رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس هذا معرضًا يُطالَب فيه المتلقي بأن يفهم بقدر ما يُدعَى لأن يتذكّر. فالأعمال المعروضة للفنانة التشكيلية سعاد السالم، لا تقف عند حدود الشكل أو الموضوع، بل تتشكّل كرحلة ممتدة في العلاقة المعقّدة بين الإنسان والمكان، بين الجدران التي نعيش داخلها، وتلك التي تتكوّن في الداخل بصمت. منذ البدايات، يحضر المكان لا بوصفه خلفية محايدة، بل ككائن حيّ، يحتفظ بأثر الساكنين ويختزن ذاكرتهم. البيوت، النوافذ، الجدران، والمساحات المغلقة لا تُرسم كما هي، بل كما تُعاش.
هنا لا نتأمل المعمار في شكله الظاهر، بل أثره النفسي: كيف يحدّنا، يحمينا، أو يراقبنا دون كلام. في الأعمال الأولى، يغلب الطابع البنائي والتجريدي؛ مربعات، تقسيمات، وطبقات لونية كثيفة، كأن الفنانة تختبر الحدود الأولى بين الإنسان والمأوى. لا يظهر الجسد حضورًا مباشرًا، لكنه حاضر كغياب مقصود، كأثر مرّ من هنا وترك علامته.
في هذه المرحلة، يلوح السؤال بوضوح وإن لم يُطرح صراحة: هل نسكن البيوت، أم أنها تسكننا؟ ومع تطوّر التجربة، تبدأ الوجوه بالظهور، لا بوصفها بورتريهات، بل كمساحات شعورية. ملامح مختزلة، عيون واسعة، وخطوط تلامس الشكل دون أن تحاصره تمامًا.
الأنثى هنا ليست موضوعًا ولا رمزًا جاهزًا، بل وعيًا متأملًا؛ حضورها هادئ، مراقِب، أحيانًا محاصر بالجدار، وأحيانًا متماهٍ معه، حتى يكاد الحدّ الفاصل بين الجسد والمكان يتلاشى. وفي هذا السياق، تبرز مجموعة «عقلاء المجانين» بوصفها انعطافة ذهنية عميقة داخل المعرض.
هنا ينتقل الثقل من الجدار المادي إلى الجدار النفسي، ومن المكان الخارجي إلى فضاء العقل. الشخصيات المصوَّرة لا تصرخ ولا تحتج، لكنها أيضًا لا تنتمي تمامًا. تبدو عالقة في منطقة رمادية، حيث يغدو “الجنون” شكلًا آخر من أشكال الوعي، وتتحوّل الحكمة إلى عبء ثقيل. الوجوه في هذه المجموعة مشدودة بالصمت؛ عيونها مفتوحة على اتساعها، كأنها ترى أكثر مما يُحتمل.
لا تُصدر الفنانة أحكامًا، ولا تضع المتلقي أمام موقف أخلاقي جاهز، بل تترك السؤال معلّقًا: من هو العاقل؟ ومن الذي حدّد شكل العقل المقبول؟ هنا يصبح الاختلاف خطرًا، وتغدو الحساسية الزائدة خروجًا عن النظام، لا لأنها خطأ، بل لأنها ترى أبعد قليلًا. الخط في هذه الأعمال ليس عنصرًا زخرفيًا، بل أثر حركة وتردّد. أحيانًا يبدو حادًا، وأحيانًا متكسّرًا، كأنه يعيد التفكير قبل أن يستقر. هذا التذبذب يمنح السطح توترًا داخليًا، ويجعل اللوحة غير مغلقة، قابلة لأن تُقرأ من أكثر من زاوية، وأكثر من زمن.
أما اللون، فيتبدّل عبر المراحل دون أن يفقد هويته. من الدرجات الترابية الثقيلة إلى الألوان الأكثر إشراقًا أو تباينًا، يظل اللون لغة شعورية قبل أن يكون خيارًا جماليًا.
إنه أداة لتشكيل المزاج، والإيحاء بالحالة النفسية، ونسج علاقة صامتة بين العمل ومن يقف أمامه. في السياق المحلي، تكتسب هذه التجربة عمقًا إضافيًا. فالعلاقة بالمكان في مجتمع يعيش تحولات متسارعة تجعل سؤال السكن والانتماء سؤالًا معاصرًا بامتياز.
غير أن الفنانة لا تتعامل مع هذا الواقع بوصفه موضوعًا مباشرًا، بل تمرّ عبره بهدوء، وتعيد صياغته بلغة شخصية، قادرة على تجاوز المحلي إلى الإنساني. في النهاية، لا يغادر المتلقي هذا المعرض بصورة نهائية أو معنى مغلق، بل بإحساس ممتد. إحساس بأن هذه الأعمال لم تُنجَز لتُغلق، بل لتظل مفتوحة، قابلة للتأويل، وقادرة على مرافقة من يراها خارج قاعة العرض. تجربة تنمو مع الزمن، تمامًا كما نكبر داخل الأماكن التي نظن أننا غادرناها، بينما لا تزال، بهدوء، تصغي إلينا من الداخل.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
2022
| 24 ديسمبر 2025
حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي والريان دون استئذان. هذا اللقاء يحمل في طيّاته أكثر من مجرد ثلاث نقاط؛ إنها مواجهة تاريخية، يرافقها جدل جماهيري ممتد لسنوات، وسؤال لم يُحسم حتى اليوم: من يملك القاعدة الجماهيرية الأكبر؟ في هذا المقال، سنبتعد عن التكتيك والخطط الفنية، لنركز على الحضور الجماهيري وتأثيره القوي على اللاعبين. هذا التأثير يتجسد في ردود الأفعال نفسها: حيث يشدد الرياني على أن "الرهيب" هو صاحب الحضور الأوسع، بينما يرد العرباوي بثقة: "جمهورنا الرقم الأصعب، وهو ما يصنع الفارق". مع كل موسم، يتجدد النقاش، ويشتعل أكثر مع كل مواجهة مباشرة، مؤكدًا أن المعركة في المدرجات لا تقل أهمية عن المعركة على أرضية الملعب. لكن هذه المرة، الحكم سيكون واضحًا: في مدرجات استاد الثمامة. هنا فقط سيظهر الوزن الحقيقي لكل قاعدة جماهيرية، من سيملأ المقاعد؟ من سيخلق الأجواء، ويحوّل الهتافات إلى دعم معنوي يحافظ على اندفاع الفريق ويزيده قوة؟ هل سيتمكن الريان من إثبات أن جماهيريته لا تُنافس؟ أم سيؤكد العربي مجددًا أن الحضور الكبير لا يُقاس بالكلام بل بالفعل؟ بين الهتافات والدعم المعنوي، يتجدد النقاش حول من يحضر أكثر في المباريات المهمة، الريان أم العربي؟ ومن يمتلك القدرة على تحويل المدرج إلى قوة إضافية تدفع فريقه للأمام؟ هذه المباراة تتجاوز التسعين دقيقة، وتتخطى حدود النتيجة. إنها مواجهة انتماء وحضور، واختبار حقيقي لقوة التأثير الجماهيري. كلمة أخيرة: يا جماهير العربي والريان، من المدرجات يبدأ النصر الحقيقي، أنتم الحكاية والصوت الذي يهز الملاعب، احضروا واملأوا المقاعد ودعوا هتافكم يصنع المستحيل، هذه المباراة تُخاض بالشغف وتُحسم بالعزيمة وتكتمل بكم.
1635
| 28 ديسمبر 2025
أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة التعاقدية في مواجهة « تغول» الشروط الجاهزة وذلك برفض دعوى مطالبة احتساب الفوائد المتراكمة على البطاقة الائتمانية. فقد شهدت أروقة محكمة الاستثمار والتجارة مؤخراً صدور حكم قضائي لا يمكن وصفة إلا بأنه «انتصار للعدالة الموضوعة « على حساب « الشكليات العقدية» الجامدة، هذا الحكم الذي فصل في نزاع بين إحدى شركات التأمين وأحد عملائها حول فوائد متراكمة لبطاقة ائتمانية، يعيد فتح الملف الشائك حول ما يعرف قانوناً بـ «عقود الإذعان» ويسلط الضوء على الدور الرقابي للقضاء في ضبط العلاقة بين المؤسسات المالية الكبرى والأفراد. رفض المحكمة لاحتساب الفوائد المتراكمة ليس مجرد قرار مالي، بل هو تقويم مسار»، فالفائدة في جوهرها القانوني يجب أن تكون تعويضا عن ضرر او مقابلا منطقيا للائتمان، أما تحولها إلى إدارة لمضاعفة الديون بشكل يعجز معه المدين عن السداد، فهو خروج عن وظيفة الائتمان الاجتماعية والاقتصادية. إن استقرار التعاملات التجارية لا يتحقق بإطلاق يد الدائنين في صياغة الشروط كما يشاءون، بل يتحقق بـ « الثقة» في أن القضاء يقظ لكل انحراف في استعمال الحق، حكم محكمة الاستثمار والتجارة يمثل نقلة نوعية في تكريس «الأمن العقدي»، ويؤكد أن العدالة في قطر لا تقف عند حدود الأوراق الموقعة، بل تغوص في جوهر التوازن بين الحقوق والالتزامات. لقد نجح مكتب «الوجبة» في تقديم نموذج للمحاماة التي لا تكتفي بالدفاع، بل تشارك في «صناعة القضاء» عبر تقديم دفوع تلامس روح القانون وتحرك نصوصه الراكدة. وتعزز التقاضي وفقا لأرقى المعايير.
1149
| 24 ديسمبر 2025