رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
القانون في سوريا يحمي الظلم والظلمة والشبيحة ويجيز تعذيب وقتل الناس
نحن اليوم أمام جلال مدينة حمص السورية العريقة الواقعة وسط سورية وعدد سكانها دون الريف مليون نسمة، حمص التي كانت في التاريخ الروماني عاصمة البلاد في عهد أسرة سيفيريوس ثم ضمت إلى أخواتها من المدن في الفتح الإسلامي موحدة لرب العالمين حتى رضي العديد من المسيحيين الرومان البقاء فيها تحت ظل هذا الفتح الرحيم العادل وتخلصا من مظالم قومهم، حمص التي عرفت صلاح الدين الأيوبي وقلعة أسامة على نهر العاصي الشهير وأنجبت العلماء والأدباء والشعراء قديما وحديثا من ديك الجن إلى أمين الجندي إلى العالم الأديب محيي الدين درويش، إضافة إلى جمهرة غفيرة من المفكرين والفلاسفة والساسة المعروفين بالفقه السياسي والشرعي مثل خالد الأتاسي صاحب مجلة الأحكام العدلية وهاشم الأتاسي الرئيس المعروف وكذلك نور الدين الأتاسي الذي كان رئيسا وكان وزير دفاعه حافظ الأسد الذي انقض عليه ورماه في السجن إلى أن مات بغض النظر عن تقويمه ومن حمص طلع الرجل التاريخي المجدد من زعماء الإخوان المسلمين الدكتور مصطفى السباعي، ومنها ينحدر الرجل المقاوم ضد الاستبداد في عصرنا حيث سجن لمدة سنين طويلة وهو السجين الأشهر في سوريا من الساسة أصحاب الرأي تقريبا الناشط رياض الترك لأنه وصف حافظ الأسد يومها بالدكتاتور ووقف ضد ابنه بشار كذلك. وهكذا فالثقافة والمثقفون في حمص لا يعدون وإنما أتينا بأمثلة منهم، هذه هي حمص من جهة، أما من جهة أخرى فلا ننسى أنها مدينة ابن الوليد خالد رضي الله عنه وهو أبو سليمان الذي لقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة سيف الله المسلول القائد الذي ضرب المثل في المغامرات والخطط الحربية وكذلك الخطابة والفصاحة وكان رجلا مطواعا قبل عزل عمر له عن القيادة وقال: إنني أقاتل من أجل رب عمر لا من أجل عمر، وقال عمر والله ما عزلته إلا لأنني خشيت أن يفتن الناس به لكثرة انتصاراته وهيبته وتأثيره العجيب ثم أعاده فرفض وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يسلم خالد فقال لأخيه الوليد إذ زاره أين خالد، قال: يأتي به الله إن شاء لو جعل نكايته وجده مع المسلمين لكان خيرا له ولقدمناه على غيره وهكذا أسلوب رسول الله في الدعوة وكان ذلك سببا لإسلام خالد الذي طلب من الرسول أن يستغفر له فاستغفر له واشترك في حرب المرتدين زمن أبي بكر رضي الله عنه ولما أصر قادة الروم على حرب المسلمين قال أبوبكر والله لأشفين وساوسهم بخالد وقد أوقف الناس في معركة اليرموك خلف الرجال كيلا يفر أحد، وقد فتح الله على يديه الشام وكان ينادي من يبايع على الموت هبي ريح الجنة وقال عنه أبوبكر: عجزت النسا أن يلدن مثل خالد ووصفه الحافظ ابن كثير بأنه الرجل الذي لا ينام ولا يترك أحدا ينام، خالد الذي أجاب ماهان قائد الروم إذ قال له إذا كان الذي أخرجكم من بلادكم الجوع أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاما إنه لم يخرجنا الجوع ولكننا قوم نشرب الدماء وقد علمنا أنه لا دم أشهى وأطيب من دم الروم فجئنا، روى الإمام أحمد في المسند ورجاله ثقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم عبد العشيرة وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين، روى عن النبي ثمانية عشر حديثا منها: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة أشد الناس عذابا للناس في الدنيا ولما حضرته الوفاة قال: شهدت كذا وكذا زحفا وما في جسدي موضع إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح أو رمية سهم وهاأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء، مات في حمص عام 21 للهجرة.
وإن ننسى لا ننسى أن خططه العسكرية قد ألفت فيها كتب كثيرة أهمها كتاب خالد بن الوليد لمحمد الصادق عرجون وتدرس هذه الخطط في جامعات ألمانيا وانجلترا، إن هذا الصحابي العبقري البطل الموهوب الذي لا يمكن أن يتوقع أن يكون خلف المسلمين خاصة في مدينة حمص من يتقاعسون عن الجهاد والاستشهاد وهو ما يتم حقا في الواقع فكم قدمت حمص من شهداء في ثمانينيات القرن الماضي، حيث شهدت مواجهات كبيرة مع أزلام حافظ الأسد وتعرضت لمجازر بشعة آنذاك حيث آزرت مدينة حماة الشهيدة التي راح ضحية مجازرها نحو خمسين ألفا حتى وصفت بمأساة العصر، وما كان خالد يتوقع أن يقعد الكثير من الأحرار والشرفاء عن مؤازرتها اليوم ولكن هذا ما يحدث فهي تتعرض الآن لمجازر وحشية وفظائع لا مثيل لها وكما عبر أحد المتحدثين منها مع قناة الجزيرة أنها غدت مستباحة، فالرمي بالقذائف على منارات المساجد أولها ودهم البيوت وانتهاك الحرمات تاليها وقد شهدنا بأعيننا مناظر جنود الأمن وهم يعتلون المنازل ويفتحون الأبواب ويهرعون بأسلحتهم داخل المنازل حتى جاء في حديث القنوات صوت امرأة تستغيث بالله وهي تدعو: الله اكفنيهم بما شئت وكيف شئت وتكرر هذا مرارا، إنها مشاهد كنا قد ألفناها في الثمانينيات من إجرام هذه العصابة التي لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة وهل يستغرب هذا من قوم لا يردعهم دين ولا خلق ولا مبدأ ولا قيم ولا حقوق إنسان، إنهم وحوش ضارية وأصحاب همجية ما فوقها همجية ولا غرابة في ذلك فعلى هذا نشأوا وعلى الحقد تربوا، لو أن هؤلاء القوم يخافون الله وما أعد للمجرمين الذين يعذبون الناس ما فعلوا ذلك إنه حديث رواه خالد عن رسول الله ذي الكلام المعجز وكيف لا وهو الموحى إليه من ربه أشد الناس عذابا الذين يعذبون الناس في الدنيا، أليسوا جديرين بهذه الصفة الذميمة التي تحمل الرعب والنكال عليهم في الآخرة كما يعذبون المظلومين والأبرياء والمتظاهرين السلميين اليوم الذين لم يرفعوا حتى العصا وإنما يثورون بأصواتهم ويدعون إلى إسقاط النظام وذلك بعد أن أجرى هذا النظام الدماء في سورية أنهارا ليس من الشهداء فقط، بل من الجرحى والمعتقلين والمخطوفين المفقودين الذين لا يعلم أحد أين مصيرهم، ثم يحدثونك عن القانون وعن الحوار وهم قبل غيرهم شر من يدوس القانون إذا تعارض مع مصالحهم ومناصبهم وسلامة كراسيهم وسلطتهم الغاشمة العمياء التي لا تعرف للعدل مكانا وإنما للحل بل أصبحوا يقولون اليوم الحسم الأمني خابوا وخسروا وقد أدرك ذلك المفكر وليام بت عندما قال: عندما يغيب القانون يبدأ الطغيان، فدولتهم المزعومة دولة أشخاص معروفين بعدد الأصابع هم الحاكمون الطائفيون لا دولة قانون، كما يعاني منهم المفكرون وأصحاب الأقلام والناشطون والناشدون للحرية وكما يقول سبينوزا إن القوانين التي تلجم الأفواه وتحطم الأقلام تهدم نفسها بنفسها.
وذلك أن هؤلاء اعتبروا أن سلطتهم فوق القانون أو كما يقول المثل الإيطالي: كلما استنبطوا قانونا جديدا استنبطوا طريقة للتخلص منه فقد ألفوا قانون الطوارئ وفي اليوم نفسه قتلوا المئات واعتقلوا بعده الآلاف وأخذوا يعملون بقانون آخر ظنوا أنه يجيز لهم ذلك.
إن القانون عادة يحمي الحق ولكن القانون عندهم يحمي الظلم والظلمة والشبيحة ويجيز ترويع وتعذيب وقتل الناس ونشر الدبابات والمدرعات والناقلات في الأحياء والمدن والقرى والشوارع واختراق المساجد وتدنيسها وقتل الناس فيها على غرار ما حدث يوم الجمعة الماضي في جمعة أحفاد خالد داخل مسجد آمنة بنت وهب، حيث قفز الشبيحة على المصلين داخل المسجد بكثافة كبيرة واستمروا في ضربهم وهم يحملون السكاكين والبلطات، وحتى قلعوا عين أحد المصلين وبقروا بطنه فاستشهد فورا ورأى العالم هذا المشهد على الفضائيات ولم يعد جامع آمنة آمنا، ثم يحدثونك عن الحوار أي حوار والذبح على الجرار في هذا الشعب المسكين، لقد فطن رئيس اتحاد الطلبة في الشام إلى أن اللقاء التشاوري الذي تم قبل أسبوعين برئاسة فاروق الشرع نائب بشار لم يكن حوارا جادا وأنه ضم ثلة من البعثيين والتابعين لهم من الجبهة الوطنية التقدمية وبعض المعارضة دون الاكتراث بأهل الشأن من المتظاهرين ومن المعارضة الفاعلة ولم يسمع لمن اشترك منها كالمفكر الطيب تيزيني لدرجة أنه لام فاروق الشرع وأنكر عليه، وهكذا من فمك أدنيك، نعم إنهم لا يريدون حوارا بل يريدون كسب الوقت وتخدير المشاعر والإغراء بلعاعة من الدنيا للبعض ولكن المفاجأة مع ذلك جاءتهم من معارضين مشاركين رفضوا إلا الحرية والعدل والحوار الجاد. وعودا على بدء فها هي مدينة ابن الوليد الباسلة تستغيث بكم يا مسلمون ياعرب، أين مشاعر الأخوة الفاعلة عندكم وانتم أيها الحكام أن معظمكم قد بات غير شجاع لنصرة إخوانه والله لو سفك دم قطة خطأ لتأثر الإنسان عليها فكيف وإخوانكم يذبحون، تكسر أضلاعهم وأيديهم ورؤوسهم ويمثل بهم أشد تمثيل أين الغيرة والنخوة، أين العروبة، أين الإيمان يا إخوة الإيمان، أما الجامعة العربية وصاحبها نبيل اللانبيل فعليه من الله ما يستحق لما يرى ويسمع ثم لا ينبس ببنت شفة نصرة لشعب عربي مضطهد وأما أكمل الدين أوغلو زعيم منظمة التعاون الإسلامي فليس أقل منه قعودا وجمودا مع معرفتنا بدينه وخلقه ولكنها السياسة التي تجبر هؤلاء على التبعية لمن وظفوهم ولا يجدون شجاعة أمام المنصب أو المال غالبا.
أما الموقف الدولي فما أظنه إلا من باب ذر الرماد في العيون وهو بهذا المستوى المتدني إنما يعطي الفرصة الكافية لسحق الانتفاضة حتى ترضى إسرائيل التي يصلي رهبانها كما تواترت الأخبار لبقاء حكم بشار الذي حافظ على الهدوء في جبهة الجولان، ويا لها من ممانعة، أفيرضيكم أيها الأحرار أن تتمدد إيران في بلادنا ويتمدد حزب الله ويعينوا الظالم ونظامه وأنتم تتقاعسون حتى في المواقف، إن هؤلاء الطائفيين خاصة في حمص حيث يلعبون على ورقة الطائفية وقد أسكنوا كثيرا منهم في حمص لن ينجحوا لأننا لسنا طائفيين مثلهم ولكننا عشنا ونعيش مع جميع السوريين بكل تسامح وختاما مع الشاعر نزار قباني:
وقبر خالد في حمص نلامسه
فيزحف القبر من زواره غضبا
يا ابن الوليد ألا سيف تؤجره
فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا
Khaled-hindawi@hotmail.com
ثقة دولية في أدوار الوساطة القطرية
تحظى جهود الوساطة التي تقودها الدبلوماسية القطرية بتقدير دولي كبير، حيث عززت دولة قطر مكانتها كأبرز وسيط في... اقرأ المزيد
93
| 22 ديسمبر 2025
حين يركض النص أسرع من صاحبه: تأملات في مصير الحقوق الفكرية
لا يشبه النص، حين يُولد، أيَّ كائنٍ آخر؛ إنّه هشّ في بدايته، شديد الثقة في آن، يخرج إلى... اقرأ المزيد
135
| 22 ديسمبر 2025
الإعلام غير الاجتماعي وخطاب الكراهية
فيما يرى ابن خلدون أنّ الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، وأنّ الاجتماعية تقوم على التواصل والنظام والاستقرار والتضامن والعدالة،... اقرأ المزيد
72
| 22 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
1110
| 18 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
942
| 16 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها من كأس العالم الذي أبهر وأدهش وأتقن، الى احتضان فعاليات كأس العرب. نعم نجحت قطر في جمع العرب في ملتقى استثنائي، بدأ بافتتاح مهيب وأسطوري اجتمعت فيه حضارة العرب وعاداتهم وأحلامهم ونجحت في تقديم فلسفة الاستاد خلال الأيام الماضية على أنه البيت العربي الكبير الذي يجمع العرب متجاوزين الحدود والفوارق. لقد تبيّن لنا أن هناك الكثير مما يجمع العرب، وليس حرف الضاد وحده، فها هي كرة قدم أظهرت أنهم يقفون ويستطيعون البناء وتقديم الأفضل، وأن هناك جيلا متفائلا يؤمن بالمستقبل وبأنه قادر على أن ينهض من تحت الركام، جيل جديد يتنفس عطاءً ويضع لبنات البناء الذي يعيد المجد لهذه الأمة. أما فلسطين فكانت حاضرة في هذا المهرجان الكروي، في تضامن ليس جديدا أو غريبا على قطر وشعبها، ولعل الأوبريت المؤثر حين جمع قصص الاناشيد الوطنية للدول العربية عبّر لكل الحاضرين والمشاهدين أن تحريرها ممكن وان وحدتنا ممكنة. قطر ومن جديد تجمع العرب في كأس العرب للمرة الثانية من المحيط الى الخليج في هذه الاحتفالية الكروية التي تعد الأكبر في العالم العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه عن سرّ نجاح قطر مرة تلو الأخرى؟ لقد وضعت قطر بصمتها على خريطة العرب والعالم فأصبح يشار إليها بالبنان لما تمتلكه من قدرات استثنائية على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وتمثل كأس العرب فصلاً جديداً في هذا الإرث الرياضي الغني والمتنوع. قطر وخلال أعوام مضت وضعت رؤيتها، وحددت هدفها وسخرت امكاناتها، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق ما رأيناه من ترتيبات لإقامة كأس العالم على أرض صغيرة حجما، كبيرة بالفعل فكان لها ما أرادت واستقر الهدف وجاءت في هذه البطولة لتبني على ما تم انجازه وتعطي أكثر وأكثر. تمتلئ ملاعب قطر بالجماهير التي تحول ملاعب المونديال الأيقونية إلى مسرح جديد للإثارة الكروية العربية يستفيد فيها المشاركون والجماهير من منظومة متكاملة، أسست على أرقى المعايير البيئية العالمية، فهي لم تعتمد بناء ملاعب يطلق عليها مصطلح الأفيال البيضاء ببناء أبنية ضخمة لا داعي لها بل شيدت على مبدأ الاستدامة واستخدام أدوات صديقة للبيئة بحيث يمكن تفكيك وإعادة استخدام الملاعب وفق خطة مدروسة بمجرد الانتهاء منها سواء بإعادة تدويرها في مشروعات داخلية أو بالتبرّع بها وإهدائها إلى دول أخرى لرفع كفاءة منشآتها الرياضية إضافة الا أنها ملاعب بلا تدخين وملاعب يصدح فيها صوت الأذان انجاز مختلف ومقدر. يضاف إلى هذه الملاعب المونديالية، أنها استفادت من البنية التحتية الرياضية الواسعة التي أولت قطر اهتماما كبيرا بها بما في ذلك مرافق التدريب الحديثة، ومناطق المشجعين التي توفر تجربة ترفيهية متكاملة وفي نقطة تحسب لهذه الجهود تتضمن الملاعب خيارات أماكن مخصصة للمشجعين من ذوي الإعاقة. وهنا لا بد من ذكر تسهيلات حركة المشجعين من خلال شبكة منظمة من المواصلات فنجاحها يعد حجر الزاوية في انجاح البطولة فهي توفر شبكة نقل حديثة ومتكاملة تتمتع بسلاستها وفعاليتها مع وجود مترو الدوحة العمود الفقري للدوحة الذي يربط غالبية الملاعب والمناطق الحيوية في قطر خلال دقائق معدودة، بجانب منظومة نقل عام فعالة سلسة الحركة خلال الفعاليات الكبرى، فضلا عن طرق حديثة تساهم بصورة كبيرة في تقليل الازدحام وتعزيز انسيابية حركة الجماهير. وإلى جانب ذلك، يتوفر أسطول حديث من الحافلات الكهربائية الصديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك خدمة نقل عام مستدامة وفعالة تشمل "مترولينك"، والتي تتمثل في شبكة حافلات فرعية مجانية تربط بين محطات المترو والأماكن المحيطة. لقد ركزت قطر على الاستدامة عبر استخدام حافلات كهربائية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتوفير تجربة سلسة في نقل المشجعين مع الأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم وسائل النقل والمحطات، وهو الأمر الذي يساعد على ترك إرث مستدام لقطر يعزز من مكانتها كمركز للفعاليات العالمية. وبينما تدار المباريات من جهة تقام مجموعة من الفعاليات الثقافية والترفيهية لتعزيز تجربة المشجعين وخلق أجواء إيجابية وبناء جسور بينهم حيث ترحب قطر بهم بطريقتها وبحسن وكرم الاخلاق والضيافة. أي انجاز هذا، خطوة ٌتحسب وتقدر ونقطةٌ بألف هدف، فقطر تربط استثمارها بالرياضة بتحقيق نمو اقتصادي وسياحي وفي نفس الوقت وفي هذا المحفل العربي الاخوي تزيل اسباب الفرقة وتقرب المسافات في تجمع لم نكن نراه او يشهد له في من سبقها من فعاليات لكأس العرب. أي انجازٍ هذا في أكبر تجمع عربي، إذا هي الارادة الجادة والحقيقية المنتمية، تغلفها الشجاعة والاقتدار الساعية لبث الخير. قطر لا تمتلك المال فقط، إنما هي تتبع قواعد النجاح وتركز على الإنسان وفكره وتطويره، لا تترك جهدا ً في الاستفادة من خبرات الآخرين والتعلم منها والبناء عليها، وتعطي الفرص وتمنح المساحات للعطاء لمن يريد من القطريين أو غيرهم ممن يعيشون على أرضها. من استاد ملعب البيت كان الافتتاح، ولن تكون النهاية، لقد أصبحت قطر على الدوام البيت الذي يجمع ولا يفرق يلم الجراح ويبث الطمأنينة. الأمل يحدونا لأن نزيد ما تم بناؤه فكريا وروحيا ومعنويا في قطر، وفي غيرها من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، حتى نغدو منارة يهتدى بنا.
696
| 15 ديسمبر 2025