رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عقد بداية هذا الأسبوع ندوة بالرياض حول العرب الشيعة ودورهم في التصدي لمحاولات إيران استخدامهم كحصان طروادة للتدخل بالشؤون العربية، اللقاء الذي نظمه مركز أسبار للدراسات والإعلام والذي يرأسه الشخصية المرموقة د. فهد العرابي الحارثي، غاب عنه الإعلام، ولعل هذه من أسباب نجاح الملتقى بدرجة ممتازة لأن المشاركين تناقشوا بحرية وتلقائية دون التصنّع "لزوم" الكاميرا.
الفكرة بحد ذاتها اعتراف حضاري، وإقرار بمبدأ قبول الآخر ببلد يتعرض لهجمة محمومة بإلغاء الآخر وعدم التعايش، وهي كذلك رد عملي ضمن ردود متتابعة على تفنيد هذه الهجمات المتواصلة على المملكة العربية السعودية، صحيح أن الوضع غير مثالي -لا بالمملكة ولا بغيرها- وصحيح أن الكثير بحاجة للتحقق من أجل تعايش كافة الطوائف -ليس بالمملكة وحدها- ولكن بالمنطقة برمتها، ولكن الأصح هو أن المملكة بمثل هذا الحراك تجهد في رص صفوف العرب -سنة وشيعة- لتلافي الطوفان، ولتحاشي الاحتراب الطائفي ولقطع الطريق على إيران باستخدام العرب الشيعة كطابور خامس يخوض حروبها، وينهك المنطقة لبسط سيطرتها عليها بذرائع الدفاع عن الشيعة والتشيع.
"التشيع لنا"، عنوان مقالة كتبتها قبل عقد من الزمان، أرى فيها أن منبع طائفتي الشيعة والسنة من المسلمين هو المنطقة العربية وليس إيران، بل بالعراق والشام تحديدا حيث بدأ الصراع على السلطة بين دمشق وبغداد بالقرن الأول للهجرة بين بني هاشم وبني أمية من قبيلة قريش، وأخذ صيغا دينية لتبرير المطالبة بالخلافة ومآلها، واستمر هذا الصراع بأشكال مذهبية مختلفة حتى يومنا هذا، وهو ما استغلته وتستغله إيران للاختراق بالمنطقة العربية، وأجادل دوما بأن إلصاق التشيع بإيران حصرا هو عين الغباء السياسي، فهو ما تستهدفه طهران تحديدا، وهو تسليم أهم ورقة في مناهضة الطائفية، أي ورقة الشمولية وعدم الإقصاء لطمأنة الجميع بعروبة المنطقة، ولإثبات أن نوايا إيران فارسية وليست إسلامية وإن صبغتها بصبغة شيعية.
تستخدم إيران أسلوبي الترغيب والترهيب لحشد الشيعة العرب وراء ولاية الفقيه، أي التبعية العمياء -المعصومية- للولي الفقيه بطهران، وهي نظرية –مثل كل النظريات الدينية- تقوم على الغيبيات التي تتطلب تسليم العقل واتباع العمائم واللحى كرجال دين وسياسة لا "يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم"، وهي شبيهة ببيعة خليفة داعش –أبو بكر البغدادي والتسليم بطاعته وعدم الخروج عليه وإلا فإن مصير المعارض هو الموت الزؤام. ومن لا يسلم من الشيعة العرب بولاية الفقيه ويعلن تبعيته للولي الفقيه بطهران، تتم استمالته بالمال، فإن لم يُجدِ ذلك يتم تهديده للسكوت وعدم الاعتراض وكفى. والدلائل على ذلك يعرفها الشيعة العرب قبل غيرهم، وللتدليل على ذلك من تجربة شخصية، فقد رفضت صحيفة عراقية قبل أيام نشر مقال لي حول "حزب الله" اللبناني خوفا من أنصار طهران ببغداد! أصدقاء وطلبة عدة بالكويت يسرون لي ما يتعرضون له من ضغوط شتى إن هم تعرضوا لحزب الله بالكويت أو عارضوا ما تجره عليهم التبعية لإيران من ويلات واحتقان مع السنة دون ذنب اقترفوه.
سيبقى بهذا العالم شيعة وسنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولن يفني الكاثوليك ولا البروتستانت مهما طال الزمن، فقد حاول كل فريق أن يلغي الآخر منذ قرون دون جدوى، والتسليم الواقعي بهذه الحقيقة يزيل عنا غشاوة ووهم ما يسمى "بالتقارب" الشيعي -السني، فليس المطلوب تقاربهما، لأن التقارب المذهبي بدعة رجال الدين السياسي، فهو يعني عندهم أن يقنع الطرف الآخر بأنه على باطل، ولكن المطلوب أن نسلم بأن الحق والباطل يقرره إله الشيعة والسنة معا، وأن التعايش -وليس التقارب- هو المطلوب، والتعايش ليس فكرة عبقرية اخترعناها، ولا هو مثالية رومانسية تتحقق بالوعظ والكلمة الطيبة وحسب، فالدول المستقرة وضعت ضمانات قانونية للتعايش تضمن حق كل الأطراف بممارسة شعائرها كما تشاء شرط عدم التعدي على الآخر، وتجرم بعقوبات صارمة خطابات الكراهية التي تسبب الاحتقان والاحتراب بأشكاله المختلفة.
العرب –شيعة وسنة ومسيحيين وعلويين وغير ذلك- لن يجمعهم سوى عروبتهم وقوانين ببلدانهم تضمن آدميتهم ومساواتهم أمام تلك القوانين كمواطنين وحسب، وغير ذلك من دعوات تقارب هي عبث ومضيعة للوقت. قد يقول قاريء بأني حالم مثالي، لكن المشاركين بندوة "الشيعة العرب" التي عقدت بالرياض تقاربوا جميعا أيما تقارب حول هذه الخلاصة والحلم الجميل.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4176
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1746
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1605
| 02 ديسمبر 2025