رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
دخلت معاناة السوريين مرحلة جديدة من العذاب بعد الإعلان الصريح بدعم نظام بشار الأسد عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا ولوجستيا من جانب النظام الإيراني، وكذلك تراجع الولايات المتحدة الصريح بعدم دعم المعارضة والجيش الحر بالسلاح والمال. فواشنطن ادعت أن التدخل العسكري الأمريكي المباشر في سوريا على غرار النموذج الليبي سيضر الولايات المتحدة وسيزيد من العداء تجاهها بين العرب والمسلمين. وأعتقد أن هذا الكلام محض افتراء، فواشنطن وهي تعترف بأن الكارثة الإنسانية في سوريا واقع لا يمكن إنكاره، وأن نظام بشار الأسد قتل الآلاف من الشعب السوري، لاسيَّما وأنه يقاتل من أجل البقاء.. نراها تحذر من أن الدعوات التي وصفتها بـ"الخاطئة" لإجراء تدخل عسكري أمريكي في سوريا، لن ينتج عنها سوى الكثير من التداعيات. لماذا؟!
فإيران التي استضافت أخيرا قمة عدم الانحياز، أقسمت بأغلظ الأيمان أنها ستدعم سوريا خلال تلك القمة، ورأينا كم كانت طهران تمارس سياسة الانحياز بعينها وليس عدم الانحياز، أي أن القمة جاءت على غير الهدف منها أو مسماها الطبيعي.
الغريب أن سوريا كانت محطة رئيسية ومهمة لمسؤولين إيرانيين عديدين قبيل انعقاد القمة، وخرجت تصريحات من قلب دمشق منحازة تماما للنظام السوري ضد الشعب، فمثلا خرج المدعو علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي بتصريحات غاية في الصفاقة في دمشق وفحواها كلها " أن أمن سوريا من أمن إيران.. وعلى هذا الأساس كنا وسنكون إلى جانب الإخوة السوريين". الإخوة السوريون الذين يقصدهم ويعنيهم بروجردي هو النظام ومن يقف معه من السوريين، وليس بقية الشعب الذي يتألم ويموت ويتعذب ويعيش في الخيام في مراكز الإيواء ومعظمه بات بلا مأوى. ثم يدعي المسؤول الإيراني أن طهران ستطرح مبادرة سياسية للحوار بين السوريين ووقف نزيف الدم.
وبينما كان بروجردي في دمشق يؤكد دعم إيران للأسد، لم تغفل العاصمة طهران عن تسريب أنباء عن تحركات لإنقاذ حليفها السوري، ليعلن حسين طالب رئيس دائرة استخبارات الحرس الثوري الإيراني أنه على بلاده مسؤولية دعم حكومة الأسد وعدم السماح بكسر خط المقاومة والممانعة، على اعتبار أن جيش الأسد يمثل المقاومة وأن المعارضة السورية هي الجهة الظالمة والغاشمة والمعتدية. وهذا ما أكده أيضاً تقرير للأمم المتحدة بأن إيران تدعم نظام بشار الأسد بتقديم أموال وأسلحة لسحق معارضيه. وقد أثبتت تحريات الجيش السوري الحر في وقت سابق أن المواطنين الإيرانيين المختطفين في سوريا هم أعضاء في الحرس الثوري الإيراني، أي مرتزقة ذهبوا إلى دمشق لحماية الأسد.
والأخطر أن مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي أوعز صراحة في شكل تعليمات وأوامر مباشرة إلى الجنرال قاسم سليمان قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري بشن هجمات ضد الغرب وحلفائه في مواجهة مخاطر سقوط نظام الأسد.
أما من ناحية أمريكا.. فواشنطن تدعي على لسان ما ورد في صحيفة واشنطن بوست أن تدخلها عسكريا من شأنه أن يزيد من عدد الخسائر البشرية خاصة من المدنيين.. وترك البيت الأبيض ووزارة الخارجية الصحيفة الأقرب إلى الحكومة لتوجيه الأسئلة والأجوبة حتى تبتعد الإدارة الأمريكية عن الالتزام بما يقال على المستوى الإعلامي. فقد تساءلت الصحيفة: " ما هو حجم عمليات القصف المطلوبة من القوات الجوية الأمريكية حتى يتم تدمير المضادات الجوية التي يمتلكها نظام الأسد؟".. وإذا كان البيت الأبيض هو الذي أوعز للصحيفة بتوجيه السؤال، فطبيعي أنه نفسه الذي يضع الردود والأجوبة التي جاءت على شاكلة أن الحملة العسكرية المطلوبة يجب أن تكون مستمرة وليست لمرة واحدة، وأن تلك الحملة قد تتعرض لمشكلات تتمثل في احتمال أن يخفي نظام الأسد العديد من دفاعاته الجوية في مناطق آهلة بالسكان في البلاد، مما سيسبب المزيد من الخسائر البشرية بين المدنيين.
بمعنى آخر، تذرعت الولايات المتحدة بالسكان والمدنيين، رغم أن طائراتها دون طيار تدك مواقع سكنية في أفغانستان وباكستان، ولا تلقي بالا للسكان في مثل تلك العمليات القذرة، مع اعتراضنا بطبيعة الحال لتعريض المدنيين لأي عمليات عسكرية قد تودي بحياة إنسان واحد.
وأشارت الصحيفة إلى أن التدخل العسكري الأمريكي في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا -بلد مسلم آخر- قد يشكل خطرا كبيرا على الولايات المتحدة حيث سينظر إليها فيما بعد بأنها السبب الرئيسي وراء قتل الآلاف من أبناء الشعب السوري جراء هذا القصف، لذا رأت -الصحيفة- أنه ليس هناك من سبب وجيه لهذا التدخل، وعلى واشنطن مقاومة إجراء أي تدخل ما لم يمكن لها أي مصلحة وطنية هناك.
والأهم أن ما جاء في الصحيفة الأمريكية فضح واشنطن صراحة، نظرا لما أسفرت عنه نتائج الاستخبارات والتحليلات الأمريكية بأن المعارضة السورية عندما تتمكن من الإطاحة بنظام الأسد القمعي، فهي لن تعير الولايات المتحدة اهتماما.. وبالتالي، لماذا تدعم أمريكا تلك المعارضة في الوقت الراهن طالما أنها لن تستفيد منها لاحقا كعادة الأمريكيين الذين يريدون الاستفادة من كافة المواقع وفي أي وقت.
ثم يزعم الأمريكيون أن السبيل الوحيد لدعم المعارضة السورية ليس بالدعم العسكري المباشر وإنما بإمدادهم بالمعلومات المخابراتية بشأن مواقع قوات الأسد وتحركاتها بهدف إنهاء الحرب الأهلية، ولأن مثل هذا الدعم المعلوماتي غير المباشر عسكريا يتفق مع المصالح القومية للولايات المتحدة. والسؤال هنا، إذا كانت أمريكا تتخوف من التدخل عسكريا ليقينها ربما في فشل هذا التدخل والتعرض لفضيحة إذا تعرضت مقاتلاتها أو أسلحتها للانهيار أمام القوة العسكرية للنظام السوري، فكيف يتسنى لجيش يتكون من هواة وبعض المحترفين من هزيمة جيش نظامي عتيق وضخم تموله الدولة نفسها. ثم لماذا تدخلت أمريكا في ليبيا رغم المناطق المأهولة بالسكان ووقوع قصر العزيزية مقر سكن القذافي في قلب العاصمة طرابلس. ولماذا لم يمنعها هذا من قصف القصر ومحيطه السكني بالطائرات العسكرية والصواريخ البحرية عن بعد؟!
المؤكد أن أمريكا ترفض التدخل حتى يتعرض الجيش السوري إلى حالة إنهاك تامة وانهيار حتى لا تقوم له قائمة، وبحيث إن نظاما جديد يأتي لا يستطيع مواجهة إسرائيل أو التفكير في استعادة الجولان، لأن هذا الأمر سيتطلب وقتا كبيرا وأموالا ضخمة واستعدادات قد تطول.
إجمالا.. فقد رأينا إيران تحاول ابتلاع سوريا كآخر خط مواجهة مع أمريكا والغرب وعلى اعتبار أن سقوط سوريا سيقطع عنها خطوط الإمداد المشبوهة لحزب الله. والحال كذلك، فإن الولايات المتحدة تجتهد أيضاً لابتلاع سوريا الضعيفة بعد سقوط الأسد لتقدمها فريسة سهلة للإسرائيليين. وهنا مكمن المعضلة السورية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4227
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1866
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1770
| 04 ديسمبر 2025