رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
" تصفير العدّاد" مصطلح ينتظر أن يدخل قاموس الديكتاتوريات العربية الحافل دوما بالمفاجآت التي تنغّص على الشعوب خياراتها الديمقراطية، وأحلامها بغد أفضل، وهذه المرة من البوابة اليمنية.
المصطلح أطلقه رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي الحاكم حينما قال في تصريحات صحفية: إن حزبه يسعى إلى إلغاء الولايات الرئاسية لرئيس الدولة من قانون الانتخابات الحالي، من خلال "الانقلاب" على بعض مضامينه الجوهرية، والتي أطلق عليها "تعديلات"، وتشتمل على " تصفير العداد" وإعلان علي عبد الله صالح رئيساً مدى الحياة، وذهب إلى أبعد من ذلك حينما شدّد على عدم الاكتفاء بـ " التصفير" بل إلى إلغاء " العداد" نهائيا، وتأييد رئيس الجمهورية اليمنية إلى الأبد، وهو ما اعتبرته المعارضة ـ ويعتبره كل مواطن عربي غيور على بلاده ومستقبلها ـ "إلغاء للديمقراطية " وتكريسا لـ "الحكم الفردي".
من سوء حظ صاحب هذا المصطلح الذي تبارى به في إطار حلبة التزلف للحاكم مع أقرانه من "البطانة" أو "الحاشية" المحيطة به، كما يتضح، أن " تصفير" أو "إلغاء" العدادات يرتبطان بعالم السيارات بأحد أمرين: إما عدم العدل لأن عدّاد سيارات الأجرة إنما وضع لإنصاف الراكب من غش بعض السائقين أو جشع الأسعار التي يطلبونها لإيصال زبائنهم، أو لإنصاف الطرفين معا، أو بالغش حيث يعمد أصحاب بعض السيارات القديمة ـ ممن لا ذمة لهم ـ والتي استهلكت مركباتهم بقطع مسافات طويلة إلى تصفير عداداتها أو اللعب فيها لتظهر أنها قطعت مسافات أقل مما هو واقع حالها، ليسهم ذلك من ثَمَّ بتسعير قيمتها بمبالغ أكبر.
رغم إطلاق هذا المصطلح للمرة الأولى إلا أنه لا جديد يذكر في جوهره، فقد سبقت إليه أنظمة رئاسية عربية هنا وهناك، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، تحت مسميات "التمديد" و "التأبيد"، بل تجاوزته إلى" التوريث"، وغيّروا من أجل سواد عيون الحاكمين، وقبل أن يرتد إليهم طرفهم، كل ما يلزم على مستوى القوانين بل والدساتير، وما زالت اللعبة مستمرة والأيام القادمة حبلى بها أكثر وأكثر على طريقة "إن لم تستح فاصنع ما شئت".
من أكثر هذه الحالات وضوحا ما جرى في تونس، فقبل أن يمر عام واحد على التجديد الأخير للرئيس زين العابدين بن علي في أكتوبر 2009 تعالت صيحات جوقة "المطبّلين" في تونس ـ في شهر سبتمبر الماضي ـ مطالبة بتعديل الدستور بحيث تتاح الفرصة أمام الرئيس للترشح لولاية سادسة في انتخابات عام 2014.
لا يتعلق الأمر بعدد مرات الولاية الرئاسية كما حدث قبل انتخابات عام 2004 فقد انتهى أمر عدد مرات الرئاسة في تعديلات أجريت عام 2002 جعلتها مفتوحة إلى ما لا نهاية، لكن المطلوب هذه المرة هو تغيير سن الترشح للرئاسة التي قضى التعديل السابق نفسه برفعها من سن السبعين التي كانت قد حددت بدورها في فترة سابقة من حكم بن علي لتصبح 75 عاما، بحيث مكّنته من الترشح للرئاسة عام 2009.
المطلوب ممن لا يريدون ترجل الرئيس التونسي عن سدة الحكم في تونس هو رفع سن الترشح للرئاسة أو عدم تحديد سقفها حتى يكون بمقدوره دخول حلبة التنافس الرئاسي، حيث سيكون عمره 78 سنة في 2014.
ما الفرق بين بن علي وبين سلفه بورقيبة الذي نحاه عام 1987.. فالملاحظ أن الخلف يسير على خطى سلفه تماما، رغم أنه يذكر في سيرته الذاتية الرسمية أنه قام بتعديلات دستورية لإلغاء " الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية"، لقد انقلب بن علي على ما يفترض أنه دعا إليه أو جاء من أجله، فقد عدّل عدد مرات ولاية الرئاسة لتكون أكثر من مرتين، والحد الأقصى للترشح للرئاسة من 70 سنة إلى 75 سنة، والنية تتجه إلى رفعها إلى أكثر من ذلك أو عدم تحديد سقف لها.. ولو سارت رياح بن علي كما يريد فإنه في نهاية ولايته القادمة من (2014 ـ 2019) سيكون عمره 83 سنة، بينما نحي سلفه في عمر 84 سنة، وفيما مكث سلفه 36 سنة في الحكم، سيمكث هو 32 سنة.
"تصفير عدادات" الرئاسة حالة تستنسخ من نظام رئاسي لآخر، والصورة تتكرر بأكثر من مصطلح وقالب، منذ السبعينيات من القرن الماضي على الأقل، إنما المحزن ونحن نستهل عاما جديدا (2011) أن ندلف من سنة لأخرى بينما لا تزال الآفاق السياسية والاقتصادية والاجتماعية مسدودة أمام مواطننا العربي، دون أن تلوح أية بارقة أمل في التغيير وإصلاح أوضاع البلاد والعباد.
تحت رماد " التمديد" و " التأبيد" خصوصا أنه يرتبط بواقع تزداد فيه الأحوال بؤسا، ورقعة الفقر والبطالة والظلم الاجتماعي والفساد المالي والإداري اتساعا، نار جمر مستعرة، كشفت أحداث " سيدي بو زيد" عن جزء بسيط منها، بينما ستكون الصورة في صنعاء أو عدن أو حجة أو صعدة أكثر تفجرا وغيظا، والحال تنسحب على مدن أخرى من عالمنا العربي، والعاقل من اتعظ بغيره قبل فوات الأوان.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس أجنبية رائدة في الدوحة بزيادة تتراوح بين 30% و75% أُعلن عنها في تاريخ 20 أكتوبر الماضي ويجب تطبيقها في الفصل الدراسي الثاني على وجه السرعة؟! ماذا يعني أن يجد هؤلاء الآباء أنفسهم أمام قرار لا يساعدهم على نقل أبنائهم لمدارس أجنبية أخرى في الفصل الدراسي الثاني ومن المفترض أن يدفعوا مبلغ 17 ألف ريال قطري عوضا عن سبعة آلاف ريال كانت تدفع بجانب الكوبون التعليمي لكل طالب قطري الذي يُقدّر بـ 28 ألف ريال وباتت زيادة العشرة آلاف ريال تمثل عبئا على رب الأسرة فجأة بعد أن أصبحت 17 ألف ريال ودون إشعار مسبق؟! ولم هذا القرار والطلاب على وشك إنهاء الفصل الأول وإدارات هذه المدارس تعلم بأن الآباء سوف يمتثلون في النهاية لهذا القرار غير المبرر له لصعوبة إلحاق أبنائهم إلى مدارس أجنبية أخرى أقل في التكاليف التي زادت فجأة ودون إنذار مسبق لطلب الزيادة في مخالفة واضحة للتعميم رقم (21/2023) وكأنها تلزم الآباء إما أن تدفعوا أو اتركوا أبناءكم في البيوت في هذا الوقت الحرج مع بداية الفصل الثاني رغم أن هذه المدرسة قامت بمخالفة تنظيمية كونها لم تنشر جدول الرسوم المعتمدة للسنة الدراسية كاملة مخالفة لتعميم رقم (11/2025) وفرضت رسوما إضافية غير معتمدة عند تقديم التسجيل أو الاختبارات أو التسجيل والموارد كما فرضت رسوما غير قانونية على اختبارات قبول مرحلتي الروضة والتمهيدي مخالفة لتعميم عام 2022؟!. كل ما قيل أعلاه هي مجموعة شكاوى كثيرة وعاجلة من أولياء الأمور تقدموا بها لوزارة التربية والتعليم بعد أن قامت مدارس عالمية أجنبية في قطر بفرض هذه الزيادة في الرسوم بواقع 17 ألفا يجب أن يدفعها كل ولي أمر من حر ماله بجانب ما يُصرف للطالب من كوبون تعليمي بقيمة 28 ألف ريال بعد أن كان يدفع سبعة آلاف ريال فقط بجانب الكوبون كل عام فهل هذا معقول؟! وبات السؤال الأكبر الذي يعلق عليه أولياء الأمور هل بات التعليم مجانيا فعلا لأبنائنا في ظل هذه التجاوزات التي تمارسها إدارات المدارس الأجنبية التي تحظى بعدد كبير من الطلبة القطريين ولم اختارت أن تكون هذه الزيادة في منتصف السنة الدراسية رغم علمها بأن هذا الأمر يربك الآباء ويضعهم في دائرة سوء التخطيط من حيث إيجاد مدارس بديلة في هذا الوقت الحرج من العام الدراسي ناهيكم عن إرباكهم بدفع 17 ألف ريال لكل طالب بعد أن كانت سبعة آلاف ريال فقط بينما كان مبلغ الكوبون التعليمي من الدولة يسد بباقي الرسوم المطلوبة؟! أنا شخصيا أجد الأمر مربكا للغاية وإصرار هيئات هذه الإدارات على أنها حصلت على موافقة الوزارة على هذه الزيادات في الرسوم يزيد الحيرة لدينا أكثر خصوصا وأنه لم يخرج مصدر رسمي من الوزارة ليرد على هذه الشكاوى التي وصلت لإدارات هذه المدارس بجانب ما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي من أسئلة تنتظر إجابات من المعنيين في الوزارة وعلى رأسها سعادة السيدة لولوة الخاطر التي تلقى احتراما وتقديرا لها ولجهودها التي بذلتها منذ استلامها هذا المنصب القدير بشخصية مثلها. ولذا فإننا نأمل من سعادتها أن تجد حلا سريعا وناجعا لفحوى هذه المشكلة التي تؤرق بيوت كثير من المواطنين القطريين الذين يلتحق أبناؤهم بهذه المدارس التي تقع تحت مظلة الوزارة من قريب ومن بعيد وهي ليست بالمشكلة التي يجب أن تنتظر لأن مستقبل الأبناء يقف على قرار يطيح بقرارات الزيادة غير المسبوقة والتي لم يتم إخطار الآباء بها قبل بدء العام الدراسي لترتيب أوراق أبنائهم قبل التحاقهم بهذه المدارس الماضية في قراراتها الفجائية وغير مبالية بكم الاعتراض الذي تواجهه بصورة يومية من الآباء وعليه فإننا على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم سوف تعطي زخما إيجابيا للشكاوى كما نأمل بإذن الله.
5919
| 11 نوفمبر 2025
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو الأصول الأوغندية، صار اليوم عمدة نيويورك. لم يولد هناك، بل جاءها مهاجرًا يحمل حلمه في حقيبة سفر، بلا جنسية ولا انتماء رسمي. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وبعد سبع سنوات فقط أصبح نائبًا في برلمان ولاية نيويورك وأحد أبرز الأصوات الشابة في المشهد السياسي الأمريكي. عمره اليوم 34 سنة فقط، لكنه أصبح نموذجًا يُثبت أن الإرادة حين تتجذر في النفس وتُروّى بالجد والاجتهاد، تصنع المعجزات.ولا حاجة لأن احكي عن معاناة شابٍ مهاجرٍ في مدينةٍ كـنيويورك، بكل ما تحمله من صعوباتٍ وتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية. والآن ماذا عنك أنت؟ ما الذي ينقصك؟ هل تفتقد التعليم؟ قطر وفّرت لك واحدًا من أفضل أنظمة التعليم في الشرق الأوسط والعالم، وجلبت إليك أرقى الجامعات العالمية تخدمك من امام عتبة بيتك، بينما آلاف الشباب في نيويورك يدفعون مبالغ طائلة فقط ليحصلوا على مقعد جامعي… وربما لا يجدونه. هل تفتقد الأمان؟ قطر تُعد من أكثر دول العالم أمانًا وفقًا لمؤشرات الأمن الدولية لعام 2025، بينما تسجّل نيويورك معدلات جريمة مرتفعة تجعل من الحياة اليومية تحديًا حقيقيًا. هل تفتقد جودة الحياة؟ قطر من أنظف وأجمل دول العالم، ببنية تحتية حديثة، وطرق ذكية، ومترو متطور يربط المدن بدقة ونظام. أما نيويورك، فتعاني من ازدحامٍ وضوضاءٍ وتراجعٍ في الخدمات العامة، والفرق يُرى بالعين المجردة. هل تفتقد الدعم والرعاية؟ قطر من أعلى دول العالم في متوسط دخل الفرد، بينما في شوارع نيويورك ترى المشردين والمدمنين ينامون على الأرصفة. أما في قطر، فالدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الرعاية الصحية المتقدمة التي أصبحت من الأفضل عالميًا. فالنظام الصحي القطري يُعد من الأكثر تطورًا في المنطقة، بمستشفياتٍ حديثةٍ ومعايير طبيةٍ عالمية، ورقمنةٍ شاملةٍ للخدمات الصحية تسهّل وصول كل مواطنٍ ومقيمٍ إلى العلاج بأعلى جودة وفي أسرع وقت. وتُعد مؤسسة حمد الطبية ومستشفى سدرة للطب ومراكز الأبحاث والمراكز الصحية المنتشرة في كل مدينة نموذجًا لاهتمام الدولة بصحة الإنسان باعتبارها أولوية وطنية. إنها دولة تجعل من كرامة الإنسان وصحته وتعليمه أساسًا للتنمية، لا ترفًا أما الفرص، فحدّث ولا حرج. بلدك تستثمر في شبابها بلا حدود وتفتح لهم كل الأبواب داخلياً وخارجياً في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها. وهذا ليس كلاماً نظرياً بل هناك تطبيق عملي وقدوة حاضرة. فقطر أميرها شاب، ووزيرها شباب، وأركان دولتها شباب محاطون بالخبرات والكفاءات. أما هناك، في نيويورك، فالشباب يقاتلون وسط منافسة شرسة لا ترحم، فقط ليجدوا لأنفسهم مكانًا… أو فرصةً ليتنفسوا الهواء. فما هو عذرك إذًا؟ ممداني نجح لأنه عمل على نفسه، ولأن أسرته زرعت فيه حب المسؤولية والاجتهاد. أما أنت، فأنت اليوم في وطنٍ منحك ( الجنة التي في الأرض ) وكل ما يتمناه غيرك: الأمن والأمان والرغد في العيش والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية التي تُحلم بها شعوب الأرض. الفرق ليس في الظروف، بل في القرار. هو قرر أن يبدأ… وأنت ما زلت تنتظر “اللحظة المناسبة”. لا تنتظر الغد، فالغد لا يصنعه إلا من بدأ اليوم. لا تقول ما أمداني.. لأنه لن يمديك بعد هذا كله.. وإذا تقاعست نفسك تذكر ممداني الحقيقي.
4293
| 11 نوفمبر 2025
في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف تلك الجغرافيا فحسب، بل تمتد لتأكل الكيان العربي وضميره الخامل، فهذا الوطن العريق الغني بالثروات الطبيعية والبشرية أنهكته الصراعات حتى غدت أجهزته كجسدٍ بلا رأس، تتنازعها الصراعات وتعدد الولاءات وتتقاذفها الأهواء والامزجة، ومن يتأمل المشهد اليوم يدرك أن الأزمة في السودان لم تكن وليدة صدفة، بل نتيجة حتمية لتراكم طويل من الخلل والضعف المنبثق ابتداءً من الصراعات السياسية في القرن العشرين حتى اليوم حيث الصراع بين الشرعية و قوات الدعم السريع. فالأزمة السودانية ليست خلافًا محليًا على سلطة أو موارد، بل هي صورة مكبّرة لأزمة أوسع تضرب الجسد العربي كله، فعلاً هي أزمة في العقل العربي، فما زال بعض الأطراف ذو العلاقة بالأزمة والتأثير الإقليمي يتعامل مع السودان بوصفها غنيمة، لا منظومة عربية تحتاج الى استقرار، فعندما يفشل العقل العربي الجمعي في الترويج والسعي الى بناء مؤسسات عربية حقيقية، نجد أن البعض يُقصي الكفاءات لحساب الولاءات السياسية، ويتّخذ القرار الاستراتيجي من موقع الانفعال والمزاجية والحقد الدفين لا من منطق التخطيط السليم، فإنه بذلك يزرع بذور الفوضى في كل أرض عربية، والسودان اليوم إحدى ثمار تلك البذور. لذلك فإنّ ما يحدث في السودان ليس معزولًا عن السياق العربي العام وصراعاته، بل هو امتداد لنمطٍ مألوف من الإخفاق العربي في احتواء الأزمات والسعي الى بناء الدولة وحماية السلطة والشرعية، فالأزمة هناك ليست صراعًا داخليًا فقط، بل نتاج تداخل إراداتٍ خارجيةٍ تحاول إعادة إنتاج الفوضى في السودان والعالم العربي. فلقد تحوّل السودان، في لحظةٍ مأساوية، إلى ساحة تصفية حساباتٍ إقليمية، يُدفع ثمنها من دم المدنيين وأشلاء الأبرياء، والمدافع تُطلق في السودان، لكن العقول التي تُحرّكها تقيم في عواصم أخرى، تلك التي تملك المال والإعلام والسلاح، وتتوهم أن تفكيك السودان سيمنحها دورًا أكبر في الإقليم الشرق أوسطي. ومع الأسف فإنّ بعض الأنظمة أو الإدارات العربية ما زالت غارقة في تراث الحكم الغريزي الثأري، فلا تفكر بمنطق الدولة الحديثة المبنية على تصدير الايجابي من العلاقات المثمرة مع الدول الأخرى، بل تفكر بمنطق الهيمنة القديمة، فترى في ضعف السودان فرصةً لمرادها، وفي فوضاه مجالًا لتوسيع نفوذها ولو كان ذلك بإشعال نار الفتن، وهنا تكمن المأساة الأكبر حين تتحول بعض الإدارات العربية إلى غرف تحكمٍ لأزمات الآخرين بدل أن تكون منصاتٍ للحلول وإحلال السلام والتآخي، وحين ينسى بعض القادة أن دعم الشرعية في السودان ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وإنساني لحماية فكرة الدولة العربية نفسها. والمذابح التي يشهدها السودان جريمة ضد الإنسانية، وإن الصمت العربي عنها جريمة ضد الوعي والتاريخ، لأنّ من يترك دولةً عربية تسقط دون أن يساند شرعيتها، يوقّع من حيث لا يدري على سقوط القيم العربية المشتركة. فلتكن نصرة السودان اليوم دفاعًا عن الدولة والضمير الانساني لا عن الأشخاص، ودفاعاً عن الشرعية، وعن العقل العربي الذي آن له أن يخرج من أسر الصراعات والحقد الدفين إلى وعيٍ إداريٍ جديدٍ يؤمن أن قوة الأمة العربية تبدأ من وحدة مؤسساتها لا من هدم البلاد والعباد.
2436
| 05 نوفمبر 2025