رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ثقافة وفنون alsharq
أبو راتب : أسعى لتقديم فن يلتزم بقضايا الأمة و يلامس ضمائر الأحرار

شكلت أغاني المنشد السوري المبدع الدكتور محمد مصطفى الشهير بـ(أبو راتب) نقطة الانعطاف في عالم الأناشيد الثورية، لما أحدثته من آثار طيبة وأصداء واسعة في سوريا والعالم، فقد ارتقى بالأنشودة الإسلامية ونقلها من الزوايا والتكايا إلى خشبة المسرح وتحت أضواء الكاميرات التلفزيونية. فكان له الفضل في انجاز برنامج (منشد الشارقة) الشهير الذي استمر ثلاث سنوات متواصلة، وذلك لإيمانه بأن فن الإنشاد لا يقتصر على المديح والابتهال فحسب، بل يتوجه إلى قضايا الأمة العربية والإسلامية، وهموم الإنسان، ورغم ريادته لهذا المجال وارتباطه بالحراك الثوري الذي شهدته سوريا منذ الثمانينات من القرن الماضي، إلا أنه توجه إلى لقضايا تحرر الشعوب، وأنشد لـ (فلسطين والبوسنة والعراق وافغانستان ..) وذلك لإيمانه بالدور الكبير الذي يلعبه الفن في التغيير وتأجيج المشاعر وتحريك الضمائر واستقطاب الشباب الحر للعمل الثوري، محققاً بذلك نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وانتشاراً شعبياً واسع النطاق، الأمر الذي دفع بالشاعر الراحل سليم عبد القادر لأن يقول في أحد لقاءاته التلفزيونية :" يكفي أبو راتب أنه بقي عقداً كاملاً يحمل هموم الأمة وقضاياها من خلال أناشيده ". كما اعترف بأهمية أناشيده الكثير من الشعراء والمفكرين والعلماء مشيرين إلى أنه أنشأ مدرسة إنشادية رائدة لا يزال يلتحق في صفوفها العديد من المنشدين، كما أسس رابطة الفن الإسلامي لتأصيل هذا الفن وتمكينه حتى أصبح يحتل الآن مكانة مرموقة ويصنف بأنه من أبرز الفنون الإسلامية المعاصرة..(الشرق ) التقت رائد فن الإنشاد وكان الحوار التالي : - حققت شهرة واسعة منذ فترة مبكرة، وكنت تتصدر المشهد الفني المواكب لانتفاضة سوريا في الثمانينات، كيف تقيم حجم مشاركتك الحراك الثوري السوري أمس واليوم ؟ - الفن هو حديث الضمير ومكنون القلب الذي يخرجه الفنان إلى الفضاء الواسع من خلال موهبته، فمنذ دراستي الفن في المعهد العالي للموسيقى في حلب، والموسيقى والإنشاء أصبحا ممزوجان في شخصيتي، وعندما كبرت اخترت فن الإنشاد لأنه الأقرب لثقافتي وقناعاتي الفكرية التي بدأت تتشكل وتتبلور من خلال توجهي الإسلامي، وكنت آنذاك شاباً يافعاً أملك متسعاً من الوقت، وتزامن عطائي مع وجود الكثير من شعراء الأدب الإسلامي الذي يملكون فيضاً من الكلمة، كما كان المجال واسعاً أمامي لكي أنتقي بعناية كلمات الأناشيد التي زرعت في ضمائر المستمعين وأوضحت أبعاد القضية السورية في أعقاب اندلاع انتفاضة الثمانينات، حتى قال الأستاذ الشاعر يوسف العظم : " يكفي أبو راتب أنه أضاء لنا معالم الثورة في سوريا، أما مشاركتي في ثورة الكرامة فباعتقادي أنها جيدة، فبالرغم من التزاماتي العلمية، كعميد لشؤون الطلبة في جامعة البحرين، إلا أنني أشارك في الحفلات التي تقام في الدول العربية وأوروبا، لدعم الجهود الاغاثية والحملات الخيرية التي تقام من أجل مساعدة أهلنا في سوريا، - ما هي الأغاني الوطنية الجديدة التي تميزت بها في ثورة الحرية والكرامة ؟ - في بداية الثورة السورية، قمت بإصدار ألبوم(ربيع الشام)، والآن أقوم بتجهيز الألبوم الثاني تحت عنوان ( شام الحرية )، والذي سيصدر قريباً ويحتوي على عدد من الأناشيد لكوكبة من شعراء الثورة السورية، أما عن الأناشيد التي غنيتها واشتهرت فهي : (يا شام يا أرض المحبينا) للأستاذ والمفكر عصام العطار، و(عودة عمر)، و(مَنْ للأمة ) للشاعر الراحل سليم عبد القادر، والآن بصدد تجهيز أناشيد أخرى مثل (حبيبتي الشام) من كلمات الشاعر خالد الهنداوي، و(قتل تشريد ودمار) كلمات الشاعر اللبناني الفلسطيني محمود الاحمد. - يعتبر الشاعر السوري الراحل سليم عبد القادر أكثر الشعراء الذين تعاونت معهم، كيف تصف لنا غياب هذه القامة الأدبية العملاقة عن المشهد الثقافي الشعري، وما مدى تأثيره على مسيرتك الفنية ؟ - الحقيقة أعتبر الشاعر الراحل، أحد اثنين من الشعراء الذين شكلت معهما ثنائي رائع، فبالإضافة إلى قصائد الشاعر الأستاذ يوسف العظم، قمت بإنشاد العديد من الأناشيد الرائعة للشاعر الفذ سليم عبد القادر، وهي أناشيد لا تزال حية وباقية في ذاكرة الناس وتجري على كل لسان، مثل (ماض وأعرف ما دربي وما هدفي، السجن جنات ونار، محمد رسول الله ، من للأمة ) وغيرها من الأناشيد التي زرعت في قلوب الجماهير وسارت أنغامها على ألسنة الأحرار والثوار، ولا شك أن غيابه عن الساحة سوف يفقد الأنشودة الإسلامية رائدها وأحد أعظم كتابها، فقد عمل الشاعر مع الكثير من المنشدين، وتمرس في كيفية إخراج فن الإنشاد الغنائي، ضمن رونق رائع وأنيق، ومن حسن حظي أني تعاقدت معه على عشرة أناشيد قبل وفاته بفترة وجيزة، وسوف أصدرها في ألبوم جديد تحت عنوان (بالحب عائد أنا)، ومن المؤكد أن فقدانه سوف يؤثر على عطاء جميع المنشدين، فأنا أجد لمساته أيضا في أناشيد أخي موسى مصطفى، والمنشد يحي حوى، وقبلنا غنى له الكثير من المنشدين كـ(ابو الجود ) و(ابو دجانه)، فله بصمة رائعة في سماء الأنشودة الإسلامية، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يكتب أجره ويرحمه ويجمعنا معه في الفردوس الأعلى إن شاء الله . - كيف وجدت تفاعل الجمهور العربي عامة والسوري، سابقا والآن، سواء على صعيد الأنشودة الإسلامية أو الثورية ؟ - في الحقيقة الشعب السوري، شعب ذواق للكلمة، فلم يسبق أن ذهبت إلى أي مكان، إلا وأجدهم يحفظون أناشيدي التي خطت آلام الوطن السوري ومعاناة أهلنا، مثل ( روحي فداؤك طال البعد يا وطني، يا أهل الشام) فأنا أعتز بأني أول من أنشد لسوريا الثورة، منذ ثلاثين سنة وحتى الآن، ولا زلت أنتقى أناشيدي الثورية بعناية شديدة ، لتقديم رسالة فنية ذات مضمون إنساني، يرتقي فن الإنشاد حتى يلامس قلوب جميع المخلصين للوطن، ويعرفهم بأحقية الشعب السوري بمطالبه المشروعة في الحرية والكرامة والعدالة . - كيف ترى حجم التعاطف والتأييد الشعبي للثورة السورية، وما هي المكاسب التي حققها الشعب حتى الآن في معركته مع النظام ؟ حتى أكون واقعياً، إجرام النظام السوري بحق شعبنا العظيم الصابر والذي طال جميع الفئات، بلغ حدا أعمى معه بصيرة الناس الذين تشكلت حول قلوبهم غشاوة ولا زال الخوف يسكن قلوبهم جراء الظلم الكبير الذي يقوم به النظام، لكن استطيع أن أقول لك الآن أن هناك فئة كبيرة تقف مع الثورة، وتؤمن بأحقية وعدالة ثورتنا وبأن الحق سوف ينتصر بالنهاية، اشعر بأننا نتجه نحو النصر، عاجلاً أم آجلاً، سيما وأن هناك أيضا الكثير من المتعاطفين مع ثورتنا من أحرار العرب والعالم، فلا شك أن النهاية ستكون مباركة ومفرحة للمؤمنين ولمن يناصرون الحق بإذن الله . - كيف ترى وظيفة الفن ودوره في تأجيج جذوة الثورة ودعم مسيرتها ؟ الفن ببعده الحضاري والاجتماعي، يعتبر من أهم العوامل المؤثرة في حياة الناس في أي مكان وزمان، كما أنه يلعب دوراً مهماً في تمكين المشاعر الثورية وبث روح الجهاد والمصابرة في نفوسهم، ويعمل على التبصير بواقعهم ومستقبلهم، بل يعكس آمالهم وآلامهم، ويحكي قصصهم من خلال أشعار غنائية تلامس القلوب والضمائر، فضلاً عن أنه يشكل لدى المستمع المؤمن المخلص صاحب الضمير الحي، مصدر الإلهام والفداء لدعم للثورة، فدور الفن عموماً، والنشيد على وجه الخصوص، كبير جداً في استمرارية الحراك الثوري، وتحقيق الأهداف المرجوة للشعب السوري. - هل شاركتكم في الأنشطة الاغاثية ؟ نعم شاركت في الجهود الاغاثية التي نظمها المجلس الوطني وأقمت عدة دورات في مخيمات اللاجئين للناشطين الإعلاميين الميدانيين ، بصفتي كمدرس لمادة التفكير الإبداعي، وكان محور هذه الدورات يهدف إلى تنشيط عقل الشباب السوري في استيعاب الواقع، وتوظيف مهاراتهم وطاقاتهم وإمكانياتهم في نقل الحقيقة من خلال الكاميرات ، وكان لهذه الدورات نتائجها الايجابية والطيبة كما أقمنا حفلات سمر وأمسيات داخل مخيمات اللاجئين بمدينة (غازي عنتاب) التركية ، حيث غنيت للأطفال والجرحى وأسر الشهداء ، لمواساتهم بالكلمة الطيبة وشد أزرهم ، حيث يعيش الالاف من شعبنا مأساة العصر وكارثة القرن ، - في ظل استحواذ النظام لقناعات الكثير من الشعوب والأنظمة في فترة ما قبل اندلاع الثورة السورية ، وتقديم نفسه بأنه نظام مقاوم وممانع، هل كانت تنتابكم حالة اليأس من استمرار وبقاء هذا النظام ؟ نحن نعرف كذب النظام وخيانته لقضايا العرب والإسلام، وكيف باع الجولان مقابل السيطرة على سوريا، ولكن كنا سابقاً نوازن ما بين الأمور، والدليل على ذلك موقفنا خلال الحرب على غزة 2006 ، فقد كنا لا نصعّد عندما نراه يساند أخواننا في فلسطين، رغم معرفتنا بأنه يستخدمهم كورقة ولتحقيق مصلحة معينة ، لكننا ما شككنا، يوماً واحداً، بضلال وإجرام هذا النظام وانه أتعس نظام على وجه الأرض فهي حقيقة مزرعة في ضمائرنا، وكان لدينا إيمان مطلق بالخلاص ، فمن يقرأ التاريخ ويعرف حقيقة الشعب السوري العريق والبطل، يستطيع أن يتنبأ بالنهاية ". - ما هو تصوركم لسوريا المستقبل؟ - آمل أن نحيا في وطن تسود فيه حرية الإنسان وحرية الفكر والثقافة، ويشعر الجميع بالعدالة الاجتماعية بعد أن ينالوا كافة حقوقهم المدنية، وأن يتحقق للإنسان السوري بعد كل هذه المعاناة، الحياة الطيبة والكريمة في بلد طيب أن شاء الله . - هل من كلمة أخيرة توجهها للثوار ؟ في حقيقة الأمر، نحن مهما كتبنا وغنينا وأنشدنا لا نقدم سوى الشيء البسيط مقارنة بما يقدمه شعبنا العظيم من تضحيات وعذابات وجهد، وما يبذله الثوار من تضحية بالنفس والدم والمال، وما يقدمه السجناء الذين أراد لهم القدر أن يُمْتَحنوا في السجن، فقد سبق أن ذقت مرارة السجن، الأول كانت في سوريا إبان عهد الأسد الأب في الثمانينات (وهي فترة قصيرة لم تتعد السنة)، والثانية في أمريكا بناء على موقف رجولي دعماً لإخواننا في فلسطين، لكني أستطيع أن أؤكد أن اليوم الواحد في سجون النظام السوري يعادل سنة كاملة في أمريكا وغيرها، لأن السجن في سوريا يشعرك بأن الإنسان لا يساوي نملة أو ذبابة عند هؤلاء الظلمة، حيث يمارسون على السجناء، شتى أنواع العذاب والقهر والتجويع وكل ما يمكن أن تتخيله في محاكم التفتيش أو ما ارتكبه التتار، لا يمكن أن يتصور المرء حجم المأساة التي يعيشها السجين، وأطلب من الجميع أن لا ينسى هؤلاء الناس من الدعاء، لذلك أنا في صدد الانتهاء من كتابة مؤلفي (في ارتقاب الشروق) الذي يوثّق تجربتي في سجون سوريا 1980، وأمريكا 2010، وحياتي الدعوية والإنشادية، وهو يقدم قراءة واقعية لمسيرتي الدعوية التي تناهز أربعة عقود، من منظار فنان، وفيه مجموعة من الأشعار وسرد أدبي وفترة حياتي ما بين السجنين.

2686

| 16 أبريل 2014