رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
(1)
ينطلق العالم أجمع في سباق الألفية الجديدة بشكل صاروخي - ونحن في بدايات عقدها الثالث - نحو العلم والمعرفة، وإذابة الحواجز، والاستثمار الأمثل للموارد المتاحة، وفي أثناء هذا الانطلاق المتسارع قد تندثر هُويات متعددة، وتتشكَّل هُويات جديدة أقل ارتباطاً بأصولها لتتماهى (أو على الأقل تتماشى) والواقعَ الـمَعيش في زمان "الانفجار الحضاري العظيم".
والتغيير سُنَّة كونية خلق عليها الله تعالى الخلق، ووقفنا على كثير من ملامحها من خلال دراسة التاريخ البشري وما مر به من مراحل ازدهار وانحدار، ولعلنا نعيش في هذه الألفية أرقى مراحل الحضارة الإنسانية بما توصل إليه العلم والتكنولوجيا من إنجازات باهرة تكاد لا تُتصوَّر قبل عشر سنين مضت.
وهذه السُنَّة التغييرية قد تجعل البعض يتصور أن العالم أجمع ينبغي أن يذوب في هذه البوتقة الحضارية الضخمة، إلا أننا - عرباً ومسلمين - لدينا هُوية خاصة تبلورت عبر تعاليم ديننا الحنيف، وصُقلت على يد سيد البشرية ونبيها محمد صلى الله عليه وسلم؛ فالعنصر الذي شكَّل هُويتنا وحاطها في آنٍ معاً، بعد الدين الإسلامي وأخلاقه السمحة، هو لغتنا العربية التي جمعت ملايين البشر على هذه البسيطة، وحظيت بحفاوة ربانية حين اختارها الله لتكون لغة كتابه العزيز الذي أنزله نوراً وهدى للعالَمين، بل للكون جميعاً.
ومن المتخيل أن تضعف اللغة العربية وغيرها من اللغات بناءً على ما أسلفنا من القول باندماج الحضارة العالمية وتماهي عناصرها المتمايزة في بعضها، تماهياً إيجابياً متوازناً، لا انسحاقاً كتبعية المغلوب للغالب. ولكننا، بالرغم من التسليم العام بهذه الفكرة (على ما يوجَّه إليها من نقد، بل و"نقضٍ" أحياناً!)، ندرك تماما أن لغتنا العربية محفوفة بعناية إلهية حيث نزل الذكر الحكيم (كما سبقت الإشارة) بها دون سواها، فقد قال تعالى: "إنا نحن نَـزَّلنا الذكر، وإنا له لحافظون" (الـحِجْـر: 9).
(2)
وقد أسهمت عناصر عديدة في إضعاف اللغة العربية، اهتم برصدها وتحليلها الباحثون في حقول اللغة والمهتمون بالسياقات الثقافية عامةً.. ونكتفي هنا ببعضها فقط؛ رعايةً للاختصار وطلباً للتركيز.
- قلة الجهود المبذولة لتطوير مناهج علوم اللغة العربية وآدابها في المدارس والجامعات بشكل عصري مواكب للتقنيات الحديثة.
- ضعف الإعداد للأَطْـقُم التدريسية القائمة على تدريس اللغة العربية، وانعدام دافعية التعلم التطويري الذاتي عند الكثير من المعلمين بسبب كثرة المهام وازدحام الوقت.
- السياسة التعليمية الخاصة في بعض المدارس ثنائية اللغة، التي تقلل من النصاب العام لتدريس اللغة العربية في الجدول الأسبوعي لحساب بقية المواد الدراسية.
- مبالغة بعض المؤسسات وجهات العمل في اشتراط إتقان اللغة الانجليزية للحصول على وظيفة عادية في المجتمعات العربية.
- بعض الأسر تعتني بتعليم الطفل اللغة الإنجليزية لغةً أولى؛ استجابة لاحتياجات سوق العمل، أكثر من العناية باللغة الأم؛ مما يضعف اللغة العربية في قاموس الطفل، حتى على مستوى الخطاب اليومي، بل وحتى على مستوى اللهجة العربية الدارجة في بعض الحالات! ولا مفرَّ من أن هذا الضعف سينسحب على أسرته المستقبلية، فتكبر "كرة الثلج" بتكرار هذه النماذج الأسرية.
- والبعض الآخر من الأسر يمارس التقليد الحضاري (أو بالأحرى: اللاحضاري!) دون وعي، معتبراً أن اللغة الإنجليزية هي لغة الوجاهة المجتمعية، فيحرص على تغذية هذه الفكرة "الاستتباعية" في محيطه ومحيط أبنائه.
والباحث في أسباب ضعف اللغة العربية قد يجد عشرات من الأسباب الظاهرة أو الكامنة، وهي تختلف (في جذورها وأبعادها وتجلياتها ونِسَبها) من مجتمع لآخر، ومن "شريحة" اجتماعية وأخرى، ولكن ما يعنينا في هذه المقالة المركزة هو سؤال العلاج والنهوض: كيف نحفظ تراثنا، المتمثل في لغتنا وهُويتنا، وننقذه من هاوية التدهور والضعف؟، وكيف ننهض من هذه الكبوة الحضارية؟.
(3)
موجز الحل، من وجهة نظري، انطلاقاً من اهتمامي القديم/ المتجدد باللغة العربية، يتمحور في مبادئ ثلاثة: الالتزام، والإلزام، والاستدامة، وقبل بسط رؤيتي ثلاثية الأبعاد هذه بشيء من التفصيل، أحدد أولًا بإيجاز وبأسهل العبارات المعنى الاصطلاحي لهذه المبادئ الثلاثة.
- الالتزام: هو تفاعل الذات الحر مع القضية أو الحدث، وتبنيهما (أو أحدِهما) عن قناعة وإرادة، وإن خالفا (أو أحدُهما) ميولَ الشخص ورغباته.
- الإلزام: هو فعل قوة خارجية عن الذات، كالسلطة الحاكمة أو التنفيذية أو التشريعية والقضائية، التي لها حق الأمر والنهي، أو التطبيق، أو المراقبة والمحاسبة.
- الاستدامة: هي الحفاظ على الاستمرارية والحياة اعتماداً على حُسن استثمار الموارد وتنميتها وتوسيعها.
أما سؤال: كيف نطبق هذه المبادئ في مجال الحفاظ على لغتنا العربية الأصيلة؟؛ فسأصوغ، بإيجاز وتكثيف أيضاً، جوابه في عدة نقاط في كل مجال على حدة.
(4)
1- الالتزام: يمكن تنمية التزام الأفراد بقضية العربية من خلال:
- التربية الوالِدية: حيث تكون العناية منذ البدء بتعزيز قيمة اللغة العربية في الأسرة، بوصفها حاضنةً للهُوية والقيم التربوية، فمثلاً يمكن أن يخصص الوالدان أوقاتاً أسرية دافئة للتحدث مع أطفالهم باللغة العربية الميسَّرة، أو قراءةِ قصص بالعربية قبل النوم، مع الحرص على مخاطبة الأطفال باللغة العربية عند تعليمهم تسمية الأشياء والأفعال بأسمائها، والتدرجِ عبر مراحل نمو الأطفال، وإدخالِ قصص التراث الإسلامي وقصص الأنبياء بصوغها العصري (والإنتاج الحديث في هذا المجال كثير ومتنوع)، وتشجيعِ الأطفال على عادة القراءة عموماً، وتعزيزِ إنجازهم وتثمينه بالتشجيع والمكافأة باستمرار، مع جعلِ هذا كله نمطاً حياتياً حياً وجذاباً بقدر الإمكان، وليس مجرد عمل يؤدى من غير روح!.
- من الممكن تنمية الالتزام كذلك عند الأسر بصورة جماعية/ اجتماعية.. حين تبادر الأسرة لدعوة بقية الأسر في الحي الواحد، أو الأسر التي ترتبط في علاقة قرابة أو زمالة لممارسة أنشطة أسبوعية كالمسابقات والفعاليات الـمَصوغة لتعزيز اللغة العربية، مع الحرص على تنوع هذه المسابقات والأنشطة بما يثري حياة الأطفال وينمي قدراتهم مع إمتاعهم وإسعادهم.
- التزام المعلمين الواعي بتشجيع استخدام العربية في الصفوف وخارجها، والتزامهم بتطوير وسائلهم التدريسية؛ لجذب الطلاب لمحتوى الدروس العربية، وخلق منافسة شيقة بين حصص اللغة العربية وغيرها من حصص اللغات الأخرى.
هذا.. مع العلم أن دائرة الالتزام دائرة "لولبية"، قابلة للتمدد والنمو،
ويظل بالإمكان إيجاد العديد من الأفكار التي تطبق على مستويات فئات المجتمع كافة، ولكننا نكتفي هنا بالأمثلة التي سقناها في هذا المجال.
(5)
2- الإلزام: يختص هذا العنصر، كما سبق، بالسلطة العليا في كل مجتمع.. حاكمةً، أو تنفيذيةً، أو تشريعيةً وقضائيةً، وبالإمكان تحقيق هذا المبدأ من خلال ما يلي:
- تبني الدولة، بوصفها سلطةً عليا، قضيةَ حماية اللغة العربية (إرثاً حضارياً، ووعاءً حاملاً وحافظاً للهُوية)، وسنَّ القوانين والتشريعات الملزمة لجميع الجهات بجعل اللغة العربية تحظى بمكانتها اللازمة، ومن الجدير بالذكر أن دولتنا الفتية قطر قامت بجهود رائدة في مجال سن قوانين حماية اللغة العربية، وجعلها اللغة الأولى في المخاطبات الرسمية والاجتماعات والمكاتبات في جميع الوزارات والهيئات والدوائر الحكومية.
- ومن مظاهر الإلزام التي ترجمت على أرض الواقع ما نجده من حرص على استخدام اللغة العربية في وسائل الإعلام المختلفة في دولة قطر، وما نرصده من برامج مرئية ومسموعة ومكتوبة مصممة بهدف رفع الوعي المجتمعي بقضية الهوية العربية المتمثلة في سلامة اللغة العربية.
- صناعة المناهج: لابد أن تنال هذه المسألة عناية القائمين على التعليم في كل مجتمع، ولابد من استثمار جانب من الموازنات المالية التي تخصصها الدولة لبندي التعليم والصحة، من أجل تطوير مناهج اللغة العربية، مع الاستفادة من الخبرات الدولية والمحلية، ودمج التكنولوجيا الحديثة بشكل تطبيقي لإحياء دروس العربية وجعلها مواكبة لروح العصر واحتياجاته، جاذبة للطلاب، وقريبة من حياتهم وخبراتهم اليومية، والمتتبع لجهود الدولة في مجال الإلزام سيجد نماذج أخرى عديدة تدل عليه واضح الدلالة.
(6)
3- الاستدامة: وهذا المبدأ الثالث مرتبط بسابقيه، ارتباطَ الصفة بالموصوف، وما فصَلناه إلا لتسهيل الطرح وفرز عناصره، والاستدامة تتأتى من خلال الآتي:
- الوعي التام من جميع أصحاب الشأن المهتمين باللغة العربية، هُويةً وطنيةً جامعةً، بأن قضية اللغة العربية ليست مجرد شعارات اجتهادية ترفع لمجرد إثبات أننا نعمل، بل لابد من أن يصاحبها إيمان حقيقي ويقيني بأهمية هذه الجهود، واعتبارها مصيرية في حفظ تراثنا لأبنائنا، وتجنيبهم ضياع الـهُوية مستقبلاً حين تزداد التيارات العالمية تماوجاً نحو "الامتزاج الشامل" على نحو ما يرى بعض المراقبين والمنظِّرين.
- لابد من إدراك أن هذه الجهود الحامية للغة العربية والـهُوية الوطنية لا سقف زمنياً لها، فلابد من استمراريتها وتغذيتها وعدم استعجال أثرها المجتمعي، فإن آثارها الإيجابية الواضحة ربما لا تظهر إلا في المدى البعيد، ومن الخطورة أن تتراجع أو تضعف، فضلاً عن أن تقف أثناء طريق العلاج والتأسيس.. وهو طريق طويل.
- لابد من تنويع مصادر دعم العربية؛ فبالإضافة للقوانين الملزمة، والبرامج الرسمية المعتمدة، والمناهج الدراسية، نحتاج إلى فعاليات واسعة، ومكررة، وجاذبة، وعصرية، موجهةً لجميع فئات المجتمع (كالتي تقدمها "مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع").
- تفعيل الترجمة الفورية باللغة العربية لجميع المؤتمرات والدورات وحلقات العمل "الوِرش" والبرامج التدريبية المقدمة بلغات أجنبية، وجعلها متاحة أمام المتلقين والمهتمين؛ لتحقيق الاستفادة الكبرى من النتاج الإنساني في شتى القطاعات.
- التركيز على التجارب العملية الناجحة وتعميمها؛ ليستفيد منها أكبر قدر ممكن من شرائح المجتمع.
- وأخيراً.. لابد من تنفيذٍ أمثلَ لرؤية قطر المتعلقة بدعم اللغة العربية وربطها بالـهُوية الوطنية، يشترك فيه خبراءُ ومختصون يحللون الواقع المجتمعي للغة العربية، ويقيِّمون أهم الجهود المقدمة من جميع القطاعات، ثم يقدمون "إستراتيجية" شاملة تضطلع بتعزيز هذه الجهود والاستفادة منها على نطاق واسع؛ لدمج المتشابه وتقويته اختزالاً للكُلفة والوقت، وتأميناً للجهود من الضياع والتلاشي، وتلافياً للتكرار وعدم الاتساق.
القيادة الرقمية ركيزة التحول نحو حكومة المستقبل في قطر
في ظل التسارع التكنولوجي الحالي، والذي يفتح آفاقًا جديدة من بيئات العمل المختلفة، لم تعد القيادة الفاعلة تُقاس... اقرأ المزيد
405
| 19 نوفمبر 2025
أي بوصلة نحتاجها اليوم؟
قرأت مقولة تقول: «إن من يملك بوصلة، يملك سلامًا». فالبوصلة ليست مجرد أداة للاتجاه نحو الشرق أو الغرب،... اقرأ المزيد
144
| 19 نوفمبر 2025
كنت أظن بكل سذاجات البدايات أن الضحك دليل على أننا بخير، فالناس لا يضحكون الا اذا فرحت قلوبهم،... اقرأ المزيد
177
| 19 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
في عالم تتسابق فيه الدول لجذب رؤوس الأموال وتحفيز الاستثمار تبنّت دولة قطر نموذجًا قانونيًا لمنح فرص الإقامة للأجانب بضوابط قانونية محددة، أبرزها ما ورد في المادة (7) من قرار مجلس الوزراء رقم (28) لسنة 2020 والذي ينظم منح الإقامة للأجانب من خلال التملك العقاري في قطر، فقد فتحت الباب أمام غير القطريين للحصول على الإقامة عبر تملك العقارات أو الانتفاع بها، وفق شروط دقيقة. ويأتي هذا التوجه ضمن سياسة الدولة في تشجيع الاستثمار العقاري، وضخ المزيد من الاستثمارات في السوق العقارية المحلية، ويساهم في تحقيق رؤية قطر التنموية التي تسعى لجعل البلاد وجهة إقليمية رائدة للاستثمار والعيش الكريم. من شروط الحصول على الإقامة العقارية في دولة قطر لملاك العقارات غير القطريين، وأن يكون مؤهلاً للحصول على إقامة دائمة، كما وضع القانون شروطا واضحة ولابد من توافرها، بأن يشترط أن يقيم المستثمر داخل دولة قطر مدة لا تقل عن 90 يومًا في السنة، سواء كانت إقامة متصلة أو متقطعة حتى تستمر الإقامة في سريانها، ولاسيما أن تكون قيمة العقار لا تقل 730 ألف ريال قطري ويتم تقييم العقار وفقًا للقيمة السوقية المعتمدة من إدارة التسجيل العقاري بوزارة العدل ولا يقتصر ذلك فقط على قيمة الشراء المتفق عليه بين الطرفين، وإضافة على ذلك إذا بلغت قيمة العقار 3 ملايين و650 ألف ريال قطري أو أكثر فإن المالك المنتفع به يُمنح امتيازات إضافية لحاملي الإقامة الدائمة وتشمل التعليم الحكومي والرعاية الصحية وبعض التسهيلات الاستثمارية، وتظهر هذه الشروط ضمان جدية المستثمر. ويشدد القانون على أهمية إقامة مالك العقار في الدولة لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر من كل عام متصلة أو متواصلة، ويُقصد من هذا الشرط ضمان ارتباط حامل الإقامة العقارية فعليًا بدولة قطر، وعدم الاقتصار على التملك من الخارج دون تواجد فعلي، وفي الحالات الاستثنائية التي يتعذر فيها على المالك تحقيق شرط الـ90 يومًا بسبب ظروف قاهرة أو ضرورات خاصة تتيح اللوائح إمكانية تقديم طلب استثناء أو عذر رسمي للجهات المعنية، على سبيل المثال يمكن للمالك التقدم بطلب “تصريح عودة مقيم” لدى وزارة الداخلية إذا اضطر للبقاء خارج قطر مدة طويلة تتجاوز المسموح به، وذلك حفاظًا على صلاحية إقامته، يمنح تصريح العودة للمقيم فرصة عدم إسقاط إقامته عند تجاوز المدة المحددة للبقاء خارج البلاد والتي تكون عادة 6 أشهر كحد أقصى للإقامة العادية، حيث يتم توضيح أسباب الغياب وتقديم المستندات الداعمة للحصول على موافقة استثنائية، وبهذا الإجراء القانوني يمكن للمالك الحفاظ على إقامة العقار الخاصة به رغم عدم استيفائه شرط 90 يومًا في السنة في بعض الحالات الاستثنائية، شريطة موافقة الجهات الرسمية المختصة على العذر المقدم وفق الأصول القانونية. وفي سياق تحديد قيمة العقار المعتمد لهذا الغرض، أوضح القانون أن المرجعية تكون للقيمة السوقية التي تعتمدها إدارة التسجيل العقاري بوزارة العدل، وليس فقط سعر الشراء المُعلن، بمعنى آخر تحتسب أهلية العقار لمنح الإقامة بناءً على تقييم رسمي يعكس القيمة السوقية الحقيقية للعقار، هذا الإجراء يهدف إلى ضمان النزاهة وعدم التحايل في تقدير قيمة العقارات المطلوبة للحصول على الإقامة، وفي حال اختلف التقييم الرسمي عن سعر الشراء بشكل يؤثر على استيفاء شرط الحد الأدنى للقيمة، يمكن للمستثمر العقاري التقدم بطلب اعتراض أو إعادة تقييم لدى الجهات المختصة، لتصحيح أي تفاوت محتمل في تقدير قيمة العقار، وتتم عملية الاعتراض عبر تقديم المستندات والبيانات اللازمة لإعادة تقييم العقار من قبل إدارة التسجيل العقاري، حرصًا على أن يحصل المالك على حقه في التقييم العادل الذي يؤهله للإقامة العقارية إذا انطبقت الشروط. أما في حال قيام المالك ببيع العقار الذي منح بموجبه الإقامة، فإن رخصة الإقامة العقارية المرتبطة بهذا العقار تصبح مهددة بالإلغاء تلقائيًا لزوال سبب منحها، ولتفادي فقدان الإقامة فورًا حددت السلطات مهلة زمنية تمنح للمالك السابق من تاريخ بيع العقار، وذلك ليقوم خلالها إما بشراء عقار بديل يستوفي الشروط أو بتغيير وضع إقامته إلى كفالة أخرى مشروعة، وتبلغ مدة المهلة الممنوحة 3 أشهر من تاريخ بيع العقار، فإذا تمكن خلالها من شراء عقار بديل للقيمة المحددة 730 ألف ريال قطري على الأقل ونقل ملكيته باسمه، يستطيع حينها نقل الإقامة العقارية إلى العقار الجديد والاستمرار بالتمتع بها دون انقطاع، أما إذا انقضت المهلة دون شراء عقار جديد للشروط أو ترتيب كفالة إقامة بديلة مثل الانتقال لكفالة عمل، فإن الإقامة العقارية تُلغى بانتهاء تلك المهلة لانتهاء سبب استحقاقها، هذا التنظيم يمنح المستثمر الجاد فرصة لإعادة ترتيب أوضاعه دون إخلال فوري باستقراره في البلاد، وفي الوقت ذاته يضمن عدم بقاء الإقامة بدون أساس قانوني مستمر. الجدير بالذكر أن القانون نفسه ميّز امتيازات إضافية للمستثمرين العقاريين الذين تبلغ قيمة ممتلكاتهم العقارية حدًا أعلى، فبحسب المادة (7) سالفة الذكر، إذا وصلت القيمة السوقية للعقار الذي يمتلكه الأجنبي إلى 3,650,000 ريال قطري أو أكثر ما يعادل مليون دولار أمريكي تقريبًا، فإن مالك العقار يحظى بامتيازات إقامة دائمة مماثلة لتلك التي يتمتع بها حامل بطاقة الإقامة الدائمة، وتشمل هذه الامتيازات التعليم والصحة المجانية في المؤسسات الحكومية لأفراد أسرته، إضافة إلى تسهيلات في مجال الاستثمار والمعاملات التجارية، وبذلك يعد حافزًا كبيرًا للمستثمرين الراغبين في مزايا طويلة الأمد.
9981
| 13 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2433
| 16 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم القرآنية، حتى جعله الله مقرونًا بعبادته في قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، فجمع بين التوحيد والإحسان إليهما في آية واحدة، ليؤكد أن البرّ بهما ليس مجرّد خُلقٍ اجتماعي، بل عبادة روحية عظيمة لا تقلّ شأنًا عن أركان الإيمان. القرآن الكريم يقدّم برّ الوالدين باعتباره جهادًا لا شوكة فيه، لأن مجاهد النفس في الصبر عليهما، ورعاية شيخوختهما، واحتمال تقلب مزاجهما في الكبر، هو صورة من صور الجهاد الحقيقي الذي يتطلّب ثباتًا ومجاهدة للنفس. قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، فحتى في حال اختلاف العقيدة، يبقى البرّ حقًا لا يسقط. وفي الآية الأخرى ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، يربط القرآن مشاعر الإنسان بذاكرته العاطفية، ليعيده إلى لحظات الضعف الأولى حين كان هو المحتاج، وهما السند. فالبرّ ليس ردّ جميلٍ فحسب، بل هو اعتراف دائم بفضلٍ لا يُقاس، ورحمة متجددة تستلهم روحها من الرحمة الإلهية نفسها. ومن المنظور القرآني، لا يتوقف البرّ عند الحياة، بل يمتدّ بعد الموت في الدعاء والعمل الصالح، كما قال النبي ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... « وذكر منها «ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم). فالبرّ استمرارية للقيم التي غرساها، وجسر يصل الدنيا بالآخرة. في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتبهت فيه العواطف، يعيدنا القرآن إلى الأصل: أن الوالدين بابان من أبواب الجنة، لا يُفتحان مرتين. فبرّهما ليس ترفًا عاطفيًا ولا مجاملة اجتماعية، بل هو امتحان للإيمان وميزان للوفاء، به تُقاس إنسانية الإنسان وصدق علاقته بربه. البرّ بالوالدين هو الجهاد الهادئ الذي يُزهر رضا، ويورث نورًا لا يخبو.
1356
| 14 نوفمبر 2025