رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عاش المصريون ونحن معهم ساعات عصيبة بدأت من فجر يوم الإثنين الماضي عقب استباق المرشح الإخواني محمد مرسي إعلان اللجنة العليا للانتخابات نتائجها الرسمية وتسمية الفائز فيها سواء هو أم منافسه المرشح الأقرب للمجلس العسكري والحكومة الفريق أحمد شفيق.. فالإخوان لم ينتظروا وحاولوا استباق الأحداث ليعلنوا النتيجة بأنفسهم كمن يأخذ حقه بيده رافضا تنفيذ حكم القانون واللجوء إليه، فهم هنا يرون أنهم الأعلون ويمارسون سياسة الاستعلاء على الآخرين.. والإخوان بتبني تلك السياسة يطبقون نفس السياسات التي يتهمون النظام المصري السابق بأنه مارسها نحوهم وأقصاهم من العمل السياسي وهمشهم لنحو أكثر من 80 عاما متواصلة.
في واقع الأمر، استغل الإخوان بعض الأخطاء من قبل المجلس العسكري الحاكم الفعلي في مصر بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، ونحن ليس بصدد حصرها، ولكن بعضها ساهم في خلق حالة من البلبلة والتوتر السياسي في مصر. ولعل أهمها إعلان المجلس عشية كشفه رئيس الجمهورية عن إعلان دستوري مكمل لحين التوصل إلى دستور دائم في مصر يعقبه انتخابات مجلس الشعب الذي حلته المحكمة الدستورية. كما يرى المصريون خطأ آخر ارتكبه " العسكري" وهو الإيعاز لقضاة المحكمة الدستورية لحل البرلمان حتى يأتي الرئيس الجديد مسلوب الإرادة والصلاحيات، وإن كانت التداعيات ترى أنه الإخواني محمد مرسي، فرأى العسكريون ومعهم قضاة الدستورية أنه من الخطورة بمكان أن يأتي رئيس دولة من الإخوان ويدعمه برلمان ذات توجه إخواني أيضا، ثم تأتي حكومة إخوانية، وهنا يتغير لون علم مصر إلى اللون الأخضر نسبة إلى الإسلام. ولهذا اشتد عود العسكري والدستورية معا لإلغاء مجلس الشعب حتى وإن أتى مرسي يأتي وحيدا.. ثم أعقب ذلك الإعلان الدستوري المكمل الذي نزع بقية الصلاحيات من الرئيس المقبل بغض النظر أكان مرسي أم شفيق.
ثم تتطور الأمور أكثر ليعلن وزير الدفاع المصري رئيس المجلس العسكري ما يسمى بهيئة لجنة للدفاع الوطني والتي تضم رئيس الجمهورية والمشير حسين طنطاوي رئيس المجلس ورئيس المخابرات العامة وتضم بالإضافة إليهم تسعة عسكريين، ليشتعل الشارع السياسي في مصر أكثر على اعتبار أن إعلان المشير هو سكب المزيد من البنزين على النار. ولم يهدأ هذا الشارع رغم إعلان بعض العسكريين المصريين التزام المجلس العسكري بتسليم السلطة للرئيس المنتخب. ولم تصدقه القوى الثورية والإخوان والسلفيون عندما أكد هؤلاء العسكريون نيتهم تسليم السلطة ووفاء القوات المسلحة بالعهد وتنفيذ خريطة التحول الديمقراطي.
أما ما رأته قوى التحرير – نسبة إلى القوى السياسية والدينية والثورية المنتشرة في ميدان التحرير - هو أن رئيس الجمهورية سيتسلم بعضا من صلاحياته، أما بقية صلاحيات الرئيس فذهبت إلى المجلس العسكري الذي اختطف السلطة في مصر.
بيد أن المشهد المحزن في مصر أن بعض تلك القوى يستقوي بالشارع وباسم الثورة ليقف موقفا مناهضا للدولة الأم تحت زعم المطالب الثورية.. نعم من حق الذي حصل على أعلى الأصوات أن يتولى منصب رئيس الجمهورية لأنه جاء نتيجة اختيار الأغلبية التي قالت له نعم.. وإن كنت أعتقد بحكم قربي نوعا ما بالشارع المصري، أن المجلس العسكري تسرع نوعا ما بإقدامه على طرح الإعلان الدستوري المكمل، رغم أنه من حقه أن يصدر التشريعات لأنه الركن الأساسي في حماية الثورة وهو الجيش المصري.. وهو المجلس الذي حارب الفوضى بقدر الإمكان، وحارب كل من يتربص بالثورة المصرية.
فالمجلس العسكري ورغم أخطائه فهو يمثل مجموعة من الضباط الشرفاء لا يريدون سوى مصلحة بلادهم، وهم غير طامعين في سلطة وكل ما يعنيهم هو حماية بلدهم.
أعتقد أن المصريين سيتجاوزون هذه المحنة الخطيرة، وعليهم الإسراع بالعودة إلى رشدهم السياسي وإنهاء حالة التشرذم، وعليهم أن يفرحوا بالاحتفال برئيسهم المنتخب، وهو أول مواطن يتبوأ هذه المكانة نتيجة انتخابات حرة ونزيهة.. ويكفي أن حكمة الله للشعب المصري أنه وأثناء احتفال الإخوان بفوز مرشحهم – قبل إعلان النتائج الرسمية - ترددت أنباء قوية عن وفاة الرئيس السابق حسني مبارك – وهي لحظة فارقة لمن يفكر في ملكوت الله، ولعلها لحظة قد يعيد فيها المرء تفكيره مرة أخرى، وقد يتراجع البعض ويقول لنفسه:" لماذا التكالب على السلطة وهذه هي آخرة الإنسان؟".. فكثيرون يريدون حياة بعيدة عن الصخب والشهرة والمسئولية، وهؤلاء يقولون إنه من الأفضل الابتعاد عن عالم السياسة والسلطة والمحاسبة، فمن يخطئ اليوم سيحاسب غدا، وحساب الغد لعظيم.
من المؤسف القول إن الجميع تلاعب بالمصريين في اللحظات العصيبة التي مروا بها أواخر الأسبوع الماضي، ومن أول المتلاعبين وسائل الإعلام التي ساهمت بقدر كبير في بلبلة الرأي العام، وهي الوسائل التي تضاربت تحليلاتها السياسية والقانونية لكل تطورات المشهد، فكل ضيف يناصر الفئة التي ينتمي إليها، حتى القانونيون اختلفوا رغم أن النص القانوني واحد، ولكن تفسيراتهم تعددت وتنوعت ليضطرب معها المشهد زيادة غير عابئين بعقول المصريين.
اللحظة بصدق فارقة، فالإخوان اللاعب الرئيسي في المرحلة الانتقالية ورغم ثقلهم التاريخي، لن يتغيروا بين ليلة وضحاها، فهم يجيدون لعبة المواءمات وعقد الصفقات ثم التراجع عما اتفقوا عليه، والدلائل كثيرة منها أنهم أعلنوا عدم رغبتهم في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ثم دخلوا سباق الرئاسة، وهم الذين وقعوا على كل الوثائق الخاصة بالدولة المدنية، ثم أرادوا الهيمنة على الجمعية التأسيسية الأمر الذي دفع بالآخرين إلى اللجوء لمحكمة القضاء الإداري في مصر لوقف تلك المهزلة. والآن يخشى المصريون أن يتولى الإخوان بمفردهم إدارة المرحلة الانتقالية دون باقي القوى الوطنية والتيارات الأخرى، مما دفع الجيش هذه المرة إلى التدخل السريع وفرض إعلان دستوري مكمل لإحداث توازن بدفة الحكم عشية الإعلان عن الرئيس الجديد.
وقد نستشهد هنا بما قاله النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين سابقا الدكتور محمد حبيب، بأن ترشيح الجماعة عضوا منها في انتخابات الرئاسة هو خطأ استراتيجي قاتل، ويفقدها مصداقيتها لدى الرأي العام.
وإذا أضفنا لما قاله حبيب القيادي السابق في الإخوان، فربما يكون تساؤلا ويتعلق بمغزى استباق الإخوان الأحداث وإعلان فوز مرشحهم ولم تكن عمليات الفرز أو الطعون قد انتهت؟ وهناك لجنة من رجال قضاة المحكمة الدستورية تتولى هذا الأمر . فلماذا الاستعجال نحو السلطة والتهافت على اختطاف الكعكة؟.
وختاما.. لعل ما نقلته صحيفة الوفد المصرية في عددها يوم الثلاثاء الماضي عندما استضافت رجلا مسنا يقترب عمره من الثمانين، وسألته الصحيفة:" ماذا تطلب من الرئيس الجديد؟".. فكان رده بالغا وبليغا ومعبرا رغم أنه بلغ من العمر أرذله، ولكنه فكر في المستقبل، ولم يخنه سنه في الإجابة وإنما أعطاه عمره حكمة في الرد.. فماذا كان الرد؟. الرجل لم يطلب المستحيل من الرئيس الجديد، إنما اكتفى بتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفساد وحرية التعبير.. فهل يستطيع رئيس مصر المقبل توفير كل هذه الاحتياجات والمطالب والأماني؟.
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
99
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
195
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
267
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4158
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1746
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1602
| 02 ديسمبر 2025