رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هل نحن أمام نظام جديد يحكم سوق النفط تفقد معه أوبك قدرتها في إدارة ميزان السوق؟
سؤال يتم تداوله في السوق في ظل البحث عن حلول تضمن إعادة الاستقرار إلى السوق والخروج من حاله ضعف أسعار النفط، وضبط المعروض بما يخدم أمن الطاقة.
لا يختلف أحد على قوة أوبك في التأثير على مسار السوق وذلك واضح من خلال امتلاكها 72% من إجمالي احتياطي النفط منه نهاية عام 2013 حسب الأرقام المنشورة في الإحصائية السنوية التي تصدرها شركه بي بي، وحالياً تقدر وكالة رويترز إنتاج أوبك من النفط الخام لشهر أكتوبر 2014 عند 31 مليون برميل يومياً، وتشير التقارير أن الفائض التي تمتلكه أوبك حاليا يقدر عند 3 ملايين برميل يومياً، هذه أدوات تضع أوبك بلا شك في القيادة وإدارة المعروض في السوق، ولست في معرض إثبات نجاحات أوبك في حسن إدارة المعروض وضمان استقرار الأسواق بشهادة كل مراقب منصف في السوق.
ولكن هناك تطورات تشبه إلى حد كبير الفترة التي تم اكتشاف نفط بحر الشمال وتأثيره على السوق والتسعير آنذاك، والآن ومع آفاق تطوير النفط الصخري، والتنقيب في منطقة المحيط المتجمد الشمالي ويسمى ايضا محيط أركتيك، أصبح موضوع بلوغ إنتاج النفط الذروة من الماضي ويحل مكانه أن المعروض من النفط الخام في السوق سيكون السمة الغالبة لسنوات قادمة، وهو بلا شك يؤثر في معطيات السوق النفطية.
طبعاً تطوير إنتاج النفط الصخري في السوق الأمريكية كان له تأثير يستمر لسنوات قادمة ويشمل النواحي الآتية، بإيجاز، منها ؛ (1) دعم صناعة التكرير لتصبح المصافي الأكثر ربحاً في العالم ولتتحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى سوق منتجة ومصدرة للمنتجات البترولية إلى أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وأوروبا، وتؤثر سلباً على صناعة التكرير في أوروبا والتي تعاني من عدة أمور وتسهم في إغلاق العديد منها بقصد إزالة الفائض من المصافي في أوروبا، (2) تصريف النفوط التي كانت في طريقها إلى الولايات المتحدة الأمريكية في السابق، إلى الأسواق الواعدة وهو وضع يعني أن السوق أصبح سوقاً يحابي المشتري ويعني أن المنتجين باختلافهم يبادرون إلى أساليب تسويقية جديدة لضمان المحافظة في تلك الأسواق الواعدة، (3) دعم الاقتصاد الأمريكي وضمان توقير وظائف بوتيرة متزايدة وأصبح تخصص الهندسة من التخصصات التي يقبل عليها في الجامعات الأمريكية.
وعلى صعيد داخل أوبك، بدأ الحديث عن عودة إيران إلى السوق النفطية يكون أكثر جدية وينعكس فعلياً على ارتفاع مبيعات النفط الخام الإيراني إلى أسواق الصين والهند بشكل واضح وإن كان بصفة تدريجية وبوتيرة متواضعة، ولكنها تبقى كميات إضافية تدخل سوق النفط، وقد استفادت من الحظر المفروض عليها في تبني أدوات واستراتيجيات خدمت إيران في تثبيت تواجدها في تلك الأسواق.
كذلك الوضع بالنسبة إلى ليبيا، رغم الحالة السياسية غير المستقرة، إلا أن إنتاج ليبيا يرتفع ويعود إلى السوق بوتيرة نسبيا عالية، وقد بلغ إنتاج ليبيا من النفط الخام حاليا عند مليون برميل يوميا وهي زيادة كبيرة، وتستهدف ليبيا الرجوع إلى المعدلات الطبيعية عند 1.7 مليون برميل يومياً.
أما العراق فإن إنتاجها ارتفع بشكل كبير وثابت خلال السنوات الماضية ويدعمه الاستثمار في مرافئ التصدير ويقدر حاليا عند 3.3 مليون برميل يومياً والتوقعات أنه في ارتفاع متواصل وإن كان من الصعوبة الجزم بحجم الزيادة ولكن بالإمكان توقع 300 ألف برميل يوميا سنوياً، ونجاح العراق في تصدير نوعين من النفط وخما بصره خفيف، وبصره ثقيل، يقدم أريحيه للمشترين حول ثبات نوعية النفط ويعطي العراق المرونة للتسعير بأريحية خصوصا النفط الثقيل وهو ما يساعدها في تأمين أسواق لنفطها تتناسب مع احتياجات الأسواق حيث إن المصافي الجديدة لديها قدرات تكسيرية وتحويلية عالية تنجذب إلى النفوط الثقيلة إذا ما كان السعر مناسب ويدعم اقتصادات المصافي.
اعتدال تنامي معدلات الطلب العالمي على النفط خصوصا في الأسواق الواعدة التي تمثل الدعامة التي ترتكز عليها التوقعات في المستقبل، الصين مثلاً ؛ ارتفع الطلب فيها خلال عام 2011 عن عام 2010 بمقدار 530 ألف برميل يوميا، وفي عام 2012 عن عام 2011 بمقدار 410 ألف برميل يوميا، وفي عام 2013 عن عام 2012 بمقدار 320 ألف برميل يوميا، وفي عام 2014 عن عام 2013 فقط 180 ألف برميل يوميا، وهو تطور غير واعد بالنسبة للسوق التي توجه استثماراتها النفطية سواء الخاصة برفع قدراتها الإنتاجية أو طاقة التكرير أو صناعة البتروكيماويات وأي مؤشرات في تراجع التنامي في السوق الصينية يمثل لتهديد وتحد لصناعة النفط.
طبعاً انحسار تنامي الطلب إلى أسواق بعينها يزيد من المخاطر خصوصا في حالة حدوث ركود اقتصادي من جهة، وكذلك تناقص وتيرة التنامي في الأسواق الواعدة يمثل تحدياً كبيرا أمام تصريف النفوط في أسواق آمنة، وهو مستجد يعني أن أمام المنتجين ظروفا تحتاج إلى مرونة وتنسيق واستثمار وعلاقات شراكة استراتيجية.
دور بيوت المضاربة في الأسواق الآجلة فاعل ومتنامي في سوق النفط ويؤثر في مسار أسعار النفط وانطباعاتهم مهمة في تحديد توجهات الأسعار من خلال تحديد عمليات الشراء أو البيع في تلك الأسواق.
التصعيد الجيوسياسي هو تطور يؤثر في سوق النفط خصوصا عندما يعني انقطاع في إمدادات النفط من السوق ويستدعي تغطية النقص بشكل عاجل، كما أن ضعف هذه المعطيات تكون ثمرته وفرة نفطية في السوق ينبغي ضبطها في السوق وهو ليس بالأمر اليسير كما هو الحال الآن.
أرجو أنه تم التوضيح بشأن معطيات السوق التي تفرض على أوبك واقعا جديدا لا يقلل من قدرتها على ضبط إيقاع السوق النفطية ولكنه يؤكد الحاجة إلى تنسيق داخل الأوبك لاستيعاب الزيادات المتوقعة وضبطها مع الطلب العالمي على النفط، كذلك التنسيق من خارج الأوبك لأن هبوط الأسعار لا يفيد البلدان المنتجة للنفط وهي تشمل دولا مستهلكة كبيرة مثل الصين وأمريكا وكندا.
وبالنظر إلى الوضع فإن النصف الأول من عام 2015 فإن أرقام الطلب والعرض حسب مصادر السوق، تشير إلى أن الطلب على نفط الأوبك يكون عند 28.5 مليون برميل يوميا، ولكن استمرار الإنتاج عند 31 مليون برميل يوميا حسب تقديرات أوليه في السوق فإن ذلك يعني فائضا بمقدار 2.5 مليون برميل يوميا، وهو يعني أن الضغوط على أسعار النفط تظل كبيرة ومرشحة للبقاء عند مستويات متدنية حتى يتم تحقيق توازن السوق.
حدود العنكبوت
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب... اقرأ المزيد
2049
| 04 نوفمبر 2025
إذا رغبت الحياة.. فاهجر ضفافك!
ثمّة نداءات خفية خافتة عن الأسماع، ظاهرة على الأفئدة، تُستشعر حين تضيق على النفس الأرض بما رحبت، وتنقبض... اقرأ المزيد
312
| 04 نوفمبر 2025
نظم في قطر
انطلقت أمس مباريات بطولة كأس العالم للناشئين في ملاعب أسباير لتعيد إلى الأذهان ذكرى مونديال 2022 للكبار، الذي... اقرأ المزيد
318
| 04 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2856
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2484
| 30 أكتوبر 2025
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
2049
| 04 نوفمبر 2025