رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
جراء التوسع العمراني الذي شهدته دولة قطر خلال السنوات الماضية، دأبت الدولة - حفظها الله - ممثلة في وزارة البلدية والإدارات المنبثقة عنها على استقطاع العقارات والأراضي من المواطنين لحاجة بناء البنى التحتية ومنافعها مقابل تعويضات مالية مناسبة لأصحابها. وكان الاستقطاع ونزع الملكية والتعويضات حديث المجالس خلال الشهور الماضية، بسبب حجم الاستقطاعات الحكومية الكبيرة والتي شملت احياء ومناطق بأكملها.
في الماضي كان التوسع والاستقطاع غالبا لحاجة الطرق. وكانت التعويضات مجزية تفرح أصحاب العقارات والأراضي المستقطعة. ورغم استغلال البعض عدم وجود قانون تستطيع الحكومة الاستناد إليه في شراء الأراضي والعقارات المستهدفة، وإلى المغالاة والتمسك بجشع للحصول على أكبر مبلغ ممكن خلال تفاوضه مع الجهات الحكومية، إلاّ أن السائد كان التراضي والرضا بالتعويضات التي كانت مجزية بشكل جعل الكل يتمنى أن يمر الطريق في وسط بيته وكانت بشارة "جاك القص" تقع بردا وسلاما على صاحبها الذي يعرف أنه بصدد الانتقال من حال إلى حال أفضل بكثير.
اليوم اختلف الوضع كثيراً.. فمع صدور قانون نزع الملكية، استقطعت الدولة ما شاءت وما تحتاج إليه استنادا للقانون وصرفت التعويضات التي ارتأتها مناسبة للمتضررين حسب تقديرها. والإشكالية تكمن في أن التقديرات والأسعار التي تقرها اللجنة المشكّلة من قبل الوزارة للأملاك المنزوعة، أقل بكثير من الأسعار السائدة في السوق. وأصبح شائعا أن ترى أرضاً تباع وتشترى في منطقة ما بسعر 70-60 ريالاً للقدم المربع، يتم نزعها وتقييمها من قبل اللجنة بسعر 40 ريالاً للقدم المربعة. وبعد التظلم قد تحصل على زيادة اقصاها %15 من قيمة التعويض، أي حوالي 46 ريالاً.
وانقلبت بشارة «جاك القص» إلى دعوة «الله يعوضك» ويتحول خبر نية الحكومة في نزع ملكية منطقة ما - وهي تفعل ذلك لمساحات كبيرة - إلى فزع بين أصحاب الأراضي والأملاك وقرار فوري بالبيع بأي سعر.
هذا إذا استطاعوا بيعها قبل أن تعلن وزارة البلدية وإداراتها المعنية أن المنطقة On Hold، وهو ما يعني تحفظها على المنطقة أو الحي بأكملة بنية الاستملاك. وبالتالي منع أصحاب الأراضي والعقارات من البيع أو البناء أو عمل إصلاحات وترميمات في ممتلكاتهم وعقاراتهم بدون موافقة الوزارة. وقد يستمر التحفظ لشهور وسنوات قبل أن تقرر الوزارة نزع الملكية والبدء في إجراءات التعويض.
لا جدال في أن قانون نزع الملكية ضرورة لابد منها لوزارة البلدية لاستملاك ما تحتاج إليه لبناء وتطوير البنى التحتية للدولة. ولا شك في أن المنفعة العامة للمواطنين ومصالحهم مقدمة على المنفعة الخاصة للأفراد. ولكن يبقى على المسؤولين في وزارة البلدية وأعضاء لجنة التقييم والتعويضات التقيد بالقاعدة الأساسية المتمثلة في قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم {ولاتبخسوا الناس أشياءهم}. وليس لها أن تفرض التعويضات على قولة المثل "اشربي ولا العصا". فكما أن للدولة حقاً فرضه القانون فإن للمواطنين حقوقاً حماها الدستور. فالمادة (27) منه نصت على أن الملكية الخاصة مصونة. وأقرت نزعها للمنفعة العامة "بشرط تعويضه عنها تعويضاً عادلاً".
والواقع أن التعويضات المقدرة للأراضي المنزوعة في مناطق الدوحة وما حولها، لاتتناسب مع سعر السوق الذي يفرض نفسه. فيجد المواطن أن ما بيده من تعويض لايكفي لشراء أرض أخرى في الدوحة بنفس المساحة أو حتى أقل منها. ويضطر إلى البحث عن أراضٍ أقل قيمة وأبعد بعشرات الكيلومترات خارج الدوحة.
والحكمة ألا يكون هناك ضرر ولا ضرار، وأن تتناسب التعويضات مع القيمة الفعلية والحقيقية للممتلكات وقت استملاكها. وأن تضع الوزارة واللجنة المعنية في اعتبارها أن المواطن المنزوع ملكيته يتطلع إلى أن يشتري أخرى بدلاً عنها. وأن الفترة الزمنية بين تقدير التعويضات واستلامها والتي قد تمتد في بعض الاحيان الى اكثر من سنة، تكون فيها الأسعار قد ارتفعت لغير صالح المواطن. وقد شهدنا خلال الفترة الماضية كيف ارتفعت الأراضي ومواد البناء بحوالي %25 - 20 خلال شهور قليلة.
والإخوة الكرام في وزارة البلدية واللجنة المعنية بتثمين الأراضي والعقارات مطالبون بأن يعيدوا النظر في الأسس التي يتم بها تقدير التعويضات، بصفة مستمرة ليكون أكثر عدلاً وأقرب واقعية مع متغيرات السوق. والأهم أن يعيد البسمة إلى وجوه المتضررين.
... وعلى الخير نلتقي دائماً.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6375
| 24 أكتوبر 2025
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6201
| 27 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5103
| 20 أكتوبر 2025