رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. حسن لغدش

مساحة إعلانية

مقالات

330

د. حسن لغدش

بين التصدّع والتوهّج: شعرية المادّة في أعمال بوشرى خنافو

02 نوفمبر 2025 , 02:16ص

تُعدّ الفنانة التشكيلية بوشرى خنافو، المقيمة بدولة قطر، من الأسماء المغربية التي واصلت بناء الحس الجمالي التشكيلي في فضاءات المهجر، مستندةً إلى تكوينها الأكاديمي كخرّيجة مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء. وتقدّم أعمالها بوصفها كتابة تشكيلية تجريدية ومادّية في آن، حيث تتحوّل المادّة إلى لغة، واللون إلى ذاكرة، والحركة إلى أثر وجوديّ نابض. 

تتميّز تجربة خنـافـو بسطوة الملمس والتجسيد المادّي، لا سيما عبر توظيف قماش الحايك البجاعدي الذي يحمل في طيّاته رموز الهوية والذاكرة الشعبية. كما تقوم بنيتها التشكيلية على توليفات متراكبة من الكولاج، والتمزيق، والطبقات المتراكمة، ما يمنح سطح اللوحة كثافة نحتية تُظهر الأثر اليدوي بوصفه امتدادًا للذات في بحثها عن المعنى. إنّ الشقوق والفراغات التي تخرق سطح اللوحة ليست مجرّد تقنيات شكلية، بل هي فجوات دلالية تُحيل إلى الماوراء، إلى ما يختبئ خلف المرئيّ، أو إلى ما تتركه الذاكرة من بياضٍ في النصّ البصري. فهذه الانفتاحات على الفراغ تُعيد مساءلة العلاقة بين الغياب والحضور، بين الذاكرة والنسيان، وتجعل العمل الفنيّ فضاءً حواريًّا مفتوحًا على الخارج. من الناحية اللونية، تقوم اللوحات على تباين حادّ بين مناطق قاتمة (الرمادي، الأسود، البني) وأخرى متوهّجة (الأصفر، الأحمر، البرتقالي)، في ما يشبه دراما لونية تعبّر عن الصراع بين ثقل التاريخ واندفاع الحياة، بين الكبت والانفجار الإبداعي. المادّة هنا ليست سطحًا مسطّحًا، بل جلد ذاكراتي تتراكم فيه الطبقات كالأزمنة، بحيث تُصبح اللوحة مخطوطًا جسديًّا يحمل ندوب الذاكرة وحرارة التجربة. إنّ تجربة بوشـرى خنـافـو تنتمي من حيث المرجعية إلى الامتداد الجمالي لـــ مدرسة الدار البيضاء وروّادها الكبار مثل محمد مليحي وفريد بلكاهية ومحمد شبعة، الذين أسّسوا لفنّ تجريدي مغربيّ متجذّر في العلامة والتراث البصري المحلي. غير أنّ خنـافـو تتجاوز هذا الأفق باتجاه تجريد مادّي مُتصدّع، يستبدل الضوء الهندسيّ للموجة الستينية بملمسٍ جريحٍ، تُهيمن عليه شعرية الفقد والمنفى. 

بهذا المعنى، تشكّل أعمالها جماليات الكسر والطبقات، وتُحوِّل اللوحة إلى فضاءٍ انتقاليّ بين الهنا والهناك، بين الماضي والحاضر، بين المخفيّ والمُعلن. وهي بذلك تعبّر عن روح الفنّ المغربي في المهجر بوصفه بحثًا مستمرًّا عن هويةٍ مفتوحة، تتغذّى من الذاكرة وتتحاور مع الآخر. 

إنّ ما يجعل تجربة بوشرى خنافو متميّزة هو هذا التوازن الدقيق بين الألم والخصوبة، بين الفجوة والتوهّج، حيث تتحوّل المادّة إلى جسدٍ رمزيّ، واللوحة إلى فضاء عبورٍ وجوديّ يربط الذاكرة بالاحتمال، والغياب بالحياة.

مساحة إعلانية