رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم تكن الإنجازات التي حققتها دولة قطر خلال السنوات القليلة الماضية، وليدة اللحظة والصدفة، ولكنها جاءت نتيجة رؤية ثاقبة واستراتيجية واضحة قادتها القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى "حفظه الله"، والذي استطاع بفضل حكمته واستشرافه للمستقبل ترسيخ دعائم الدولة الحديثة، وبناء عملية التنمية الشاملة بجميع ربوع الدولة.
يأتي اليوم الوطني للعام الحالي، ليؤكد على العلاقة الوطيدة والمتينة التي تربط القيادة بالشعب، هذه العلاقة ليست وليدة اللحظة، بل هي رباط مقدس ضارب بأعماقه في جذور التاريخ، وإرث في ثقافتنا القطرية، فالقارئ للتاريخ يعرف كيف كانت القيادة دائمًا قريبة من الشعب، مستمعة لاحتياجاته، ومتفهمة لطموحاته، وتعمل على تحقيق هذه الطموحات.
ولقد حرصت القيادة الرشيدة، ممثلة في حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، على تعزيز قيم المشاركة والمسؤولية الجماعية، مؤكدة أن المواطن القطري هو أساس عملية البناء والتنمية، ولهذا أولت القيادة الرشيدة المواطن القطري عناية خاصة، وسخرت من أجل ذلك كل إمكانات الدولة، مما ساهم في ارتقاء الخدمات المقدمة للمواطن القطري، وفي مقابل ذلك أظهر الشعب القطري ولاءً قويًا، وحرصًا كبيرًا على دعم القيادة في جميع التوجهات، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، إيماناً منها بأن القيادة التي أفاضت بالخير على بلادها، لن يأتي منها إلا كل خير لأشقائها العرب والمسلمين والإنسانية بشكل عام.
إن الاحتفال باليوم الوطني لا يمكن أن يقتصره عاقل على الفعاليات والمظاهر الاحتفالية فقط، بل هو فرصة لتجديد الولاء للوطن وتأكيد قيم الوحدة الوطنية والانتماء لهذه الأرض الطيبة، التي يتشارك الجميع في إحياء قيمها ومبادئها، التي أسس لها المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، رحمه الله، والتي تقوم على العدل، والتكاتف، والعمل الدؤوب لتحقيق مصلحة الوطن والمواطن.
ولقد حرصت الدولة على أن تكون الفعاليات المصاحبة لهذه المناسبة، تساهم في توثيق عرى الترابط بين القيادة والشعب، حيث تعكس البرامج التي تُقام في مختلف أنحاء البلاد الروح القطرية الأصيلة التي تجمع الجميع تحت مظلة واحدة، وتعمل على ربط الجيل الجديد من النشء بتاريخه وتراثه الوطني، الذي طالما افتخرنا به وعملنا على أن يكون عنواناً لهويتنا.
ولعل اليوم الوطني للعام الحالي هو علامة مضيئة في تاريخ هذا الوطن، حيث سيحفر التاريخ اليوم الوطني للعام 2024، بحروف من نور وسلاسل من ذهب، وذلك لمواكبته التعديلات الدستورية التي أجرتها قيادتنا الحكيمة الفترة الماضية، وهي الخطوات المهمة التي اتخذتها الدولة لتعزيز المشاركة الشعبية، وترسيخ قيم المواطنة، وتجعل الشعب القطري واحدا في الواجبات والحقوق، مما يدعم ركائز الحكم الرشيد.
ولعل الجميع يرى أن التعديلات الدستورية الأخيرة، لا تُعد فقط نقلة نوعية في النظام التشريعي، بل تؤكد أيضًا حرص القيادة على تمكين المواطن القطري من الإسهام الفاعل في صنع القرار، كما أن مثل هذه الخطوات ترسخ مكانة قطر كدولة تحترم المبادئ الديمقراطية، وتعمل على تحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030، التي تضع الإنسان في قلب خطط التنمية المستدامة.
وبذكر التعديلات الدستورية لا نستطيع أن نغفل الدور الكبير الذي قام به مجلس الشورى خلال الدورة الحالية، وهو دور محوري ساهم في صياغة التشريعات التي تلبي طموحات الدولة، حيث يبرز هذا المجلس كمنصة للحوار الوطني البناء، وذلك من خلال المقترحات التي قدمها أعضاؤه والتي واكبت تطلعات الشعب، كما أنها ساهمت في تحقيق الأهداف التنموية للدولة.
ولقد مثل التفاعل الإيجابي بين مجلس الشورى والقيادة، صورة مشرقة عن التلاحم المؤسسي في دولة قطر، وهو ما ساهم في تعزيز ثقة المواطنين بمؤسساتهم الوطنية، كما أنه دفعهم نحو المشاركة الفاعلة في التنمية الشاملة.
وإن كان لنا أن نطلق مسمى لهذه الحقبة الزمنية التي نعيشها، فأعتقد أن "الجسد الواحد" هو المسمى الملائم لهذه الفترة، حيث ظهر ذلك جلياً في مدى التناغم والانسجام التام بين القيادة الرشيدة والشعب والمؤسسات الوطنية، هذا التلاحم ساهم في مواجهة مختلف التحديات، من الحصار إلى الأزمات العالمية، وحقق إنجازات استثنائية جعلت من قطر نموذجًا يحتذى به.
ولعل الفضل كله يعود إلى توفيق العزيز الحكيم، الذي يمن على هذه الأرض الطيبة بالكثير من الفضل والكرم، ثم إلى القيادة الحكيمة التي وضعت المواطن القطري في صدارة أولوياتها، سواء من خلال المشاريع التنموية الكبرى، أو المبادرات التعليمية والصحية التي تهدف إلى تحسين جودة الحياة، أو البرامج التي تعزز من قدرة المواطن على المشاركة في بناء مستقبل البلاد.
... إن الإنجازات التي حققتها قطر حتى الآن ليست سوى بداية لمسيرة طويلة من الطموحات التي ستعمل على وضع قطر في مقدمة الدول المتقدمة على المستويين الإقليمي والدولي.
إن دولة قطر وفي ظل القيادة الحكيمة والرؤية الواضحة، سيظل هذا الوطن رمزًا للنهضة والتنمية، وواحة للأمان والاستقرار، ومثالًا يحتذى به في التلاحم والاستقرار والبناء.
حفظ الله أميرنا المفدى
حفظ الله شعب قطر العظيم
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس أجنبية رائدة في الدوحة بزيادة تتراوح بين 30% و75% أُعلن عنها في تاريخ 20 أكتوبر الماضي ويجب تطبيقها في الفصل الدراسي الثاني على وجه السرعة؟! ماذا يعني أن يجد هؤلاء الآباء أنفسهم أمام قرار لا يساعدهم على نقل أبنائهم لمدارس أجنبية أخرى في الفصل الدراسي الثاني ومن المفترض أن يدفعوا مبلغ 17 ألف ريال قطري عوضا عن سبعة آلاف ريال كانت تدفع بجانب الكوبون التعليمي لكل طالب قطري الذي يُقدّر بـ 28 ألف ريال وباتت زيادة العشرة آلاف ريال تمثل عبئا على رب الأسرة فجأة بعد أن أصبحت 17 ألف ريال ودون إشعار مسبق؟! ولم هذا القرار والطلاب على وشك إنهاء الفصل الأول وإدارات هذه المدارس تعلم بأن الآباء سوف يمتثلون في النهاية لهذا القرار غير المبرر له لصعوبة إلحاق أبنائهم إلى مدارس أجنبية أخرى أقل في التكاليف التي زادت فجأة ودون إنذار مسبق لطلب الزيادة في مخالفة واضحة للتعميم رقم (21/2023) وكأنها تلزم الآباء إما أن تدفعوا أو اتركوا أبناءكم في البيوت في هذا الوقت الحرج مع بداية الفصل الثاني رغم أن هذه المدرسة قامت بمخالفة تنظيمية كونها لم تنشر جدول الرسوم المعتمدة للسنة الدراسية كاملة مخالفة لتعميم رقم (11/2025) وفرضت رسوما إضافية غير معتمدة عند تقديم التسجيل أو الاختبارات أو التسجيل والموارد كما فرضت رسوما غير قانونية على اختبارات قبول مرحلتي الروضة والتمهيدي مخالفة لتعميم عام 2022؟!. كل ما قيل أعلاه هي مجموعة شكاوى كثيرة وعاجلة من أولياء الأمور تقدموا بها لوزارة التربية والتعليم بعد أن قامت مدارس عالمية أجنبية في قطر بفرض هذه الزيادة في الرسوم بواقع 17 ألفا يجب أن يدفعها كل ولي أمر من حر ماله بجانب ما يُصرف للطالب من كوبون تعليمي بقيمة 28 ألف ريال بعد أن كان يدفع سبعة آلاف ريال فقط بجانب الكوبون كل عام فهل هذا معقول؟! وبات السؤال الأكبر الذي يعلق عليه أولياء الأمور هل بات التعليم مجانيا فعلا لأبنائنا في ظل هذه التجاوزات التي تمارسها إدارات المدارس الأجنبية التي تحظى بعدد كبير من الطلبة القطريين ولم اختارت أن تكون هذه الزيادة في منتصف السنة الدراسية رغم علمها بأن هذا الأمر يربك الآباء ويضعهم في دائرة سوء التخطيط من حيث إيجاد مدارس بديلة في هذا الوقت الحرج من العام الدراسي ناهيكم عن إرباكهم بدفع 17 ألف ريال لكل طالب بعد أن كانت سبعة آلاف ريال فقط بينما كان مبلغ الكوبون التعليمي من الدولة يسد بباقي الرسوم المطلوبة؟! أنا شخصيا أجد الأمر مربكا للغاية وإصرار هيئات هذه الإدارات على أنها حصلت على موافقة الوزارة على هذه الزيادات في الرسوم يزيد الحيرة لدينا أكثر خصوصا وأنه لم يخرج مصدر رسمي من الوزارة ليرد على هذه الشكاوى التي وصلت لإدارات هذه المدارس بجانب ما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي من أسئلة تنتظر إجابات من المعنيين في الوزارة وعلى رأسها سعادة السيدة لولوة الخاطر التي تلقى احتراما وتقديرا لها ولجهودها التي بذلتها منذ استلامها هذا المنصب القدير بشخصية مثلها. ولذا فإننا نأمل من سعادتها أن تجد حلا سريعا وناجعا لفحوى هذه المشكلة التي تؤرق بيوت كثير من المواطنين القطريين الذين يلتحق أبناؤهم بهذه المدارس التي تقع تحت مظلة الوزارة من قريب ومن بعيد وهي ليست بالمشكلة التي يجب أن تنتظر لأن مستقبل الأبناء يقف على قرار يطيح بقرارات الزيادة غير المسبوقة والتي لم يتم إخطار الآباء بها قبل بدء العام الدراسي لترتيب أوراق أبنائهم قبل التحاقهم بهذه المدارس الماضية في قراراتها الفجائية وغير مبالية بكم الاعتراض الذي تواجهه بصورة يومية من الآباء وعليه فإننا على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم سوف تعطي زخما إيجابيا للشكاوى كما نأمل بإذن الله.
5919
| 11 نوفمبر 2025
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو الأصول الأوغندية، صار اليوم عمدة نيويورك. لم يولد هناك، بل جاءها مهاجرًا يحمل حلمه في حقيبة سفر، بلا جنسية ولا انتماء رسمي. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وبعد سبع سنوات فقط أصبح نائبًا في برلمان ولاية نيويورك وأحد أبرز الأصوات الشابة في المشهد السياسي الأمريكي. عمره اليوم 34 سنة فقط، لكنه أصبح نموذجًا يُثبت أن الإرادة حين تتجذر في النفس وتُروّى بالجد والاجتهاد، تصنع المعجزات.ولا حاجة لأن احكي عن معاناة شابٍ مهاجرٍ في مدينةٍ كـنيويورك، بكل ما تحمله من صعوباتٍ وتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية. والآن ماذا عنك أنت؟ ما الذي ينقصك؟ هل تفتقد التعليم؟ قطر وفّرت لك واحدًا من أفضل أنظمة التعليم في الشرق الأوسط والعالم، وجلبت إليك أرقى الجامعات العالمية تخدمك من امام عتبة بيتك، بينما آلاف الشباب في نيويورك يدفعون مبالغ طائلة فقط ليحصلوا على مقعد جامعي… وربما لا يجدونه. هل تفتقد الأمان؟ قطر تُعد من أكثر دول العالم أمانًا وفقًا لمؤشرات الأمن الدولية لعام 2025، بينما تسجّل نيويورك معدلات جريمة مرتفعة تجعل من الحياة اليومية تحديًا حقيقيًا. هل تفتقد جودة الحياة؟ قطر من أنظف وأجمل دول العالم، ببنية تحتية حديثة، وطرق ذكية، ومترو متطور يربط المدن بدقة ونظام. أما نيويورك، فتعاني من ازدحامٍ وضوضاءٍ وتراجعٍ في الخدمات العامة، والفرق يُرى بالعين المجردة. هل تفتقد الدعم والرعاية؟ قطر من أعلى دول العالم في متوسط دخل الفرد، بينما في شوارع نيويورك ترى المشردين والمدمنين ينامون على الأرصفة. أما في قطر، فالدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الرعاية الصحية المتقدمة التي أصبحت من الأفضل عالميًا. فالنظام الصحي القطري يُعد من الأكثر تطورًا في المنطقة، بمستشفياتٍ حديثةٍ ومعايير طبيةٍ عالمية، ورقمنةٍ شاملةٍ للخدمات الصحية تسهّل وصول كل مواطنٍ ومقيمٍ إلى العلاج بأعلى جودة وفي أسرع وقت. وتُعد مؤسسة حمد الطبية ومستشفى سدرة للطب ومراكز الأبحاث والمراكز الصحية المنتشرة في كل مدينة نموذجًا لاهتمام الدولة بصحة الإنسان باعتبارها أولوية وطنية. إنها دولة تجعل من كرامة الإنسان وصحته وتعليمه أساسًا للتنمية، لا ترفًا أما الفرص، فحدّث ولا حرج. بلدك تستثمر في شبابها بلا حدود وتفتح لهم كل الأبواب داخلياً وخارجياً في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها. وهذا ليس كلاماً نظرياً بل هناك تطبيق عملي وقدوة حاضرة. فقطر أميرها شاب، ووزيرها شباب، وأركان دولتها شباب محاطون بالخبرات والكفاءات. أما هناك، في نيويورك، فالشباب يقاتلون وسط منافسة شرسة لا ترحم، فقط ليجدوا لأنفسهم مكانًا… أو فرصةً ليتنفسوا الهواء. فما هو عذرك إذًا؟ ممداني نجح لأنه عمل على نفسه، ولأن أسرته زرعت فيه حب المسؤولية والاجتهاد. أما أنت، فأنت اليوم في وطنٍ منحك ( الجنة التي في الأرض ) وكل ما يتمناه غيرك: الأمن والأمان والرغد في العيش والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية التي تُحلم بها شعوب الأرض. الفرق ليس في الظروف، بل في القرار. هو قرر أن يبدأ… وأنت ما زلت تنتظر “اللحظة المناسبة”. لا تنتظر الغد، فالغد لا يصنعه إلا من بدأ اليوم. لا تقول ما أمداني.. لأنه لن يمديك بعد هذا كله.. وإذا تقاعست نفسك تذكر ممداني الحقيقي.
4293
| 11 نوفمبر 2025
في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف تلك الجغرافيا فحسب، بل تمتد لتأكل الكيان العربي وضميره الخامل، فهذا الوطن العريق الغني بالثروات الطبيعية والبشرية أنهكته الصراعات حتى غدت أجهزته كجسدٍ بلا رأس، تتنازعها الصراعات وتعدد الولاءات وتتقاذفها الأهواء والامزجة، ومن يتأمل المشهد اليوم يدرك أن الأزمة في السودان لم تكن وليدة صدفة، بل نتيجة حتمية لتراكم طويل من الخلل والضعف المنبثق ابتداءً من الصراعات السياسية في القرن العشرين حتى اليوم حيث الصراع بين الشرعية و قوات الدعم السريع. فالأزمة السودانية ليست خلافًا محليًا على سلطة أو موارد، بل هي صورة مكبّرة لأزمة أوسع تضرب الجسد العربي كله، فعلاً هي أزمة في العقل العربي، فما زال بعض الأطراف ذو العلاقة بالأزمة والتأثير الإقليمي يتعامل مع السودان بوصفها غنيمة، لا منظومة عربية تحتاج الى استقرار، فعندما يفشل العقل العربي الجمعي في الترويج والسعي الى بناء مؤسسات عربية حقيقية، نجد أن البعض يُقصي الكفاءات لحساب الولاءات السياسية، ويتّخذ القرار الاستراتيجي من موقع الانفعال والمزاجية والحقد الدفين لا من منطق التخطيط السليم، فإنه بذلك يزرع بذور الفوضى في كل أرض عربية، والسودان اليوم إحدى ثمار تلك البذور. لذلك فإنّ ما يحدث في السودان ليس معزولًا عن السياق العربي العام وصراعاته، بل هو امتداد لنمطٍ مألوف من الإخفاق العربي في احتواء الأزمات والسعي الى بناء الدولة وحماية السلطة والشرعية، فالأزمة هناك ليست صراعًا داخليًا فقط، بل نتاج تداخل إراداتٍ خارجيةٍ تحاول إعادة إنتاج الفوضى في السودان والعالم العربي. فلقد تحوّل السودان، في لحظةٍ مأساوية، إلى ساحة تصفية حساباتٍ إقليمية، يُدفع ثمنها من دم المدنيين وأشلاء الأبرياء، والمدافع تُطلق في السودان، لكن العقول التي تُحرّكها تقيم في عواصم أخرى، تلك التي تملك المال والإعلام والسلاح، وتتوهم أن تفكيك السودان سيمنحها دورًا أكبر في الإقليم الشرق أوسطي. ومع الأسف فإنّ بعض الأنظمة أو الإدارات العربية ما زالت غارقة في تراث الحكم الغريزي الثأري، فلا تفكر بمنطق الدولة الحديثة المبنية على تصدير الايجابي من العلاقات المثمرة مع الدول الأخرى، بل تفكر بمنطق الهيمنة القديمة، فترى في ضعف السودان فرصةً لمرادها، وفي فوضاه مجالًا لتوسيع نفوذها ولو كان ذلك بإشعال نار الفتن، وهنا تكمن المأساة الأكبر حين تتحول بعض الإدارات العربية إلى غرف تحكمٍ لأزمات الآخرين بدل أن تكون منصاتٍ للحلول وإحلال السلام والتآخي، وحين ينسى بعض القادة أن دعم الشرعية في السودان ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وإنساني لحماية فكرة الدولة العربية نفسها. والمذابح التي يشهدها السودان جريمة ضد الإنسانية، وإن الصمت العربي عنها جريمة ضد الوعي والتاريخ، لأنّ من يترك دولةً عربية تسقط دون أن يساند شرعيتها، يوقّع من حيث لا يدري على سقوط القيم العربية المشتركة. فلتكن نصرة السودان اليوم دفاعًا عن الدولة والضمير الانساني لا عن الأشخاص، ودفاعاً عن الشرعية، وعن العقل العربي الذي آن له أن يخرج من أسر الصراعات والحقد الدفين إلى وعيٍ إداريٍ جديدٍ يؤمن أن قوة الأمة العربية تبدأ من وحدة مؤسساتها لا من هدم البلاد والعباد.
2436
| 05 نوفمبر 2025