رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ثمة إشكالية دستورية وسياسية في آن معا، لا تبدو مبحثا أساسيا صلب القانون الدستوري، ولا ضمن العلوم السياسية: هل الدساتير هي التي تنشئ الحياة السياسية، أم أن المشهد السياسي بصراعات الأحزاب وجماعات الضغط واللوبيات المالية، ومكونات المجتمع المدني والحراك الشعبي، هو الذي يصنع الدساتير ويضع نصوصها؟ وإلى أي مدى سيحافظ الدستور والحياة السياسية على ذلك التناغم المأمول؟
إشكالية،،، حاول مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية في تونس طرحها على بساط النقاش مؤخرا، وسط جدل لم يحسم حول: من يصنع من؟ وهل تواجه الحياة السياسية في تونس، مشكل نصّ دستوري بدا للبعض غامضا و"حمال أوجه"، أم أن "دستور الثورة" يحمل إجابات وصياغات لمشكلات النخب في علاقة بممارساتهم السياسية، داخل الحكم ومن خارجه؟
في الحقيقة لا تبدو هذه الإشكالية تونسية المنشأ.. فقد عانت إيطاليا من قطيعة بين نصها الدستوري وحياتها السياسية، بما أنتج ذلك الوجه الفاشي الذي طبع جزءا من تاريخها المعاصر.. وهو نفس الوضع الذي عرفته ألمانيا في الحقبة الهتلرية، عندما ارتدت إلى نازية مقيتة..
حتى في فرنسا العريقة ديمقراطيا وحقوقيا، وجدت طبقتها السياسية نفسها في مواجهة مشكل "التعايش" بين اليمين واليسار صلب الحكم، على عهد شيراك وجوسبان، منتصف تسعينيات القرن المنقضي.. وهي معادلة لم يتحدث عنها الدستور الفرنسي، ذو النظام الرئاسي، لكن إرادة الناخبين، فرضت هذا الخيار على الطبقة السياسية الفرنسية، وطوّعت النص لهضم واقع جديد..
أما في السياق العربي الحديث، فالأمثلة كثيرة عن ارتدادات وحالات نكوص، وانقلابات فاضحة على هواجس دول "الاستقلال الوطني" بتعدد تسمياتها وتجاربها..
سياقات الصراع
لا شك أن دستور جانفي 2014 في تونس، صيغ في ظروف غير مسبوقة تاريخيا.. كان ثمة دم سياسي سال، واحتجاجات واعتصامات وإضرابات ومحاولات انقلابية حيكت، و"إرهاب مصنّع" من الداخل والخارج، يتحرك بين الجميع ويؤشر لحرب أهلية، كانت تطل برأسها بين الفينة والأخرى.. فيما المجلس الوطني التأسيسي، كان يناقش ويجادل ويكتب هذا النص، تحت وقع تجاذبات وصراعات، ظاهرها سياسي، وباطنها إيديولوجي عقائدي، وغلافها حقوقي، وسياقاتها وطنية مشحونة ببعد إقليمي مركّب ومعقّد..
عكس هذا النص الدستوري حينئذ، صراعات مرحلة، لكنه ترجم كذلك هواجس النخبة وجزءا هاما من تطلعات الطبقة السياسية، التي حرصت على وضع مخاوفها المختلفة والمتناقضة أحيانا في نصّ الدستور..
فالمعارضة، عملت على محاصرة "الترويكا" الحاكمة بقيادة حزب النهضة، من خلال "فرملة" ما كانت تسميه "تغولا في الحكم"..
وحركة النهضة وحليفاها في الحكم، الذين كانوا يراهنون على النظام البرلماني، حرصوا على تضييق الخناق على صلاحيات رئيس الجمهورية، وعلى تحجيم دور المعارضة، ونتف كل ما أمكن من أجنحتها..
كلاهما حرص على إدراج "شهوته" في الدستور، بالشكل الذي يضمن مصالحه ووجوده ودوره، في حرب مواقع كادت أن تأتي على الأخضر واليابس برمته.. لا أحد منهما فكر في تغير موقعه، أو في إمكانية أن ينزاح النظام السياسي التونسي باتجاه استبداد جديد، أو أن تجد المعارضة نفسها بلا هامش أو مساحة تسمح لها بأن تنظم فعل الرفض والمعارضة أصلا..
هكذا كان الدستور الجديد، ترجمة لصراعات سياسية وحزبية، وتصفية لمعارك إيديولوجية قديمة، ردمها النظام المخلوع لعقدين من الزمن، وجاءت ثورة 14 يناير لكي تعيدها إلى سطح الصراع الفكري والسياسي، مع تلك الرغبة الجامحة في الوصول إلى السلطة، التي كان كل طرف يرى في نفسه الأقدر على أن يكون على رأسها..
نحو النظام الرئاسي..
الإشكال الذي تواجهه النخبة التونسية اليوم، هي مخرجات الانتخابات الماضية بشقيها التشريعي والرئاسي.. فقد أفرزت هذه الاستحقاقات، طرفا سياسيا أساسيا في الحكم، هو حزب نداء تونس، الذي يصفه البعض بـ "الجهاز المرسكل للنظام القديم".. لقد أصبح هذا الحزب في الرئاسات الثلاث: القصر الجمهوري ورئاستي الحكومة والبرلمان، وبالتالي ففرضيات الصراع بين السلطة التنفيذية والبرلمان، والتي استخدمت الأطراف السياسية بيمينها ويسارها، جميع الأدوات لتكريسها في الدستور، لم تعد متوفرة، بما يجعل السؤال الأهم مطروحا بقوة: هل دخلت تونس طور النظام الرئاسي، خصوصا مع وجود الباجي قايد السبسي، على رأس الدولة، وهو المشبع بثقافة النظام الرئاسي وسياقاته المختلفة؟ وإذا ما كان الحبيب الصيد، رئيس الحكومة الحالي، مجرد أداة تنفيذية ـ كما يردد البعض ـ فهل تنزلق التجربة مجددا إلى النظام الرئاسي؟ وهنا يطرح أمامنا السؤال المؤرق فعلا: هل تونس تعيش "في نظام هجين لا يشبه شيئا"، كما ذهب إلى ذلك جوهر بن مبارك، أحد أساتذة القانون الدستوري؟
لا أحد في تونس يمكن أن يشك لحظة في أن المسار في غير الوجهة التي طمح إليها التونسيون بثورتهم، خصوصا أمام مشاريع القوانين التي مررتها الحكومة إلى البرلمان، و"التعلميات" الصادرة عن السلطة التنفيذية في علاقة بقضم الحريات، وعودة الأمن إلى سطوته الماضية، بل استئناف الميكانيزمات القديمة في العمل من جديد، وكأن البلاد لم تعرف ثورة، ولم تشهد زلزالا ذات 14 يناير 2011 !
هل نحن بإزاء ردّة سياسية تلبس قناع "الانتقال الديمقراطي"، أم هو مخاض تسوية كتبت أحرفها قوى إقليمية ودولية، ورفعت لواءها "قوى" داخلية بأمانة وبدم بارد أحيانا ؟
في كل الأحوال، يبدو النص الدستوري، بل حتى النظام السياسي الذي تمخض عنه، في منطقة "الأوف سايد" حاليا، وسط مخاوف يطلقها كثيرون، من قلب الحزب الحاكم قبل المعارضة، بوجود مؤشرات لعودة الحياة السياسية إلى نقطة الصفر، نقطة ما قبل سقوط رأس النظام السابق، خصوصا أمام نكوص الإعلام على عقبيه، وتراجع حراك المجتمع المدني، وصمت المعارضة التي تشهد بداية تآكل رصيدها، بفعل عوامل كثيرة ليس هنا مجال عرضها..
هل تشهد تونس حقيقة، لحظة "فكّ ارتباط" أو قطيعة بين النص الدستوري وواقع سياسي جديد، أبرز علاماته، إمكانية عودة الاستبداد بأدوات وعناوين وأسماء "ديمقراطية" أو هكذا تقدم نفسها؟
للأسف،،، مؤشرات عديدة تصبّ في هذا الاتجاه وتدعمه يوما بعد يوم.. والذريعة، بل الذرائع موجودة ومتوفرة وعلى قارعة الطريق، ما يجعل "دستور الثورة" رقما خارج المعادلة السياسية الراهنة تماما..
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6678
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2751
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2364
| 30 أكتوبر 2025