ناقش برنامج خارج النص في حلقته الماضية على قناة الجزيرة فيلم قضية رقم 23 للمخرج زياد دويري الذي تم اعتقاله واتهامه بالتطبيع مع إسرائيل. وقد ركز دويري في فيلمه على موضوع الإهانة وصعوبة الاعتذار أو التجاوز عنها، خاصة عندما تتخطى الجانب الشخصي، وتتحول إلى إهانة شعب وتاريخ لم تندمل جراحه بعد. ونفى المخرج الاتهامات الموجهة إليه، معتبرا أن حملة كيدية استهدفته لمنع عرض فيلمه والتأثير عليه. من جانبه، شدد قائد الأمن الوقائي في المخيمات الفلسطينية منير المقدح على أن الاحتلال يولّد مقاومة، معتبرا أنه لا مكان للضعيف في النظام العالمي الجديد؛ فالقوة أمر ضروري لفرض الوجود في هذه المعادلة، ولذلك لا يتم الانجرار حول الخطابات العنصرية التي تروج لها بعض الأحزاب والأشخاص. واعتبر أنه ليست للفلسطيني أي حقوق في بلد شقيق (لبنان)، حيث يمنع من العمل بـ73 وظيفة فيه، كما أن مخيم عين الحلوة (جنوبي لبنان) يضم في مساحة ضيقة أكثر من 80 ألف نسمة، معتبرا أن هذا الواقع المرير -في حد ذاته- يصنف في خانة العنصرية. واعتبر الصحفي عماد موسى أن المسامحة بين اللبنانيين والفلسطينيين على المستوى السياسي تمت بأفضل وجه، معتبرا أن هذه الصفحة طُويت، ولكن -عمليا- القوى الفلسطينية المسلحة لا زالت موجودة على الأراضي اللبنانية. أما الكاتب مروان عبد العال فأشار إلى أن استمرار ثقافة الكراهية والتنابذ تدل على أن حجم المصالحة كان شكليا فقط، سواء كان باعتذارات أو تشكيل تحالفات جديدة، ولكن الراسخ في اللاوعي هو ذهنية الحرب التي لا يمكن إزالتها بشكل سريع. وذهب عبد العال إلى أن الفيلم يطرح العديد من القضايا التي يظهر فيها الفلسطيني في حالة عصبية، كما يستعيد ظاهرة النكبة التي تسببت في ذلك، وكأنه لا يحمل المسؤولية لمن سبب النكبة، بل يحملها لمن كان ضحية لها، والذي يعد مصيبة للآخرين.

تناولت حلقة أمس، الأحد، من برنامج "خارج النص" على قناة الجزيرة رواية "الصمت والصخب" للكاتب السوري نهاد سيريس، الصادرة عن دار الآداب اللبنانية (2004)، والتي تم منعها بسبب رمزيتها في التمرد على النظام السوري، ونقدها له، حيث يقول بطلها فتحي شين المذيع الذي طلب منه المشاركة في إدارة مسابقة قصصية في تمجيد الزعيم، ولكنه يرفض مفضلاً الصمت، فيدفع ثمن صمته، "إن التفكير بمثابة عقاب وجريمة وخيانة ضد الزعيم". يستعيد نهاد سيريس في الحلقة أجواء سوريا عقب تسلم بشار الأسد الحكم خلفاً لوالده حافظ الأسد، ويقول إن الناس تأملوا خيرًا بوعد الرئيس الجديد بالتجديد والانفتاح. ويوضح سيريس أن "الأشهر الستة الأولى كانت جيدة وبدأت النقاشات تستفيض حول الديمقراطية ولكن النظام ضاق ذرعاً فاعتقل بعض المثقفين وأغلق المنتديات". سلسلة الاعتقالات وتوالي قطع أرزاق الكتاب والصحفيين أديا إلى الصمت "بطريقة مؤذية"، "وفي المقابل اندلع صخب النظام وأعوانه وأدواته من التلفزيون والإذاعة والصحافة". ويورد سيريس في الرواية تحولات بعض المثقفين الذين انخرطوا في تأييد تحول الفن إلى صخب ووظيفة تخدم سلطة الزعيم. ويأتي من أجواء الرواية ما يلي "الصخب الذي تصنعه الهتافات ومكبرات الصوت في مسيراتنا ضروري لإلغاء التفكير، التفكير نقمة، إنه جريمة بل خيانة للزعيم".

توقف برنامج "خارج النص" على قناة الجزيرة في حلقته الماضية عند كتابٍ أحدث ثورة فكرية ومنهجية في فترة العشرينيات، وأثار جدلا كبيرا في مصر وعموم الأمة العربية والإسلامية، وهو كتاب "في الشعر الجاهلي" لعميد الأدب العربي طه حسين، وانقسمت النخب المثقفة بين مؤيد لأفكار طه حسين، ومعارض، باعتبار أن طه حسين شكك في صحة الشعر الجاهلي، ورأى أنه موضوع انتحله المسلمون بعد الفتح، ونسبوه للشعراء الجاهليين لأسباب دينية أو سياسية أو قبلية. واتخذت المعركة طابعا حزبيا وإيديلوجيا في ذلك الوقت من تاريخ مصر، فطعنت جريدة كوكب الشرق في الكتاب وصاحبه، واتخذ الزعيم الوفدي سعد باشا زغلول موقفا من الكتاب ومن صاحبه، لكنه انتصر لحرية التعبير والرأي، في محاولة منه أن يقف موقفا وسطا. أما جريدة السياسة الأسبوعية التي تعتبر لسان حزب الأحرار الدستوريين فقد دافعت عن طه حسين كونه واحدا من مفكري الحزب وأبنائه النجباء، إلا أن تلك المعارك نجحت في سحب الكتاب من الأسواق. يجيب منهج طه حسين عن ثلاثة أسئلة هي: من العرب في التاريخ؟ ما تاريخهم؟ وما تاريخ لغتهم؟ ودعّم عميد الأدب العربي تشكيكه في صحة الشعر الجاهلي بإثارة مسألة لغة التدوين، حيث تساءل كيف يكون التدوين باللغة العربية الفصحى، وهي لغة القرآن، رغم تعدد اللهجات في شبه الجزيرة العربية؟ مثل طه حسين عام 1926 أمام القضاء الذي أنصفه معتبرا أن "الأستاذ الجليل باحث يفتش عن سند تاريخي من الكتابة والمرويات".

تناولت الحلقة الماضية من البرنامج الوثائقي "خارج النص" الذي تبثه قناة الجزيرة مساء كل أحد، أسباب منع فيلم "شو صار؟" من العرض في مهرجان بيروت الدولي للسينما عام 2010. ويحكي الفيلم قصة مخرجه ديجول عيد عندما عاد من فرنسا بعد عشرين سنة لمواجهة قاتلي عائلته في مجزرة شهدتها قريته خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1980. وعندما كان بصدد تصوير مشهد من مشاهد الفيلم، وقف أمام القاتل الذي مازال يتذكر ملامح وجهه، وسأله: هل تعرفني؟ فرد الرجل: لا، فقال ديجول: أنا ابن المرأة التي قتلتها. تحدث المخرج ديجول عيد في ثنايا الحلقة عن الدوافع النفسية والموضوعية التي أدت الى إنتاج الفيلم، وقال إنه أمضى أعواما وهو يفكر في فيلم يروي فيه حكايته مع تلك المجزرة التي راح ضحيتها 13 فردا من أفراد عائلته وأقاربه. حادثة أليمة رافق عيد طيلة حياته، ولكي يتخلص منها قرر أن يواجهه القاتل بالكاميرا مبررا ذلك بقوله: "لا لأقول إنني أنا الضحية وغيري هو القاتل، ولكن حتى لا نعود ثانية إلى مثل تلك المجازر.." ولمزيد من تحليل دوافع تصوير الفيلم، وحيثيات المنع، والأسباب المباشرة وراء ذلك، استضاف البرنامج الناقد السينمائي نديم جرجورة ، وبيار أبي صعب نائب رئيس تحرير الأخبار اللبنانية، وكوليت نوفل مديرة مهرجان بيروت الدولي للسينما التي قالت بأن الفيلم كان علاجا لمأساة رافقت ديجول طوال حياته.. عالج نفسه من تلك المأساة، بينما وصفها أبي صعب بالتطهر من براثينها ، مشيرا إلى أنه يعالج في ذلك المجتمع بأسره، فالمعاناة ليست معاناة ديجول عيد فحسب، بل هي معاناة كل اللبنانيين في الحرب الأهلية. يعد البرنامج أحد العناوين الجديدة التي أطلقتها قناة الجزيرة ضمن تغيير فني وتقني شامل تزامن مع احتفال الشبكة بالذكرى العشرين لإطلاقها. يتناول البرنامج في قالب توثيقي الأعمال الأدبية والفنية التي أثارت الجدل، أو منعت من النشر، أو طالها مقص الرقيب.. تسلط حلقات البرنامج الضوء على الظروف التي صاحبت إصدار العمل، والأجواء السياسية والفكرية التي أحاطت به وساهمت في إثارة الجدل حوله، مع عرض آراء مختلفة حوله. يبث البرنامج يوم الأحد في تمام الساعة 19:30، ويعاد يوم الاثنين في تمام الساعة 13:30، ثم يعاد اليوم في تمام 2:30، والأربعاء في تمام 6:30 صباحا.

تبدأ قناة الجزيرة غداً بث أولى حلقات برنامجها الحواري الجديد "للقصة بقية" الذي تقدمه المذيعة فيروز زياني، وتتناول الحلقة الأولى رحلة رجل الدين الشيعي الكويتي ياسر الحبيب، وخطابه المثير للجدل، وشتمه للصحابة الكرام، وتشكيل ميليشيات في قلب بريطانيا، كما تبحث طبيعة الدعم والتمويل الذي يتلقاه الحبيب، والجهات التي يمكن أن تكون وراءه، كما يتطرق البرنامج (الذي يبث مساء غداً في العاشرة وخمس دقائق بتوقيت مكة) إلى الدور الإعلامي الذي يقوم به الحبيب في ظل القوانين البريطانية المتشددة في هذه المسائل، وكيفية تعاملها مع هذا الخطاب. ويناقش البرنامج قضايا سياسية أو عامة تهم المشاهد العربي، يعرضها بأبعاد مختلفة، حيث يطرح جزءاً من القضية بشكل قصصي عبر وثائقي مدته نصف ساعة، ثم يستكمل بقيتها بحوار مع متخصصين ومهتمين، مع إتاحة فرصة للمشاهدين للتفاعل مع القصة عبر منصات التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة. ويسعى البرنامج من خلال هذا الشكل الجديد إلى تعزيز وزيادة مساحة الصورة على الشاشة، ومحاولة تقريب البرامج الحوارية إلى المشاهد من خلال دمجها بأفلام وثائقية، خاصة وأن طبيعة القضايا التي سيتناولها البرنامج تحتاج إلى هذه المعالجة والطريقة في التناول. على نحو آخر، بثت قناة الجزيرة اليوم ، الحلقة الأولى من برنامجها الجديد "خارج النص"، والذي استعرض الحملة الصحفية التي تعرض لها فيلم (ناجي العلي)، والمعركة السياسية والثقافية التي صاحبته، وكيف وصلت إلى مستوى تخوين منتجيه، والمطالبة بتجريدهم من الجنسية المصرية، وذكّرت الحلقة بالظروف السياسية التي واكبت صناعة الفيلم، وخروجه لصالات العرض. ويستعيد البرنامج عددا من الانتاجات الأدبية والفنية العربية التي برزت في تاريخ الصراع الفكري بين فريق اقترب من كسر المحرمات وفتح أبواب الجدل على مصراعيه، وفريق آخر معارض، توزع بين تيارات فكرية أو مؤسسات رسمية أو سلطة قائمة ترى أنها المؤتمنة على الماضي والحاضر، وبين هذين الفريقين مجتمع مكبل بالأحكام الجاهزة وراغب في ذات الوقت في التحرر من الأغلال أيّا كانت طبيعتها. معارك ثقافية يتناول "خارج النص" فصول معارك ثقافية من الخليج إلى المحيط تفاوتت حدتها من الجدل إلى المنع أو السجن أو القتل. ولكل معركة حكاية وسياقات تاريخية وسياسية لابد لها أن تروى لفهم الأسباب والمألات.