رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أتذكر أنني كتبت في السابق عن مساوئ مواقع الإنترنت الطائفية التي تنشر أكاذيب واتهامات وتلاسنات تسيء إلى الوحدة الوطنية والترويج للطائفية البغضاء في المجتمع وتمس الذات الملكية وتشعل الفتنة.. وحذرت وقتها من إساءات ومبالغات توجه عن بعد لواقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإصلاحي والأهم الديني، ناهيك عن حملة التشكيك في كل ما حققناه من إنجازات.
وقتها تنفسنا الصعداء عندما قررت الحكومة مشكورة إغلاق تلك المواقع التي تكرس الطائفية والعنف في المجتمع، وقلنا إن الإسلام هو دين محبة وسلام ويحرم العدوان ويحارب الظلم ويحترم حرمة النفس الإنسانية وقدسيتها.. ولكن أن تطل علينا قنوات إخبارية أجنبية تقدم خدمة رديئة عديمة المضمون إعلاميا وخطر على المجتمع، فهذا يتطلب وقفة جادة. وأقصد هنا ما اعترف به مجلس أمناء قناة بي بي سي البريطانية بأن تغطية القناة لأحداث البحرين خلال الفترة من فبراير وحتى أبريل ٢٠١١ لم تكن محايدة وتضمنت تشويها وتحريفا للحقائق. ونحن ليس بحالة نشوة وامتنان لهذا الاعتراف بالخطأ المهني الذي وقعت فيه القناة العريقة في ممارسة العمل الإعلامي، وهذا مرجعه أن تقارير بي بي سي وقت الأزمة آتت أكلها وحققت الغرض غير السوي من بثها، فهي لم تكن محايدة بل عكست انحيازا لقلة ضالة كادت تحرق البلاد وتدمرها لمصلحة جهات أجنبية لا تريد خيرا بالبحرين.
وما يهمنا الآن هو مضمون تقرير مجلس أمناء البي بي سي للعالم الذي يؤكد للعالم براءة البحرين مما نسب إليها وقت الأحداث التخريبية وتعترف لكل مشاهديها على مستوى العالم أنها أساءت استخدام مفاهيم العمل الإعلامي وتحيزت لجماعة استخدمتها دولة أجنبية وحرضتها لتخريب البحرين من أجل مصلحة تلك الدولة وليس من أجل مصلحة هذه الجماعة التي تركت وطنها وأهلها وعشيرتها وراء ظهرها.
لقد بح صوتنا من انتقاد التقارير الوهمية التي اعتادت بعض الفضائيات على بثها عن تطورات البحرين وكأن المملكة تشهد انقلابا عسكريا، وكان ذلك بعيدا كل البعد عن الحياد والمصداقية. وتجاهلت بي بي سي تماما مبادرات القيادة الرشيدة لفتح الحوار مع كل الأطياف السياسية وكذلك ما تحلت به الأجهزة الأمنية من ضبط النفس.
ولعلي ونحن نتحدث عن خطورة الفضائيات والقنوات الإخبارية المسمومة، أشير إلى ما وقع في الشقيقة مصر بسبب هذه التقارير المغلوطة، فقد اعتادت الفضائيات المصرية قبل ثورة 25 يناير استضافة ممن يدعون أنفسهم نشطاء سياسيين، ولكن عندما تحرى المصريون عنهم عقب الثورة اكتشف كنيتهم اليهودية والصهيونية وارتباط كل هؤلاء بمراكز بحثية على صلة وثيقة بإسرائيل ومراكزها الإستراتيجية.
فمثلا عندما تستضيف فضائية مصرية ناشطة من أقباط المهجر، فهي مصرية وتتحدث العربية ولكنها تلفظ سما ضد مصر وشعبها وتدعي أنها تتحدث من أجل مستقبل مصر ومصلحتها، ثم يتبين لاحقا أن هذه الناشطة القبطية عضو فاعل في أكثر من مركز بحثي أمريكي موالي لإسرائيل، والمشكلة أن الفضائيات كانت تقدم هؤلاء على أنهم باحثون وخبراء في مراكز بحثية محايدة دون ذكر اسم المركز حتى تضلل المشاهدين ولا يتنبهون إلى هويتهم الصهيونية، وبالبحث والتحري اكتشفت جهات مصرية أن ضيوف البرامج والمحللين والخبراء السياسيين ما هم سوى ذراع لمنظمة إيباك، أكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا التي تعمد دائما على تشويه صورة مصر وتقويض فرص التواصل بين القاهرة وواشنطن.
وكان من ضيوف البرامج الدائمين دبلوماسي أمريكي يتم تقديمه على أنه خبير في العلاقات، ولكن اكتشف فيما بعد أنه عضو في مجموعة عمل ضد مصر تعمل من واشنطن بغرض بث روح الفوضى العارمة وترنح مصر إقليميا وعالميا ومحليا. وبالتحري أيضا اكتشف المصريون أن هذا الضيف الخبير في العلاقات الثنائية يهودي الديانة ليكودي الفكر.
ونحن لا نستبعد هنا أن تكون البي بي سي قد تعمدت استضافة مخربين تحت ادعاء مسمى الخبراء والمحللين ومنحتهم مساحات كبيرة من الوقت على حساب الوطنيين الشرفاء، وبالطبع هذا يتعارض مع ميثاق الشرف الإعلامي، ويعد تعمدا في تضليل الرأي العام. المشكلة أننا سكتنا كثيرا على تلك القناة حتى ظهر تقرير الأمناء ليفضحها، وليكون الشاهد من أهلهم وليس منا، وأعتقد أن المطلوب الآن محاسبة جادة مع كل قناة أو فضائية أغفلت أصول المهنة وخدمت فقط خلفيتها السياسية والدينية والفئوية والطائفية والأيدلويوجية المعادية للبحرين.
إن دور الإعلام خطير ولاسيَّما أن الكلمة سلاح ذو حدين فهي قد تبني المجتمعات وتعمل على تطورها وقد تهدم ما تم بناؤه عبر سنوات طوال في حياة الشعوب والمجتمعات. وهذا ما فعلته البي بي سي، فكثيرا من موضوعاتها تتسبب في أزمات سياسية وتترك آثارا سلبية على المجتمع، إضافة إلى تشويه صورة الدولة والإساءة إلى شخصيات ورموز وطنية شريفة.
وعلينا إذا كنا بصدد عدم تكرار التجارب السيئة لتلك القنوات، ضرورة التنبيه على المراسلين الأجانب أو المحليين الذين يعملون لدى قنوات أجنبية أن يتحروا مصداقية الخبر والتأكد من الأخبار والحقائق والابتعاد عن التشويه والتجريح وقلب الحقائق بهدف الإساءة ونشر الفتن، حتى لا يتعرض المجتمع للتدمير وتقويض بنيانه وأركانه.
فالإساءة والتشويه والتجريح وممارسة التحريض ضد الآخرين وتجاوز الخطوط الحمراء وحدود الدين والأخلاق والآداب والذوق العام، أمر مؤسف بحق، وللأسف فإن العصر الإعلامي الذي نعيشه شاهدنا فيه إعلاميين كثيرين وقد فقدوا صوابهم وقلبوا الحقائق وشوهوها ولعبوا دورا كبيرا في تضليل الرأي العام وخداعه بهدف تحقيق مصالح ومنافع لمصلحة فئة قليلة. وعلى هؤلاء أن يعلموا أن المصداقية هي معيار المشاهد، وإذا اكتشف هذا المشاهد أن تلك القناة تلعب به وتغشه وتبثه ضلالا وفتنة، سيتحول إلى أخرى بضغطة زر، وربما يستطيع إعلامي أو قناة غش المجتمع لفترة، ولكنها لن تضلله للأبد، فمستوى الوعي والثقافة ارتفع وأصبح بمقدور المواطن التمييز بين الغث والسمين في المواد الإعلامية التي تنشر هنا وهناك.
ولن أدعي جورا إذا دعونا إلى إعادة تشديد الرقابة مرة أخرى على القنوات الوافدة حتى نتجنب كوارث الإعلام والتقارير السامة على المجتمع فهي وسيلة من وسائل الهدم وليس البناء. فالإعلام له دوره الكبير في بناء المجتمعات وتَرسيخ مفاهيم حرية الرأي والتَعبير والديمقراطية السليمة، وليس التخريب والوقوف مع مجموعة ضالة ضد أخرى على حق.
نحن لا ندعو هنا إلى وضع القيود على العمل الإعلامي، ولكن نطالب بوضع ضوابط مشددة وتشكيل لجنة علمية تراقب ميثاق الشرف الإعلامي، على أن تكون حرية الإعلام مكفولة وفقا لتلك الضوابط ومنح الإعلام الحق التنافس وتحقيق السبق، بشرط عدم إثارة التعصب والنعرات الطائفية والقومية، وفي حدود ضوابط مهنية وأخلاقية. على أن تكون مهام تلك اللجنة مراقبة التزام الفضائيات والقنوات الإخبارية بنشر الحقائق والأصول المهنية وعرض كافة وجهات النظر حول القضية المطروحة. وتوجيه تحذير للفضائيات في حال تعمدت تضليل الرأي العام والتلاعب بمشاعره، أو تعمدت بث تقارير تدعو للتعصب واعتمدت على صور مغلوطة ومشوهة للآخر، أو خرجت عن الآداب العامة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4116
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1740
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1593
| 02 ديسمبر 2025