عن بعضهم لافتا أن صديقه الملون تم إبعاده عنوة عن زوجته داكنة البشرة وأولاده الموائمين للونها حيث تم إرسالهم لمنطقة "لانجا" التي خُصصت للسود ولكي يراهم كان يتوجب عليه استخراج إذن من مغفر الشرطة مرة واحدة كل ثلاثة أشهر بالإضافة إلى قصر مقاعد الانتظار بالشوارع والحدائق العامة للأوروبيين والكلاب، واستثناء المواطنين السود من الجلوس عليها وتعليق لافتتات موقعة من قبل الحكومة تقضى باستخدام البيض حصريا دون غيرهم للمرافق العامة.

وواصل نور حديثه أثناء التجول بالمتحف المكون من طابقين يحتوى الأول على صور فوتوغرافية ونسخ لصحف قديمة توثق مأساة الهدم والتشريد وعمود أشبه بساري معلقة عليه أسماء أحياء المقاطعة وشوارعها وأشهرها شارع "اسبلينج" حيث يوجد مسجد الأزهر الذي بناه الشيخ صاكى جميل الدين احد الدارسين بجامعة الأزهر في مصر، بينما يضم الدور الثاني للمتحف مقتنيات تم جمعها من البيوت والمؤسسات المهدمة قد تبدو بسيطة ظاهريا لكنها تؤرخ لفترة زمنية مؤثرة بالتاريخ الإنساني مثل ماكينات خياطة والآت كاتبة وأدوات طبية وكذا ملابس ووثائق رسمية واسطوانات غنائية، وأرضية المتحف الخشبية مثبت عليها بمدخله خريطة بلاستيكية للمقاطعة السادسة كما يوجد بأقصى المدخل مقعد انتظار من فترة الفصل العنصري مدون عليه باللغتين الانجليزية والافريكانية عبارة "لجلوس الأوروبيين فقط".

ومقر المتحف بالأساس كان كنيسة, إلا أن موقعها الحيوي بوسط المدينة حفز فكرة تحويلها لمتحف يكرم سكان المقاطعة الذين احتفظوا بملكية أراضيهم وآثروا التفريط فيها وكذا تعريف الأجيال الحالية بحقبة زمنية عانى فيها أجدادهم كل أشكال الذل لدرجة وضعهم على قائمة الانتظار ذلك للسماح لهم بعادة بناء بيوتهم!.

ولا تتحمل حكومة جنوب إفريقيا أية تكاليف مالية لأعمال صيانته أو ترميمه وإنما تتلقى الحكومة لهذا الغرض منح من منظمات غير حكومية.

وعود الحكومات

وتم بناء 139 منزلا خلال الـ11 سنة الماضية بالمقاطعة ورغم استقرار الأوضاع يعبر نور عن كرهه للحكومات المتعاقبة كونها تقطع وعودا قبل الانتخابات الرئاسية أو التشريعية بإعادة أعمار المقاطعة السادسة لكسب تأييد الناخبين دون تحقيق شيء ملموس بأرض الواقع، مشيرا أن آخر تلك الوعود كانت خلال شهر مارس العام الماضي حيث تم التعهد ببناء 800 بيت لكن التعهد لم يعدو سوى كلمات.

وردا على تساؤل حول قدرته على التحلي بروح التسامح إزاء الأشخاص ذوى البشرة البيضاء قال: كل مشاعر البغض والكراهية زالت عندما وقفت لأول مرة وعمري 50 عاما لأدلى بحقي في التصويت بالاقتراعات الانتخابية عام 1990 يومها شعرت باسترداد كرامتي وسامحت وصدرت هذه المشاعر لاحفادى.

وقد ألف نور كتاب بعنوان "قصة نور .. حياتي في المقاطعة السادسة" يروى فيه مذكراته توثيقا لتاريخ المنطقة ويقبل السائحين رواد المتحف على شراء الإصدار الصادر منه 10 طبعات.