رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات alsharq
"فقه الأسرة للقرضاوي 2" الزواج الطريق الوحيد لتكوين الأسرة نواة المجتمع

الزواج تمام الدين لأنه يغض البصر ويعف النفس ومتنفس الشهوة في الحلال في ظلال الأمومة والأبوة تغرس المشاعر الطيبة والعواطف الخيرة من المحبة بالزواج تكتمل شخصية الرجل بتحمله المسؤولية زوجاً وأباً والمرأة زوجة وأمّاً الزواج يغلق كل باب ويسد كل ذريعة قد تأخذ إلى الحرام الكتاب : فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الحلقة : الثانية الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها يقوم تماسك المجتمع وقوته، لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). مقاصد الإسلام من الزواج بالزواج يحدث النسل، الذي يمتد به وجود الإنسان، فيطول عمره، ويتصل عمله، بذريته الصالحة من بعده، ولهذا امتن الله على عباده فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[النحل:72]. ولهذا دعا نبى الله زكريا ربه فقال: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}[الأنبياء:89]. {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}[مريم:5 — 6]. ودعا أبو الأنبياء إبراهيم ربه فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}[الصافات:100 — 101]. {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء}[إبراهيم:29]. وذكر القرآن من أوصاف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}[الفرقان:74]. وبالنسل تنمو الأمة، ويكثر عددها، فتعمر أرضها، وتُستغَل كل طاقاتها، وتقوى على مجابهة أعدائها، ولا شك أن لكثرة العدد قيمة في ميزان القوى العالمية. ومن هنا امتن الله على قوم بالكثرة، فقال على لسان شعيب لقومه: {وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ}[الأعراف:86]، وقال صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى". وبالنسل يبقى النوع الإنساني كله، وتستمر حياته على الأرض إلى ما شاء الله من أجل معلوم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء:1]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:12]. والزواج من جهة أخرى تمام الدين للمرء المسلم، به يغض بصره، ويعف نفسه، ويجد متنفسا لشهوته في الحلال، فلا يفكر في الحرام، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم عن الزواج: "إنه أغض للبصر وأحصن للفرج". وقال: "من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتقِ الله في الشطر الباقى". والشطر: النصف. السعادة الدنيوية والزواج ليس حفظا للدين فقط، ولكنه أيضا من مقومات السعادة الدنيوية، التي لا يكرهها الإسلام، بل يحبها لأتباعه، ويوفِّرها لأبنائه، ليفرغهم لما هو أعظم، من السمو بالنفس، والاتصال بالملأ الأعلى، قال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة". وقال: "أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء". وعن سعد بن أبى وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة؛ من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح. ومن شقاوة ابن آدم: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء". والزواج هو الطريق الوحيد لتكوين الأسرة التي هي نواة المجتمع، وأساس بنائه، ولا يقوم مجتمع إنساني كريم، إلا إذا قامت قبله الأسرة، ففي ظلال الأمومة والأبوة، والبنوة والأخوة، تغرس المشاعر الطيبة والعواطف الخيرة من المحبة والإيثار والعطف والرحمة والتعاون. وبالزواج تنمو الصلات الاجتماعية، فيضم الإنسان عشيرة إلى عشيرته، وأسرة إلى أسرته، أولئك هم أصهاره وأخوال أولاده وخالاتهم. وبذلك تتسع دائرة الألفة والمودة، والترابط الاجتماعي، فقد جعل الله المصاهرة لُحْمة كلُحمة النسب، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً}[الفرقان:54]. وبالزواج تتاح الفرصة الملائمة التي تكتمل بها شخصية الرجل بتحمله المسؤولية زوجاً وأباً، وتكتمل شخصية المرأة بتحمل مسؤوليتها زوجة وأمّاً. إن كثيراً من الرجال يفرون من الزواج؛ لأنهم — كما قلنا — يريدون أن يعيشوا عمرهم أطفالاً كباراً، دون رباط يربطهم، أو بيت يضمهم، أو تبعة تلقى على كواهلهم. ومثل هؤلاء لا يصلحون للحياة، ولا تصلح بهم الحياة، أما الزواج فإنه رباط وميثاق غليظ، ومسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة من أول يوم، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البقرة:228]. {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ}[النساء:34]. احسان العمل وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: فالرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها". "كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت". "إن الله سائل كل راعٍ عمَّا استرعاه: حفظ أم ضيَّع". "إن لزوجك عليك حقّاً". وبالزواج يتفرَّغ الرجل لإتقان أعماله في خارج البيت، مطمئناً إلى أن في بيته من يدبِّر أمره، ويحفظ ماله، ويرعى أولاده. وفى هذا ما يُعينه على إحسان العمل وزيادة الإنتاج، بخلاف ذلك القَلِق المضطرب المشغول، الموزَّع بين عمله وبيته، وبين شغله في الخارج وهمِّ مطعمه ومشربه وملبسه في الداخل. وقديماً قال الشاعر: إذا لم تكن في منزل المرء حرَّةٌ تدبِّره، ضاعت مصالح دارهِ! المنافذ إلى الحرام والإسلام وهو يرغب أتباعه إلى الزواج، ويجعله هو السبيل الوحيد لقضاء الشهوة الجنسية، فإنه يغلق في وجوههم كل باب ويسد كل ذريعة قد تأخذهم إلى الحرام من الزنى واللواط، وغيرهما من طرق قضاء الشهوة خارج إطار الزواج الشرعي، ويضع ضوابط للتعامل بين الجنسين حتى لا تنجرف فتزل بعد ثبوتها، وتلتاث بعد طهارتها. حرمة الزنى وحرمة ما يؤدى إليه: الأديان السماوية كلها مُجمعة على تحريم الزنى ومحاربته، وآخرها الإسلام الذي شدَّد النهي عنه، والتحذير منه، لما يؤدي إليه من اختلاط الأنساب، والجناية على النسل، وانحلال الأسر، وتفكك الروابط، وانتشار الأمراض، وطغيان الشهوات، وانهيار الأخلاق، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}[الإسراء:32]. ومنهج الإسلام أنه إذا حَرَّم شيئاً سَدَّ الطرق المُوصِّلة إليه، وحَرَّم كل ما يُفضي إليه من وسائلَ ومقدمات. فما كان من شأنه أن يستثير الغرائز الهائجة، ويفتح منافذ الفتنة على الـرجـل أو المرأة، ويغري بالفاحشة أو يقرِّب منها، أو ييسر سبيلها، فإن الإسلام ينهى عنه ويحرمه؛ سدّاً للذريعة، ودرءاً للمفسدة.

3809

| 06 يونيو 2016

محليات alsharq
القرضاوي: لولا شرع الزواج ما أدت الغريزة دورها في بقاء الإنسان

الإنسانية عرفت في القديم والحديث أفكارا ومذاهب تعارض فكرة الزواج لا يحل للمسلم أن يُعرض عن الزواج مع القدرة عليه بدعوى التبتل فلسفة (ماني) قبل الإسلام منعت الزواج لأنه أقرب وسيلة إلى المسارعة بفَنَاء العالَم الإسلام نهى عن الانقطاع عن الزواج للعبادة والترهب والانقطاع عن الدنيا كتاب "فقه الأسرة وقضايا المرأة" أحدث إصدارات الشيخ "القرضاوي" الحلقة الأولى الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). ويقيم العلاقة بين الأبوين والأولاد على وجوب الرعاية الكاملة، ماديّاً وعاطفيّاً وأدبيّاً، من جانب الأبوَّة والأمومة، ووجوب البر والإحسان من جانب البنوة، ومن الرعاية لهم تمكينهم من التعليم في حدِّه الأدنى، ثم التعليم الذي يتوقون إليه، ويقدرون عليه. أفكار منحرفة عارضت الزواج ويقول العلامة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوى في كتابه "فقه الأسرة وقضايا المرأة" عرفت الإنسانية في القديم والحديث أفكاراً ومذاهبَ تعارض فكرة الزواج. ففي فارس ظهرت قبل الإسلام فلسفة (ماني)، الذي يزعم أن العالم مليء بالشر، ويجب فناؤه، ومنع الزواج أقرب وسيلة إلى المسارعة بفَنَاء العالَم. وفي ظل النصرانية ظهرت (الرهبانية) العنيفة، التي تفر من الحياة، وتلجأ إلى الأديرة، وتحرِّم الزواج؛ لأن المرأة فتنة مجسَّمة، وشيطان في صورة إنسان، والقرب منها خطيئة تلوث الأرواح، وتبعد عن ملكوت السماء. وفي العصر الحديث وُجِد في الغرب فلاسفة متشائمون، صبُّوا جُلَّ سخطهم على المرأة، وقالوا: إنها حيَّة تسعى، ليِّنٌ مسُّها، قاتلٌ سمُّها، والزواج يعطيها فرصة لتتحكم في الرجل، وتُثقله بالقيود والتكاليف، فلماذا يضع الرجل باختياره الغُّلَّ في عنقه، وقد خلق حرًّا؟ ومن المؤسف أن بعض شبابنا "العصريِّين" غرتهم هذه الأفكار، فأعرضوا عن الزواج، لما وراءه من مسؤولياتٍ وتكاليفَ وقيود، وهم يريدون أن يعيشوا العمر كله أطفالاً، لا يحملون عبئاً، ولا يتحملون تبعة، فإن غلبتهم الشهوة، ونادتهم الغريزة، ففي مَباءات الحرام الخبيث ما يغنيهم عن طيب الحلال. نظرة الإسلام إلى الغريزة خلق الله الإنسان ليستخلفه في الأرض ويستعمره فيها، ولن يتم هذا إلا إذا بقي هذا النوع، واستمرت حياته على الأرض، يزرع ويصنع، ويبني ويعمر، ويتزوج وينجب، ويتكاثر ويتعاشر، ويتعاون ويتنافس، ويؤدي حق الله وحق الناس عليه. ولكي يتم ذلك، ركَّب الله في الإنسان مجموعة من الغرائز والدوافع النفسية، تسوقه بسلطانها إلى ما يضمن بقاءه فرداً، وبقاءه مجتمعاً، وبقاءه نوعاً. وكان من هذا: غريزة البحث عن الطعام، التي بإشباعها يَبقى شخصُه، والغريزة الجنسية، التي بالاستجابة لها يبقى نوعه، وهي غريزة قوية عاتية في الإنسان، ومن شأنها أن تطلب مُتنفَساً تؤدي فيه دورها، وتشبع نهمها، وكان لابد للإنسان أن يقف أمامها أحد مواقف ثلاثة: 1- إما أن يطلق لها العِنان، تسبح أين شاءت، وكيف شاءت، بلا حدود توقفها، ولا روادع تردعها من دين أو خُلُق أو عُرف. كما هو الشأن في المذاهب الإباحية، التي لا تؤمن بالدين ولا بالفضيلة. وفي هذا الموقف انحطاط بالإنسان إلى مرتبة الحيوان، وإفساد للفرد والأسرة، وللجماعة كلها. 2 - وإما أن يصادمها ويكبتها، كما هو الشأن في مذاهب التقشُّف والحرمان والتشاؤم، كالمانوية الفارسية، والرهبانية النصرانية ونحوهما. وفي هذا الموقف وأد للغريزة، وتعطيل لعملها، ومنافاة لحكمة من ركَّبها في الإنسان وفطره عليها، ومصادمة لسنة الحياة، التي تستخدم هذه الغرائز لتستمرَّ في سَيْرها. 3 - وإما أن يضع لها حدوداً تنطلق في داخلها، وضمن إطارها، دون كبت مرذول، ولا انطلاق مجنون. كما هو الشأن في الأديان السماوية، التي حرمت السِّفاح، وشرعت النكاح (الزواج)، وخصوصاً الإسلام الذي اعترف بالغريزة، فيسَّر سبيلها من الحلال، ونهى عن التبتل واعتزال النساء، كما حرَّم الزِّنى وملحقاته ومقدماته أشد التحريم. وهذا الموقف هو العدل والوسط، فلولا شرع الزواج ما أدت الغريزة دورها في استمرار بقاء الإنسان، ولولا تحريم السفاح، وإيجاب اختصاص الـرجـل بامرأة، ما نشأت الأسرة التي تتكون في ظلالها العواطف الاجتماعية الراقية من مودة ورحمة، وحنان وحب وإيثار، ولولا الأسرة ما نشأ المجتمع، ولا أخذ طريقه إلى الرقي والكمال. * الإسلام يرغِّب في الزواج أما الإسلام فقد رفض تلك الأفكار المنحرفة، والمذاهب المتشائمة، وورد إعلان الرسول أن: "لا رهبانية في الإسلام". ونهى عن التبتل (الانقطاع عن الزواج للعبادة)، ووجَّه نداءه إلى الشباب يحثهم على الزواج: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّجْ، فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج". وكان إذا علم من بعض أصحابه نزوعاً إلى التبتل، وإغراقاً في التزهًّد والتعبُّد، نهاهم عن الغلو، وأمرهم بالقصد، وردهم إلى صراط الإسلام المستقيم، وحكمه الوسط العدل. روى الشيخان عن أنس قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي، يسألون عن عبادة النبي، فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر!! قال أحدهم: أما أنا فإني أصلِّي الليلَ أبداً. وقال آخر: أنا أصومُ الدهرَ ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوَّج أبداً. فجاء رسول الله إليهم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلِّي وأرقد، وأتزوَّج النساء، فمن رغب عن سُنَّتي فليس مِنِّي". وعن أبي قلابة قال: أراد أناس من أصحاب رسول الله أن يرفضوا الدنيا، ويتركوا النساء ويترهبوا، فقام رسول الله ، فغلظ فيهم المقالة، ثم قال: "إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شدَّدوا على أنفسهم؛ فشدَّد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الأديار والصوامع. فاعبدوا الله ولا تشركوا به وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم بكم". قال: ونزلت فيهم الآية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، (المائدة: 87). وعن مجاهد قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو، أن يتبتلوا، ويخصوا أنفسهم، ويلبسوا المُسُوح، فنزلت الآية السابقة والتي بعدها. فلا يحل للمسلم أن يُعرض عن الزواج.

3855

| 05 يونيو 2016

رمضان 1436 alsharq
"حديقة القرآن الكريم" و"فقه المرأة" برامج رمضانية بالإذاعة

تقدم الاعلامية بثينه عبدالجليل برنامجين رمضانيين عبر اثير موجات اذاعة قطر أولها برنامج "حديقة القرأن الكريم" وهو برنامج يومى بالتعاون مع مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع ويقدم لأول مرة حيث تم التنسيق مع حديقة القران هذا المشروع الكبير الذى يحظى بدعم ورعاية مباشرة من صاحبة السمو الشيخة موزة بنت ناصر ويجسد فيه كل النباتات التى ذكرت فى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فى عدة حدائق متخصصة داخل المشروع بتوفير كافة الاجواء المناسبة لها حتى يطلع عليها الزائر وكأنها فى بيئتها الطبيعية ما كل المعلومات العلمية حولها بالإضافة الى معهد متخصص فى البحث العالمى حول هذه النباتات ليكون مرجعا دوليا لكافة المعلومات النباتية والطبية بيانا لما ذكر عنها فى القرآن الكريم كأعجاز علمى حقيقى. وتستضيف الحلقات عدد من القائمين على هذا الصرح العلمى الكبير الاستاذة مثل فاطمة الخليفى مدير مشروع حديقة القرآن والسيد احمد الغريب باحث مساعد والسيد محمد حسونة أخصائى البستنة بالحديقة وتتناول الحلقات يوميا نباتا بالشرح والدليل القرآنى والحديث الشريف من صفاته وأهميته ومكانه بالحديقة وكذلك يتناول بعض الابحاث العلمية لتى قدمت بالحديقة فى ذات السياق، البرنامج يبث الثالثة عصرا والسابعة صباحا من اعداد تقديم بثينة عبدالجليل والهندسة الاذاعية محمد الكبيسي. اما البرنامج الثانى فهو "فقه المرأة" وهو من البرامج الجديدة فى الطرح حيث يتناول الرأى الشرعى فى قضايا وموضوعات جديدة تخص المرأة بعد ان اصبحت شريكا فاعلا فى المجتمع ولها دور كبير فى التنمية بالدولة فخرجت للعمل وتقلدت المناصب وتعددت الادوار بين البيت والعمل ومفهوم الحرية والمسؤولية وكيف تحدد الاولويات فى حياتها بما يعود بالخير على نفسها ومجتمعها ضيفة الحلقات الاستاذة الدكتورة "عائشة المناعى" عميد كلية الدراسات الاسلامية جامعة حمد بن خليفة مؤسسة قطر للتربية والعلوم .يبث " فقه المرأة "فى العاشرة والنصف صباحا يوم السبت من كل اسبوع.

743

| 28 يونيو 2015