رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هل مضى العام الميلادي دون رجعة بكل أو بجل ما يتمناه الإنسان ليصل إلى شاطئ السعادة وبر الأمان ويرى العالم من حوله وقد رفرفت عليه تلك الراية ليكون أليق وأوفق لأن يحتفل مع البشر سروراً وابتهاجاً يجني الثمار، وعندها لا يكون مسرفاً معهم إذا نثر مليارات الدولارات وفرح لإذعان الإعلام الخاص والعام لأمره وجيّشت جيوش في ليلة الظلام ليسفر من رحمها صباح الحرية والعدالة والسلام، كما انبثق ضوء العام الماضي الذي يراه هذا الإنسان، وبالتالي يرتاح ضميره وضمائرهم فيصدق أنهم سعداء إذ لا سعادة تعادل راحة الضمير كما قال ابن باجة رحمه الله.. هل الأمر هكذا أم أننا أصبحنا نخادع أنفسنا ونغني ونرقص وننافق ونكذب ونعوض نقصنا بالاحتفال بالأوهام ونحن نحس بذلك تماماً لأن شواهد العام مبنى ومعنى أكبر دليل على هذا الكلام، نعم ثمة جوانب مضيئة لا ينكرها إلا مكابر وهي وحدها التي تستحق الإجلال والاحترام والاحتفال بها دوماً لا في ليلة واحدة فقط، وهذا ما جاء به المسيح عيسى بن مريم عليه السلام وعززه ونشره رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ليهتم به العالم أجمع، إذ ان مغزى رسالته أن يبقى رحمة للعالمين وقد سجلنا ذلك في ذكرى هجرته صلى الله عليه وسلم في عامها القمري والقمر ناصع يستعصي على التزييف والتدجيل دوماً، إننا نقول هذا ونحن أمام حساب العام والأيام ولدى محكمة الضمير التي تدخل نفوسنا وتبقى يقظة تحكم بالعدل على الدوام لا تحابي أحداً ولا تنتصر لغيره، إن الضمير فيها هو الوجدان الذي يتمتع بالقدرة على التمييز بين الحق والباطل والخير والشر والطيب والخبيث وهو الذي يعرفنا حاله بأنه ليس شأناً ذاتياً محضاً وإنما هو جملة المعايير والتوجيهات التي تعني التربية الخلقية أو هو – كما يقول الفيلسوف توما الأكويني: تعقيب العقل على ما يصدر منا من أفعال في كل وقت إذ العقل هو أصل عتيد للطبع والشرع بمعنى أنه نبراسهما والشرع عاصم للعقل على كل حال، والضمير كذلك عند أرباب العلوم الإنسانية وظيفة من وظائف الدماغ تقوم على الإيثار المتبادل بالسلوك الموجه لكل فرد أن يقوم على رعاية الآخرين ويعتبر هذا الضمير في الإسلام نعمة من الله لبناء كل ما هو إيجابي في الحياة إذ هو ربان السفينة والقائد والمشرف على مسارها بل هو المرآة التي تعكس السلوكيات وهو المعيار والمقياس الذي بميزانه الدقيق يحكم السيطرة على الذات والشخصية فيعرف نضوجها من عدمه فيمدحها على المحاسن ويقدحها على المساوئ وهو المراقب الأمين والدليل الأصيل بل والقاضي المقرر للتبرئة أو الاتهام والتأنيب، ولا يستطيع إنسان أن يهرب من محكمته لأنه يقف سداً منيعاً أمامه ينهاه عن خرق الأصول الأخلاقية ويأمره بالتربية الهادفة التي ترتقي به في جميع مراحل الحياة إلا أنه في بعض مراحلها قد يصاب ضميره بالتلوث، كما تصاب البيئة ويغشاه سبات رقيق أو عميق فيقع في صغائر المقابح أو كبائرها وتلك آفات خطيرة قد تأتي على مقاتله فينسى مفهوم الحق بل لا يعود مكترثاً بالأخطاء ويتبلد شعوره حتى لا يحس بقتل الآخرين بل قد يتمتع بذلك فتقتل فطرته ويختفي ضميره ويسقط سقوطاً ذريعاً، ولابد في هذه الحال من التصدي لمرضه والبداية بالعلاج من هذا الفساد، إن أراد ألا يسيطر الران على قلبه ومن هنا يعتبر الحفاظ على الضمير حفاظاً على الأمانة التي ناطها الله بالإنسان (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)، "الأحزاب: 72".
فإذا ما استطاع أن يحاور نفسه حواراً داخلياً واعياً وكان دائم اليقظة، مراعياً جانب الله في التوجه سائساً نفسه بحسن التدبير مبتعداً عن المزالق حاملاً صفة النفس اللوامة التي تقف عند المحاسبة لها بدقة حتى تملك الصلاح، داعية غيرها للتأثر بالهداية لتصل إلى مرتبة الإصلاح كان بذلك بعيداً عن الغفلة التي اعتبرها ابن تيمية رحمه الله أصل الشر، وبالتالي يكون قد حمل ضميراً حياً نقياً نظيفاً شريفاً عفيفاً وإذا كان هذا الضمير لا يهدأ ولا ينام فإن صاحبه ينام على وسادة ناعمة، كما في المثل الفرنسي أو يكون محروساً به من الله إذ هو عين الله على الأرض كما قال شكسبير ولأن نفس الإنسان هي أهم ما يهتم به فقد أفنى الأنبياء حياتهم في خدمتها وكانت بعد التوحيد موضوعهم الوحيد كما نقل د. سعيد إسماعيل علي في كتابه "الحوار منهجاً وثقافة ص 107" ولعل ما يصدق على هذه النفس فردياً يصدق على الأسرة والمجتمع والدولة والحكومة تماماً فإذا ما كانت ضمائرها ذكية تفرق بين الحق والباطل لأنها هي أصوات الحق، كما قال مينا ندر فإن الأمة تعيش حياة مطمئنة عادلة يأخذ فيها الضعيف حقه كما يناله القوي وعندها تعرف حقوق الإنسان رسالتها وهدفها، وإن المتأمل فيما جرى العام الماضي إقليمياً ودولياً وعلى مختلف الأصعدة في الحياة يرى ظلماً لا نظير له، بحيث يكون مطمئناً إذا قال: مات الضمير، فهذه قضايانا وأولها فلسطين مازالت على مذبح الجزارين من ذوي القربى والأجانب من صهاينة وصليبيين، وإذا نظرنا ببصر حديد كما يقول محمد الغزالي في قذائف الحق "ص 272" عن محنة الضمير هناك مذكراً بمقال نشرته مجلة تابلت الانجليزية الكاثوليكية للكاتب ف.س اندرسون في 26/10/1957 فحواه أن الكاثوليك يقولون لليهود: إننا احتللنا فلسطين قبلكم وبقينا فيها سنين عددا، ثم استطاع المسلمون إخراجنا وتهديم مملكة بيت المقدس وذلك لأغلاط ارتكبناها وها نحن أولاء نشرح لكم تلك الأغلاط القديمة حتى لا تقعوا فيها وأفيدوا من تجربتنا حتى تبقى لكم فلسطين ولا يعود أهلها إليها.
نعم إنه الحق الدفين القديم والحديث وذلك سر قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، "البقرة: 120".
ثم تأتينا قضية العراق الجريح الذي احتله أولئك الصليبيون وظاهرهم اليهود على ذلك بغير أي حق، فلحساب من قتل فيه أكثر من مليون إنسان ناهيك عن الجرحى والثكالى والمشردين والدمار الرهيب الذي نقض صروحه من أساسها ونهب آثارها وغلب في البلاد فريقا على فريق لينتصر الهوى على الوطن والحرية، ثم انتقل إلى أفغانستان لتقتلك الدماء والأشلاء باسم محاربة الإرهاب ولترى جنود الباطل من كل مكان تزرع الخوف وتقتل الأبرياء حتى أهل الأعراس والأفراح دون أي وازع من ضمير، ثم انتقل إلى السودان لترى مؤامرة التقسيم والاحتلال الحقيقي للغرب وأمريكا وإسرائيل، فانفصال الجنوب إنما يعني باختصار إنشاء كيان صهيوني جديد في إفريقيا وليس في السودان فقط وتلك سنة سيئة ستطول بلادا أخرى بلاشك، ثم انتقل إلى الصومال لترى الفتنة بين الإخوة الأعداء وقد أهلكت الحرث والنسل بلا حق واضح ولا دليل أصيل فأين تغليب المصلحة العليا على الدنيا وأين الرحمة بالمواطنين؟
وانظر إلى كشمير وإغراقها في المظالم والدماء والفقر والتمييز لترى كذب الديمقراطية هناك ممن يتشدقون بها، واجلس بعض الوقت مع تصريحات أوباما الخاصة والعامة لترى أن ما وعد به العالم الإسلامي لم يكن صحيحا وأن غالب الشعارات لا حقيقة لها عنده وعليه وعلى أمثاله يصدق قول أبي تمام:
إذا قلت في شيء نعم فأتمه
فإن نعم دين على الحر واجب
وإلا فقل لا تسترح وترح بها
لئلا يقول الناس أنك كاذب
وذلك على المستوى السياسي بل والاقتصادي إذ لم يفعل شيئا إزاء الأزمة المالية العالمية، وإذا تأملت من نواح أخرى الموقف من الكوارث الطبيعية وأضخمها فيضانات باكستان لم تر هذا العالم ذا ضمير حي أبدا، وانظر إلى فداحة عمليات التنصير في الأقليات الإسلامية والبلاد الفقيرة وإلى تخريب الأخلاق المتعمد وفرز الميزانيات الهائلة لدعمه والهجوم على الأسرة المسلمة في حجاب المرأة ونقابها ومساجد المسلمين والاعتداء على مقدساتهم، إنك بذلك ستجد الغريب عنا معتديا والقريب منا مجرماً بحق الشعوب، إذ هم بين أحمق ومجنون في قيادة أغرار لا خبرة لهم وهم ينالون منا أكثر من العدو وكل طاغية منهم كما يقول د. مصطفى السباعي رحمه الله في كتابه "هكذا علمتني الحياة ص 310"، إنما يتراوح الغرور الذي يلد ثلاثة أولاد الحمق والحقد والجريمة ويسمى ديكتاتورية الحكم ديمقراطية ويحتكر السلطة له ولحزبه وعائلته أما أتباعه فإنهم يدافعون عنه حفظا لحياتهم لا لحياته، إنه موقف عجز لا موقف ولا يقظة للضمير فيه وكلما نحف ضمير المنحرف سمن جسمه، أما السياسة عند معظم حكامنا فهي سمكة تأكل من يصغر عنها فأي احتفالات نقوم بها ونحن في محكمة الضمير متهمون فمتى نقوم بواجبات الضمير ليرتاح ونحتفل حقاً؟
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
1038
| 18 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
933
| 16 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها من كأس العالم الذي أبهر وأدهش وأتقن، الى احتضان فعاليات كأس العرب. نعم نجحت قطر في جمع العرب في ملتقى استثنائي، بدأ بافتتاح مهيب وأسطوري اجتمعت فيه حضارة العرب وعاداتهم وأحلامهم ونجحت في تقديم فلسفة الاستاد خلال الأيام الماضية على أنه البيت العربي الكبير الذي يجمع العرب متجاوزين الحدود والفوارق. لقد تبيّن لنا أن هناك الكثير مما يجمع العرب، وليس حرف الضاد وحده، فها هي كرة قدم أظهرت أنهم يقفون ويستطيعون البناء وتقديم الأفضل، وأن هناك جيلا متفائلا يؤمن بالمستقبل وبأنه قادر على أن ينهض من تحت الركام، جيل جديد يتنفس عطاءً ويضع لبنات البناء الذي يعيد المجد لهذه الأمة. أما فلسطين فكانت حاضرة في هذا المهرجان الكروي، في تضامن ليس جديدا أو غريبا على قطر وشعبها، ولعل الأوبريت المؤثر حين جمع قصص الاناشيد الوطنية للدول العربية عبّر لكل الحاضرين والمشاهدين أن تحريرها ممكن وان وحدتنا ممكنة. قطر ومن جديد تجمع العرب في كأس العرب للمرة الثانية من المحيط الى الخليج في هذه الاحتفالية الكروية التي تعد الأكبر في العالم العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه عن سرّ نجاح قطر مرة تلو الأخرى؟ لقد وضعت قطر بصمتها على خريطة العرب والعالم فأصبح يشار إليها بالبنان لما تمتلكه من قدرات استثنائية على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وتمثل كأس العرب فصلاً جديداً في هذا الإرث الرياضي الغني والمتنوع. قطر وخلال أعوام مضت وضعت رؤيتها، وحددت هدفها وسخرت امكاناتها، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق ما رأيناه من ترتيبات لإقامة كأس العالم على أرض صغيرة حجما، كبيرة بالفعل فكان لها ما أرادت واستقر الهدف وجاءت في هذه البطولة لتبني على ما تم انجازه وتعطي أكثر وأكثر. تمتلئ ملاعب قطر بالجماهير التي تحول ملاعب المونديال الأيقونية إلى مسرح جديد للإثارة الكروية العربية يستفيد فيها المشاركون والجماهير من منظومة متكاملة، أسست على أرقى المعايير البيئية العالمية، فهي لم تعتمد بناء ملاعب يطلق عليها مصطلح الأفيال البيضاء ببناء أبنية ضخمة لا داعي لها بل شيدت على مبدأ الاستدامة واستخدام أدوات صديقة للبيئة بحيث يمكن تفكيك وإعادة استخدام الملاعب وفق خطة مدروسة بمجرد الانتهاء منها سواء بإعادة تدويرها في مشروعات داخلية أو بالتبرّع بها وإهدائها إلى دول أخرى لرفع كفاءة منشآتها الرياضية إضافة الا أنها ملاعب بلا تدخين وملاعب يصدح فيها صوت الأذان انجاز مختلف ومقدر. يضاف إلى هذه الملاعب المونديالية، أنها استفادت من البنية التحتية الرياضية الواسعة التي أولت قطر اهتماما كبيرا بها بما في ذلك مرافق التدريب الحديثة، ومناطق المشجعين التي توفر تجربة ترفيهية متكاملة وفي نقطة تحسب لهذه الجهود تتضمن الملاعب خيارات أماكن مخصصة للمشجعين من ذوي الإعاقة. وهنا لا بد من ذكر تسهيلات حركة المشجعين من خلال شبكة منظمة من المواصلات فنجاحها يعد حجر الزاوية في انجاح البطولة فهي توفر شبكة نقل حديثة ومتكاملة تتمتع بسلاستها وفعاليتها مع وجود مترو الدوحة العمود الفقري للدوحة الذي يربط غالبية الملاعب والمناطق الحيوية في قطر خلال دقائق معدودة، بجانب منظومة نقل عام فعالة سلسة الحركة خلال الفعاليات الكبرى، فضلا عن طرق حديثة تساهم بصورة كبيرة في تقليل الازدحام وتعزيز انسيابية حركة الجماهير. وإلى جانب ذلك، يتوفر أسطول حديث من الحافلات الكهربائية الصديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك خدمة نقل عام مستدامة وفعالة تشمل "مترولينك"، والتي تتمثل في شبكة حافلات فرعية مجانية تربط بين محطات المترو والأماكن المحيطة. لقد ركزت قطر على الاستدامة عبر استخدام حافلات كهربائية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتوفير تجربة سلسة في نقل المشجعين مع الأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم وسائل النقل والمحطات، وهو الأمر الذي يساعد على ترك إرث مستدام لقطر يعزز من مكانتها كمركز للفعاليات العالمية. وبينما تدار المباريات من جهة تقام مجموعة من الفعاليات الثقافية والترفيهية لتعزيز تجربة المشجعين وخلق أجواء إيجابية وبناء جسور بينهم حيث ترحب قطر بهم بطريقتها وبحسن وكرم الاخلاق والضيافة. أي انجاز هذا، خطوة ٌتحسب وتقدر ونقطةٌ بألف هدف، فقطر تربط استثمارها بالرياضة بتحقيق نمو اقتصادي وسياحي وفي نفس الوقت وفي هذا المحفل العربي الاخوي تزيل اسباب الفرقة وتقرب المسافات في تجمع لم نكن نراه او يشهد له في من سبقها من فعاليات لكأس العرب. أي انجازٍ هذا في أكبر تجمع عربي، إذا هي الارادة الجادة والحقيقية المنتمية، تغلفها الشجاعة والاقتدار الساعية لبث الخير. قطر لا تمتلك المال فقط، إنما هي تتبع قواعد النجاح وتركز على الإنسان وفكره وتطويره، لا تترك جهدا ً في الاستفادة من خبرات الآخرين والتعلم منها والبناء عليها، وتعطي الفرص وتمنح المساحات للعطاء لمن يريد من القطريين أو غيرهم ممن يعيشون على أرضها. من استاد ملعب البيت كان الافتتاح، ولن تكون النهاية، لقد أصبحت قطر على الدوام البيت الذي يجمع ولا يفرق يلم الجراح ويبث الطمأنينة. الأمل يحدونا لأن نزيد ما تم بناؤه فكريا وروحيا ومعنويا في قطر، وفي غيرها من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، حتى نغدو منارة يهتدى بنا.
696
| 15 ديسمبر 2025