رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
خطوات متسارعة وجادة تقوم بها الدولة حيال حفظ حقوق العمال، إن كان ذلك على صعيد التشريعات والقوانين أو بيئات العمل والسكن أو قانونية العقود والتأكد منها أو إجراءات الأمن والسلامة، وكان اخرها ما يتعلق بحفظ حقوق العمال فيما يتعلق بالأجور، وإلزام الشركات والمؤسسات التي حددت في المرحلة الأولى بنحو 55 ألف شركة بتحويل أجور عمالها إلى البنوك، وهو ما يجعل هذه الشركات تحت الرقابة المباشرة لوزارة العمل، ومعرفة تحويل هذه الأجور أولا بأول، وبالتالي سيقضى على ما كان يثار بين فترة وأخرى عن تأخير بعض الشركات تسليم عمالها رواتبهم في مطلع كل شهر.
وطالما العمل جار لتنظيم أكثر في قطاع العمل والعمال، وتوفير كل التشريعات التي تحمي حقوقهم، وهذا أمر بالتأكيد يتفق الجميع معه، صناع قرار أو قطاع الخاص ومواطنون، ويدفعون نحو المزيد من القوانين الأكثر تنظيما، فان هناك قضية ربما لا يتم الحديث عنها محليا إلا نادرا. أما دوليا، وتلك المنظمات التي دأبت على التحريض ضد قطر، واختلاق قصص "وهمية"، وإدعاءات كاذبة، عن وضع العمال في قطر، فانها لا تأتي أبدا على ذكر هذه القضية.
سوق العمل اليوم في قطر يستقطب كل المهن والجنسيات، الذين نقدر لهم دورهم وعطاءهم ومساهماتهم معنا في تنمية دولتنا، ولكن لا أحد يسأل عن مدى تخصص هؤلاء العمال في المهن التي يعملون بها، فالكثير منهم إن لم يكن الغالبية يأتي إلى قطر لكي يتعلم فيها مهنة، وهذه حقيقة.
اليوم قطاعات البناء والكهرباء والنجارة والسمكرة... وغيرها من عشرات المهن البسيطة التي يعمل بها آلاف من هؤلاء العمال، الذين وفدوا إلينا من أجل الحصول على حياة كريمة، هربا من بؤس الحياة في مجتمعاتهم، أو ندرة الوظائف في بلدانهم، وأكرر نحن نقدر لهم مساهماتهم معنا، هؤلاء ليس لديهم معرفة حقيقية بالمهن التي يعمل الكثير منهم فيها، فليس لديهم شهادات تقول إنهم قد عملوا في هذه المهن، ولا يطلب منهم تقديم ذلك، وبالتالي تكون السوق القطرية "مدرسة" لعدد كبير من العمال لتعلم مهنة ما، بمعنى "التعلم فينا".
نعم، نحن نرغب في مساعدة هذه الشريحة الضعيفة، التي قصدت دولتنا، لكن هذا لا يمنع من الاستناد إلى شهادات خبرة أو دورات تدريبية، قبل حضورهم، تثبت أن هذا العامل الذي أتى للعمل في هذه المهنة بالفعل هو يتقنها، ولديه معرفة كافية فيها، وهذا الأمر متبع في الكثير من دول العالم، فليس أمرا مستغربا، فكما تطالبنا تلك المنظمات العمالية الدولية بتوفير بيئات عمل وسكن وتشريعات لهؤلاء العمال وهذا أمر طبيعي يأمرنا به ديننا وقيمنا وأعرافنا وأخلاقياتنا قبل هذه المنظمات، فانه من الواجب والعدالة أن هؤلاء العمال الذين يأتون إلينا يحملون شهادات أو بطاقات مهنية تثبت تمكنهم من المهن التي أتوا للعمل بها، حتى لا يتحول سوق العمل، إلى أن "كل من هب ودب " يعمل فيه، وهو ما تترتب عليه مشاكل كثيرة، عدا الإهدار لمقدرات المجتمع، والاستنزاف للموارد المالية الحكومية وللمواطنين والمقيمين الذين يستعينون بهؤلاء العمال لاتمام عمل ما، أو إصلاح أمر ما، ثم يتحول هؤلاء المواطنون إلى "حقل تجارب" من قبل هؤلاء العمال، الذين لا خبرة لديهم بالعمل الذي يقومون به، وما أكثر هذه الشريحة المنتشرة في المجتمع وفي الأسواق، بل وعبر إعلانات تنشرها في الصحف.
أبسط الأمور، افتح صفحات الاعلانات في الصحف أو المواقع، بل حتى وسائل التواصل الاجتماعي، ستجد المئات ممن يعرضون خدمات للقيام بها، تصليح.. برمجة.. سمكرة.. صبغ.. وكهربائي.. نجارة..، وربما احيانا نفس الشخص يعرض القيام بأكثر من عمل مختلف، ولطالما وقع العديد من الأفراد ضحية مثل هؤلاء الذين يعرضون خدماتهم.
قد يقومون بانجاز العمل، لكن دون جودة، أو إصلاح أمر ما في مقابل تدمير أو تخريب آخر، وهو ما يحدث كثيرا، ويضطر الشخص الذي دعاهم لانجاز أو إصلاح عمله أن يستعين بطرف أو عامل آخر، ظنا منه أنه هو الافضل، وهكذا يدور في كثير من الأحيان في حلقة مفرغة.
انتشار هذا الامر في السوق المحلي، وتحوله إلى ظاهرة، أمر في غاية الخطورة، وهو ما يستوجب على الجهات المعنية، وتحديدا الأخوة الكرام بوزارة العمل، الذين لايألون جهدا في مساعيهم لتنظيم سوق العمل، أن يلتفتوا الى هذه القضية التي آن الأوان لبحثها بجدية، وعدم السماح سواء للأفراد أو الشركات باستقدام عمال لمجالات معينة، إلا من هم لديهم ما يثبت أنهم مؤهلون للعمل في المهنة التي أتوا للعمل بها، وعدم السماح بانتشار عمال يقومون بتأدية أعمال في كل القطاعات دون التأكد من خبراتهم في ذلك، وإلا فان الضحية ستكون الدولة والمجتمع بمواطنيه ومقيميه.
وبالمناسبة، مسؤولية هذا الأمر لا تقع فقط على الأخوة بوزارة العمل، إنما نحن الأفراد والمؤسسات نتحمل المسؤولية ايضا، فلا ينبغي الاستعانة بالشريحة العمالية التي ليس لديها الخبرة او الكفاءة واستقدامهم بدعوى أنهم أرخص، وهو امر خاطئ، فنظرية " الأرخص " تقود إلى تدمير العمل، وتحمل تكاليف أضعاف ما كان يمكن دفعه لو تمت الاستعانة بأيد عاملة مدربة وذات كفاءة.
إن المطلوب باعتقادي العمل على فرض وجود بطاقة مهنية للعمال الذين يتم استقدامهم، هذه البطاقة يمكن أن تتوفر بها الخبرات العملية، والممارسات والدورات التدريبية، بحيث لا يسمح للعامل أن يعمل في مجال أو مهنة ما إلا بوجودها، وهذه البطاقة تكون من أحد الشروط الواجبة للدخول الى البلد، والعمل في المجال المستقدم لاجله، وهذا باعتقادي ليس بالأمر المستحيل، كما أنه معمول به في كثير من الدول، وبذلك نحمي المجتمع من فئات لا تملك خبرة في مجال وتدعي أنها تجيد العمل فيه.
آخر كلمة..
أحد الأخوة الأفاضل يخبرني أنه قام بالاستعانة بـ " قصاب" لكي يذبح أضحية لديه بالمنزل، اتضح له أن هذا الشخص لا يعرف اتجاه القبلة، ولم يسأل عنها، لكي يوجه رأس الأضحية باتجاهها!!...
هذا أبسط شيء في هذه القضية، فما بالكم بما هو أكبر أو أكثر تعقيدا، كيف يكون أداء العامل الذي تمت الاستعانة به لاصلاح أمر ما؟!
الله أعلم
مِن أدوات الصهيونية في هدم الأسرة
ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن يوماً محصورًا في إقامة كيانٍ على بقعة من الأرض، بل... اقرأ المزيد
519
| 02 نوفمبر 2025
الإعلام والرأي العام.. وكسب العقول والقلوب!!
صادف أمس الذكرى 29 لانطلاق شبكة الجزيرة بقنواتها ومنابرها المتعددة في عصر الإعلام لتشكل رقما صعبا ومؤثراً بإحداث... اقرأ المزيد
174
| 02 نوفمبر 2025
الســـودان القضيــة التي ماتت
عام 2025 يوشك على الانتهاء بعد شهرين من الآن وأزمة السودان التي تفجرت منذ 15 أبريل 2023 تتفاقم... اقرأ المزيد
201
| 02 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6693
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2754
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2418
| 30 أكتوبر 2025