رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الكثيرين يتجهزون في هذه الأيام لرحلات متفرقة لأوروبا أو لشرق آسيا وغيرها من الأماكن الغربية مبتعدين عن الدول العربية لما بها من أحداث، أو خوفا من إندلاع أحداث جديدة. والبعض للأسف قد سافر من أواخر رمضان لبلاد الغرب تاركا أفضل ليالي رمضان وصلاة العيد ومعايدة أهله من أجل سفرة! ولا بأس في الأمر إن مثل الأنسان دينه وتحلى بأخلاق الأسلام في سفره، وتخرج السيدات قبل السفر لتجهيز احتياجات السفر ولباسه، وكلمة لباسه هذه تقع موقعا مؤلما حقا حيث تتغير تغيرا لا نعرف سببه، فيسقط النقاب وتسقط العباءة وقد يسقط الحجاب، لماذا؟ لأنهم في سفر، ودولة غربية، والغربيين غاضين البصر!!
لماذا ننسلخ من هويتنا الإسلامية في سفرنا، وإن رجعنا طالبنا بالحفاظ والستر وبالعادات والتقاليد؟ بل إن البعض يستنكر ويتكلم في غيره، ورفضه لحال الأجانب في البلد ولا ينظر لنفسه ولأهله أثناء سفره؟ هل الغرب سيحترمنا إن تخلينا عن هويتنا الإسلامية؟ من قال إن الحجاب هو غطاء الرأس فقط وما تحته لا يهم فلنلبس ما نلبس؟ كيف لنا أن نجيب إن سألونا لماذا تنسلخ المرأة العربية المسلمة من لباسها؟
وحقيقة أن اللباس الشرعي للمرأة المسلمة هو ما يميزها عن غير المسلمات، بل يبرزها في المكان الذي تكون فيه وتعرف المسلمة بزيها الشرعي، بل إنها والله ملكة بحشمتها، لكن الخلل الذي يحدث أن نرى نساء مسلمات عربيات وخليجيات بلباس غير إسلامي مع الحفاظ على الحجاب أو نصفه على الرأس وقد يسقط ليعلق على الأكتاف، وفيهن من المتصدقات والمحافظات على الصلوات وغيره من أعمال الطاعات، بل إن فيهن من تستنكر ما تلبسه الأخريات في بلادنا، وتأتي للسفر فيتغير كل شيء... طيب ليش؟ أنت تمثلين دينك وبلدك بلبسك وحسن خلقك فلماذا تتركين اللبس المحتشم جانبا؟
وإن كانت عباءة البعض تحتاج لعباءة تسترها في هذه الأيام إلا أنها أفضل من لبس البنطلون الذي يتحجج به البعض أنه "أسهل في الحركة وأن الغرب ما يشوفون" (لا والله... ما عندهم عيون هالغربيين!)
للأسف أصبح الأمر عادي جدا لدى البعض بل أصبحت بعض السيدات تشجع الأخريات على عدم التستر وأن لبس العباءة سوف يعيقها من المشي، ولبس النقاب ماله داعي، ومن غير الطبيعي عند الخروج أن لا تضع المرأة بعض المساحيق الخفيفة وتستشور ما يظهر من الحجاب من شعر فتبدي زينتها لغير محارمها، وأصبح من ينصح في هذا الأمر متخلف (والتخلف أفضل لمن يحافظ على دينه وعفته وكرامته).
وإنسلاخنا من لباسنا الإسلامي هو عار على كل مسلمة عاقلة، وعار على صاحب الشنبات أن يقبل على أهله ذلك. وبعض الرجال تجده يلبس مثل الغربيين إما ذاك الجينز اللي يكشف ظهره وبطنه وكأنه سيسقط منه أو الشورت فوق الركبة، وفوقه التي شيرت واسع وعريض، ولن نتحدث عن الشعر، وإن رأيت لبسه المبهدل لقلت إنه فقير، وما يضحك أنه يحتذي "زنوبة" أجلكم الله، وكله تقليد "عاد قلد شيء عدل"، وهو في بلاده يستحي أن يلبس ما يلبسه في الخارج. وهذه ليست بساطة ولا رقي باللبس "كشخه" بقدر ما هو تقليد لشعوب مبهدله في هندامها. ما لا يرضى المرء لبسه في بلاده فلا يلبسه في بلاد الغرب.
وما ظهر عن بعض أثرياء العرب وتناقله الناس باليوتيوب وبروكاست من تفاخر بأرقى السيارات، وشحنها لبلاد الغرب ماهو إلا نوع من "المفوشر والزبو" ليلفت انتباه الأجانب لهم، حتى إن استفردوا بهم سرقوهم وقتلوهم وأخذوا ماعندهم، لا أدري كيف يأمنون على أنفسهم بعدما يظهرون ثرائهم؟
ولا يعتقد البعض أن الغرب سعيد بوجودكم بينهم عندما يلقونكم بابتسامة، فلا تمتدحون أخلاقهم معتقدين أنها ترقى على أخلاق المسلمين، فوالله ماهم إلا مبشرين لدينهم وموسعين لاقتصادهم ويعلمون أن أموال العرب هي أساس رفعة اقتصاد بلادهم، فيبتسمون في وجوهكم ويضحكون من ورائكم بل ويخططون لكم، وليت بعض المسلمين يفعلون فعلهم.
وبعض الناس تسافر متكلفة للسفر وهي غير قادرة عليه، والأموال التي تصرف في السفر والتي قد يستلف لها البعض من أجل أن يقول أنه سافر ماهي إلا تبذير وديون عليه هو في غنى عنها، فيرجع من سفره صفر اليدين، ليظل أشهرا يسدد في سلفة السفر.
ولا ننسى حال المسلمين في كل مكان فلو ترك كل مسلم سفرته لعام واحد وتبرع بمبلغ السفر لمحتاجين لكان له أجر أفضل من إثم قد يكتسبه في سفره. وأقل سفره لدولة مجاورة تكلف عشرين ألف لأيام قليلة فكيف ببلاد الغرب؟ فهل سيفعل ذلك أحد أم سيتثاقل إن جاء لدفع المال لفقير بدل السفر؟
لا نستطيع أن نغير النفوس ولا العقول وإنما هي كلمة تخرج من القلب لتصل لعقولكم النظيفة فتستوعبها وتطبقها إنْ رأت فيها خيرا لها.
همسة صادقة:
سافروا نستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم، ولكن لتكونوا خير سفراء لديننا وبلادنا، ولنعلم أن الإنسان لا يدري أراجع لبلاده حين يسافر أم لن يرجع فأحسنوا لأنفسكم واحفظوها.
رافقتكم السلامة
دمتم في حفظ الله ورعايته
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
 
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6621
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6483
| 24 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2646
| 28 أكتوبر 2025
