رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)

مساحة إعلانية

مقالات

15

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

قانون الموارد البشرية.. إنصاف للموظف وتطلعات للمتقاعد

07 ديسمبر 2025 , 03:49ص

يشكّل قانون الموارد البشرية بتعديلاته الأخيرة علامة فارقة في مسار تطوير الجهاز الإداري للدولة، فقد جاء ليعالج العديد من التحديات التي كانت تواجه شريحة واسعة من الموظفين، وليعزز مبدأ العدالة في توزيع الرواتب والعلاوات بطريقة أكثر توازنًا وشفافية. وقد استطاعت التعديلات أن تضع العامل في بيئة أكثر استقرارًا، عبر اعتماد منظومة واضحة تستجيب للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وتواكب متطلبات العمل الحكومي الحديث. وقد شعر الموظفون بالفعل أن القانون منحهم مساحة أكبر من الطمأنينة، من خلال إعادة هيكلة المزايا وتحديد المسارات الوظيفية بشكل أكثر دقة، بما يضمن لهم مستقبلًا مهنيًا واضحًا ويشجعهم على العطاء والالتزام.

وقد انعكس تطبيق القانون على جودة الأداء العام، حيث ساهم في رفع مستوى الإنتاجية وأوجد مناخًا من الثقة بين الموظف وجهة عمله، خصوصًا بعد إعادة تقييم العلاوات وربطها بطبيعة العمل الفعلي والتخصصات المطلوبة. هذا التوجه عزز مفهوم العدالة الوظيفية، وحقق التوازن بين الجهد المبذول والمكافأة المستحقة، مما جعل الموظف أكثر شعورًا بالتقدير والإنصاف. ومن الطبيعي أن يُشكر هذا التوجه الإصلاحي الذي يتماشى مع رؤية الدولة في بناء جهاز حكومي فعّال يعتمد على الكفاءة والجدارة ويضع المواطن في مقدمة أولوياته.

ومع هذا النجاح الذي حققه القانون في إنصاف الموظفين، تبرز الحاجة لأن يمتد أثر هذه الإصلاحات إلى شريحة المتقاعدين، الذين أفنوا سنوات طويلة في خدمة الوطن، وكان لهم دور أساسي في بناء المؤسسات وتطويرها. فالمتقاعد الذي خرج من العمل بعد رحلة طويلة من العطاء، ينتظر اليوم منظومة مزايا تمنحه الاستقرار ذاته الذي يتمتع به الموظف الذي في الخدمة، وتعكس تقدير الدولة لسنوات خدمته. ومع التغيرات المستمرة في تكاليف المعيشة وارتفاع الأسعار، بات من الضروري أن يحظى المتقاعد بمزايا إضافية تتناسب مع ظروف حياته، وتضمن له مستوى معيشيًا كريمًا يتماشى مع مكانته ودوره السابق.

وانطلاقًا من التجارب الخليجية الناجحة، ومع مراعاة خصوصية المجتمع القطري، و الحاجة الفعلية للمحافظة على جودة حياة المتقاعد، تبرز ثلاثة بدلات أساسية تواكب احتياجات المتقاعدين وتعزز استقرارهم المعيشي وهي بدلات تتسم بالواقعية:

اولاً: بدل غلاء المعيشة 

هذا البدل يُعد من أهم الأدوات التي تساعد المتقاعد على مواجهة الارتفاع المستمر في تكاليف السكن والغذاء والخدمات الأساسية. فمعاش التقاعد ثابت بطبيعته، بينما ترتفع الأسعار سنويًا، مما يجعل المتقاعد في مواجهة مباشرة مع تحديات مالية قد تتجاوز قدرته. وإقرار هذا البدل سيخفف عنه الضغوط اليومية، ويعيد التوازن بين دخله ومتطلبات الحياة.

ثانياً: بدل حافز الزواج

ينسجم هذا الحافز مع سياسة الدولة في تعزيز الاستقرار الاسري والاجتماعي وطلب صرفه للمتقاعدين اسوة بالموظفين العاملين، فالإنصاف يقتضي أن يشمل هذا الامتياز جميع المواطنين دون استثناء خاصة فئة المتقاعدين الذين اسهموا في بناء الوطن وقدموا زهرة أعمارهم في خدمة مؤسساته.

ثالثاً: المكافأة السنوية للمتقاعدين 

تُمنح المكافأة السنوية للموظفين العاملين تقديرًا لجهودهم، ومن باب أولى أن يحصل المتقاعد على مكافأة تُعبّر عن التقدير المتواصل لعطائه السابق. فهذه المكافأة ليست مجرد مبلغ مالي، بل رسالة معنوية تؤكد أن دوره ما زال محل تقدير، وأن خدمته الطويلة لم تُنسَ بمجرد انتهاء علاقته الوظيفية. ومن شأن هذه المكافأة أن تعزز دخله السنوي وتخفف التقلبات التي قد تطرأ على التزامات الحياة.

وإن كانت التعديلات على قانون الموارد البشرية قد نجحت في تحسين واقع الموظف العامل، فإن استكمال هذا الإنجاز لا يكتمل إلا بالنظر إلى حقوق المتقاعدين بصورة أوسع. فالموظف الذي حصل على إنصاف أثناء عمله ينتظر عند تقاعده مظلة عادلة تحميه من تقلبات الظروف الاقتصادية، وتمنحه الحياة الكريمة التي يستحقها. وإضافة هذه البدلات الثلاثة سيجعل منظومة التقاعد أكثر شمولًا، ويحقق التكامل المنشود بين مراحل العمل المختلفة.

إن الدولة التي أنصفت الموظف تستحق الشكر، والمتقاعد الذي خدم الوطن يستحق أن ينال نصيبه من التقدير في مرحلة ما بعد العمل. لذلك فإن المطالبة بإضافة هذه البدلات ليست مطلبًا ماليًا فحسب، بل استكمال لمسار إصلاحي بدأ بالفعل، ويحتاج إلى خطوة جديدة تُسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي لجميع المواطنين. وفي هذا الإطار، يبرز الدور التشريعي المهم لمجلس الشورى الموقر باعتباره الجهة التي تمثل صوت المواطنين وتتابع احتياجاتهم الواقعية. ومن هذا المنطلق، نأمل أن ينظر المجلس بعين الاهتمام والمسؤولية إلى مقترح إضافة هذه البدلات للمتقاعدين، وأن يعمل على مناقشتها ودراسة إمكانية تضمينها ضمن التشريعات وإقرار ما يراه مناسبًا الأمر الذي سيعزز العدالة الاجتماعية ويدعم جهود الدولة في تحسين مستوى المعيشة، إن تضمين هذه البدلات في منظومة التقاعد لن يكون مجرد إجراء مالي، بل خطوة حضارية تؤكد اهتمام الدولة بمواطنيها وتعزز الاستقرار الاجتماعي والأسري. 

إن الإشادة بقانون الموارد البشرية وتعديلاته ولما أحدثه من تغيير ملموس في حياة الموظفين، واستكمالاً لهذا المسار بات من الضروري النظر في دعم المتقاعدين ببدلات إضافية تجسد رؤية الدولة في كل جهد بذل في خدمة الوطن هو قيمة يجب احترامها وتعزيزها. فالوطن لا ينهض إلا بأبنائه، والوفاء للمتقاعدين هو أحد أرقى صور هذا النهج الإنساني النبيل.

مساحة إعلانية