رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
* الشتاء يملك قدرة عجيبة على تجديد طعم الأحزان، وتجديد لسعة الألم، وحرقة الفقد! لي مع نهايات العام وبدايته أكثر من حزن، فهو وقت فقد الأحبة، أولهم أمي التي فارقتها وما فارقتها، والتي كلما هلّ أول العام أحسست بحضورها الطاغي رغم غيابها الطويل، لتجهش روحي ببكاء لا صوت له!! رحمك الله يا حبيبتي رحمة واسعة.
* مع نهايات الأعوام يقف المرء مشدوها من ركض عام أشبعنا حزنا، وسقانا مرا، وجرعنا هموما، وغموما، وجرى فيه الدم كالسواقي، تراجع فيه النبل، وانحصرت به الشهامة، وانهمرت الدموع الموجوعة أنهارا، حوصرت البلاد، وشرد العباد، وعلت من الكروب أصوات الحرائر: وامعتصماه، فذاب الصوت وردّ الصمت، مات المعتصم فلا نخوة اليوم، ما بقي إلا الهوان والموت!!
* يقول هل من أمنيات من عام يهل؟ سؤال كبير يستدعي خواطر موجوعة، وهو سؤال يحشو الجرح بالملح، والعربي يتلفت ليجد الهوان يلد هوانا، والمحنة تلد محنا، والكروب تتناسل من الماء الى الماء، وأكثر من مليار مسلم قاسمهم المشترك القطيعة، والتنابذ، والفرقة، قلوب شتى لا يربطها رابط، وسيف القهر مرفوع على رقبة الانسان، ومحارب أنت أينما توجهت فما دمت مسلما فأنت موصوم بالإرهاب، أما ظلم ذوي القربى فما زال أشد مرارة على النفس من وقع الحسام المهند!! أينما ولى العربي وجهه طالعته الرعود، والعواصف الهوجاء حيث لا أمان ولا استقرار، بل شتات وارتحال، ليبقى حلم العودة للوطن حلما جماعيا يتخطى فلسطين الى جاراتها واحدة تلو الاخرى! القلوب تجهش بالبكاء، ومن سمع عرف!! وقد يحلم العربي أن يجتمع شمل الامة على قلب رجل واحد في خطوة على طريق الامل بجمع الشتات، ورأب الصدع، واجتماع الفرقاء، والخلاص من كل ما يحاك للأمه العربية الاسلامية من تشرذم، أقول قد يحلم العربي المنهك بصنوف الأوجاع، ويبقى عام جديد يهل على هامته مكتوب: لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. ربنا يسهل.
طبقات فوق الهمس
في الحياة السياسية:
أتمنى ألا تكون حماية الكرسي هي الشغل الشاغل لمن يجلس عليه بغض النظر عن رعية تحتاج أن تحيا حياة انسانية كريمة. اتمنى ان يتصور (الراعي) في وطننا العربي الجميل يوما سوف يقف فيه بين يدي الملك لا يسأل قطعا عن (بغلة العراق) وانما عمن جاع، ومات، ولم يجد دواء، وقتل بغير ذنب، ونساء بعن لحمهن رخيصا ليطعموا أولادهم، وحرائر اغتصبن وما حوكم الجاني، وكآبة، وفقر، وعوز، مررت الحياة على ناسها وجعلتهم يتمنون موتا عاجلا غير آجل.
في الحياة الإعلامية:
أتمنى أن يعود زمن الإعلامي المحترم بكل مقاييسه الذي تعلم ان الحرفية والمهنية ليست في فتح شبابيك للردح وقلة الأدب (والحيونة) وانما هي قبول الرأي الآخر دون تحسس أو غضب أو استعلاء وتبني القضايا التي تخدم الأمة، وليس تفرغا لتمجيد الحاكم، والتطبيل له وحمل المباخر خلفه.
في الحياة الأسرية:
*ارجو ان تعود الأم صانعة الأجيال الى سابق عهدها فتكون مدرسة حقيقية لتفريغ جيل يصلح للقيادة، وان تستغني عن الخادمة ما أمكنها ذلك، وان تؤمن بأن الخادمة لا يمكن ان تكون بديلة لها لانها كثيرا ما تكون قنبلة موقوتة نضعها في البيوت بأيدينا لتبث سموما تؤدي الى كوارث يعرفها من جربها.
* مما ارجوه في العام الجديد ان تحاصر الأمهات (الموبايلات) التائهة ليل نهار في احضان الصغار دون رقيب ولا حسيب، ودون الالتفات الى انخفاض مستوى التحصيل الدراسي بسبب الانشغال بها وطول السهر أمامها!! كما ارجو ان يلتفت السادة الآباء الى ان مهمتهم ليست فقط توفير المال للأسرة، وانما التواجد مع هذه الاسره، وتفقد احتياجاتها المعنوية، ودرء ما يصدعها.
في العلاقات الإنسانية:
* اتمنى ألا اقابل لئيما كالذي يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب، وان يكون الصديق صديقا حقيقيا لا يتلون فلا يقترب فقط ان كان هناك مصلحة ثم (فص ملح وداب) اذا احتجته!
* مما أرجوه الا يخيب ظني فيمن أحسنت الظن به، ومن جرب يعرف ما لهذا الشعور من لسعة كاوية.
* أرجو ان يكتشفوا جهازا لفرز البشر فنعرف به الوطني من الخائن، والكاذب من الصادق، والمنافق من المحترم، والطيب من الثعبان، ومن أرادنا بسوء ومن هو حقا انسان.
إعلان
فقد شعور اسمه (الحب) في الطريق العام ما بين العرب والعرب، من يجده يمسك بيد أخيه ويقول: سنكون معا، ولا ينسى أن يتصل بنا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2856
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2487
| 30 أكتوبر 2025
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
2061
| 04 نوفمبر 2025