رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عادة ما يكون الثراء في طبيعة الإنسان، سببا للكبر والطغيان، وكثيرا ما يجلب التيه والخُيلاء، ويوقع النفس الإنسانية، في الغفلة والاستعلاء، والدليل على ذلك الآية الكريمة:(كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)، ولكن ذلك بعيد كلَّ البعد عن النفس المؤمنة بربها إيمانا كاملاً صادقا، يخالط القلب ويتشرّبه، ويملك عليه جميع أمره، حتى تصيرَ النفس زكية خيّرة بإيمانها، فيكون صاحبها مؤمنا حقا، كذلك هو حال الصحابي عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، الذي كان ثريا من أعظم أثرياء المدينة المنورة، وكان أيضا جوادا من أكرم أجوادها، وهو لم ينل ثروته ويكسبها أبا عن أبٍ، بل عملا بعد عمل، ونتيجةَ سعي وجهد في مجال التجارة، التي كان فيها موفقا مسددا، بفضل الله عليه، كما سيأتي معنا. أسلم مبكرا فكان أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، ثم هاجر مع من هاجر إلى الحبشة، فرارا بدينهم وأنفسهم، من الاضطهاد والإيذاء، على أيدي كفار قريش، ثم عاد إلى مكة ليهاجر من بعدُ إلى المدينة، التي هاجر إليها رسول الله، عليه الصلاة والسلام، فخرج عبد الرحمن بن عوف، من مكة وهو لا يملك شيئا من متاع الدنيا، اللهم إلا ما يبلغه المحلَّ، غير أنه يملك روحا قوية متوكلة على ربها عز وجل، روحا لا تعدل بالإيمان والإسلام شيئا أبدا، مهما عظم وكبر. لما قدم رسول الله المدينة، أخذ يؤاخي بين المهاجرين، وإخوانهم الأنصار، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن الربيع الأنصاري، الذي فعل كسائر الأنصار، ممن بذلوا للمهاجرين ما يملكون، وآثروهم على أنفسهم، فقال لعبد الرحمن: أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي فخذه. فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في مالك وأهلك، دُلني على السوق. فدله على السوق، فانطلق إليه، وجعل ينظر ويبحث، وهو معه دراهم قليلة، ويفكر فيما يقدم عليه، سائلا المولى القدير، العون والهداية، ثم إنه شرع يشتري ويبيع، ويكسب في كل بيعة وصفقة يجريها ويتمها، متحريا الحلال، مجتنبا الحرام، صدوقا مع الناس أمينا، هذا هو دأبه ودَيْدنه، ومع توالي الأيام ربحت تجارته، وأقبل عليه المال، وكثر في يده، وانثالت عليه الأرزاق وافرة جمة، حتى كأن السماء تمطر عليه ذهبا وفضة، حتى إنه ليحدثُ عن مبلغ ما يصيبه من الخير، وما يدركه من التوفيق، فقال:(لقد رأيتُني لو رفعت حجرا، لرجوت أن أصيب تحته ذهبا أو فضة)، ولا بِدْع في هذا ولا عجب، فذلك فضل الله الذي يرزق من يشاء من عباده بغير حساب، وهو ذو الفضل العظيم. إذن فقد عظمت ثروات ابن عوف، من جميع الأموال، صامتها وناطقها، حتى أصبح واسع الثراء، وفير الغنى، فما تُراه فعل بأمواله تلك؟ هل ادخرها واكتنزها؟ أم هل احتازها لنفسه وأهله فقط، أم هل صار- معاذ الله- عبدا للمال، والمال هو سيده المطاع المخدوم؟ فراح يجمعه ويعدده، بحرص وبخل وجشع، أم تُراه ماذا صنع؟. لقد أدرك عبد الرحمن، أن المال فتنة للإنسان، يبتلي الله به الناس، وأنه سبحانه هو الذي آتاهم إياه، وجعلهم مالكين له، من غير حول منهم ولا قوة، وإن بدا للناس غير ذلك، وهما وخداعا وغرورا، من النفس والشيطان، مما في أيديهم من الأسباب الظاهرة التي يتوسلون بها إلى الغنى. وعلم ابن عوف أن للمال حقوقا واجبة الأداء، فرضا حتما على من يخاف ربه، ويخشى عقابه، حقوق يعود بها صاحب المال على من لا مال له، فيشرك فيما يملك كل محروم وفقير ومسكين. وعلم ابن عوف، أنه ليس ينفعه من ماله ولا يبقى له إلا ما قدمه في سبيل الإحسان والبر والمعروف، مما يدخل في باب الصدقات، التي لها ظل ظليل يوم الحساب، يكون بمقدار قيمتها وقدرها، إذ ما تقرب عبدٌ إلى ربه بخير ولا أفضلَ من تأديتها وبذلها سرا وعلانية. كان يسمع ويتلو قول الله تعالى:(من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجرٌ كريم)، فتهتز نفسه، ويرتجف بدنه، فمن بنو آدم كلهم حتى يقرضوا الله العظيم جل جلاله، وهو الغني مالك الملك، له ما في السموات وما في الأرض، وما بينهما وما تحت الثرى، فكان عندئذٍ يسارع في الإنفاق والإعطاء، ثم ينظر كلَّ ما أنفقه قليلا في جنب ما أنعم الله عليه، بل كان يستحي ويخجل، إذ يرى أن الله يعود عليه بأضعاف ما ينفق في الدنيا، ويكافئه عليه، هذا إلى غير الذي يدخره له في الآخرة من أجر المنفقين المحسنين، الذين يحبهم الله. إذن فقد تحقق في علم عبد الرحمن بن عوف، من أن في المال جهاداً، هو إنفاقه في مرضاة الله، وتحقق في علمه أولا، أنه مسؤول يوم الحساب، عن ماله سؤالا ليس بيسير، لأنه سؤال يتوقف عليه ويتعين المصير، فإما إلى نعيم، وإما إلى جحيم، ذلك سؤال يتألف من شقين اثنين هما: من أين اكتُسب المال؟ وفيمَ أُنفق المال؟. لذلك جعل ابن عوف من نفسه تاجرا فطنا ذكيا، لا في معاملات الأسواق فحسب، ولكن أيضا في معاملات بني الإنسان، رافعا شعار: البرُّ خير تجارةٍ رَباحاً. أجل كذلك هو البر لَعَمْر الله، تجارة لن تبور، البر الذي هو جوهر كل الأديان ودعوتها. ولولا البرُّ لم يُبعثْ رسولٌ ولم يَحملْ إلى قومٍ كتابا أقبل عبد الرحمن على الناس ذوي الحاجات، فكفّ عنهم ما استطاع المسألة، وأبعد عنهم الفاقة، حتى قيل إن أهل المدينة جميعا شركاء له في ماله: ثلث يقرضهم، وثلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصلهم ويعطيهم. وفي حياة رسول الله، رُوي أنه تصدق بشطر ماله، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، وفي يوم آخر، قدّم لجيش المسلمين خمسمئة فرس، ومرة قدم ألفا وخمسمئة راحلة في سبيل الله. ولما اختار النبي أن يلحق بالرفيق الأعلى، كان عبد الرحمن يصل أمهات المؤمنين، رضي الله عنهن، بأعظم الهبات، وأجزل الأعطية، فمرة باع أرضا له بأربعين ألف دينار، فقسم ذلك المال، في فقراء بني (زُهرة) أقربائه، وفي أمهات المؤمنين، وفي ذوي الحاجة من الناس، وبعث إلى عائشة، رضي الله عنها، بنصيبها فقالت: أمَا إني سمعت رسول الله يقول:(لن يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون)، وقالت:(سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة). وأوصى في حياته لكل من بقي ممن شهد بدرا، بأربعمئة دينار، وأخذ فيمن أخذ، عثمان بن عفان، الغني المستطيع، والكريم الجواد، قائلاً: (إن مال عبد الرحمن، حلالٌ صفو، وإن الطُعمة منه عافية وبركة). المبرَّة العظمى يذكر المؤرخون لعبد الرحمن بن عوف، هذه المبرَّة العظمى، وهي أنه كان له قافلة عظيمة قادمة من الشام، تقدر بسبعمئة راحلة، مُوقَرَة بالأحمال من كل شيء، ارتجت لها المدينة، حين دخولها، فقام الناس يتحدثون عنها، ويكثرون الأحاديث والأقاويل، وكانوا في وقت حاجة وعَوَز، فما كان من ابن عوف إلا أن جعلها مفرقة مقسمة في أهالي المدينة، الذين غمرتهم الفرحة، ودخلهم السرور، وباتوا ليلة كليلة العيد، وهم يدعون لابن عوف بخير الجزاء.
حدود العنكبوت
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب... اقرأ المزيد
2061
| 04 نوفمبر 2025
إذا رغبت الحياة.. فاهجر ضفافك!
ثمّة نداءات خفية خافتة عن الأسماع، ظاهرة على الأفئدة، تُستشعر حين تضيق على النفس الأرض بما رحبت، وتنقبض... اقرأ المزيد
318
| 04 نوفمبر 2025
نظم في قطر
انطلقت أمس مباريات بطولة كأس العالم للناشئين في ملاعب أسباير لتعيد إلى الأذهان ذكرى مونديال 2022 للكبار، الذي... اقرأ المزيد
321
| 04 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2856
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2487
| 30 أكتوبر 2025
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
2061
| 04 نوفمبر 2025