رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

علي المسعودي

مساحة إعلانية

مقالات

129

علي المسعودي

جائزة الشيخ حمد للترجمة... فن صناعة الوعي

26 نوفمبر 2025 , 04:00ص

تابعت النشاط المميز لجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، وهو النشاط الذي يفتح بابًا واسعًا للتأمل في التحولات التي تحرّك العالم الثقافي اليوم، وموقع العرب في خريطة اللغات العابرة للقارات.. ومدى فاعليتها وأثرها. 

الجائزة ستُكرّم في دورتها الحادية عشرة الفائزين في التاسع من ديسمبر المقبل بحضور نخبة من الشخصيات الفكرية والإعلامية.

 غير أن العنصر الأعمق هو تبنّي الجائزة ثلاثًا من اللغات العالمية: الإنجليزية، الألمانية، والتركية، إلى جانب لغتين تُعدّان من «اللغات الأقل انتشارًا» وهما اليابانية والتايلندية. ويمكنني اعتبار هذا القرار فعلا إستراتيجيا لا يخص الجائزة وحدها، بل يمسّ موقع اللغة العربية نفسها في المشهد العالمي. 

إنّ إدراج هذا الطيف اللغوي المتنوّع ليس مجرّد توسيع للجوائز، بل محاولة لربط العربية بفضاء لغوي عالمي حيّ. فاللغات التي اختيرت تجمع بين اللغات المركزية الأقوى في العالم، وبين لغات تحتاج إلى دعم لتثبيت حضورها في صناعة الترجمة. 

وهنا تظهر قيمة الجائزة: ليست مجرد جهة أو فعالية لتبادل النصوص المترجمة، بل منصّة لإعادة رسم توازنات المعرفة. لقد أصبح واضحًا خلال العقد الأخير أن حركة الترجمة —العربية منها وإليها— لم تعد نشاطًا ثقافيًا جانبيًا. بل هي اليوم مشروع استقلال معرفي. فالأمم لا تُقاس بمواردها الطبيعية فقط، بل بقدرتها على فهم العالم بلغته، والحديث إليه بلغتها. ومع توسّع الجائزة في هذا الاتجاه، نلمس تحوّلًا مهمًا: فهي لا تعمل على جلب المعرفة فقط، بل على تصدير الوعي العربي أيضًا. تترجم أدب الآخرين، لكنها في الوقت نفسه تحفّز الآخرين لترجمة النص العربي، كي يصبح جزءًا من ذاكرة الأدب الإنساني، جزءاً من حركته وتحولاته واعتمالاته. إن الجائزة التي تشتغل على فكرة توسيع الجسر المعرفي من وإلى الآخر.. تقدّم درسًا مهمًا: أنّ الثقافة ليست مجرد فعل احتفال، بل فعل تأسيس. وأنّ الأمة التي تحرص على ترجمة العلم ووضعه بين أيدي أبنائها، إنما تعيد ترجمة نفسها أولًا: تعيد اكتشاف صورتها، لغتها، خطابها، وأسئلتها. 

لقد أعادت الجائزة خلال سنوات قليلة الاعتبار للمترجم، ومنحته المكانة الذي يستحقها، ووسّعت دائرة الترجمة من «النص» إلى «الفكرة» إلى مشروع معرفي يتفاعل معه الآخرون بجدية واحترام. حتى باتت الجائزة نقطة لقاء بين الشرق والغرب، بين العربية واللغات الأخرى، لتؤكد أن الثقافة فعل حضاري ضد الجهل، وبأن الترجمة أداة لحماية الذاكرة الإنسانية من الانغلاق.

مساحة إعلانية