رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في يوم 30 مايو، انعقدت الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي بنجاح في بكين، حيث ألقى الرئيس الصيني شي جينبينغ كلمة رئيسية في الجلسة الافتتاحية للاجتماع.
أشار الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى أنه في العالم الذي يعتمد فيه بعضنا على البعض، إن الجانب الصيني على استعداد للعمل مع الجانب العربي على مواصلة تعزيز المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية، ومواصلة ترسيخ حجر الزاوية للتعاون في مجالات النفط والغاز والتجارة والبنية التحتية، والإسراع في تكوين نقاط التنمية الجديدة في مجالات الذكاء الاصطناعي والاستثمار والتمويل والطاقة الجديدة، بغية السير على طريق الابتكار والخضرة والازدهار بشكل مشترك. يتعين على الصين والدول العربية المساعدة في مواصلة تسريع تنمية المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك وإنشاء نموذج يحتذى به للمنفعة المتبادلة والفوز المشترك والتعلم المتبادل والتقدم المشترك. ولتحقيق هذه الأهداف، سيعمل الجانب الصيني مع الجانب العربي على البناء المشترك لـ»المعادلات الخمس للتعاون» وعلى إثراء وتوسيع التعاون العملي بين الصين والدول العربية في مجالات مثل التعاون المدفوع بالابتكار والتعاون الاستثماري والمالي والتعاون في مجال الطاقة والتعاون الاقتصادي والتجاري المتبادل المنفعة والتواصل الثقافي والشعبي.
إن المبادرة الجديدة المتمثلة في « المعادلات الخمس للتعاون « لا تأخذ مزايا الجانبين للتعاون في الاعتبار فقط، ولكنها استكشفت الإمكانات الجديدة للتعاون الصيني العربي بشكل أعمق، مما يوسع عمق التعاون الصيني العربي ونطاقه ويعود بالخير على الشعبين الصيني والعربي على نطاق واسع.
الذكرى العاشرة للشراكة
يصادف هذا العام الذكرى العاشرة لتأسيس الشراكة الاستراتيجية بين الصين وقطر. على مدى العقد الماضي، إن النتائج المثمرة التي حققتها الصين وقطر في مجال التعاون العملي تعكس الممارسة الحية للجانبين في تكريس روح الصداقة الصينية العربية والعمل على بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك.
وتحت التوجيه الاستراتيجي للرئيس الصيني شي جينبينغ وأمير دولة قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فإن التعاون العملي بين الصين وقطر يتميز بالخصائص المميزة المتمثلة في تكامل المزايا والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك، وقد شكل معادلات التعاون الجديدة التي تتخذ التعاون في مجال الطاقة كمحور رئيسي وتعتبر إنشاء البنية التحتية نقطة رئيسية والاستثمار المالي والتكنولوجيا الفائقة نقاط النمو الجديدة.
فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين الصين وقطر من 10.6 مليار دولار أمريكي في عام 2014 إلى 24.5 مليار دولار أمريكي في عام 2023، بزيادة تتجاوز 130%. وتعد الصين أكبر شريك تجاري لقطر وأكبر مقصد للصادرات القطرية لأربع سنوات متتالية منذ عام 2020؛ بينما أصبحت قطر ثاني أكبر مصدر للصين لواردات الغاز الطبيعي المسال في العالم.
مشاريع عملاقة
إلى جانب ذلك، تتشارك الشركات الصينية بنشاط في استثمار وبناء المشاريع العملاقة في قطر مثل مجالات النفط والغاز، الموانئ والمطارات، وشبكات الاتصالات، والأماكن الرياضية، والخزانات الاستراتيجية، والطاقة النظيفة، والنقل الأخضر، مما يقدم مساهمات إيجابية في تحسين البنية التحتية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في قطر.
كما أن فرع الدوحة للبنك الصناعي والتجاري الصيني وفرع مركز قطر المالي لبنك الصين يعدان أكبر مؤسستين ماليتين من حيث إجمالي الأصول في مركز قطر المالي، ويندمجان بنشاط في المجتمع المحلي ويقدمان الدعم المالي والخدمات المالية المتنوعة للمؤسسات المحلية.
وفي الوقت الحالي، تعمل الصين على تعزيز التحديث الصيني النمط من خلال التنمية العالية الجودة، الأمر الذي يوفر لجميع دول العالم سوقا واسعة وفرصا تنموية غير مسبوقة. أطلقت دولة قطر استراتيجيتها التنموية الوطنية الثالثة 2024-2030، سعياً إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة الواردة في رؤية قطر الوطنية 2030.
* يحرص الجانب الصيني، تحت الاسترشاد بروح الكلمة المهمة التي ألقاها الرئيس الصيني شي جينبينغ في الاجتماع الوزاري لهذا المنتدى، على تعزيز المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية للبلدين، وتعزيز مستوى أعلى من المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، ودفع التعاون الصيني القطري في البناء المشترك العالي الجودة لـ «الحزام والطريق» حتى يصبح الجانبان شريكين استراتيجيين في مسارات التنمية الوطنية الخاصة بهما.
أولا، بناء معادلة جديدة أكثر تكاملا للتعاون بمجال الطاقة. تعد قطر أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وتخطط لرفع إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال إلى 142 مليون طن سنويا، أي بزيادة 85% على الأساس الحالي بحلول عام 2030، لتحتل مكانة رائدة في مجال الطاقة النظيفة عالميا.
تكامل المزايا
تعد الصين أكبر مستورد للنفط والغاز في العالم، وأصبحت أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال من قطر. من أجل تحقيق التنمية الخضراء والالتزام بوعد مكافحة تغير المناخ، فإن الطلب الصيني على الطاقة النظيفة من الغاز الطبيعي المسال القطري سيستمر في النمو، إذ التعاون في مجال الطاقة المبني على تكامل المزايا والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك بين الصين وقطر أصبح حجر الزاوية للتعاون العملي بين الصين وقطر. منذ العام الماضي، وقعت الشركات الصينية والقطرية اتفاقية البيع والشراء الأطول أمداً في التاريخ لتوريد الغاز الطبيعي المسال وطلب التعاون لناقلة الغاز الطبيعي المسال بأكبر مبلغ، الأمر الذي يعكس بوضوح التعاون بمجال الطاقة الطويل الأجل والمستقر والمنفعة المتبادلة بين الصين وقطر.
ويحرص الجانب الصيني على تعزيز التعاون مع الجانب القطري من أجل بناء معادلة جديدة أكثر تكاملا للتعاون بمجال الطاقة بين الصين وقطر، والتي تتميز بتكامل التجارة والاستثمار، وربط أمن التموين بأمن السوق، والتوازي بين الطاقة التقليدية والطاقة الجديدة.
التكنولوجيا المبتكرة
ثانيا، توسيع مجالات جديدة للتعاون في التكنولوجيا المبتكرة. يعد الابتكار عنصرا هاما في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة الواردة في استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة لدولة قطر، كما أن الابتكار يدفع بتحقيق هدف قطر الاقتصادي القائم على المعرفة بحلول عام 2030.
تعمل الصين حاليا بقوة على تطوير القوى الإنتاجية الجديدة النوعية، حيث تتخذ الابتكار التكنولوجي كعامل رائد وتعزز التنمية الراقية والذكية والخضراء للصناعات التقليدية، وتعمل بنشاط على تنمية الصناعات المستقبلية الناشئة، مما يساعد على التنمية العالية الجودة.
علاوة على ذلك، لقد أصبحت القوى الإنتاجية الجديدة النوعية قوة دافعة جديدة للتنمية العالية الجودة للتعاون العملي بين الصين وقطر. فمن حافلات الطاقة الجديدة التي تتنقل في شوارع الدوحة خلال كأس العالم 2022، إلى السيارات الكهربائية التي دخلت السوق القطرية مؤخرًا، إلى توقيع الاتفاقية لبناء 18 ناقلة للغاز الطبيعي المسال المتطورة من فئة «كيو سي-ماكس» الأكبر من نوعها في التاريخ بين الشركات الصينية والقطرية في أبريل من هذا العام، فهذه كلها ممارسات حية وأمثلة حية للقوى الإنتاجية الجديدة النوعية التي تمكّن التعاون العملي بين البلدين.
يحرص الجانب الصيني على تعزيز التنسيق مع الجانب القطري، وتوسيع التعاون في مجالات مثل علوم الحياة والصحة والذكاء الاصطناعي والتنمية الخضراء وانخفاض الكربون والتجارة الإلكترونية والزراعة الحديثة، من أجل بناء معادلة جديدة أكثر ديناميكية للتعاون العملي المدفوع بالابتكار.
خلق بيئة الأعمال العالية الجودة
ثالثا، تعزيز التقدم الجديد في التعاون التجاري والاستثماري والمالي. يعد تعزيز التنويع الصناعي وخلق بيئة الأعمال العالية الجودة عنصرين مهمين آخرين لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة الواردة في الاستراتيجية التنموية الوطنية الثالثة لدولة قطر. تشهد التنمية الاقتصادية في الصين تحسنا على المدى الطويل، وتتمتع بميزة الطلب المتمثلة في السوق الواسعة النطاق، وميزة العرض المتمثلة في النظام الصناعي الكامل، وميزة المواهب التي يوفرها عدد كبير من الموظفين الأكفاء ورجال الأعمال. فإن المزايا من الاقتصاد الصيني والاقتصاد قطري متكاملة إلى حد كبير، الأمر الذي يعطي إمكانات هائلة لتحقيق التطورات الجديدة في التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين.
يحرص الجانب الصيني على اغتنام فرصة تولي قطر الرئاسة الدورية لمجلس التعاون الخليجي لتعزيز الاتصالات والتنسيق مع قطر، والدفع بالإنهاء المبكر للمفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، والمساعدة في تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، والمساعدة في تسريع عملية التنويع الصناعي لدول مجلس التعاون الخليجي بما في ذلك قطر. كما يرحب الجانب الصيني بالجانب القطري للاستخدام الجيد لمنصة الانفتاح الصينية رفيعة المستوى - معرض الصين الدولي للاستيراد، والمشاركة بنشاط في الدورة السابعة للمعرض التي ستعقد في شنغهاي في نوفمبر من هذا العام، وذلك لعرض بيئة الأعمال التنافسية والمنفتحة لدولة قطر وصورتها الوطنية الشاملة ومواردها السياحية الفريدة والجذابة أمام الشركات الصينية ودول أخرى في العالم، ولاجتذاب المزيد من الشركات الصينية للاستثمار وممارسة الأعمال التجارية في قطر، والمساعدة في توسيع صادرات قطر من المنتجات غير البتروكيماوية إلى الصين.
يرحب الجانب الصيني بانضمام المؤسسات المالية القطرية إلى نظام المدفوعات العابرة للحدود باليوان الصيني، وسيواصل بناء المنصات وتوفير التسهيلات لجهاز قطر للاستثمار والسلطات والشركات التنظيمية المالية القطرية من أجل توسيع التعاون الاستثماري والمالي في الصين، وذلك سيساعد الجانبين على تحقيق مستوى أعلى من المنفعة المتبادلة والفوز المشترك في التعاون الاستثماري والمالي.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6153
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5067
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3741
| 21 أكتوبر 2025