رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كنت أتمنى أن أكتب هذا المقال، والشقيقة مصر بأفضل حال..
كنت أتمنى أن أكتب هذا المقال، والاقتصاد في مصر آخذاً في الازدهار.. والدولة تعيش في أمن واستقرار.. والعمل المؤسسي الحكومي متفرع في كل مناحي الحياة.. والمؤسسات التشريعية والتنفيذية قائمة بدورها على أكمل وجه.. والقضاء "الشامخ" يعيش أبهى عصوره.. والشعب آمن على نفسه، مطمئن على رزقه، يمارس حياته بكل أريحية، متنفِّساً نفحات الحرية، محفوظة كرامته..
لكن..
بعد عامين من الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني، في العصر الحديث، جاء بانتخابات حرة عبر صناديق الاقتراع، قاده وزير الدفاع آنذاك، الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، الذي وعد أنها مرحلة انتقالية، وأنه غير راغب بالحكم أبداً، ها هي مصر "أرض الكنانة"، تعيش أوضاعاً؛ غاية في الصعوبة، بل غاية في السوء، على كل صعيد..
انقلاب عسكري يمارس دمويته في كل يوم، أدخل مصر في نفق مظلم، ربما لم تشهده في تاريخها الحديث، خلال العقود القليلة الماضية، فالثورة التي قامت ضد حسني مبارك بسبب تفشي الفساد، وقمع الحريات، والاعتقالات، وتزوير إرادة الشعب.. اليوم في عامين فقط يمارس ما هو أبشع من ذلك بكثير..
وزير دفاع قاد انقلاباً عسكرياً، قام بتعيين من كان يفترض أنه يحرس العدالة بمنصب رئيس مؤقت، أقسم أمامه هذا الوزير، ثم تحول قائد الانقلاب إلى رئيس عبر انتخابات "صورية"، ليمسك بكل السلطات التشريعية والتنفيذية، بل والقضائية، التي باتت أداة لإيقاع الأحكام الجائرة بكل المعارضين للانقلاب، والرافضين لمسيرة القمع، التي تمارس ضد كل من لديه رأي مخالف لرأي الرئيس، بما فيهم الذين شاركوا في "مسرحية" الانقلاب؛ في الثالث من يوليو 2013، والذين قبل أن يكملوا عامين بدأ السيسي بالتخلص منهم، أفراداً.. والأحزاب "الديكورية" التي استخدمت خلال فترة الإعداد للانقلاب، ووضعت في مشهد التصوير خلال أيام الانقلاب، والأيام القليلة التي تلت ذلك، بدأ التخلص منها، ولفق للكثير من الأشخاص الذي رفضوا ـ فيما بعد، ممارسات النظام القمعية ـ تهم مختلقة، للزج بهم في السجون، التي اكتظت اليوم بعشرات الآلاف، فحسب منظمة العفو الدولية هناك أكثر من 41 ألف معتقل خلال العامين الماضيين، وهو ما دفع بالحكومة المصرية لبناء المزيد من السجون، في وقت تتخلص دول العالم، من هذه السجون، بينما النظام المصري يبني المزيد منها، كان يمكن أن تصرف أموال بنائها، من أجل كرامة الإنسان المصري، وتخفيف الأعباء الحياتية عنه، وتخفيض الأسعار، التي تضاعفت نحو عشر مرات، عما كانت عليه قبل الانقلاب..
اليوم مصر هذه الدولة الكبيرة، وهذا الشعب العظيم، تعيش في قبضة الرئيس الأوحد.. سلطات مطلقة بيد شخص واحد.. نظام قمعي.. تكميم للأفواه.. اعتقالات بالجملة.. أحكام إعدامات بالمئات، تصدر في جلسة لا تتجاوز مدتها 5 دقائق.. قوانين تلغي قوانين في لحظات.. مشاهد لا تراها ربما حتى في الأفلام الكوميدية للترفيه، أصبحت مبكية في المشهد المصري.
ما حدث قبل يومين في سيناء، بحق الجنود الأبرياء جريمة وإرهاب مدان ومستنكر، ونؤكد تضامننا مع الشعب المصري العزيز، وتعازينا لأهالي الجنود الذين سقطوا دون ذنب على أيدي منظمات إرهابية، ولكن في الوقت الذي نَدين فيه هذه الأعمال، فإن النظام المصري بسياساته الخرقاء، يدفع نحو تدمير الدولة المصرية، وتمزيق الشعب والمجتمع المصري، كما يدفع نحو احتراب واقتتال داخلي!! فلا يمكن القبول بالجرائم التي يرتكبها هذا النظام، بحق رافضي الانقلاب، وكل ما يعارضه ولو بالكلمة.
ما حدث في نفس يوم استشهاد الجنود، من تصفية بدم بارد لـ "13" من قيادات جماعة الإخوان المسلمين أمر مرفوض، حتى وإن كان عليها أحكام قضائية، فهل تحول القضاء المصري إلى تنفيذ أحكامه عبر تصفيات جسدية للمحكوم عليهم في الشوارع، ومقار سكنهم، بهذه الطريقة الوحشية وغير الإنسانية؟.
رأينا السيسي يجمع القضاة في "مسرح" جنازة النائب العام، الذي تدور الكثير من الشبهات على اغتياله، بتدبير رسمي، يعطيهم تعليمات، ويطالبهم بتنفيذ أجندات، فهل هذا هو القضاء "الشامخ"، الذي أصدَر خلال عامين 680 حكم إعدام، بعضها صدَر في جلسات لا تتجاوز دقائق معدودة، وهو ما لا يحدث في أبشع الأنظمة القمعية والديكتاتورية، ناهيك عن عشرات المئات من أحكام المؤبد، وأضعافها سنوات بالخمس عشرة، ما بين أعلى وأدنى منها بقليل.
أعداد الجنود الذين قتلوا خلال العامين من حكم الانقلاب، تصل لنحو 186 جندياً، وأضعافهم من الجرحى.. دماء هؤلاء برقبة النظام ـ بالدرجة الأولى ـ الذي جاء من أجل حماية الأرواح، وبرر انقلابه على الرئيس المدني المنتخب بأنه ضعيف، ولا يستطيع أن يحمي الشعب المصري، وإذا بالجرائم التي ترتكب، والارواح التي تزهق، والممارسات الديكتاتورية التي تنفذ.. أبشع من كل الذي مر بتاريخ مصر الحديث.
نحن اليوم أمام وضع غير سوي في أرض الكنانة مصر، ولا يمكن ـ تحت أي ظرف ـ القول: إن الخيار الأمني الذي ينتهجه النظام، سوف يؤدي إلى استقرار، وأمن، وازدهار وتنمية.. في مصر، ولا يمكن القبول بهذه الممارسات الديكتاتورية، الفاشية، التي تحدث، والبعض يتغاضى عنها، ويلقي باللوم في أحيان كثيرة على الضحية، التي لا حول لها ولا قوة، وينسى أو يتناسى أن السبب الرئيسي فيما يحدث اليوم في مصر، هو الانقلاب العسكري، وما تبعه من ممارسات، ومن عودة للدولة البوليسية، المخابراتية، بفسادها وقمعها، والتي ثار عليها الشعب، في واحدة من أنقى وأطهر الثورات، التي شاهدها العصر الحديث، وهي ثورة 25 يناير.
قد يقول البعض: وما دخلكم بمصر، وما يحدث فيها، اتركوا مصر للمصريين..
حديثنا الدائم عن مصر نابع من حرصنا على هذه الدولة، التي تمثل قوتها قوة للعرب، ودونها لا يمكن للعرب أن تعود لهم قوتهم، وبالتالي فإن سلامة هذه الدولة، واستعادة عافيتها، مطلب عربي، وهذا لن يتأتى إلا بسياسات عقلانية، ونظام قائم على ديمقراطية حقيقية، نابعة من خيارات الشعب.. فمصر هي العمود الفقري للأمة، وصلاحها هو صلاح لهذه الأمة، أما ما يحدث اليوم فيها، فهو يفرح أعداء أمتنا، لذلك رأينا كيف يدعم الصهاينة السياسات التي ينتهجها السيسي، في قمع الحريات، وسلب كرامة الشعب، وتدمير بنى المجتمع، وممارسة كل أساليب وأنواع القمع والديكتاتورية.. فهذه الأعمال يدعمها أعداء الأمة، الذين يشجعون السيسي للمضي بها، بل ممارسة المزيد منها.. لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر طويلاً في مصر، هناك انفجار سيحدث، وهو ما لا نأمله.. الأمل أن يسارع العقلاء في مصر، بل وفي الدول العربية، إلى لجم السيسي عن سياساته الخرقاء، والبحث عن حلول تعيد الحياة إلى مصر، بعد أن شلت في مناحيها كلها، وانتشر القمع في كل جوانبها..
الأمل أن نحتفل قريباً بمصر الجديدة.. مصر القائدة.. مصر النموذج لنظام عربي، قائم على العدل، والانفتاح، والحوار، والحريات.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6693
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2754
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2391
| 30 أكتوبر 2025