رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يتجاوز الأستاذ الدكتور حسين دشتي حدود الصورة الخاصة في كتابه الصادر حديثاً عن دار الأمير في بيروت 2024، ليفتحها مع العصر الرقمي بطريقة يحكي فيها عن قصة حياة مُستخلصة من أفراح وأتراح بحنين العمر الحاضر في كل لحظة تحوّلت مع الزمن إلى ماضٍ التقط فيه فوتوغرافياً مرئيات لا يمكن إدراك قيمتها بالكلمة، وإن تحكّمت البلاغة على التصوير الضوئي، إلا أن للعادات والتقاليد والعمارة القديمة قيمة عصر مضى حافل في حياة «الرجل الذي كانت رحلته الرائعة من الطفولة إلى التقاعد مليئة بلحظات من الانتصار الهائل والشدائد العميقة»، فبعد أن كانت ألبومات الصور القديمة هي ذاكرة العائلة؛ أصبحنا اليوم نلتقط الصور عبر عدسة خلوية يُمكن أن تحذف بسهولة، ويضيع أثر الإنسان الذي يُشكل حكاية قد تضيف بعض اللحظات التي تؤرشف لقصة إنسان حيّ تطوّر من الطفولة إلى الشيخوخة، واستطاع أرشفتها وتحويلها إلى «صورة معبّرة عن واقع الفرد وحياته»، عاداته وتقاليده ولباسه، أكله ومشربه، وسنوات الدرس حتى التخرّج، وحتى الأماكن والأحداث المهمّة في الحياة، كالمرض والزيارات خارج دولة الكويت، حتى السيارات ووسائل التنقل، كالصورة مع ابن أخته جعفر في منطقة شرق في الستينات من القرن الماضي التي يظهر فيها بالدشداشة العربية وخلفه نوافذ الأبنية في حي شرقي من منطقته التي حفرت في ذاكرته لحظة التقطتها عدسة فوتوغرافية، وأعادت إلى الذاكرة قيمة لا تقل أهمية عن صورة له في دوار سينما الفردوس في ستينات القرن الماضي، ومعه محمود عباس ذوالفقار حيث يظهر التليفون القديم مع لوحة قديمة، واللباس المختلط ما بين الكويتي والبنطلون والقميص، فماذا عن صورة في تاج محل أكرا - دلهي؟ فهل حنين ألبومات الصور القديمة ستتحول مع الزمن إلى كتب ورقية تحمل بصمة إنسان عاش مختلف اللحظات التي تتيح له تشكيل حرية ابتكارية مكونة من سيرة ذاتية بلغة الصورة الفوتوغرافية؟ وهل لكل صورة تعبيرها اللغوي الخاص الذي يعكس أسلوب الدكتور دشتي وشخصيته؟
يقع الكتاب الذي صممّه وأخرجه الفنّان القدير أسامة عزيز عيسى في 596 صفحة من القطع الكبير في طبعة فنية فاخرة تتميز بطباعتها الملونة عالية الجودة، لكن أحد الجوانب الأكثر متعة في هذا الكتاب المصوّر عن سيرة حياة حافلة بالذكريات هو الفصل الرابع والطفولة واليتم والأحداث المتعلقة بحضوره لفيلم هندي (كنكا وجمنا) في دوار سينما الفردوس؛ ليُعاقب بعدها على حضوره الفيلم والبكاء من أحداث الفيلم أكثر من الضرب، ومن مفارقات الزمن كان زيارة بطل الفيلم «ديليب كومار إلى الكويت سنة 1998، وكان سفير الهند حاضراً فتحدثت عن الواقعة التي حصلت لي قبل 30 عاماً فضجّ المكان بالضحك. وقلت للممثل ديليب كومار: لقد كنت أنت السبب في ذهابي إلى الهند وبكائي عند الضرب...» فتخليد وجوده مع بطل فيلم كنكا ديليب كومار وهو يبتسم في حضور يجمعه مع الممثل في مصافحة ومحادثة هي التعبير الفني لشهادة ملموسة على الحياة السينمائية وتأثيرها بين الماضي والحاضر على تكوين شخصية الإنسان وما يتبقى في الذاكرة من لحظات لا تُنسى.. أو الأحرى؛ ما امتلأت به الذاكرة ما بين الطفولة والشباب، وتستعيدها الذاكرة عبر الصورة كشاهد حيّ على أحداث بليغة في حياة الإنسان. فهل البُعد الإنساني في هذا الكتاب هو عاطفي أخلاقي يبدأ بصورة مع الحفيد وجملة من جد لحفيده ذهبية بامتياز «عندما تكبر سأجعلك صديقي، وعندما أكبر تعامل معي على أنني أحد أطفالك، ولكن إياك أن تشعرني بذلك!!!»؟ أما عبر الفصل الخامس وعنوانه «بالعلم والأخلاق.. تلتقي وتتقدم الأمم» وماذا عن مسيرته العلمية؟ وماذا عن صورة تجمع طلبة المدرسة في الخمسينيات من القرن الماضي؟
يتيح لنا كتاب «حياتي ذكريات مصورة» للبروفيسور دشتي تحويل المحسوس من الذكريات العالقة في زمن مضى إلى ملموس بصري ولغوي للتذكير بلحظات مشتركة مع الآخرين ممن حوله، وكأن الصورة الفوتوغرافية هي حارسة الذكريات حتى في بطاقة العلامات الدراسية وصولاً إلى خارج الكويت مع الشخصيات المُحببة إلى نفسه الجميلة، ومنها إلى الداخل، والابتسامات المتبادلة مع الأهل والأصدقاء في المناسبات والجلسات الحميمة واللحظات التي منحتنا معنى مختلفا لوجودنا كتلك التي مع الأحفاد وأبناء العمومة والخالات والأخوال، وغير ذلك من التفاصيل التي تُشير إلى تغيّر الإنسان وتطوّره الزمني والفكري والعلمي، والأهم من كل ذلك نضاله الاجتماعي والحاجة المستمرة إلى الإنسانية والفطرة في التواصل مع الآخرين عبر الزمان والمكان التي ترجمها في صفحة 107 وهي بعنوان الرحمة لمصطفى لطفي المنفلوطي وفيها «أيها السعداء، أحسنوا إلى البائسين والفقراء، وامسحوا دموع الأشقياء، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، ناهيك عن الدراسات والمقالات الطبية، والاهتمام بصحة الإنسان التي درسها وتعمّق فيها وصوّرها، كي تبقى عبر الذاكرة الحياتية موثقة بعيداً عن التكديس الورقي الذي يتم إتلافه بعد فترة الرحيل الزمنية. فبناء تاريخ حياة الإنسان يُثري حياة الأحفاد وأحفاد الأحفاد، وحتى البلد الذي نعيش فيه؛ وإن تبوأ الإنسان العديد من المناصب المهمّة في حياته؛ يبقى التحدي الأكبر هو القدرة على الاحتفاظ بذكرياته المصوّر منها والمحفور في الذاكرة لإحياء الأيام التي عاش السعيد والحزين منها، وبنكهات مختلفة عابقة بلحظات من حلم تحقّق بعضه أو كله، وبما يرادف حيوات الأصدقاء والأقارب والأحبة. وبهذا نستطيع إعادة بعض ما حذفته الذاكرة، ومن ثم نستعيده بواسطة صورة فوتوغرافية مهملة أو مخزّنة في صندوق الصور؟ وهكذا تخطى البروفيسور دشتي التكنولوجيا العصرية والعيوب الفنية الرقمية من فقدان الصور في خلوي ضاع أو تمّت سرقته أو أصيب بتلف في ذاكرته عبر كتابه هذا ذكريات مصورة.. فهل يُضفي كل هذا صيغة إنسانية على من رافقونا أو رافقناهم في الحياة وكانت معهم لحظات عشناها ولا تُنسى؟ وهل يعتبر هذا ملكية خاصة عامة وفيه الكثير من الأحداث المهمة التي رافقت مشواره الطويل طبياً واجتماعياً وفنياً وأدبياً وغير ذلك؟ تبقى الإجابة الشافية منوطة بالقارئ لكتابه، لكن الأكيد أن الدكتور الدشتي استطاع في هذا الكتاب الرائد أن يجعل من حياته الزاخرة مادة مصوّرة وموثقة للأجيال، وأن يوجّه لهم رسالة بالصورة مفادها: بأن الإنسان بإرادته وصبره وصدقه يستطيع أن يحوّل المستحيل إلى واقع معيش.. ودليلنا على هذا؛ كتابه الذي بين أيدينا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
- كاتبة وإعلامية لبنانية، نشرت عشرات المقالات الأدبية والنقدية والثقافية في الصحف والمجلات اللبنانية والعربية.
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6654
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2742
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2334
| 30 أكتوبر 2025