رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يوم أمس الأول طلب وزير خارجية الدنمارك من الدول العربية والإسلامية المساعدة في الحد من الغضب الإسلامي المتصاعد بسبب نشر رسوم ساخرة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ودعا إلى احتواء الاحتجاجات العنيفة والعودة إلى الحوار. ودعوة الحكومة الدنماركية للحوار - للأسف- جاءت متأخرة وفي غير محلها. فقد طلب 11 سفيراً من العرب والمسلمين معتمدين لدى الدنمارك الاجتماع مع رئيس الوزراء الدنماركي " للحوار" في أكتوبر الماضي، وقبل أن تتحول الشرارة إلى لهيب بدأ يلسع ظهور الدنماركيين. وكان ان رفض لقاءهم بحجة ان الحكومة ليس لها سلطة على حرية التعبير والصحافة، وان عليهم اللجوء الى القضاء إذا رغبوا في الاحتجاج على الصحيفة. واعتقد ان صلافة وسلبية قرار الحكومة في ذلك الوقت كان القشة التي قصمت ظهر البعير وكان ما كان. فقد امتدت المقاطعة الشاملة للمنتجات الدنماركية إلى جميع الدول العربية والإسلامية، وأدت المظاهرات في سوريا ولبنان وفلسطين إلى إحراق السفارات وإغلاق البعثات الدبلوماسية. واستمرت مطالبة الجماهير الغاضبة باعتذار واضح من الصحيفة والحكومة الدنماركية قبل انهاء المقاطعة. وسارعت بعض الصحف الاوروبية إلى إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم في نصرة ظالمة، مصورة المسألة على أنها صراع بين حرية الغرب وتعصب الشرق. فحرية التعبير والصحافة التي يتبجحون بها علينا، وترتكز عليها الحكومة الدنماركية وصحافتها حجة واهية امام ما قامت به الكثير من الحكومات الأوروبية من استصدار قرارات قضائية تجرم بالحبس والغرامة كل من تسول له نفسه انكار المحرقة الالمانية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية أو حتى الانتقاص من حجمها. فقد حوكم بالسجن أو الغرامة كل من المفكر الفرنسي روجيه جارودي والمؤرخ البريطاني ديفيد ارفن، والروائي الكندي ارنست زيندل وغيرهم عندما نشروا آراءهم التي تشكك في المحرقة. ولم نسمع خلال محاكمة روجيه جارودي التي استمرت عدة شهور أيا من الدول الغربية أو صحفها ان اثارت مسألة قداسة حرية الرأي والتعبير التي يحاججوننا بها الآن. وقد احتجت هيئة الدفاع عن المذكورين بأن رأيهم يقع ضمن حق حرية التعبير المضمونة بالقانون، ولكن المحكمة والصحافة كانت لهما اذن من طين وأخرى من عجين. وقد كان للاستغلال السيئ للمعايير المزدوجة من قبل الحكومات الغربية اثره في تعميق الهوة التي باتت تفصل بين الشرق والغرب وبين الاسلام والديانات الأخرى. فقد نشرت صحيفة الغارديان البريطانية يوم أمس مثالا صارخاً على ذلك. فقد اتضح ان الصحيفة الدنماركية نفسها التي نشرت الرسوم المسيئه للرسول الكريم، قد رفضت قبل 3 سنوات نشر رسوم كرتونية عن النبي عيسى عليه السلام بحجة انها عدوانية ومهينة وقد تثير احتجاجات عنيفة. وقد علق الرسام الذي ارسل الرسوم الى الجريدة ان ما حدث دليل على ان الجريدة كانت تثمن قراءها المسيحيين أكثر من المسلمين. والآن دعونا نقف هنا لحظة. جموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تطالب الصحيفة والحكومة الدنماركية بالاعتذار عن نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم. فهل سيفيدنا الاعتذار الآن بعد ان انتشرت الرسوم وشاهدها العالم كله؟ وهل سيمحو الاعتذار الاساءة التي حصلت للإسلام والمسلمين؟ لقد وقع ما وقع ولن نستطيع ان نعيد عقارب الساعة. ولكن نستطيع ان نطالب ونخطط للأفضل. فالغربيون لا يهمهم في هذه الدنيا إلا شيئان: وظيفة يرتزق منها، وكم سيدفع ضريبة للحكومة. وعليه أرى ان تستمر المقاطعة الشعبية للمنتجات الدنماركية في شكلها السلمي الحاصل حاليا، وان نتجنب الاعمال المنافية لتعاليم ديننا الحنيف من حرق او تدمير او مهاجمة للجاليات الغربية. وان يعرفوا بأن مطالبنا لإنهاء المقاطعة مرهون بقيام الصحيفة الدنماركية بنشر صفحات تعريفية كافية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعن الاسلام ليعرف الدنماركيون والغربيون سيرته العطرة وحتى يتعرفوا على حجم الاساءة التي اقترفتها الصحيفة بحق الرسول الكريم. وان تقوم الحكومة الدنماركية باستصدار قوانين تجرم وتعاقب كل من تسول له نفسه الحط من الانبياء أو الشرائع السماوية. وان تقوم الحكومات العربية والإسلامية بالعمل مع المجتمع الدولي عن طريق الامم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الأخرى على استصدار قوانين مشابهة حتى نضمن عدم تكرار هذا الأمر مستقبلاً. خلال الأيام الماضية صدر العديد من الآراء العاقلة من ساسة وصحفيين عالميين في أن حرية التعبير يجب ألا تجير للتطاول على المقدسات أو الانتقاص من الاعراق أو التشجيع على الكراهية كما هو الحاصل الآن. ويجب علينا استثمار هذه الآراء لتعريف العالم بمدى الخطأ والخطورة في التمادي في إهانة المقدسات السماوية، ووضع الحلول الرادعة لمنع تكرار ما حدث في الدنمارك. فاصلة يقول المستشرق الألماني سانت هيلر في كتابه "الشرقيون وعقائدهم": كان محمد النبيُّ داعياً إلى ديانة الإله الواحد، وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه. وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية، وهما العدالة والرحمة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4134
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1740
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1593
| 02 ديسمبر 2025