رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لعل ما يجري الآن بوتيرة عالية من حركتي الاحتجاج على سوء الأحوال الاقتصادية واستفحال الفقر والبطالة في تونس والجزائر يدعونا للحركة من أجل تأكيد الخطاب الإسلامي الأصيل الداعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على حقوق الإنسان دوماً والذي أثبت فعاليته بمر العصور على وجه التغليب وبحيث انه كلما غاب تطبيقه يعيش الناس في الشقاء والتعاسة وتراق الدماء غزيرة للوصول إلى شيء من السعادة، ففي تونس بلغ عدد القتلى من الثائرين المحتجين حوالي عشرين على أيدي الجيش بعد أن فشلت قوات الشرطة في إلجامهم، ناهيك عن القتلى الذين سقط بعضهم انتحاراً والآخرين الجرحى نتيجة المواجهات التي دخلت أسبوعها الرابع بين صوت الرصاص الحي وصراخ المتظاهرين العزل من السلاح، إضافة إلى الصدامات التي تلقاها مجموع المحامين ضربا وركلاً، مما جعل الاتحاد العام التونسي للشغل يدين هذه الأفعال غير المسؤولة التي زادت المحرومين قهراً بدل حل مشكلاتهم والكل أبناء وطن واحد يجب ألا يتضرر فيه أحد على حساب أحد ويجب أن يصان حق الأمن والغذاء للجميع وفي المشوار الناري نفسه هبت حركة احتجاج الشبان في الجزائر وربما لم يكن من باب العدوى من تونس لأن الجزائريين أشداء كذلك ولا يمكن أن يستمروا على ما يسمى الصبر على ضيق المعيشة والغلاء إلى هذا الحد، ولذلك فقد قبلوا التحدي وسقط منهم عدة قتلى ومئات الجرحى، إضافة إلى مئات آخرين من رجال الأمن ومازال اللهيب مشتداً وعلى حين تذهب حكومتا البلدين إلى أن ما يجري يمكن أن يبدأ بعلاجه والنظر فيه مع التهديد بيد الحديد وبلا هوادة لمنع من وصفتهم بمثيري أحداث الشغب، والذين لم يكونوا حضاريين في احتجاجاتهم التي لم تكن سلمية، حيث حرقوا وضربوا ونهبوا ممتلكات الآخرين واعتدوا على الأجهزة الحكومية العامة والخاصة، يذهب الثائرون المتظاهرون الغاضبون وغالبهم تصل نسبتهم إلى 75% من الشباب إلى أنه قد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى فتمادت الحكومات في طغيانها، حيث لم تصغ للدين ولا للقانون الآمرين بالعدل والحق، ويقولون: قد صبرنا إلى أن مل من صبرنا الصبر، حيث كنا كلما تأملنا شيئا خذلنا فهم كما قال البحتري:
شر العواقب يأس قبله أمل
وأعضل الداء نكس بعد إبلال
أو كما قال راجي الراعي: أكبر القتلة قاتل الأمل، فإنهم قد غدوا بلا أمل في الحياة ويحاربون في قوتهم وعيشهم والجدير بالذكر أن الكثيرين منهم حملة الشهادات العليا والمؤهلات المعتبرة ويعتذرون عن انتحار أخيهم الذي أحرق نفسه بالبنزين جراء مصادرة عمله البسيط وهو بأمس الحاجة أنه إذا كان ريختر يقول: وإن اليأس هو انتحار القلب، فإن صديقهم أو ملهمهم لثورة سيدي بوسعيد قد احترق قلبه قبل جسمه فعبر بإضرام النار فيه إذا اسودت في وجهه الدنيا وأنا اعترض هنا بمداخلة أن الانتحار لا يجوز البتة مهما كانت الظروف والمظالم وأحمل الجميع مشكلة هذا الفراغ الديني الذي بسببه يحدث مثل هذا، وإن كنت ممن يجيز الصلاة على الميت المنتحر لأن أصله مسلم موحد ولو ارتكب كبيرة قتل نفسه، كما قال العلماء ثم هم يقولون أيضا كيف يمكن أن نحب خصومنا والحال أن الفقر إذا دخل من النافذة فإن الحب يخرج من الباب، وإذا اعتبرونا مجرمين فإن الفاقة أم الجرائم، كما قال كابرولي، ثم هم يعتزون بأنه لا الفقر يستطيع إذلال النفوس ولا الثروة تستطيع أن ترفع النفوس الدنيئة كما قال فونتارغ، حيث إنهم على حين يرون أصحاب السلطة يصطادون الفيلة فإنهم كفقراء غير مستطيعين أن يصطادوا حتى البق، ثم هم يناقشون بكل ثقة مستدلين بالحديث الذي أورده العجلوني في كشف الخفاء "2/141" من رواية أحمد بن منيع عن الحسن أو أنس مرفوعا كاد الفقر أن يكون كفرا، وكذلك تعوذه صلى الله عليه وسلم من الفقر فيما رواه النسائي وصححه ابن حبان عن أبي سعيد كما في المرجع نفسه وموضعه (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر) ثم ألم يقل لقمان الحكيم: وذقت المرارات فلم أر أمر من الفقر، ألم تجمع الأديان كلها على العناية بالفقراء حتى جاء الإسلام وأوجب ذلك حتما بدءا من المرحلة المكية بالحض على طعام المسكين والمحروم وانتهاء بالمدنية التي أصلت نصوص الزكاة والصدقات، انظر القرضاوي فقه الزكاة "ص/152"، أتروننا مشاغبين جانحين والفقر أبو الجرائم كما قال (الابرويبر) بل إن حق الفقير إنما يستلبه الغني كما قال علي رضي الله عنه: ما جاع فقير إلا متع به غني، إنهم يؤكدون أنهم ما خربوا إلا غضبا وانتصارا للحرية وانتزاعا لها من أيدي الغاصبين المستبدين الذين يخيطون الألسنة ويكسرون الأقلام الحرة فهم مع (سبينوزا) أن القوانين التي تلجم الأفواه وتحطم الأقلام إنما تهدم نفسها بنفسها، ويردون على من يتهمهم بالسرقة للممتلكات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقطع الأيدي في عام الرمادة والبعض إن فعل فإنه محتاج وعلى الدولة أن تتحمل وكما يقول المثل العربي: الحاجة لا تعرف القانون ويستأنسون بقول جبران خليل جبران: هل الخوف من الحاجة إلا الحاجة بعينها؟ وقول الشاعر:
وإذا لقيت صعوبة في حاجة
فاحمل صعوبتها على الدينار
ويقولون: إن ثروات البلاد محصورة في عائلة معينة أو حزب محدد أو شلة منتفعة، فأين تداولها الذي أمر به الإسلام مع أنهم يستحقونها إما لجدارتهم بها أو لفقرهم وضغط الحياة عليهم ويستدلون بقول أبي حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، على ولي الأمر تزويد العامل بآلة العمل وإن كان عاجزا أو مريضا أو ذا شيخوخة فعلى الدولة تأمين حاجته من بيت المال وفي مقابل مقاومة الغلاء في الأسعار حيث التضخم فلابد من وضع السعر ومراقبته حتى لا يزيد التجار، حيث يؤكد ابن القيم رحمه الله أن على صاحب السوق منع الزيادة ومن خالف عوقب وأخرج من السوق وأن المجتمع الإسلامي قائم على التكافل وهو التساند الذي أقامه النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بين المهاجرين والأنصار وأن على الدولة كذلك أن تكفل حد الكفاية، "انظر د. أحمد العسال النظام الاقتصادي الإسلامي ص 10"، وهو ما يطلقون عليه اليوم: الضمان الاجتماعي، ثم يقول هؤلاء إن البطالة التي ضربت فئة الشباب في البلدين ظاهرة خطيرة جدا وان معدلاتها تتجاوز المقاييس العالمية وأنها في تفاقم مستمر وقد تجاوزت بين الشباب الخريجين 25% على ما أكده خبراء اقتصاديون جزائريون وقريب منها في تونس، مما أدى حقيقة إلى انعكاسات وآثار خطيرة من الاقصاء والتهميش بل الجنوح أحيانا وعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي وإضعاف العلاقة بين الأفراد والمجتمع وزاد من حدة الفوارق بين مستوى الترف والشظف، إن هؤلاء المحتجين يؤكدون أن ما تسميه الدولة تخريبا إنما هو للفت نظرها جديا إلى المعالجة، وهذا ما جعل الحكومة تتحرك بعد تحرك الدماء من الفريقين إلى البدء في الحل ورأت مثلا أن تخفف أسعار الضروريات 14% قبل يومين ثم أمس صرحت بأنها رفعت النسبة إلى 41%، ثم دعا المحتجون إلى إنصاف العائلات المحرومة من السكن الاجتماعي في الجزائر، حيث هددت 17 عائلة بالانتحار وقامت امرأة فعلا بمحاولة طعن نفسها حدث هذا وسابقة في باب الوادي وهي ديار الشمس في العاصمة، ويتساءل المحتجون اعذرونا إذا رشقنا بالحجارة من يدافع عن الظالمين ضد الضحايا وإذا أقمنا المتاريس في وجه جبروتهم واغتيالهم للشباب البريء، فالصراع لابد أن يدوم فللحرية ثمن باهظ أين ثورة الإعلام معنا والشد على أيدي الأحرار والشرفاء أين من يرفع صوته بأننا في الجزائر بلد غني مصدر للنفط ولكن شعبه فقير أي سوء إداري هذا حتى يضطر الشباب للبحث عن الرغيف قبل العمل لا تلومونا في هبتنا بل لوموا من يدخل البلاد في الأزمات الذي جعل الفقر سببا لولادة ونشأة البطالة، إن البطالة هي الظاهرة الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة التي تحدث الفراغ القاتل في الأوقات، كما قال المفكر ديل كارينيجي ساعات الفراغ أخطر الساعات، وبدل أن تنفق في ذلك فلتنفق في العمل، ثم يقول التونسيون كم هي إيرادات الموسم السياحي في تونس التي تؤمها الملايين وماذا يأتي الشعب من فائدة من هذا الإيراد للمحرومين على حين يتمتع السائحون أهل الفراغ الحقيقي وكذلك أصحاب السلطة بملء الجيوب.
وإننا بعد هذا التعليق السريع الذي لامس الأحداث ولم يسبرها لابد أن نعزز نصائحنا للحكومتين من جانب وللشعب خاصة الشباب أن يعمل الجانب الأول على: تقوى الله في شعوبهم المقهورة وحل مشكلتي الفقر والبطالة وعلى التعامل بالحوار مع الرعية وليس بالحديد والنار والاستكبار غالبا وأن يضربوا السيف الأعزل بوردة لا برصاصة وأن يرجع الجيش إلى ثكناته وأن يستغلوا الطاقات الشبابية فيشغلوها ولا يقتلوها أو يقيموا للعاجزين نظام التكافل الإسلامي، فالدولة بحر يجب أن يستوعب كل ما يصب فيه وأن يعملوا على تداول الثروة والسلطة ليتحقق العدل الواقعي أما الشعب الثائر والشباب الهائج اليوم، فمع حركتهم لابد أن يقوم كل قادر ولو على عمل بسيط أن يقوم به فإن الله لا يحب الرجل البطال كما في الأثر ومن تعطل وتبطل دون عذر فقد انسلخ عن الانسانية وصار من الموتى "انظر كتاب البطالة وعلاجها لجمال حسن السراحنة من ص 240" وذلك حتى لا نشارك في مشكلة الضياع العام وقد تعوذ رسول الله من العجز والكسل وليتمثلوا بالأشعريين حين الفقر، حيث يقسمون ما عندهم بينهم حتى تنجلي الليالي السود ويطلع فجر الفرج ويراجع الجانبان الحساب على فهم الإسلام.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
903
| 16 ديسمبر 2025
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
747
| 18 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها من كأس العالم الذي أبهر وأدهش وأتقن، الى احتضان فعاليات كأس العرب. نعم نجحت قطر في جمع العرب في ملتقى استثنائي، بدأ بافتتاح مهيب وأسطوري اجتمعت فيه حضارة العرب وعاداتهم وأحلامهم ونجحت في تقديم فلسفة الاستاد خلال الأيام الماضية على أنه البيت العربي الكبير الذي يجمع العرب متجاوزين الحدود والفوارق. لقد تبيّن لنا أن هناك الكثير مما يجمع العرب، وليس حرف الضاد وحده، فها هي كرة قدم أظهرت أنهم يقفون ويستطيعون البناء وتقديم الأفضل، وأن هناك جيلا متفائلا يؤمن بالمستقبل وبأنه قادر على أن ينهض من تحت الركام، جيل جديد يتنفس عطاءً ويضع لبنات البناء الذي يعيد المجد لهذه الأمة. أما فلسطين فكانت حاضرة في هذا المهرجان الكروي، في تضامن ليس جديدا أو غريبا على قطر وشعبها، ولعل الأوبريت المؤثر حين جمع قصص الاناشيد الوطنية للدول العربية عبّر لكل الحاضرين والمشاهدين أن تحريرها ممكن وان وحدتنا ممكنة. قطر ومن جديد تجمع العرب في كأس العرب للمرة الثانية من المحيط الى الخليج في هذه الاحتفالية الكروية التي تعد الأكبر في العالم العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه عن سرّ نجاح قطر مرة تلو الأخرى؟ لقد وضعت قطر بصمتها على خريطة العرب والعالم فأصبح يشار إليها بالبنان لما تمتلكه من قدرات استثنائية على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وتمثل كأس العرب فصلاً جديداً في هذا الإرث الرياضي الغني والمتنوع. قطر وخلال أعوام مضت وضعت رؤيتها، وحددت هدفها وسخرت امكاناتها، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق ما رأيناه من ترتيبات لإقامة كأس العالم على أرض صغيرة حجما، كبيرة بالفعل فكان لها ما أرادت واستقر الهدف وجاءت في هذه البطولة لتبني على ما تم انجازه وتعطي أكثر وأكثر. تمتلئ ملاعب قطر بالجماهير التي تحول ملاعب المونديال الأيقونية إلى مسرح جديد للإثارة الكروية العربية يستفيد فيها المشاركون والجماهير من منظومة متكاملة، أسست على أرقى المعايير البيئية العالمية، فهي لم تعتمد بناء ملاعب يطلق عليها مصطلح الأفيال البيضاء ببناء أبنية ضخمة لا داعي لها بل شيدت على مبدأ الاستدامة واستخدام أدوات صديقة للبيئة بحيث يمكن تفكيك وإعادة استخدام الملاعب وفق خطة مدروسة بمجرد الانتهاء منها سواء بإعادة تدويرها في مشروعات داخلية أو بالتبرّع بها وإهدائها إلى دول أخرى لرفع كفاءة منشآتها الرياضية إضافة الا أنها ملاعب بلا تدخين وملاعب يصدح فيها صوت الأذان انجاز مختلف ومقدر. يضاف إلى هذه الملاعب المونديالية، أنها استفادت من البنية التحتية الرياضية الواسعة التي أولت قطر اهتماما كبيرا بها بما في ذلك مرافق التدريب الحديثة، ومناطق المشجعين التي توفر تجربة ترفيهية متكاملة وفي نقطة تحسب لهذه الجهود تتضمن الملاعب خيارات أماكن مخصصة للمشجعين من ذوي الإعاقة. وهنا لا بد من ذكر تسهيلات حركة المشجعين من خلال شبكة منظمة من المواصلات فنجاحها يعد حجر الزاوية في انجاح البطولة فهي توفر شبكة نقل حديثة ومتكاملة تتمتع بسلاستها وفعاليتها مع وجود مترو الدوحة العمود الفقري للدوحة الذي يربط غالبية الملاعب والمناطق الحيوية في قطر خلال دقائق معدودة، بجانب منظومة نقل عام فعالة سلسة الحركة خلال الفعاليات الكبرى، فضلا عن طرق حديثة تساهم بصورة كبيرة في تقليل الازدحام وتعزيز انسيابية حركة الجماهير. وإلى جانب ذلك، يتوفر أسطول حديث من الحافلات الكهربائية الصديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك خدمة نقل عام مستدامة وفعالة تشمل "مترولينك"، والتي تتمثل في شبكة حافلات فرعية مجانية تربط بين محطات المترو والأماكن المحيطة. لقد ركزت قطر على الاستدامة عبر استخدام حافلات كهربائية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتوفير تجربة سلسة في نقل المشجعين مع الأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم وسائل النقل والمحطات، وهو الأمر الذي يساعد على ترك إرث مستدام لقطر يعزز من مكانتها كمركز للفعاليات العالمية. وبينما تدار المباريات من جهة تقام مجموعة من الفعاليات الثقافية والترفيهية لتعزيز تجربة المشجعين وخلق أجواء إيجابية وبناء جسور بينهم حيث ترحب قطر بهم بطريقتها وبحسن وكرم الاخلاق والضيافة. أي انجاز هذا، خطوة ٌتحسب وتقدر ونقطةٌ بألف هدف، فقطر تربط استثمارها بالرياضة بتحقيق نمو اقتصادي وسياحي وفي نفس الوقت وفي هذا المحفل العربي الاخوي تزيل اسباب الفرقة وتقرب المسافات في تجمع لم نكن نراه او يشهد له في من سبقها من فعاليات لكأس العرب. أي انجازٍ هذا في أكبر تجمع عربي، إذا هي الارادة الجادة والحقيقية المنتمية، تغلفها الشجاعة والاقتدار الساعية لبث الخير. قطر لا تمتلك المال فقط، إنما هي تتبع قواعد النجاح وتركز على الإنسان وفكره وتطويره، لا تترك جهدا ً في الاستفادة من خبرات الآخرين والتعلم منها والبناء عليها، وتعطي الفرص وتمنح المساحات للعطاء لمن يريد من القطريين أو غيرهم ممن يعيشون على أرضها. من استاد ملعب البيت كان الافتتاح، ولن تكون النهاية، لقد أصبحت قطر على الدوام البيت الذي يجمع ولا يفرق يلم الجراح ويبث الطمأنينة. الأمل يحدونا لأن نزيد ما تم بناؤه فكريا وروحيا ومعنويا في قطر، وفي غيرها من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، حتى نغدو منارة يهتدى بنا.
690
| 15 ديسمبر 2025