رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في ثالثة الأثافي بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات المشروعة المحقة كما ذكر الرئيس بشار في أول خطاب له نهاية مارس الماضي أخرج اليوم ما في جعبته مما خف حمله من كنوز الإصلاح السحرية هذه المرة التي أراد بها أن يطلع علينا بعد غياب محير فكشف المستور بعد أن بلغ السيل الزبى، ورفع عقيرته واقفا على مدرج جامعة دمشق التي لم يكن الطلاب فيه حضورا اللهم إلا من كان مؤيدا أو له عذر الإحراج في الحضور ثم الإزعاج بالتصفيق، إلى أن انتهى الخطاب على حصان طروادة وسمعنا من قال: لافض فوه وإن من البيان لسحرا ومن قال: يا جماعة لا تنسوا أننا في شهر رجب وحالة:
عش رجبا تر عجبا
إن البلاء موكل بالمنطق
تسمع بالمعيدي خير من أن
تراه وبين هؤلاء وهؤلاء
قرأت ما يقال أن الرئيس شنَّف أسماع الأمة بما أصاب كبد الحقيقة في الحديث عن الوضع السوري الراهن وطرح الإصلاحات المطلوبة فقلت: لقد أطنب القائد في كلامه ليعرف كل من في شوارع الشام أنه أوجس خيفة منهم ولكنه حريص عليهم ولذلك طبخ للجميع اليوم طبخة شهية في اعتباره وأراد منهم أن يأكلوا منها حتى لو لم تعجبهم ولم يستشر أحدا منهم في نوعها وطعمها، فهي من الرئيس الأوحد ولابد أن تكون لذيذة طيبة نافعة وفي عهد الفكر الشمولي للأب والابن فلابد للقطيع أن يستسلموا فالآخر لا مكان له إلا في نفسيهما حتى لو لم تكونا على حق وفضيلة.
فماذا قال صاحبنا في بعض هذا الخطاب وأتى به من جديد، طبعا إن الأسطوانة التي تعود عليها شعبنا منذ أكثر من أربعة عقود هي الاتهام بالمؤامرة فما يقوم الأحرار به من احتجاجات سلمية فعلا ضده، إنما هي جارية في هذا السياق، إنها مؤامرة خارجية من سلسلة المؤامرات الكثيرة التي تعرضت لها سورية في تاريخها الطويل بسبب مواقفها السياسية، أي المشرفة، أي ليست المظاهرات عفوية انطلق بها الشارع نتيجة الاحتقانات والمظالم التي مر عليها قرابة نصف قرن وليست متأثرة باحتجاجات تونس ومصر وليبيا، ثم دعا إلى تقوية المناعة الداخلية والبحث عن نقاط الضعف وترميمها.
أجل: أما المؤامرة فهو ومن لف لفه يدركون أن هذا ليس صحيحا البتة وأن الشعب المهضوم لم يطالب في بداية هبته إلا بالإصلاح والحرية والكرامة والتخلص من حياة القهر والذل والاستعباد والاستبداد وممن يا ترى: من فئة قليلة في أسرة وحيدة ومن يلوذ بها ممن سخروا أي تطوير أو تحديث في البلد لمصلحتهم لا لمصلحته ولا يوجد دليل واحد على أنها مؤامرة خارجية إذ ولدت هذه الثورة في بلادنا ولادة قيصرية ورغم أنها في طريق مخاض عسير فقد ولدت لأن طبيعة السنن الكونية والتاريخية أرادت لها أن تظهر إلى حيز الوجود بعد هذا الكمون الهائل من ضيق الخناق، أما العلاج بتقوية المناعة الداخلية لحل المشكلات فهو ووالده قبله هما اللذان أضعفا هذه المناعة حتى هزل الجسم القوي وتسببا في إلحاق الذل بكل سوري حر أصبح يخجل في عهدهما أن يقول إنه سوري لما لسورية من تاريخ عريق عظيم ومن أعلام بارزين بمواقفهم في جميع جوانب الحياة ولكن:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها
كلاها وحتى سامها كل مفلس
ومع ذلك فإن طبيبنا الذي انتقل من العيادة إلى القيادة أي من نطاسي إلى سياسي يبدو أنه نسي حقيقة التشخيص في العيادة العينية وأصبح جراحا بل جزارا يجيد الذبح والجرح والركل والعفس بل واغتصاب الفريسة الذي قام بها شبيحته دون غيره ومازالوا وبالرغم من هذا وبعد فساد أحد عشر عاما يحدثك عن الحل الداخلي وإصلاح الأحياء والأموات لتقوية المناعة إذ بهذا وحده أي الحل الأمني الأنجع تحل الأمراض وتنتعش الجسوم والنفوس من جديد، أما في باب السياسة التي هي حسن التدبير فأي تدبير أحسن من مخالفة المنطق وسحق أبجديات هذه السياسة من أجل السلطة والمغنم، وقد صدق الرافعي الأديب إذ يقول: إذا كانت المشكلة بين الذئب والحمل فلن يكون حلها إلا من أحد اثنين إما لحم الخروف أو عصا الراعي، وإذا كانت المصلحة في السياسة هي المبدأ فمعنى ذلك أن عدم المبدأ هو في ذاته مصلحة السياسة. وإن همّ مثل أولئك الساسة أن يقدموا دائما الكلمة الملائمة للوقت. أي تمويها وخداعا أقول: ولكن نسي الرئيس ومن معه أن الوعي بالحرية أصبح أمنع سد أمامهم وأكد القائد الذكي أن الحل الأمني أثبت فشله بإنزال الجيش والأمن لقمع الاحتجاجات بالنار مهما كان كلفة ذلك من ثمن ولكن بعد ماذا، بعد الصرخات والويلات والانتهاكات وقتل النفس التي طالت الجميع بما فيهم الشيوخ والنساء والأطفال والشباب الذين هم بأعمار الزهور، فهل قال هذا الملهم: حسبنا ما أجرمنا به، كلا إنه برر ضرورة إبقاء الجيش والأمن في المدن والأحياء لأن طبيعة المشكلة الآن تقتضي ذلك اعترافاً منه أن حكمه كما كان حكم أبيه لا يمكن أن يدوم بغير الدبابات والقمع وأن على الشعب أن يحاور جلاده مجبرا في هذا المناخ وإلا.. ونحن نعرف أن الجيش والأمن منذ عهد أبيه كانا الجهازين اللذين أشرفا على كل التحولات في الحياة وأرادا لها أن تأتي على صورتيهما وقد تحولت وزارة الدفاع وكذلك الداخلية إلى مركز تقرير للحياة العامة أي أصبحتا القوة الحاكمة وليستا من أدوات الحكم فحسب، وما الحزب الذي تسمى بحزب البعث العربي الاشتراكي، إلا تابع لهما وممنوع من القرارات المهمة وإن كل سوري نظيف شريف يعرف هذا كما يعرف الإنسان نفسه وأباه وأمه. وقال الأسد: إن العفو الذي أصدره مؤخرا لم يكن مرضيا للكثيرين على الرغم أنه جاء أشمل من غيره، إن جلدك وشعر رأسك يقشعر عندما تسمع هذا الكلام وتتساءل بحق: من يحاسب من ومن يعفو عن من؟ أبعد كل هذه الجرائم والفظاعات السابقة واللاحقة الحاضرة يتجرأ على مثل هذا المن والأذى، لقد اقترف الأسد بحق الضحايا ما يصلح حقيقة أن يعتبر جرائم ضد الإنسانية واليوم يريد أن يتصدق بالعفو على الأحرار أو يعفو المجرم عن غيره، أفبعد هذا المنطق منطق! نعم إننا نقول هذا بمعنى أنه هو المسؤول الأول والأخير عما جرى ويجري من المآسي وإن اشترك معه أخوه ماهر وأركانه وشبيحته الأوغاد.. وقال الأسد: إنه سوف يعرض قوانين للإصلاح السياسي ويكلف لجنة وهيئة للإعداد لحوار وطني يشترك فيه الجميع وسوف يستشير وزارة العدل في ذلك.. ما شاء الله!! متى كان الديكتاتور يأخذ برأي غيره ويحترم رأي القضاة، بل إن هؤلاء القضاة ليعرفون ذلك لأنهم ما داموا أصحاب دين وذكاء وضمير حي فإنهم يعرفون أنهم محكوم عليهم قبل أن يحكموا على الناس، والجدير بالذكر أن حرف "سوف" تكرر في خطاب الأسد كثيرا حتى سماه بعضهم: مستر سوف، أي لأنه لا يمكن أن يكون مصلحا كما يريد الحق وأهله وإنما يعمل ذلك لكسب الوقت أو عمل ديكورات وزخارف لا تنفع حين يهوي البناء.
وأضاف الأسد: لا مبرر لأعمال القتل والتخريب في الاحتجاجات، وهذا كمن يقولون ضربني وبكى وسبقني واشتكى، أهكذا تورد الإبل يا سعد نعم إن الحرب خدعة ولكن مع العدو الإسرائيلي وسواه لا مع الشعب الذي لو كذبت في سبيله فلا مانع أما أن تكذب عليه وتقلب له ظهر المجن فهذا من صفات النعامة وإن كنت أسدا حقا وما من وسيلة إعلامية وشهود عياد وضحايا سقطوا وجرحى ومسجونين وفارين إلا ويشهدون أن الاحتجاجات "سلمية" وقد زورت أنت وحزبك وعصابتك الحقائق بجماعات مسلحة مزعومة لتبرر قمعك ولكن الشمس لن تغطى بالغربال وقد تمت الفضيحة للباطل على رؤوس الأشهاد عالميا.
وقال المؤيدون: ألم يقدم الرئيس التعازي للضحايا واعتبرهم شهداء لأهيلهم وللوطن وحزن عليهم؟!! قلت إذا لماذا اعتبرهم مخربين وهو الذي ناقض نفسه لما قال بداية إن مطالبهم مشروعة هذا من جهة ومن جانب آخر، إنما يقول ذلك كي ينجو مستقبلا من قصاص المحاكم الدولية، حيث إنه منع إطلاق الرصاص ولكن لم يستطع فأخذ يترحم على الشهداء ليكون إثباتا له أيضا أنه لا يرضى بقتلهم!
وقال الأسد: إنه تعجب لما فوجئ بعدد المطلوبين للعدالة في سوريا إذ بلغ 64 ألفا أي ما يعادل خمس فرق عسكرية،قلنا وهل هذا تم في غير عهدك المفسد وإن الله لا يصلح عمل المفسدين ولو فرضنا أن هؤلاء لم يكونوا كذلك ووجهناهم إلى جبهة الجولان اما يحررونها ولكن ماذا تقول للمكابر الفوقي المغرور المتعجرف المتجبر الذي لا ينظر بعين البصيرة، أما ما ذكره عن جوازات السفر وأنه أمر هو والمعلم بفتح اللام وزير الخارجية بمنح الوثائق للممنوعين فهذا حقهم لا منة لهما فيه ومع ذلك لم تنفذ الأوامر!
مشكلتنا العويصة معك ومع نظامك أيها الرئيس الوريث أنكم قوالون غير فعالين بكل ما ذكرتم من أمور أخرى وردت في الخطاب، أما شأن النازحين إلى تركيا ولبنان والأردن فعليكم من الله ما تستحقون في إجرامكم الشامل وعودا على بدء فكما قال مصطفى الرافعي: إن النصر أخيرا لمن يحتمل الضربات لا لمن يضربها!
Khaled-hindawi@hotmail.com
«يومنا الوطني».. احتفال قومي لكل العرب
هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي، ويخفق عالياً فوق جميع السواري، على إيقاعات «العرضة»، وأهازيجها الوطنية،... اقرأ المزيد
138
| 18 ديسمبر 2025
وللوطن جمال
نعم للوطن جمال بما تحمله كلمة الجمال من معانٍ ومساحات وأفراح وأشواق، إنها فطرة فطر الله تعالى الإنسان... اقرأ المزيد
123
| 18 ديسمبر 2025
اختتمت قبل أيام في الدوحة، النسخة التاسعة من جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في... اقرأ المزيد
87
| 18 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
747
| 16 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
717
| 11 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
645
| 12 ديسمبر 2025