رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي alsharq
الحلقة "7" والأخيرة .. ناجي صبري: السعودية السد المنيع أمام مخطط ايران التوسعي

جيش العراق لم يتبخر وأسقط 73,693 قتيل و1,6 مليون مصاب أمريكي في 54 شهرا السعودية السد المنيع امام مخطط ايران التوسعي .. ونداء الدوري يعبر عن ضمير الشعب العراقيصدام حسين هو من أطلق المقاومة من الاعظمية يوم 10 أبريل وقاتل بنفسه في معركة المطار وأم الطبولآخر كلمات صدام لي : "بلغ إخوانك الوزراء أن أميركا لن تغلب العراقيين"المقاومة كسرت ظهر الاحتلال ونفذت 300 عملية في اليوم الواحد رغم انعدام التسليحاحصائيات القتلى الامريكان أكدتها وثيقة نشرها موقع تابع للبنتاجون وتم حذفها بعد اكتشافها6 هجمات واسعة النطاق أجهزت على الجيش بين 91 و2003 لكن إرادة القتال باقيةلاتلوموا الصحاف فهو وزير اعلام يدافع عن وطنه وليس مراسلا حربيا يصف الأحداث كما تقع ماكان يذكره الصحاف جاء بتوجيه مباشر من رئيس الدولة .. والكذب الامريكي كان أشد ضراوة الرئيس صدام رفض إخفاء المدافع والأسلحة وسط السكان خوفا على الشعب أبلغت سفيرنا في لبنان بزيارتي لبيروت وفي الموعد كنت في الاراضي العراقية رامسفيلد هدد باعتقالي أو تصفيتي إذا عدت من القاهرة ورجعت لبغداد عبر الحدود السورية بسيارة أجرة تلقيت دعوة كريمة من الأمير الوالد للإقامة في قطر البلد الذي يتميز أهله بالنخوة والشهامة والأصالةجواسيس الاحتلال كانوا يحملون أجهزة GPS لتحديد أماكن المدافع ومواقع المسؤولين قبل قصفها مهما طال أمد الاحتلال فلن يتمكن من الاستقرار في العراق كما لم يتمكن غيره إيران هي التي تحتل العراق اليوم وقاسم سليماني يتجول بقواته بكل أريحية الفلوجة تميزت بالمقاومة الشديدة ضد الاحتلال والامريكيون والايرانيون لديهم ثأر معهادعم التحالف العربي والإسلامي الذي تقوده المملكة ضروري لتخليص الامة من الارهابإرادة العراقيين لن تنكسر وشعبنا جبار والفوضى بالعراق لايمكن أن تستمرأدار اللقاء: جابر الحرميأعده للنشر: طـه حسين - عبد الحميد قطبهناك الكثير الذي قيل وكتب عن الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت الشقيقة، وهناك الكثير ايضا الذي قيل وكتب عن فترة الحصار، التي امتدت منذ 1991 الى يوم سقوط بغداد في 2003، ولكن من المؤكد ان من عاصر وعايش مرحلة غزو الكويت وسقوط بغداد، مرورا بفترة الحصار وتداعياتها وما تعرض له العراق من قصف متجدد، وهجمات تدميرية لأكثر من خمس مرات . الدكتور ناجي صبري الحديثي، آخر وزير خارجية للعراق في عهد الرئيس صدام حسين هو شاهد على مرحلة مفصلية عاشها العراق... و لديه ما يقوله .. وإلى تفاصيل الحلقة الأخيرة من الحوار الوثائقي لسعادته مع "الشرق"..معالي الوزير، في حلقتنا الأخيرة دعنا نتوقف عند ساعات الغزو والسقوط السريع لبغداد، هناك أمر يدعو للتساؤل والدهشة أنتم كنتم على يقين من الغزو فلماذا لم تقاوم بغداد؟ لا، بغداد دار السلام قاومت الغزو منذ أول ساعة حتى اعلان الاحتلال في يومه العشرين. وعملية الغزو الوحشية أصلا بدأت بضرب بغداد بمئات القذائف والصواريخ والقنابل المدمرة. لقد قاومت بغداد قيادة وجيشا ومواطنين بضراوة، وفق الامكانيات المتوفرة، عدوا مزودا بأحدث وأقوى أسلحة القتل والتدمير وأشدها فتكا، ومسلحا بأكثر العقائد العنصرية حقدا وكراهية للعرب والمسلمين، وهي العقيدة الصهيونية التي حركت زمرة المحافظين الجدد الحاكمة في ادارة بوش ضد العراق، هذه الزمرة التي لم تكن تخفي ارتباطها باسرائيل. لقد بينت في حلقة سابقة التفاوت الهائل بين قدرات العراق العسكرية المتواضعة جدا والمتناقصة عند انطلاق الغزو، بفعل عوامل عديدة شرحتها، والقدرات العسكرية الضخمة لأقوى دول العالم: اميركا ومعها قوات بريطانيا وايطاليا واسبانيا واستراليا ودول أخرى كثيرة.. كان الشعارالذي اختارته ادارة بوش للحرب على شعب العراق وكانت تتباهى به هو الصدمة والرعب، فماذا تتوقع ممن يسمي عمليته الحربية بهذا الاسم؟ بغداد كانت أول هدف للعدوان، واستمر القصف الجوي الشامل على مدار الساعة بأشد القذائف والصواريخ والأسلحة وحشية وتدميرا حتى يوم 9 /4 /2003 الأسود المشؤوم.. وعند أول نزول على أرض بغداد دارت معركة حامية في مطار بغداد، وقد صدتهم القوات العراقية التي كان الرئيس صدام حسين رحمه الله يقاتل معها، وكبدتهم خسائر كبيرة. واستقر الموقف للجيش العراقي. وفي اليوم التالي لجأت قوات الغزو الأميركية الى هجوم ثان، استخدمت فيه قنابل محرمة أذابت البشر والحجر ويظن انها قنابل فوسفور ابيض او قنابل فراغية أو نوع آخر من القنابل المحرمة دوليا، فأبادت كل المقاتلين الذين بقوا في المطار لكي تؤمن احتلاله.لم يكن لدى العراق في مواجهة الحرب الجوية المدمرة سوى مدفعية مضادة للطائرات محدودة لا تصل الى مديات عالية. وغاب سلاح الصواريخ وغابت القوة الجوية لأسباب أوضحتها في ماسبق. وكانت المدفعية العراقية المضادة للجو تنتشر في أرجاء بغداد وتتصدى لطائرات اميركا وحليفاتها فوق سماء بغداد، ورغم محدودية مدياتها إلا انها كانت على الاقل تمنع طائرات الغزاة من النزول والاقتراب من اهدافها.وبسبب غياب الغطاء الجوي وسلاح الصواريخ، واجه أبطال المدفعية استحالة مادية للاستمرار بالتصدي للطائرات المغيرة.. كان عليهم التنقل المستمر مع مدافعهم من مكان الى آخر أكثر من مرة في اليوم الواحد لتفادي استمكان الطائرات المغيرة منهم. ولم يكن ابطال الجيش العراقي يغامرون بالاحتماء بالمناطق السكنية خشية تعريض أرواح الناس المدنيين لمخاطر القصف من عدو متوحش.. فيضطرون الى اختيار اماكن قليلة التغطية وبعضها مكشوف، وهذا كله كان يعوق أداءهم القتالي ويقلل من تأثيرهم الى حد كبير، اضافة الى محدودية قدرات مدافعهم التي تعود الى الثمانينيات وباتت خارج الخدمة حيث لم يتمكن الجيش العراق من اعادة التجهيز بعد الحرب مع ايران بسبب اختلال العلاقة مع الاتحاد السوفيتي المورد الأول لأسلحة الجيش العراقي بعد ان وقف العراق ضد غزوه لافغانستان.الصمود مستحيل ولكن..كيف كانت شبكة التواصل بين القيادة العراقية في الساعات والايام الاولى للغزو؟ انتهت شبكة الاتصالات المدنية والعسكرية بين قيادة الجيش والوحدات منذ الدقائق الأولى حيث تعرضت للقصف المدمر. فكان الاتصال مباشرا وبواسطة المراسلين بين الوحدات ولا يعتمد عليه. ولذلك كان صمود بغداد مستحيلا امام قوات غازية تملك كل هذا التفوق العسكري الهائل. لكن كانت هناك معارك في أم قصر وبعض المناطق؟ في كل مناطق العراق بدءا من الحدود مع الكويت في ام قصر قاومت القوات العراقية ومجاميع المقاتلين المدنيين، من بعثيين وأبناء العشائر في البصرة والناصرية والنجف والعمارة وفي بغداد ومدن وقصبات أخرى تحركت فيها قوات الغزاة. وفي كل مرة يتفوق المقاتلون العراقيون بارادتهم القتالية العالية، فيستدعي الغزاة الطائرات بأسلحتها الفتاكة وطائرات الأباتشي للاشتباكات القريبة من أجل حسم الموقف لصالح الغزاة. ويتذكر العراقيون الفلاح العراقي الحاج علي عبيد منكاش الذي تصدى ببندقية برنو لطائرة أباتشي قريبة وأسقطها في الديوانية جنوب العراق. كانت ارادة القتال عالية لدى المقاتل العراقي والخبرة العسكرية غنية لدى الجيش العراقي ولكن كان ينقصه السلاح الفعال الحديث وغياب صنوف بأكملها، مثل القوة الجوية والصواريخ والرادار والاتصالات والمدفعية بعيدة المدى فضلا عن قدم سلاح الدروع وخروج اغلب دبابات الجيش العراقي من الخدمة. ماذا عن البدائل التي اعتمدتها القيادة العراقية إذن؟ لم تكن هناك أي بدائل غير القتال بالامكانيات المتوفرة. فقد استنفد العراق كل الاساليب الدبلوماسية والسياسية. وتمكنا من حرمان الولايات المتحدة وبريطانيا من القدرة على تسخير المنظمة الدولية لاضفاء الشرعية على غزو العراق. ولكن لم نستطع منع قيام الحرب، فقد كان قرار الحرب قد اتخذته الولايات المتحدة الامريكية منذ ان تولى الرئيس بوش المهووس بالحرب والعنف والقتل. وثمة وثائق أمريكية كثيرة تدلل على ان بوش ووزيره رامسفيلد كانا يبحثان منذ الأيام الأولى بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 عن ذرائع واكاذيب بأن العراق متورط فيها لتسهيل خداع الكونغرس والرأي العام الأمريكي والعالمي، رغم معارضة دول اوربية غربية كثيرة حليفة لأمريكا ومعارضة عشرات الملايين في امريكا والغرب لهذه النوايا.الرئيس صدام يقاتلكنتم تنشرون صورا للرئيس صدام بين مجموعة من الناس فهل كانت صورا حقيقية؟ وهل كان الرئيس صدام يخرج بالفعل الى المناطق السكنية ويتجول بين الناس؟الرئيس صدام حسين كان يتنقل بين المقاتلين وقاتل في معركة قرب مسجد أم الطبول وفي معركة المطار الكبيرة. وفي يوم 9 نيسان / ابريل المشؤوم الذي اعتبر يوم اعلان الاحتلال وبينما كانت قوة أمريكية وثلة من عملائها الذين احضرتهم معها تنفذ مسرحية اسقاط تمثال الرئيس أمام فندق فلسطين في بغداد، كان الرئيس الشهيد في منطقة الأعظمية في بغداد بين الناس. وفي اول يوم للاحتلال يوم 10 /4 /2003 قاد الرئيس فريقا من المقاتلين العراقيين عسكريين ومدنيين ومعه مجموعة من المتطوعين العرب في اول هجوم مضاد على القوات الغازية بعد اعلان الاحتلال في الأعظمية وقد جرح فيها جرحا خفيفا. وثمة معارك شديدة دارت في ساحة اللقاء في المنصور وفي الطارمية شمال بغداد اضافة الى معارك متفرقة في جميع الأماكن التي دخلتها القوات الغازية.وبقية القادة والوزراء المعنيين بالعمليات القتالية هل كانوا معه؟كان القادة العسكريون يقاتلون في وحداتهم، والوزراء موجودين في المقرات البديلة التي انتقلوا اليها، وان كانت الاتصالات قطعت وبقيت الاتصالات شخصية.الصحاف وزير وليس صحفياماذا عن قصة الصحاف التي يتندر بها انه كان يتحدث عن القوة العراقية وانها بانتظار وصول القوات الامريكية على اسوار بغداد لكي ينتحروا، ويضرب به المثل بانه محمد سعيد؟ الزميل محمد سعيد الصحاف وزير عراقي بلده يتعرض للغزو وهو وزير اعلام وليس مراسلا صحفيا لكي ينقل وصفا لحالة المعركة فيوجه له اللوم على عدم وجود وصف وقائعي لمجريات القتال في بياناته. وهو الناطق الرسمي باسم الدولة العراقية آنذاك التي كانت تتعرض لعدوان وغزو وحشي، ومن صلب واجبه ومن حقه بصفته وزيرا في الحكم الوطني ومواطنا عراقيا أن يسعى لشحذ همة الناس للقتال ويعطيهم الامل. وهذا امر طبيعي ومنطقي. والاعلام الغربي الذي ضخم هذه القضية تجاهل ان كل المسؤولين البريطانيين وكل المسؤولين الامريكيين بلا استثناء من الرؤساء الى الوزراء الى القادة الى الناطقين الرسميين كانوا يكذبون ويزورون الحقائق، ووسائل الاعلام الامريكية والبريطانية كلها كان تكذب والعالم كان يعرف ذلك. فكان هذا الاعلام الذي ركز بصورة فجة وسمجة مفتعلة على أداء الزميل الصحاف يغطي بذلك على الحجم الهائل من الاكاذيب والافتراءات الذي اطلقته قيادتا الدولتين واعلامهما، واستخدمتاه لتبرير وتسويغ جريمة القرن الحادي والعشرين، جريمة غزو وتدمير العراق أول دولة في الـتاريخ والدولة التي منها بزغ فجر الحضارة الإنسانية وفيها ترعرعت ونمت، ومنها انطلقت الحضارة العربية الاسلامية تنشر النور والحضارة والهدى في شتى بقاع الأرض. أما وزير الاعلام فكان يدافع عن بلده وأهله وأرضه ويحاول ان يحمس الناس ويشجعهم على الصمود والقتال، وهذا عمل طبيعي لأي مواطن عراقي مخلص لوطنه، وليس في كلامه ضرر على الناس. وليست مهمته ان يقول دمر الأمريكيون موقع كذا او تقدموا هنا او اصبح الغزاة على بعد كذا من الهدف. فهذه مهمة مراسل صحفي وليس مهمة وزير اعلام يتعرض بلده للغزو والقتل والإبادة.ماذا عن كواليس الاتصالات الحكومية عندما بدأت الأزمة؟ صوت الرصاص اصبح اعلى من اي صوت آخر ولم يبق أي مجال للدبلوماسية وكانت الدولة كلها مسخرة للدفاع عن الوطن.جواسيس بالـ GPSمتى كان آخر عهدك بمقر وزارة الخارجية؟ نحن انتقلنا من مبنى وزارة الخارجية الى مقر بديل في مدرسة، لكن الأميركيين أرسلوا مجموعة كبيرة من الجواسيس إلى داخل بغداد وكانوا يحملون أجهزة اتصال فضائية مزودة بآلية تحديد الموقع الجغرافي وبدأوا ينشطون مع بدء عمليات الغزو.عراقيون؟ نعم، من الخونة الذين قاموا بتدريبهم في الخارج مثل جماعة أحمد جلبي وغيرهم، فهؤلاء كانوا يبحثون عن أماكن الوحدات العسكرية والمدفعية العراقية المضادة للجو وأماكن مقرات كبار المسؤولين والوزراء البديلة. وما إن يحددوا موقعا حتى يضغطوا على زر تحديد الموقع الجغرافي GPS ليتم تحديد المكان وإشعار مركز توجيه العمليات الأميركي في شمال العراق. وبعد فترة قليلة تأتي طائرات الغزو لتضرب الموقع انتقلت وزارة الخارجية الى مدرسة أولا ثم علمنا أن الجواسيس قد حددوا موقعنا البديل فانتقلنا على الفور الى مكان آخر. وكنت حتى يوم السادس من أبريل / نيسان أستطيع الذهاب إليه، أما بيتي فكان في مجمع القادسية للوزراء وقد غادرته قبل يوم من بدء الغزو إلى بيت آخر بديل.. وقد بدأ الغزاة الاميركيون من يوم 9 نيسان /ابريل الأسود حينما أعلن الاحتلال يقتحمون أبواب المؤسسات المغلقة بمدرعاتهم ويفتحونها للصوص والسوقة والغوغاء للنهب والسلب، بعد أن أطلقوا سراح بضعة آلاف من اللصوص المحبوسين في سجن أبو غريب بعد أن استولوا على مطار بغداد. وقد ضربوا بوابة مجمع سكن الوزراء الحديدية باطلاق دبابة عليها وكسروها فدخله اللصوص وسرقوا بيتي وبيوت الوزراء بكل محتوياتها. كما قصفت القوات الأميركية البوابة الحديدية الضخمة لمتحف العراق الذي يضم أهم وأقدم كنوز الحضارة البشرية، وسهلوا لعصابة سرقة آثار دولية مرتبطة بعميلهم الأول احمد جلبي دخولها وسرقة آلاف من القطع الاثرية العراقية. ولم يكن نهب المؤسسات أمرا عفويا بل تم بناء على تشجيع من أعلى القيادات الأميركية وكانت سياسة رسمية لتشجيع ثلة ضالة من العراقيين على نهب وسلب وتخريب دولتهم وتصوير ذلك للعالم بأن هؤلاء هم العراقيون فلا تتعاطفوا معهم، وكذلك لكي تشكل صورة النهج الجديد للحكم الذي تريده الولايات المتحدة للعراق. ففي مؤتمر صحفي لوزير الحرب الأميركي دونالد رمسفليد أحد أبرز قادة مجرمي الغزو سئل عما يجري في بغداد من نهب فقال بلغته العنجهية المعروفة: "إنها الحرية.. دعوا العراقيين يتمتعون بالحرية"!وأرشيف الدولة؟ المركز الوطني للوثائق الذي يضم مئات الآلاف من وثائق الدولة العراقية والمكتبة الوطنية التي تضم ملايين الكتب والمراجع حُرقتا. وكان جواسيس الغزاة الذين دخلوا خلف دباباتهم يحرقون كل شيء بهدف إنهاء الذاكرة الوطنية للعراق.. في وزارة الخارجية مثلا أضرموا النار في طابق الوزير وطابق أرشيف الوزارة. لماذا لم يسع العراق لإخراجه وتأمينه في دولة مجاورة؟ لم يسع العراق لإخراج أي شيء.قصف ونهب وحرق لماذا اختفى كل ما له علاقة بالدولة يوم 9 نيسان/أبريل وبهذه السرعة مع دخول القوات الأمريكية؟ قبل الغزو بأيام تحولت كل اجهزة الدولة إلى حالة الطوارئ. وانتقل معظمها إلى مواقع صغيرة بديلة وبأقل عدد من الموظفين لحماية الناس وأعفيت الموظفات من الدوام فانخفض مستوى الأداء في كل المؤسسات، بل توقف عملها منذ بداية الغزو. والمواقع البديلة للوزارات كانت ايضا مستهدفة بفعل الجواسيس. وقد تعرضت مقرات المؤسسات للقصف ومن ثم النهب والحرق في اول يوم للاحتلال. فبعد سيطرة القوات الغازية يوم 9/4 انتهت عمليا كل اجهزة دولة العراق الوطنية. وقد اصدر بول بريمر الحاكم المدني لادارة الاحتلال يوم 16 / 5/2003 قرارا سمي باجتثاث البعث أي فصل جميع كوادر الدولة من منتسبي حزب البعث. وفي اليوم التالي أصدر قرار حل الجيش العراقي والقوات الامنية. وهو يعرف جيدا ماذا يحدث لو غابت أجهزة الأمن ساعة واحدة أو حتى لو توقفت القوة الكهربائية ساعة واحدة في أي مدينة أميركية، فكيف اذا كان الأمر بتغييب كل القوات المسلحة وأجهزة الشرطة والأمن وفرض النظام والقانون نهائيا؟!. وهو يدرك بالتأكيد ماذا يعني تفكيك معظم دوائر الدولة في دولة عريقة مثل العراق.انطلاق المقاومة 10 أبريل قلتم يا معالي الوزير إن العراق لم يستسلم فكيف اندلعت المقاومة العراقية بعد الاحتلال؟ الرئيس صدام حسين خطط لقيام المقاومة، من قبل، وجرى كثير من التمارين العسكرية على وحدات معينة من الجيش، وحُفظت أسلحة في أمكنة معينة، كما وزعت أسلحة ايضا خفيفة على الناس، بعد أن جرى تدريب واسع لهم على حمل السلاح.في اليوم العاشر من نيسان /أبريل، وهو أول يوم بعد إعلان الاحتلال، كان الرئيس صدام في الأعظمية وقاد أول عملية مقاومة ضد قوات الاحتلال. وفي اليوم نفسه التقى الرئيس بمجموعة من القادة ومنهم ضباط معنيون بإطلاق المقاومة، وقال لهم: " على بركة الله نبدأ اليوم الصفحة الثانية"، وانطلقت المقاومة الوطنية العراقية بعمليات نوعية تصاعدت بسرعة حتى وصلت حسب الإحصائيات الأميركية إلى أكثر من 300 عملية في اليوم الواحد. وهذا ما كسر ظهر الاحتلال العسكري الأميركي وألحق هزيمة مذلة بجيش أقوى دولة في العالم. وثمة وثيقة نشرها موقع "انفورميشن كليرنغ هاوس " الأميركي نقلا عن موقع المحاربين القدامى التابع للبنتاغون تكشف عن حجم الخسائر الحقيقي في الجيش الأميركي. وتقول الوثيقة ان خسائر القوات الأميركية في العراق منذ حرب 1991 إلى شهر ايلول/ سبتمبر 2007 بلغت 73846 قتيلا.وإذا ما طرحنا من هذا الرقم عدد قتلى الجنود الأميركيين في حرب 1991، والمقدر بـ 153 قتيلا فان عدد قتلى الجيش الأميركي منذ الاحتلال عام 2003 حتى شهر ايلول/سبتمبر 2007 هو 73،693 (ثلاثة وسبعين ألفا وستمائة وثلاثة وتسعين) قتيلا أمريكيا، في أربع سنوات ونصف من فترة احتلال دامت 8 سنوات وتسعة أشهر حتى نهاية 2011، بما يعني أن هذا العدد من القتلى هم الذين سقطوا في نصف فترة الاحتلال فقط. وتصوروا إذن كم يبلغ العدد الكلي للقتلى الغزاة في كل فترة الاحتلال، ولاحظوا حجم التضليل والتغطية والكذب في الرقم الذي اعلنته المصادر الرسمية للولايات المتحدة من ان خسائرها تقدر بـأكثر من 4 آلاف فقط!!.اما عن الجرحى فعددهم 1.620.906 بينهم من أصيب بأمراض نفسية أدت بمئات منهم الى الانتحار. وطبعا هذا الحجم الهائل من الخسائر التي تكبدها الاميركيون، جعلهم يهربون في الليل من العراق، في نهاية عام 2011. لكن بعض المصادر كانت تتحدث عن القاعدة باعتبارها هي من كبدت الأمريكان الخسائر الكبيرة؟ الاميركيون أنفسهم قالوا إنّ القاعدة لم تكن تشكل سوى 3 أو 4 % من فصائل المقاومة. والغالبية العظمى هم من العراقيين من أبطال الجيش العراقي وبقيادتهم ومن المدنيين الذي التحقوا بها. قلتم معاليكم إنّ المقاومة العراقية كسرت ظهر الاحتلال.. فمن هي المقاومة؟ المقاومة هي الجيش العراقي الوطني، والتحق به الوطنيون العراقيون من المدنيين من أبناء العشائر والمدن، والذين دفعتهم غيرتهم للدفاع عن وطنهم، وابرز فصائل المقاومة واكبرها هو جيش النقشبندية المكون من عسكريين ومدنيين ثم تنظيم القيادة العامة للقوات المسلحة وهو مكون من عسكريين فقط وجيش الكرامة المكون من عسكريين ومدنيين وغيرها من التشكيلات الأصغر. ما أبرز المشاهد التي علقت في ذاكرتكم من يوم الاحتلال، وكيف كان يتم ضرب المنشآت والمجمعات، وكيف كنتم تتنقلون في ظل الملاحقات؟ بعد كل ما تعرضت له المنشآت العراقية من قصف جوي في اثناء فترة حرب الاستنزاف 1991 — 2003 وتخريب على يد المفتشين قامت قوات الغزو بالاجهاز على ما اعيد بناؤه وما تبقى من مؤسسات مثل مراكز توليد الطاقة ومراكز اسالة الماء والاتصالات والمواقع العسكرية والمكاتب الرئاسية وغيرها. وفي الايام الاخيرة غيرت مسكني البديل بعدما اقتربت القوات الغازية منه، وانتقلت الى بيت بديل في الضفة الثانية من النهر الى منطقة الأعطمية وأقمت هناك في بيت أحد الاصدقاء.هل كانت هناك لقاءات جماعية للقيادة العراقية وما آخر لقاء جمع الرئيس والوزراء وأركان الدولة؟ كانت هناك لقاءات، ولكني لم أحضرها ولم يحضرها زملاء لي بسبب صعوبة التبليغ بعد انقطاع الاتصالات وصعوبة التنقل نتيجة القصف الجوي المتواصل ليلا ونهارا. كان آخر لقاء لي مع الرئيس قبل ان أكلف بمهمة الذهاب الى القاهرة. ذهبت بعد الغزو للقاهرة؟ نعم بعد ثلاثة ايام على بدء الغزو لحضور اجتماع جامعة الدول العربية الوزاري لبحث العدوان على العراق. استدعاني الرئيس المرحوم صدام حسين، وكنت آنذاك مع الزميل محمد سعيد الصحاف وزير الاعلام فذهبت معه وكان في منطقة القصر الجمهوري في مبنى صغير ووجدت الرئيس واقفا عند الباب ومعه بعض النواب ووزيرالدفاع فقال لي هناك اجتماع لوزراء الخارجية العرب فتوكل على الله لحضوره.أميركا لن تغلب العراقيينوكيف كان الرئيس صدام؟ كان الرئيس رحمه الله يتحدث مع النواب ووزير الدفاع بعد ان نهوا اجتماعا. وكان مبتسما وطبيعيا جدا، وقد ارتدى البزة العسكرية. هل طلب منك تصرفا محددا في اجتماع الجامعة؟ لا لم يطلب شيئا محددا. ولم أسأله عن شيء. كنت اعرف مهمتي ففي ظرف تتعرض البلاد للغزو يكون من مهمة وزير الخارجية في اجتماع كهذا السعي للحصول على ادانة المجتمعين للغزو وحشد التأييد للعراق في مواجهته الغزو وتأييد مطالبه بانسحاب الغزاة بدون قيد أوشرط، لكنه بعد ان صافحته مودعا قال لي:" بلغ إخوانك الوزراء أن اميركا لن تغلب العراقيين ". وحتما لم يكن يشير الى الحرب النظامية فهو يعرف مسبقا عدم قدرة العراق على مواجهة الغزاة الأكثر تفوقا في كل نواحي المعركة، في حرب نظامية. بل كان على الأرجح يشير الى شيء آخر وهو ما جرى بعد الاحتلال حيث انطلقت المقاومة. وكان احد الاخوة المسؤولين الحاضرين قد طلب مني التصرف على نحو متشدد اذا لم يقف الوزراء العرب في الاجتماع وقفة حازمة ضد الاحتلال الامريكي. غير أن الرئيس صدام حسين رحمه الله رفض ذلك فورا وقال مصححا: "اذا لم يتخذ الوزراء موقفا صريحا ضد الغزو انسحب من الاجتماع بهدوء، وأعلن رأيك على الصحفيين في الخارج". كيف خرجت من العراق وانطلقت إلى القاهرة في ظل القصف؟ الطريق الاعتيادي لم يكن مهيأ للسفر، لا جوا ولا برا. كانت الطائرات الأميركية والبريطانية تجوب سماء العراق وتصب حممها على المواقع والقوات والمنشآت والطرق. وكان علي أن أسلك طريقا بريا من مدينة إلى أخرى إلى الحدود مع سورية. فانطلقت فجر اليوم التالي إلى مدينتي الحديثة في الفرات الأعلى شمال غرب العراق عبر مدن الفلوجة والرمادي وهيت والبغدادي. ومن هناك ذهبت إلى منطقة القائم العراقية عبر طرق متعرجة لتفادي الألغام والجسور المقصوفة. ومنها عبرت إلى مدينة البوكمال السورية، ومنها إلى دمشق التي وصلتها في الساعة التاسعة مساء، ومنها طرت فجرا إلى القاهرة. واجتمع وزراء الخارجية العرب وأجمعوا على قرار واضح يتضمن إدانة شديدة للغزو ومطالبة الغزاة بالانسحاب بدون قيد أو شرط واحترام سيادة واستقلال العراق.تهديد من رامسفيلدلماذا وكيف عدت إلى بغداد بعد هذا الاجتماع والدولة كانت تنهار؟ في القاهرة حدثت مفاجأة، حيث عرفت أن دونالد رمسفيلد وزير الدفاع الأميركي عقد مؤتمر صحفيا في واشنطن وقال فيه متباهيا "أطبقنا على صدام وأولاده ومساعديه"، فقال له صحفي من الحضور، كيف أطبقتم على مساعديه وهذا أحدهم وزير الخارجية خرج من بغداد وهو الآن في القاهرة؟" فصدم رمسفيلد ورد قائلا "لنرَ كيف سيعود". لم يكن ممكنا في تلك الظروف العصيبة أن أهمل هكذا ملاحظة وأن لا أفكر بها بوصفها تهديدا جديا بقتلي أو اعتقالي عند عودتي. فالغزاة تملأ طائراتهم سماء العراق وقادرون على الحركة في أي مكان ولا يتوانون عن ارتكاب أي جريمة. بدأت أفكر كيف أعود للعراق في ظل هذا التهديد. وما زاد يقيني بجديته أن صحفيين أميركي وبريطاني التقيا بي في فندقي بعد انتهاء الاجتماع وسألاني عما سأفعله ومتى وكيف سأعود إلى العراق. فأجبتهم في الحال أن لدي جولة في البلاد العربية إلى لبنان وتونس وبعض الدول قبل أن أعود إلى العراق. وضعت خطة وبدأت بتنفيذها. فاتصلت بوزير خارجية لبنان الصديق محمود حمود وأخبرته بالقصة وبأنني أعلنت عن زيارتي لبيروت ضمن الخطة التي وضعتها وطلبت منه أن يؤيد ذلك لوزارته في بيروت عندما يسأل. وأبدى في الحال تفهمه واستجابته. وأردت تأكيدا آخر لهذه الخطة، فاتصلت من هاتفي الجوال، وهو مراقب بالطبع، بسفيرنا في لبنان السيد نبيل الجنابي وقلت له انتظرني غدا في الساعة التاسعة مساء عند بوابة المصنع على الحدود السورية اللبنانية. فقال لي سأبلغ الأمن ودائرة البروتوكول في الخارجية اللبنانية ونكون بانتظار معاليك". طبعا كنت أدرك أن هذا التبليغ سيشيع مسألة سفري إلى لبنان على نطاق غير محدود، وخصوصا لمن يترقب عودتي إلى العراق. عدت صباح اليوم التالي إلى دمشق، ولم أذهب إلى الفندق، بل إلى بيت سفيرنا في دمشق السيد محمد رفعت. وبعد استراحة لبضع ساعات، انطلقت والوفد العراقي المرافق من بيت السفير وبسيارات السفارة، لكي لا تُعرف وجهة سفرنا. وبعد عدة ساعات وبحلول الليل وفي الساعة المقررة لاستقبالي في نقطة المصنع على الحدود اللبنانية، كنت قد دخلت الأراضي العراقية. ومن هناك استأجرت أنا ومرافقي فقط سيارة أجرة بسيطة جدا وقديمة من مدينة القائم. واستقل أعضاء الوفد سيارات متفرقة وتحركنا إلى داخل الأراضي العراقية. وعندما انطلقنا من نقطة الحدود العراقية في مدينة القائم شاهدت مجموعة جنود عراقيين يحملون قاذفات صواريخ محمولة في سيارتين أمام سيارتنا. وذهبت إلى مدينة الحديثة إلى بيت أخي المرحوم شكري وبقينا هناك إلى المساء، ثم تحركنا إلى بغداد. وبعد الاحتلال كتب أحد ضباط المخابرات العراقية رسالة على مواقع التواصل قال فيها إنه كان يقود مجموعة من أبطال القوات الخاصة العراقية مكلفة بتعقب ومكافحة الإنزالات الأميركية في المنطقة الغربية، وأن أمرا صدر إليه من المركز في بغداد بأن يتحرك إلى الحدود لتأمين عودة وزير الخارجية بعد التهديد الذي أطلقه الوزير الأميركي. وقال إن الوزير لم يكن يعرف بوجوده ورفاقه. طبعا لم أطلب ذلك من حكومتي، ولم أطلب أي حماية لي عند العودة، ولم أكن أعرف بمهمة هذه الوحدة.هل التقيت بالرئيس بعد العودة لتخبره بما جرى، وهل كان هناك من يرى أن الوزراء لم يتخذوا موقفا شديدا لصالح العراق على النحو المأمول؟ لا، لم تتح الفرصة وكتبت ما جرى وهو على علم بذلك. وزراء الخارجية العرب وقفوا موقفا ممتازا. ولكن التحرك المطلوب لنجدة العراق بما يفوق الموقف السياسي أمر لا يقرره الوزراء. وكما هو معروف اتفاقية الدفاع العربي المشترك مجمدة. أين كنت معالي الوزير في تلك الفترة؟ بعد أن احتلت القوات الأميركية مطار بغداد بدأت تقترب من منطقة البيت البديل الذي انتقلت إليه قبل الغزو. فتركته قبل يومين من إعلان الاحتلال. وأرسلت أهلي خارج بغداد. وانتقلت إلى الضفة الأخرى للنهر، وأقمت في منطقة الأعظمية عند صديق. وكان ضابط استخبارات كبيرا وينقل لي الأخبار ساعة بساعة عما يجري. وفي صباح يوم 9 نيسان/أبريل ذهب من الفجر إلى وحدته ثم عاد وقال لي انتهى كل شيء ودخل الغزاة وسيطروا على بغداد. فأرسلت مرافقي ليجد لي منفذا للخروج من بغداد لا تحتله القوات الغازية، فحدد طريقا آمنا وسلكته وذهبت إلى الفلوجة، حيث أرسلت أهلي، واصطحبتهم وخرجنا فجر يوم 10 نيسان/أبريل إلى بلد مجاور.قطر النخوة والأصالةما هو هذا البلد؟ لا أعرف رأي هذه الدولة التي أقمت فيها لكي أعلن اسمها. وبعد أقل من شهر ونصف وصلتني دعوة كريمة من سمو الأمير الوالد بالقدوم إلى قطر والإقامة في قطر أنا وأسرتي، وجئنا بعد ذلك والحمد لله إلى هذا البلد الذي يتميز أهله وقادته بالنخوة والشهامة والأصالة.العراق سيعود صف لنا لحظات خروجك من بغداد؟ مشهد يثير الوجع والحزن الشديد وأنت ترى بلدك ينهار أمامك والغزاة يستبيحونه وأنت تخرج منه مشردا،،،،،؟ سألك الصحفيون في القاهرة متى تعود وأنا اليوم أسألك متى تعود للعراق؟ أملنا بالله وثقتنا به سبحانه تعالى كبيران. وثقتنا في الشعب العراقي لا حدود لها. فالفوضى التي أحدثها الغزو والاحتلال في العراق لا يمكن أن تستمر. ولا يقول هذا المعارضون للغزو الأميركي وشريكه الإيراني فقط. بل الآن كثير من أشخاص العملية السياسية الذين عملوا مع الاحتلال يقولون إن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر وأن السلطة التي أنشأها الاحتلال فاسدة طائفية وغير وطنية وتعوم في بحر من الفوضى. وكل هذا لا يملك أدنى مقومات البقاء. والخيرون من أبناء العراق هم الكثرة الغالبة بإذن الله، وهم الذين يقررون مستقبل العراق رغم كل الضغوط والتزوير والتضليل.كيف يقبل العراقيون على بلدهم أن يكون تابعا بعد أن كان قائدا؟ العراقيون الوطنيون الشرفاء، وهم الغالبية العظمى، رافضون لهذا الوضع الذي مزق العراق وجعله مع الأسف يحتل المراكز الأولى في قوائم الفساد وجعل عاصمته الجميلة العريقة في أسفل قائمة العواصم الآمنة النظيفة. ما تعيشه العراق والمنطقة اليوم أليس نتاج الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه العراق باحتلال الكويت؟ بل هو نتيجة لحملة حرب أميركية شاملة ذات مسارات متعددة استثمرت هذا الخطأ استثمارا فظيعا لتدمير العراق وإنهاء دوره الريادي في هذه المنطقة، تنفيذا لهدف استراتيجي صهيوني قديم لا تخفيه الزعامات اليهودية قديما ولا المسؤولون الإسرائيليون المعاصرون. وبدأت هذه الحملة منذ عام 1990 واستمرت 57 شهرا حتى نهاية عام 2011. هل نستطيع القول إن ملف العراق القوي والدولة الوطنية أغلق بغير رجعة؟ لا لم ولن يغلق. فعبر تاريخ العراق الطويل لم يدم فيه احتلال أجنبي أبدا، فالساسانيون (أجداد الفرس) لم يستقر بهم الحكم ولم يستطيعوا تغيير هوية العراق العربية رغم احتلاله نحو 400 سنة، وعند الفتح الإسلامي هبَّ أبناء العراق يقاتلون مع أشقائهم الزاحفين من الجزيرة العربية ضد المحتل الأجنبي. وغيرهم كثير من الصفويين والإنجليز وآخرهم الأميركيون. ملف العراق بيد شعب العراق، وهو شعب أبي أصيل لا يسكت على ظلم. انظر إلى واقع العراق الآن. فبالرغم من كل عمليات الحرب النفسية الضخمة التي شنتها الأجهزة الأميركية وحليفاتها والأجهزة الإيرانية للتضليل والتزوير والدعاية المضادة للعراق في ظل عهده الوطني قبل الاحتلال منذ أكثر من ربع قرن، إلا أن المطالبة الشعبية بالتخلص من الوضع الفاسد والتغييرالجذري والدعوة للإصلاح الحقيقي ومحاربة الفساد وطرد الهيمنة الإيرانية تنتشر في كل المناطق، وخصوصا في الإماكن التي يحسب للإيرانيين فيها وجود أمني وسياسي كثيف. فالتظاهرات وأشكال الرفض والمقاومة على أشدها لدى أهلنا في جنوب العراق مثل كربلاء والبصرة والناصرية وميسان وبابل وغيرها. من الذي يحتل العراق الآن..هل إيران أو أميركا؟ دع عنك العراقيين الوطنيين المعارضين لأي نفوذ أجنبي من أميركا أو ايران فموقفهم واضح. هناك شخصيات مشاركة في العملية السياسية والسلطة الآن، تقول إن إيران تحتل العراق. وانظر إلى الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وهو يتجول في العراق بحرية ويقود المليشيات المسلحة التي ربطتها حكومة العبادي بمكتب رئيس الوزراء. طبعا العراقيون والكثير من العرب يعرفون أن أميركا هي التي جاءت بالنفوذ الإيراني إلى العراق، حينما أشركت إيران معها في عملية الغزو وفي إدارة الاحتلال. وبعد أن هزمت المقاومة الوطنية العراقية الباسلة قوات الاحتلال الأميركية شر هزيمة واضطرتها للفرار من العراق بنهاية عام 2011، قامت الولايات المتحدة، كما قال المرحوم الأمير سعود الفيصل بـ "تقديم العراق على طبق من ذهب إلى إيران".الدوري ضمير الشعبمعالي الدكتور كيف تقرأون ظهور السيد عزت الدوري مؤخرا ونداءه للدول العربية بدعم التحالف العربي الذي تقوده السعودية لمواجهة الخطر الإيراني؟ هذا النداء يعبر عن ضمير شعب العراق. فالعراقيون ينظرون إلى المملكة العربية السعودية في مكانتها الطبيعية بوصفها الدولة الرائدة للعالم الإسلامي بأسره. ويرون فيها قوة منيعة وجدارا عاليا بمواجهة كل ما يهدد أمن واستقرار الدول العربية والإسلامية من فتن وإرهاب وتطرف وعدوان. لذلك يعول العراقيون والعرب والمسلمون في كل مكان على التحالف العربي وكذلك التحالف الإسلامي اللذين تقودهما المملكة، ويبنون عليهما الآمال الكبيرة لدعم رفض شعوب المنطقة الشديد ومقاومتها المتصاعدة لأذرع إيران الطائفية الإرهابية وذيول مخططها التوسعي الاستعماري الفارسي في كل المنطقة العربية من العراق إلى سورية إلى اليمن وغيرها من الأقطار العربية. ومن هنا تأتي ضرورة التفاف العرب والمسلمين حول التحالفين العربي والإسلامي اللذين تقودهما المملكة؛ لما فيه خير الأمتين العربية والإسلامية وأمن شعوبهما واستقرارهم وتخلصهم من التطرّف والإرهاب، مهما كانت أغطيته وشعاراته المذهبية أو الدينية.

1524

| 10 أبريل 2016

تقارير وحوارات alsharq
ناجي صبري: إيران تنظر للعراق على أنه جزء من امبراطورية فارس (6)

طيار إيراني كشف لبغداد خطة الحرب بعد تزويد الطائرات الإيرانية بإحداثيات المواقع العراقية 420 اعتداء مسلحا شنتها إيران على الأراضي العراقية بعد الثورة الإسلامية طرحتُ فكرة الصفقة الشاملة لحل الخلافات مع إيران لكنها كانت تنتظر الغزو الأمريكي إيران تنظر للعراق على أنه جزء من امبراطورية فارس والبداية للوصول إلى عدن مدح ما سبق التفاوض بشأنه أسلوب إيراني معروف لتحسين مكاسبهم خرازي كشف عن أطماع إيران في ثروات العراق بطلب المشاركة في حقل "مجنون" النفطي قلت لكمال خرازي نحن نتحدث عن المستقبل وأنتم تنبشون في الماضي حل الجيش العراقي كان استجابة لطلب إسرائيلي ورغبة إيرانية كشفها خليل زاد وبريمر سحب المراقبين على الحدود الكويتية العراقية إشعار موثوق ببدء الغزو الأمريكي غير المشروع الجيش العراقي واجه الغزو الأمريكي وهو في أدنى حالات الاستعداد القتالي من حيث التجهيزات والأدوات والمعدات القوة الجوية تم تحييدها منذ عام 91 والجيش لم يستطع تعويض ما دمرته الحرب مع إيران وافقنا على تدمير كافة الصواريخ حتى لا تتخذها أمريكا ذريعة أمام مجلس الأمن لشرعنة عدوانها * تحدثتم معالي الوزير عن جهود الدبلوماسية العراقية منذ أن توليتم ادارتها لتحسين علاقات العراق العربية، يبقى المسار مع الجارة ايران وخلفية العلاقات العراقية الايرانية ودور ايران فيما آل إليه العراق؟ ـ لفهم خلفية العلاقات مع ايران لابد من الاشارة الى الحرب الطاحنة التي اندلعت مدة ثماني سنوات بين العراق وايران واستطاع العراق ان يخرج منها سالما وأن يلحق الهزيمة بالجيش الايراني. خلفت هذه الحرب تركة كبيرة تمثلت أولا في عدد كبير من أسرى كل بلد لدى البلد الآخر، وثانيا في وجود عدد كبير من القتلى من جنود البلدين ممن قتلوا في الأرض الحرام على خط الحدود ودفنوا فيها أو على جوانبها مما يصعب الدخول إليه في حالة الحرب، أي ما كنا نسميه مشكلة "رفات القتلى"، وثالثا مشكلة اللاجئين سواء عراقيين في إران أو ايرانيين في العراق، وأخيرا مشكلة النزاع الحدودي بين البلدين. إلغاء اتفاقية الجزائر عندما وصل النظام السياسي الحالي الى السلطة عام 1979 أعلن عن الغاء الاتفاقية التي كانت تنظم العلاقات بين البلدين في جوانب الحدود ومسألة عدم التدخل في الشؤون الداخلية وهي اتفاقية الجزائر التي وقعها في الجزائر في 5 /3/ 1975 الرئيس المرحوم صدام حسين وشاه ايران بوساطة الرئيس هواري بومدين. وأعلن حكام ايران الجدد انهم في حل مما وقع عليه شاه ايران. رد العراق على انسحاب ايران من الاتفاقية بأنه لم يعد ملزما بها. وعندما استولت جماعة خميني على السلطة اصبح هدفها المعلن الأول في سياستها الخارجية شن الحرب على العراق، وكان مساعدوه يعلنون اطماعهم علنا ويصفون العراق بأنه جزء من امبراطورية فارس ويهددونه والدول العربية بالويل والثبور "اذا تحرك جيش ايران الذي لن يتوقف إلا في عدن"!. وفي الحقيقة كان أتباع خميني قد أعلنوا عن نياتهم العدوانية ازاء العراق حتى قبل استيلائهم على السلطة. كنت مستشارا في السفارة العراقية في النصف الثاني من السبعينيات، وكان هؤلاء منذ عام 1978 يرمون على مقرات عملنا في السفارة العراقية ودوائرها ومقر المركز الثقافي العراقي في لندن منشورات كلها شتائم وسباب وتهديدات للعراق وقيادته. وكان السبب المعلن توقيع اتفاقية الجزائر مع إيران في عهد الشاه، واقامة علاقات طبيعية معها. وحالما استولوا على السلطة باشروا بالإجراءات العدوانية ضد العراق، فبدأوا يهاجمون المدارس العراقية التي كانت تنتشر في طهران وفي المحمرة عاصمة دولة الأحواز أو عربستان العربية التي ترزح تحت الاحتلال الايراني منذ عام 1925. ثم اخذوا يهاجمون مؤسسات وممثليات دبلوماسية عراقية. ولذلك ليس غريبا ان يهاجموا السفارة السعودية، فلهؤلاء الحكام تاريخ طويل في عدم احترام التزاماتهم وواجباتهم في ضمان أمن البعثات الدبلوماسية في بلادهم. ثم أخذوا يرسلون الارهابيين لمهاجمة المراكز الحكومية والمسؤولين العراقيين فهاجموا الجامعة المستنصرية ثم ألقوا القنابل في اليوم التالي على موكب تشييع الطلبة والطالبات الذين استشهدوا في الهجوم ثم هاجموا مقر وزارة الثقافة والاعلام وغيرها من الأعمال الإرهابية. 420 اعتداء وخلال 18 شهرا بعد استيلائهم على السلطة في ايران شنت جماعة خميني 420 اعتداء مسلحا على الأراضي العراقية. ووثق العراق هذه الانتهاكات في 293 مذكرة قدمها الى الأمم المتحدة والى الحكومة الأيرانية. وقبل اندلاع الحرب بعدة أسابيع تسلل طيار ايراني برتبة رائد بقارب ليلا إلى المواقع العراقية وأبلغ الجانب العراقي بأن خميني قد أمر بتهيئة الطائرات الحربية الايرانية وتسليحها وتزويد طياريها بإحداثيات المواقع الاستراتيجية العراقية للهجوم على العراق، وبالفعل اندلعت الحرب في 4 /9/ 1980 حينما بدأت إيران قصفا مدفعيا كثيفا للمدن الحدودية العراقية وأغرقت زوارق وسفنا عراقية في شط العرب وأرسلت طائراتها الحربية لقصف المدن العراقية. ورفضت إيران كل المبادرات العراقية والاسلامية والدولية لوقفها، وأولها قرار مجلس الأمن 479 في 28 أيلول/ سبتمبر 1980 الذي طلب وقفها وحل الخلافات بالطرق السلمية وقد قبله العراق. توقفت الحرب في 8/8/1988 بعد أن دحر الجيش العراقي الجيش الايراني وحرر كل الأراضي التي سيطر عليها الايرانيون قبل الحرب (في زمن الشاه) مثل سيف سعد وزين القوس، وفي أثناء الحرب، وأخذ آلاف الاسرى والمعدات. فاضطر خميني على مضض الى أن يوافق على القرار الثاني لوقف إطلاق النار رقم 598 الذي سبق أن أصدره مجلس الامن قبل ذلك بأكثر من عام في (20/7/1987) قائلا إنه تقبله كمن يتجرع السم. وبعد أزمة الكويت بادر العراق في 12 /8 / 1990 فأطلق سراح جميع الاسرى الايرانيين في العراق ما عدا الأسير النقيب الطيار الايراني حسين علي رضا لشكري الذي حاول الهجوم على العاصمة العراقية يوم 17 /9/ 1980 بطائرته المقاتلة من طراز اف 5 فتصدى له الطيار العراقي الرائد كمال عبدالستار البرزنجي وأسقطه في اشتباك جوي فوق العاصمة العراقية. حدثت هذه الواقعة قبل 5 أيام من الرد العراقي الشامل على العدوان الايراني في الثاني والعشرين من الشهر نفسه الذي اعتبرته إيران يوم بدء الحرب. واحتفظ العراق بهذا الأسير دليلا على من بدأ الحرب. وبذلك أغلق العراق ملف الأسرى الايرانيين، عملا بموجب القانون الدولي الانساني (اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الاضافية لعام 1977)الذي لا يجيز الابقاء على اسرى الحرب بعد توقف الأعمال العدائية بين البلدين المتحاربين. لا استجابة إيرانية * قد يفهم من هذا الموقف أن العراق كان يستعد لخوض معركة الكويت فقرر تصفية الجبهة مع إيران؟ ـ أول سعي عراقي لتسوية المسائل المعلقة بين البلدين بعد حرب الثماني سنوات جرى في 2 /4/ 1990 ولم تكن ازمة الكويت قد بدأت، حينها بعث الرئيس صدام حسين -رحمة الله عليه- رسالة الى الرئيس الايراني هاشمي رافسنجاني وعرض عليه البدء بمعالجة المسائل المعلقة ومنها حل مشاكل الأسرى واللاجئين ورفات القتلى. كان وجود عشرات الآلاف من الأسرى العراقيين في ايران، على وجه الخصوص، يؤرق القيادة العراقية ويشكل عامل ضغط كبير عليها. لم تكن هناك استجابة ايجابية من الايرانيين لرسالة الرئيس، فبعث برسالة ثانية في بداية شهر تموز/ يوليو. ولم تحقق شيئا كبيرا أفضل من سابقتها. فبادر يوم 12 /8 / 1990 لاطلاق جميع الأسرى الايرانيين باستثناء الطيار لشكري. وكان العراق يأمل في ان تستجيب ايران وترد بخطوة تغلق فيها ملف الأسرى العراقيين لديها، لكي نتقدم الى الملفات الأخرى. لكن إيران أطلقت عددا من أسرانا مساويا للعدد الذي أطلقه العراق وأبقت على عدة آلاف كانوا قد أسروا في بداية الحرب سنة 1980. ويعود السبب في كثرة أسرى العراق لدى إيران لوجود أكثر من عشرين ألفا من المدنيين ضمن الأسرى ممن سبق أن تطوعوا لمساعدة الجيش في القتال، في وحدات مدنية. وكان تدريبهم بسيطا وقدراتهم القتالية محدودة. لحظة تسليم الطيار الايراني خطأ استراتيجي * كيف كان ردهم على مبادرات العراق إذن؟ ـ لم نلمس ردا ايجابيا. فجرت اتصالات بالجانب الايراني، وبعد أن اقتربت نذر الحرب ذهب وفد عراقي الى طهران قبل حرب 1991 وبحث العلاقات. وكان الايرانيون يحثون وفدنا على عدم الانسحاب من الكويت، لكي يكون الضرر فادحا على العراق والكويت وعلى كل المنطقة. وهذا الموقف منسجم مع النهج الأميركي الحقيقي الذي لم يكن يرغب في انسحاب العراق من الكويت. وعرض الوفد العراقي على ايران، في خطوة خاطئة، ايداع طائرات عراقية عسكرية ومدنية امانة لديها، خشية ان يدمرها من تسميه إيران بالشيطان الأكبر وتصفه بأنه عدوها الأول. * كم كان عددها؟ ـ 144 طائرة، منها 22 طائرة نقل مدنية وعسكرية، و122 طائرة حربية ميغ وسوخوي وميراج. وبعدما توقفت حرب 1991 سرقت إيران الطائرات العراقية، ورفضت إعادتها. فأضيف ملف جديد لملف الأزمة بين البلدين. * لكن كيف ائتمنتم يا معالي الوزير عدو الأمس وتخيلتموه الولي الحميم؟ ـ لم أكن في موقع قيادي ولا أعرف كيف اتخذ القرار. * لكن كيف لعراقي أن يأتمن أن يضع الحمل عند الذئب؟ ـ نعم صحيح، كان خطأ استراتيجيا كما سبق وذكرت. لكن لم يكن أمام العراق مجالا لوضعها لدى اي دولة عربية وكان تدميرها محتما. وعلى ما يبدو أن المسؤولين قد أخذوا بعين الاعتبار شعارات معاداة الشيطان الأكبر الكاذبة التي كانت إيران (وما تزال) ترفعها. ربما كان تدميرها أفضل من ان تعطيها بيد الخصم. لكن إيران لم تكتف بذلك، بل أضافت عاملا خطيرا آخر لملف الأزمة بين البلدين حينما دفعت الى مدن جنوب العراق في أول يوم لوقف اطلاق النار 1/3/1991 الآلاف من ضباط وجنود حرس الثورة الايرانية وأعدادا من العراقيين الذين حاربوا في صفوف جيشها ضد العراق من أفراد فيلق بدر الذي أسسته عام 1981. كانت قدرة القوات العراقية الموجودة في جنوب العراق على الحركة محدودة جدا بعد التدمير واسع النطاق للقدرات العسكرية وللمرافق المدنية، فلم يبق جسر واحد قائما ولا طريق واحدة سالكة. وكانت القوات العراقية مشتتة بعد انسحابها من الكويت حيث تعرضت للقصف الشديد اثناء الانسحاب على طريق الكويت ـ البصرة الذي سمي بطريق الموت حيث قتل المئات من الجنود العراقيين، وكذلك بعد وقف اطلاق النار داخل الحدود. ومن وصل منهم الى البصرة، استقبله الجنود الايرانيون في البصرة فاعتدوا عليهم وحرقوا عرباتهم وبدأوا في حملة ارهاب وتخريب ونهب واسعة في جنوب العراق وصلت الى مدينة "الحلة" جنوب بغداد. وكانوا يدمرون الدوائر المدنية والمراكز الأمنية ويحرقون المدارس والمستشفيات وصوامع الغلال التي ملأتها وزارة التجارة بالمؤونة للسكان قبل الحرب. فتحرك ما بقي من الجيش العراقي من بغداد نزولا الى البصرة وقضى خلال بضعة أيام على هذا الغزو الايراني الذي سموه كذبا "انتفاضة" وحينها تمكنت قوات الحرس الجمهوري من أسر 186 ضابطا ايرانيا من ضباط حرس الثورة كانوا يقودون الوحدات العسكرية الايرانية التي تسللت وغزت الأراضي العراقية، وذلك ممن لم يستطيعوا الفرار والعودة مع زملائهم الأحياء عبر الحدود إلى بلادهم. دور إيراني في الغزو * كان هناك عنصر آخر وهو بداية ظهور المعارضة العراقية التي تكونت في إيران وفي سوريا بدعم إيراني للعمل على إسقاط النظام؟ ـ نعم، فقد تبين في وقت لاحق أن لإيران دورا أساسيا في التمهيد لغزو العراق وفي عملية الغزو نفسها وادارة الاحتلال فيما بعد، وذلك في اطار المخطط الاميركي ـ البريطاني لغزو العراق واحتلاله وتدميره. * وكيف عالجتم معالي الوزير هذه الأزمة بعد توليكم المسؤولية؟ ـ في أول يوم في موقعي الجديد جاءني ضابط كبير برتبة لواء في الاستخبارات العراقية كان سكرتير لجنة ضحايا الحرب التي تعنى بمتابعة تركات الحرب في النواحي الانسانية أي موضوع الاسرى العراقيين في ايران، واللاجئين واستخراج رفات القتلى. وكان وزير الخارجية رئيسا لهذه اللجنة التي تضم ممثلين عن الدوائر العسكرية والأمنية وتديرها الاستخبارات العسكرية. سألته عن وضع اللجنة فقال انها مجمدة بقرار من وزارة الخارجية منذ حوالي 3 أشهر ردا على اطلاق ايران صاروخا بعيد المدى على مخيم للاجئين الايرانيين في العراق يؤوي جماعة مجاهدي خلق. فقلت له: " من هذا اليوم تعودون للعمل، واجمع لي أعضاء اللجنة للاجتماع بأقرب وقت". وهكذا استأنفنا العمل بزخم قوي، ونشطنا عمليات البحث المضنية عن رفات الشهداء العراقيين والقتلى الايرانيين، وطلبت معونة وزارتي الري والاسكان والتعمير لتزويد فرقنا بالآليات الثقيلة اللازمة لتنفيذ عمليات الحفر، كما طلبت من الرئيس صدام -رحمه الله- تخصيصات أكبر لسد نفقات هذه الفرق. تنشيط الاتصالات بدأنا تنشيط الاتصالات بالايرانيين لمعالجة موضوع آلاف الأسرى العراقيين الذين احتفظت بهم ايران خلافا لكل شرائع السماء والأرض لاستخدام وجودهم في الحجز ورقة ضغط على العراق. لم يكن لدينا أسرى ايرانيون من حرب ايران في الثمانينيات حيث اطلق العراق سراح الأسير الوحيد المتبقي وهو النقيب الطيار لشكري عام 1998 مقابل الافراج عن عدد من الأسرى العراقيين. وكان لدينا آنذاك الـ 186 ضابطا المذكورين من احداث الغزو الايراني في آذار/ مارس 1991 وبعض الايرانيين ممن تجاوزوا الحدود فقبضت عليهم قوات الحدود وهم ليسوا اسرى حرب. قمت بزيارة ايران عدة مرات واستقبلنا مسؤولين ايرانيين لمعالجة موضوع الاسرى واللاجئين، وتمكنا من استعادة عدة آلاف من الاسرى العراقيين من ايران مقابل ما لدينا من عدد من ضباط حرس الثورة الايرانية والمتجاوزين الحدود. "حقل مجنون" لكني كنت أشعر بالحاجة لعقد صفقة كاملة لتسوية الامور بيننا وبين الايرانيين وتنقية الاجواء والعودة لعلاقة حسن جوار قائمة على تسوية المشاكل الحدودية ومخلفات الحرب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وكان الايرانيون قد عادوا للمطالبة بالعودة لاتفاقية الجزائر التي سبق أن مزقوها باعتبارها عارا اقترفه شاه ايران! ولكنهم كانوا انتقائيين في هذا الأمر.. وفي زيارتي الأولى لطهران طرحت على نظيري وزير الخارجية الايراني كمال خرازي، فكرة أولية بدون تفاصيل عن الصفقة الشاملة بما فيها العودة لاتفاقية الجزائر. وفي الجلسة التالية قلت له: "ما رأيك بما طرحته عليك؟" فإذا به يسألني: "ماذا طرحت؟" وهذا أسلوب معروف في التفاوض لدى الايرانيين حيث يحاولون في كل مرحلة مسح ما سبق التوصل إليه سعيا وراء تحسين مكاسبهم عن طريق اللف والدوران والمناورات. المهم انه لم يكن قادرا على أن يبدي أي رأي ذي معنى. ولكنه أفصح عن أطماع ايرانية مبكرة في العراق، لا ادري إن كانت زلة لسان، فقال: "نريد ان نشارككم في حقل مجنون". ومجنون حقل نفطي عراقي هائل يقع في ميسان، جنوب العراق. فقلت له: "ماذا تقول؟ كيف تطرح هذا؟ أيران اول من بدأ تأميم النفط في المنطقة في عهد مصدق. فكيف تطلبون منا في العراق اليوم ان نتراجع عن التأميم؟ النفط خط أحمر ياسيد خرازي، العراقيون يستخرجون نفطهم ويسوقوه ويطورون صناعتهم النفطية بأيديهم. صناعة النفط عراقية 100 %. تريدون التعاون نتعاون في مجالات عديدة في صناعة السيارات والجرارات والتجارة وغيرها. أما صناعة النفط فلا تعاون فيها". فتراجع وقال: "انا لم اكن اقصد ذلك لكننا نتعرض لضغوط من الشعب الايراني للتعويض عن الحرب". فقلت له: "نحن أيضا نتعرض لضغوط شديدة من الشعب العراقي لكي نطلب منكم تعويضات عن الحرب التي أنتم من بدأها". وقلت له: "نحن نريد ان نسوي مشاكل الحاضر ونبني المستقبل وانتم تنبشون الماضي، واذا كنتم تريدون نبش الماضي لن نخرج بشيء مفيد وايجابي للشعبين". وأغلق الموضوع. وكان ذلك مؤشرا مبكرا على المطامع التوسعية الايرانية في العراق. صفقة شاملة وبعد عودتي عكفت على اعداد صفقة شاملة لإرساء العلاقات مع ايران على أسس حسن الجوار وانهاء المشاكل المعلقة بين البلدين. وعرضتها على الرئيس صدام حسين فأضاف إليها في الصياغة اضافات مهمة وكانت تقوم على: أن تعيد ايران للعراق كل الطائرات العراقية التي اودعت امانة لديها وسطت عليها بعد حرب 1991 وان تعوض العراق عما تعرض منها لأي أضرار، وأن يعيد العراق كل مالديه من زوارق وطائرات ايرانية ويعوض عما تعرض منها للضر، وان نعود إلى اتفاقية الجزائر بكامل اركانها. وتتكون الاتفاقية من ثلاثة أركان: الاول ينص على التزام البلدين بأمن الحدود أي ان تمتنع ايران تماما عن ارسال مخربين ومهربين إلى داخل العراق او تشجيع متمردين او ارهابيين للعمل داخل العراق، ونحن نقوم بمثله. طبعا لم يكن لدى العراق ممارسات من هذا النوع بخلاف ايران التي لديها تاريخ طويل في التدخل وارسال متمردين وارهابيين وتشجيع التخريب في الدول المجاورة. وهذا البند يعني الالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكلا البلدين. ثانيا اعادة تخطيط الحدود البرية بما يضمن اعادة الاراضي التي استولت عليها ايران في فترات سابقة (مثل منطقتا سيف سعد وزين القوس في محافظة واسط جنوب العراق). وثالثا اعادة تخطيط الحدود المائية "أي تحديد خط الحدود بأعمق نقطة في مجرى نهر شط العرب وتسمى بخط ثالويك في القانون الدولي. وكانت ايران في مطالباتها المتجددة بالعودة إلى اتفاقية الجزائر تنتقي ما تشتهيه من اركانها فتركز على موضوع شط العرب وتترك الركنين الآخرين. وهذه مخالفة صريحة لمنطوق الاتفاقية التي أكدت ان بنودها تعتبر كلا متكاملا يؤدي الاخلال بأحدها إلى الإخلال بالاتفاقية برمتها. إيران وإسرائيل ودعيت لزيارة ايران والتقيت بالسيد محمد خاتمي رئيس الجمهورية وعرضت عليه المشروع وقرأه وكان مكتوبا باللغة العربية، وقال هذا مشروع جيد ندرسه ونرد عليكم. كان ذلك في أواخر الشهر الاول من عام 2003 ولم نلتق بهم مرة اخرى ولم يردوا علينا. وجاء الرد عندما شاركوا مشاركة فعالة في غزو العراق تحت راية "الشيطان الأكبر" الاميركي، وهو ما اعترف به نائب الرئيس الايراني للشؤون القانونية أبطحي في ندوة في ابو ظبي عام 2004 قائلا: "لولا ايران لما كانت امريكا الآن في كابول وبغداد". كما أكد الأمر نفسه الرئيس خاتمي نفسه عندما قال إن ايران لعبت دورا ايجابيا في السياسة الاميركية ازاء العراق. وآخر الادلة ماذكره مؤخرا خليل زاد مسؤول المعارضة العراقية قبل الغزو، وسفير اميركا في بغداد بعده في كتابه (المبعوث) الذي تحدث فيه عن اجتماعات بينه وبين محمد جواد ظريف عندما كان سفيرا لإيران في الامم المتحدة. فقال إن ايران وافقت آنذاك على السماح للطائرات الاميركية باختراق الاجواء الايرانية في الهجوم على العراق، وعلى ان "تستخدم نفوذها لدى المرجعيات الدينية الموالية لها في العراق لكي تضغط على من أسماهم بـ"شيعة العراق" لكي لايكون لديهم رد فعل ضد الغزو والاحتلال الاميركي. ويقصد بذلك مرجعية سستاني الذي اطلق فتوى بعدم جواز مقاومة الغزاة الأجانب!. وفي المقابل يذكر خليل زاد ان ايران طلبت حل الجيش العراقي و"تطهير Purge " اجهزة الدولة من البعثيين. ويبدو ان ايران كررت ما طلبته اسرائيل، إذ كشف بول بريمر الحاكم المدني لادارة الاحتلال الاستعماري الأميركي أن قراريه بحل الجيش العراقي واقصاء اعضاء حزب البعث من أجهزة الدولة كانا استجابة لـ "نصيحة من الأصدقاء الاسرائيليين". وكان ذلك في لقاء مع الناشرين البريطانيين للترويج لكتابه (سنتي في العراق My Year in Iraq) الذي نشر في أميركا في بداية عام 2006 وذلك جوابا على سؤال لأحدهم عن سبب اتخاذه هذين القرارين بوصفهما "قرارين خاطئين أديا إلى تفاقم الأزمة في العراق" حسب تعبيرهم. أذى نفسي * وماذا عن مخيمات مجاهدي خلق ومعسكر أشرف؟ ـ المسائل كانت اكبر من مجرد استضافة لاجئين وكنا نريد لكل لاجئ ايراني في العراق ان يعود إلى بلده وان يعود كل لاجئ عراقي في ايران، لكننا لا يمكن ان نطرد لاجئا لدينا، وكنا نسعى لخلق الظروف المناسبة لعودة اللاجئين. بقي أمر في قضية الأسرى العراقيين لدى إيران يظهر تنكر قيادة ايران لكل الأعراف الانسانية وهوسها بروح الانتقام وإلحاق الأذى بالناس الذين تعتبرهم خصوما لها. كنت أتابع قضية الاسرى العراقيين لدى الجانب الايراني، ومنها آخر دفعة من الاسرى العراقيين اتفقنا على عودتها في منتصف آذار/ مارس عبر نقطة المنذرية في محافظة ديالى على الحدود العراقية الايرانية في يوم 16 /3/ 2003. فاتصل بي السفير الدكتور عبدالمنعم القاضي رئيس الدائرة القانونية في الوزارة الذي كان يشرف على عملية تسلم الاسرى العراقيين العائدين، وقال إن ايران أرسلت الاسرى العراقيين بعدة حافلات إلى نقطة الحدود المنذرية لتسليمهم إلى الجانب العراقي، وما ان وصلوا إلى البوابة حتى استدارت الحافلات وعادت إلى الأراضي الايرانية. وكان الهدف ايقاع المزيد من الاذى النفسي والعذاب في نفوس الاسرى العراقيين، الذين مضى على الكثير منهم أكثر من عشرين عاما في الأسر، في انتهاك وازدراء واضحين لمبادئ القانون الدولي الانساني ولكل القيم والتعاليم الاسلامية والاعراف الانسانية. وكان الاسرى العراقيون يواجهون الكثير من الظلم والاضطهاد على يد الايرانيين. فتعرضوا لصنوف التعذيب والاضطهاد والقتل، والاجبار على تغيير مذاهبهم الدينية وولاءاتهم الوطنية ليعملوا من اجل ايران ضد وطنهم، والزج ببعضهم ممن تغسل ادمغتهم في القتال مع الجيش الايراني ضد وطنهم. الإشعار الأخير * تبقى الايام العصيبة في تاريخ العراق من 19 مارس حتى 9 ابريل كيف مضت وكيف تعاملت معها القيادة العراقية وكيف بدأت تفكر وتعد العدة أم أنها استسلمت لما ستجري به المقادير؟ — القيادة العراقية كانت تتهيأ منذ فترة لهذه المواجهة لكن الإشعار الموثوق الاخير كان بعد اجتماع مجلس الامن لكن الإشعار النهائي الموثوق كان عندما أمر الامين العام للامم المتحدة المراقبين الذين يراقبون أمن الحدود بين العراق والكويت بالانسحاب، فسحب المراقبين كان لإفساح المجال للقوات الغازية الامريكية والبريطانية للانتقال من الكويت إلى العراق، فكان ذلك إعلانا موثوقا من الامم المتحدة أن الغزو قادم قاب قوسين أو أدنى. والعراق كان يتهيأ منذ فترة لمواجهة هذا الاحتمال، الشعب عرف أن بلدهم سوف يتعرض للعدوان من قوة غاشمة، فكثير من سكان بغداد حاولوا ان يجدوا ملاجئ آمنة لهم خارج بغداد، وكذلك موظفو الوزارات انتقلوا إلى مواقع بديلة خشية تعرض مقراتها للضربات الجوية. 19 مارس 2003 * متى بدأت الغارات الاولى على بغداد؟ ـ صباح يوم 19 مارس انطلقت الغارات الامريكية على بغداد، ومن ذلك الوقت تمكنت المقاتلات الجوية الامريكية من السيطرة الجوية، الاستهداف في البداية كان كل الاماكن العسكرية داخل بغداد، كل القصور الرئاسية، المراكز الامنية والمراكز العسكرية، منذ الساعة الاولى وبقي هذا العمل مستمرا، بضربات من الجو وصواريخ بعيدة المدى. * كيف كانت إدارة المعركة من قبل القيادة العراقية؟ وكيف تعامل الجيش العراقي مع الوضع؟ ـ القيادة سعت إلى أن ترد بالموجود والمتوفر من الاسلحة والاعتدة والامكانات المتاحة لديها، والجيش العراقي عندما واجه هذا الغزو الوحشي والعدوان كان في ادنى حالات الاستعداد القتالي من حيث التجهيزات والادوات والمعدات، فالقوة الجوية حيدت منذ عدوان عام 1991 وخرجت من المعركة. كما انتهت وحدات الرصد الجوي والرادار منذ ذلك الوقت، وكذلك الصواريخ بعيدة المدى التي دمرت بعد حرب 1991. ولم يبق من سلاح الصواريخ لدى العراق إلا صواريخ الصمود التي صنعها العراق ومداها بحدود 135 كيلومترا، حيث حرم قرار مجلس الأمن 687 (3 /4/ 1991) على العراق حيازة صواريخ يزيد مداها على 150كم حتى لا تطال اسرائيل. أصر مفتشو الامم المتحدة بعد عودتهم إلى العراق في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2002 على تدمير هذه الصورايخ بذرائع شتى. فاضطر العراق لتدميرها لكي لا يدع ذريعة لأميركا وبريطانيا تمكنهما من دفع مجلس الأمن لاصدار قرار يجيز شن الحرب على العراق. وما بقي من تجهزات كان في تناقص مستمر على مدى الاثنتي عشرة سنة من نهاية حرب 1991 بفعل حرب الاستنزاف التي كانت شنتها اميركا وبريطانيا على العراق يوميا. وما بقي لدى الجيش العراقي من دبابات ودروع ومدفعية يعود إلى ثمانينات القرن الماضي. فقد خرج الجيش العراقي في بداية شهر آب/أغسطس 1988 من حرب طاحنة لثماني سنوات مع ايران. لست خبيرا بالأمور العسكرية. لكن المعروف ان الجيش الذي يخوض حربا بضراوة الحرب مع ايران يحتاج بعد توقفها حاجة ماسة إلى فترة اعادة تنظيم وإعادة تأهيل وتجهيز قد لا تقل عن فترة الحرب نفسها. لكن الجيش العراقي تعرض لحرب أخرى في ظرف سنتين أشد ضراوة. نعم ازداد الجيش العراقي خبرة قتالية كبيرة ومهمة جدا، لكنه لم يستطع التعويض عما دمر في الحرب مع ايران من معدات وتجهيزات. ولم تكن الفترة كافية لاعادة التنظيم والتأهيل. ففي الحرب التي شارك فيها 27 جيشا من أقوى جيوش العالم عدة وعددا في مقدمتها جيشا أميركا وبريطانيا تعرض الكثير مما تبقى لديه من معدات عسكرية للتدمير. فخرج الجيش العراقي من حرب 91 منهكا، ولم تبق له من الوسائل والمعدات بعد أثنتي عشرة سنة من الاستنزاف (من آذار/ مارس عام 1991 إلى آذار/مارس عام 2003) ما يمكنه من الصمود أمام مجابهة عدوان حتى لو كان اصغر بكثير من الذي قادته أميركا عام 2003. ماذا يفعل العراق؟ * لكنكم كنتم على يقين من الغزو فلماذا وافقت حكومة العراق على طلبات مفتشي الامم المتحدة لتدمير المعدات والصواريخ؟ ـ كل الجهات العربية والدولية كانت تطالب العراق بالتعاون مع لجان التفتيش وبتنفيذ قرارات مجلس الأمن بقصد إبعاد شبح الحرب وفك الحصار. فماذا يفعل العراق ازاء ذلك كله؟ فقد اعتدنا على ان يجتمع مجلس الأمن خلال ساعات ويصدر قرارا ملزما تحت الفصل السابع يدين العراق ويطالبه بالتعاون إذا تأخر دخول مجموعة مفتشين لمنشأة تصنيع عسكرية لا يدخلها أي مدني عراقي بدون تصريح مسبق حتى لوكان مسؤولا، فكيف بمجوعة أجانب تأتي لاقتحامها بطريقة رامبو!. كان العراق متأكدا من نوايا اميركا وبريطانيا العدوانية، وهي معلنة ولم تخفيانها، خصوصا بعد أن أخذوا تفويضا بذلك من الكونغرس. لذلك كنا نقاتل على الصعيد الدبلوماسي حتى لا نترك لهم حجة ليصدروا قرارا باسم الامم المتحدة والشرعية الدولية بشن العدوان على العراق، لذلك لم يكن امام العراق إلا ان يوافق على قرار لجان التفتيش بتدمير صواريخ الصمود، وأن نبدي أقصى أشكال التعاون مع المفتشين. وعلى سبيل المثال، سهلنا لفرق التفتيش التابعة لوكالة الطاقة الذرية وحدها بعد عودتها إلى العراق في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2002 القيام بـ 2370 عملية تفتيش، لـ 848 موقعا عسكريا وكلها خضعت للتفتيش من قبل، اضافة إلى تفتيش 1608 بنايات حكومية من جديد، ولم يعثروا في كل عمليات التفتيش هذه والتي سبقتها قبل رحيلهم اواخر 1998 على شيء محظور خارج ما أعلنه العراق في عام 1991. وقد نجحت الدبلوماسية العراقية في ذلك، حيث استطعنا ان نحرم الولايات المتحدة وبريطانيا من الحصول على قرار اممي يمنحهما الشرعية لغزو واحتلال العراق. بغداد لم تستسلم * لكن مع هذا التردي في المعدات العسكرية هل استسلمت بغداد؟ وما حقيقة تبخر الجيش العراقي في الساعات الاولى من معركة بغداد؟ وكيف كان يدير الرئيس صدام حسين الدولة وهي تحت القصف؟ وكيف انطلقت المقاومة العراقية وماذا أنجزت؟ وكيف كان يتحرك الوزراء، وكيف غادر وزير الخارجية إلى القاهرة لحضور آخر اجتماع لوزراء الخارجية العرب أثناء القصف؟ وكيف عاد إلى بغداد وكيف خرج منها؟ وهل مازالت المقاومة العراقية تقاتل؟ وما علاقاتها بتنظيم الدولة "داعش"؟ هذا ما سوف نعرفه في الحلقة الأخيرة غدا..

3626

| 08 أبريل 2016

تقارير وحوارات alsharq
ناجي صبري يكشف للشرق: من الذي صدر تعميم رسمي بضربهم بالحذاء؟ وكيف كان يعامل صدام وزرائه؟ (4)

ناجي صبري يكشف في حواره الوثائقس مع "الشرق" : 3 محاولات أمريكية لإضفاء المشروعية على الاحتلال أجهضتها الدبلوماسية العراقية طلبت من الدبلوماسيين العراقيين إهانة من يعرض عليهم خيانة وطنهم وضربه بالحذاء أمام الناس تصوير الرئيس صدام على أنه الآمر الناهي كان هدفاً للدعاية المضادة لتشويه صورة العراق كنا نتشاور مع الرئيس ويستشيرنا ولم يعترض يوماً على اتصالاتي مع من يستلزم عملي التعامل معه معارك دبلوماسية خاضها العراق بدعم عربي في الأمم المتحدة ولا أنسى مساندة عمرو موسى والأمير سعود الفيصل الرئيس صدام كان يأمل في تحرك إيجابي من إحدى الدول الكبرى لحل أزمة المفتشين الحرب والحصار ولجان التفتيش خلقت مزاجاً شعبياً رافضاً للتعامل مع لجان الأمم المتحدة أبرقت للرئيس للعودة العاجلة للمفتشين فوافق على الفور وجُنّ جنون البيت الأبيض كولن باول صاغ قراراً جديداً يتضمن شروطاً تعجيزية مستحيلة التنفيذ لإثبات تعنت العراق ألقيت آخر خطاب وجهه الرئيس صدام معلناً فيه أن العراق خالٍ تماماً من جميع الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية محاولات أمريكية فاشلة لتجنيد الدكتور جعفر ضياء والمهندس حسام أمين مقابل مناصب وزارية تعرضت لاستفزازات وضغوط من جانب المخابرات الأمريكية و"نيويورك بوست" وصفتني بـ "بينوكيو" تعبئة أمريكية لوزراء الخارجية الأجانب ضد العراق وإظهار قلقهم من أسلحة الدمار الشامل قلت لوزيرة خارجية اليابان "عبروا عن قلقكم من أمريكا وليس العراق فنحن لم نضربكم بالقنابل النووية" أدار الحوار: جابر الحرمي أعده للنشر : طه حسين- عبدالحميد قطب لم يكن سقوط بغداد واحتلالها في 9/4/2003 يوماً عادياً للأمة العربية، فهي أول عاصمة عربية يتم احتلالها مجدداً في القرن الواحد والعشرين. وما يحدث اليوم في الواقع العربي من تداعيات إقليمية، ومشاريع متعددة تتنافس للاستحواذ على حصص من أرضنا العربية في غياب أي مشروع عربي وتفكك للمنظومة العربية.. ما هي إلا نتاج التحول الذي حدث بسقوط بغداد. لكن هذا السقوط أو الاحتلال لم يأت فجأة، إنما جاء نتيجة خطأ تاريخي واستراتيجي ارتكبته القيادة العراقية في 2/8/1990 بإقدامها على جريمة غزو دولة الكويت الشقيقة، واستباحة سيادتها، والذي مثل ضربة لمنظومة العمل العربي، وأوجد فرصة سانحة لتدخل قوى أجنبية بالمنطقة، ومن ثم تدمير دولة بحجم العراق، ليسهل فيما بعد احتلالها، وهو ما حصل بعد سنوات من الحصار، فكان أن سقطت بغداد في أبرايل 2003. هناك الكثير الذي قيل وكتب عن الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت الشقيقة، وهناك الكثير أيضاً الذي قيل وكتب عن فترة الحصار، التي امتدت منذ 1991 إلى يوم سقوط بغداد في 2003، ولكن من المؤكد أن من عاصر وعايش مرحلة غزو الكويت وسقوط بغداد، مروراً بفترة الحصار وتداعياتها وما تعرض له العراق من قصف متجدد، وهجمات تدميرية لأكثر من خمس مرات..، لديه ما يقوله. الدكتور ناجي صبري الحديثي، آخر وزير خارجية للعراق في عهد الرئيس صدام حسين هو شاهد على مرحلة مفصلية عاشها العراق. * توليتم وزارة الخارجية في عام 2001. كيف واجهتم المهمة الجديدة في ظل استمرار الحصار وفقدان الثقة بين العراقيين — قيادة وشعبا — والأمم المتحدة؟. ** كلفت بوظيفة وزير الدولة للشؤون الخارجية في أواسط شهر نيسان أبريل عام 2001. ولم يكن العمل في وزارة الخارجية غريبا عليّ. فقد عملت مستشارا في سفارة العراق في لندن خمس سنوات في النصف الثاني من السبعينيات، ومديرا عاما لدائرة الإعلام الخارجي ثم وكيلا لوزارة الثقافة والإعلام لشؤون الإعلام الخارجي والدوائر الثقافية، وأخيرا سفيرا في النمسا وسلوفاكيا وممثلا دائما للعراق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمنظمات الدولية الأخرى التي كانت تتخذ من فيينا مقرا لها. وقبل أن أتولى وزارة الخارجية أي في الفترة التي عملت فيها وزيرا للدولة للشؤون الخارجية اقتربت أكثر من صلب عمل الوزارة. وأدركت عن كثب المشاكل التي تواجه تنفيذ السياسة الخارجية العراقية والمهام العاجلة التي ينبغي لي أن أعالجها حينما أكلف بالمركز الأول في قيادة السياسة الخارجية أي منصب وزير الخارجية، حيث كنت أدرك أن مآل العمل سيؤدي بي إلى هذا المركز وأكد لي ذلك الرئيس الشهيد صدام حسين — رحمه الله — بنفسه. وكان هناك مزاج شعبي رافض للتعامل مع الأمم المتحدة سببه المخابرات الأمريكية ومحاولاتها استمالة موظفي الدولة والدبلوماسيين لخيانة الوطن. اضربوهم بالحذاء * البعض تحدث بالفعل عن اختراق المخابرات لوزارة الخارجية العراقية حيث كانت هناك وقائع في سفارة العراق في القاهرة وفي رومانيا عن محاولات تجنيد دبلوماسيين؟. — الولايات المتحدة في أواخر عام 2002 بدأت تطارد الدبلوماسيين العراقيين في الخارج، وشهدنا حالتين واحدة في كندا وواحدة في جمهورية مالي، حيث عرض على دبلوماسيين عراقيين العمل جواسيس ومن يرفض يطرد، فطردت مالي دبلوماسيا عراقيا ونقلته إلى مكان أفضل، ثم شعرت أن هناك حملة منظمة لهذا العمل فوجهت تعميما لسفارات العراق في الخارج وطلبت من السفراء أن يقرأوا هذا التعميم خلال الاجتماعات التي يعقدونها للدبلوماسيين والإداريين والحرس ويقرأوا عليهم هذا التوجيه من الوزير وقلت لهم إن هناك محاولة لدفعكم إلى خيانة بلدكم والاعتداء على شرفكم وأنا واثق أنكم سترفضون هذا ولكني أطلب منكم أن تهينوا من يقدم على هذا وأن تبصقوا عليه وتضربوه بكذا. * دبلوماسي عراقي اعتدى على شخص بريطاني بالحذاء؟. — نعم، كان ذلك حسب التوجيه وهذا وجه للسفارات وكان أول من نفذ هو دبلوماسي في السفارة العراقية في القاهرة حاول شخص بريطاني أن يجنده للعمل معه فنزع حذاءه وضربه به وطلبت من الدبلوماسيين أن يتعمدوا إهانة من يعرض عليهم خيانة وطنهم وأن يتعمدوا إهانته أمام الناس وفي حفل عام وليس بمفرده وجرى هذا في جنيف لما حاولت دبلوماسية أمريكية استمالة دبلوماسي عراقي لخيانة بلده وفي رومانيا عرض مسؤول بالخارجية الرومانية على سفير العراق العمل مع المخابرات الأمريكية فأهانه أمام كل الدبلوماسيين بفناء وزارة الخارجية الرومانية وحدث في الفلبين وفي دول أخرى. 4 مسارات للإصلاح * عودة لخطة العمل في وزارة الخارجية قلت كانت هناك أخطاء في وزارة الخارجية.. بدأت في إصلاحها؟. وضعت في تلك الفترة التي دامت أقل من أربعة أشهر خطة لإدارة السياسة الخارجية، تقوم على أربعة مسارات هي معالجة العلاقة المتوترة مع الأمم المتحدة، ثم علاقتنا مع الدول العربية، ومع إيران، وأخيرا إصلاح وزارة الخارجية وإعادة تأهيلها. بالطبع كنت أعمل على المسارات الأربعة في الوقت نفسه. وفي الظروف الصعبة التي نتجت عن أزمة الكويت، مورست ضغوط شديدة على العراق، وكانت وزارة الخارجية جدار الصد الأول لهذه الضغوط. فضلا عن أن الوزارة كانت تعيش في حالة أقرب إلى حالة الطوارئ لأكثر من عقدين نتيجة ثماني سنوات من الحرب التي فرضتها إيران في الثمانينات، والحرب الأمريكية على العراق التي بدأت منذ آب/ أغسطس 1990 واستمرت بأشكال شتى حتى تسلمي وزارة الخارجية، وبعد ذلك بأكثر من عشر سنوات. ومن الضغوط الأخرى تناقص الإمكانيات المالية واضطرار الوزارة لغلق بعض السفارات والقنصليات وتخفيض عدد الدبلوماسيين في البقية. وكان من الطبيعي أن يُحدث ذلك إرباكا وترهلا وإنهاكا في عمل الوزارة، مما جعلها تفقد زمام المبادرة ويأخذ عملها طابع ردود الفعل. هذا هو مصدرالقصور في الأداء، والثغرات في عمل الوزارة، وخصوصا في الملفين الخاصين بالتعامل مع الأمم المتحدة والدول العربية. وكانت ردود الفعل هذه مصحوبة أحيانا بالتشنج انعكاسا للمزاج الشعبي العام الذي كان يعكس إحساسا عميقا بالمرارة جراء الظلم الفظيع الواقع على الناس في ظل الحصار الخانق والاعتداءات اليومية من القوات الأمريكية والبريطانية. وكان عليّ أن أعالج كل ذلك بعزم ومثابرة وبحكمة وصبر وتبصر ودقة، من أجل تجنب الخطر الأعظم. وأعانني في ذلك نخبة من أكفأ الدبلوماسيين العراقيين في مقر الوزارة وفي البعثات. حوار شامل في إطار العلاقة مع الأمم المتحدة، خططت بالتعاون مع الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى للبدء بحوار شامل مع الأمانة العامة للأمم المتحدة وذلك من أجل استعادة المبادرة في العلاقة مع الأمم المتحدة. وبالفعل زار موسى العراق، واتفقنا على أن تدعم الجامعة، مساعي العراق في هذا الصدد، وتم ذلك بالفعل. وذهبنا إلى نيويورك بوفد مختصر، حيث اصطحبت معي الوزير الدكتور عامر السعدي المستشار في رئاسة الجمهورية واللواء المهندس حسام محمد أمين مدير الرقابة الوطنية المشرفة على أعمال التفتيش والسفير الدكتور سعيد الموسوي رئيس دائرة المنظمات الدولية في الوزارة والتحق بنا هناك السفير الدكتور محمد الدوري ممثل العراق الدائم في الأمم المتحدة. وعقدنا أول جلسة مع وفد الأمم المتحدة برئاسة السيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك 7/3/ 2002 وعضوية هانز بلكس رئيس لجنة انموفيك للتفتيش ومحمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي الجلسة طرحنا عليهم تصورنا للعلاقة مع الأمم المتحدة. وفي الحقيقة كان الموقف السائد في وزارة الخارجية من الاتصال بهانز بلكس هو مقاطعته بسبب الأدوار التي لعبها في إطالة أمد الحصار عندما كان مديرا عاما للوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل البرادعي وكذلك بعد أن تولى إدارة لجنة انموفيك للتفتيش. ولم يكن هذا الموقف يناسب المهمة التي اعتزمت تنفيذها لاستعادة زمام المبادرة في التعامل مع الأمم المتحدة ووكالاتها. قبل أن نذهب كنا قد التقينا مع الرئيس صدام حسين. فتحدث أحد المسؤولين بما يوحي أنه ينبغي على وزير الخارجية ألا يلتقي ببلكس تنفيذا للتقليد الموجود في الوزارة الذي نشأ بعد خروج المفتشين من العراق عام 1998. لكن الرئيس — رحمه الله — لم يرد على هذا المسؤول ولم يتحدث بشيء، بل أومأ لي بالحديث. فقلت له: أنا اخترت أعضاء الوفد العراقي الوزير عامر السعدي واللواء المهندس حسام والمسؤولين الآخرين، والأمين العام كوفي عنان يختار وفد الأمم المتحدة. فقال: إذن على بركة الله. فتجاوزنا أول عقدة في المسار الطويل. 19 سؤالا * هل قال لكم الرئيس توصيات معينة؟. ** ليس ثمة توصيات محددة. بالطبع السياسة الخارجية لا يضعها وزير الخارجية. إنما هو المسؤول الأول عن تنفيذ السياسة الخارجية التي يضعها رأس السلطة التنفيذية سواء كان رئيسا للدولة أو رئيسا للوزراء. كان لدي مساحة واسعة لابتداع السبل والأدوات واختيار التوقيتات اللازمة لقيادة العمل الدبلوماسي العراقي وتنفيذ السياسة الخارجية واقتراح ما أراه مناسبا من توجهات وتحركات. فطلب مني أن أضع أسئلة أو تساؤلات لكي نطرحها على الأمم المتحدة لنتبين موقفها الحقيقي مما يجري بشأن العراق من حرب متعددة الأوجه. فوضعت 19 سؤالا عن نواحٍ شتى من علاقة العراق بالأمم المتحدة وأقرها السيد الرئيس. طرحنا هذه التساؤلات على وفد الأمم المتحدة وطلبنا من الأمين العام أن يسعى للحصول على أجوبة عليها من مجلس الأمن باعتباره السلطة التنفيذية العليا في الأمم المتحدة. غير صحيح * إذن ماحقيقة مايشاع عن أن الرئيس لم يكن يسمح لأحد أن يتكلم في حضرته وأنه كان الآمر الناهي؟. ** غير صحيح، هذا من قوالب الدعاية الهائلة لتبشيع صورة العراق وقيادته الوطنية. كنت وزملائي الوزراء نطرح تصوراتنا في مجلس الوزراء وفي لقاءاتنا الثنائية وغيرها، ويناقشها معنا -رحمه الله- في أجواء طبيعية، ولا يتخذ القرار إلا بعد إشباعه نقاشا. وبخصوص عملنا وافق الرئيس على النهج الذي رسمته للدبلوماسية العراقية وكنت أطرحه عليه وأناقشه معه بجميع جوانبه، ولم يعترض يوما على تعاملي مع من يستلزم عملي التعامل معه من المسؤولين الدوليين، خلافا لما كان سائدا في وزارة الخارجية سابقا. ومنهم المقرر الدولي لشؤون حقوق الإنسان في العراق السفير القبرصي اندرياس مافروماتيس، الذي دعوته لزيارة العراق وأعطيته الحرية الكاملة أن يتنقل أينما شاء. وأذكر أن أحد الأجهزة الأمنية عرض علينا مرافقته، فقلت لاحاجة لذلك وكلفت سفيرنا في الأمم المتحدة الدكتور محمد الدوري أن يرافقه في أي مكان يريد الذهاب إليه. وكانت هذه الزيارة خطوة مهمة لإقامة علاقة متوازنة مع المقرر الدولي. مقاربة جديدة * ماذا طرحتم على الأمين العام للأمم المتحدة؟. ** طرحت في جلسة المفاوضات التساؤلات التسعة عشر وذلك في إطار مقاربة جديدة للعلاقة بين العراق والأمم المتحدة تقوم على السعي لإيجاد أرضية مشتركة بيننا وبين الأمم المتحدة لتنفيذ القرارات الدولية. وقلت للأمين العام على هذه الأرضية المشتركة ننفذ ما علينا من التزامات بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتنفذ الأمم المتحدة ما عليها من التزامات بموجب هذه القرارات في ضوء ولايتها المحددة في ميثاقها. فليس معقولا أن يطالبنا مجلس الأمن بتنفيذ بعض قرارته التي تؤكد جميعها في أول سطر من نصوصها على وجوب احترام سيادة العراق واستقلاله السياسي وحرمة أراضيه، بينما اثنان من أعضائه الدائمين ينتهكان سيادة العراق واستقلاله وحرمة أراضيه يوميا وينتهكان قرارات المجلس نفسه والقانون الدولي حينما فرضا حظرا جويا على مناطق من العراق يتحركان فيها بحرية بينما تحرمان على الدولة نفسها أن تستخدم أجواءها، وحينما يخترقان أجواء دولة ذات سيادة يوميا ويقصفان ما ينتقيان من أهداف عسكرية ومدنية. ثم أليس من واجبات الأمم المتحدة أن تنظر في رفع أو تخفيف هذا الحصار الخانق المخالف لجميع مواثيق حقوق الإنسان ولميثاق الأمم المتحدة والذي يقتل مئات الناس يوميا خصوصا أن الكثير من مسؤولي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية يشهد على ذلك ويحتج على استمرار هذا الوضع مثل السيد دنيس هاليداي الذي كان مساعدا للأمين العام مسؤولا عن هذا البرنامج وخلفه هانز فون سبونك وجوت هارت مديرة برنامج منظمة الغذاء الدولية في العراق. فما هو موقف مجلس الأمن لكي نتبين منطقة وسط نستطيع أن نلتقي فيها، نحن نريد أن ننفذ قرارات مجلس الأمن، ولكن أليس من المفروض على مجلس الأمن أن ينفذ قراراته أولا قبل أن يطلب من الآخرين تنفيذها رغم كل ماتنطوي عليه من ظلم وإجحاف وإبادة بشرية. توسيع الوفد * كم كانت فترة بقائكم ومرات لقاءاتكم مع الأمين العام للأمم المتحدة ورد فعله على هذه اللقاءات؟. ** التقينا لمدة يومين مع الأمين العام ومساعديه ومسؤولي لجنة التفتيش والوكالة الدولية للطاقة الذرية. كان رأي السيد عنان أن المباحثات بناءة وإيجابية. واتفقنا على موعد الجولة الثانية وهو اليوم الثاني من شهر أيار/ مايو في العام نفسه 2002. وفي الجولة الثانية وسعت الوفد العراقي وأضفت إليه وزيرا آخر هو الدكتور جعفر ضياء جعفر المستشار في رئاسة الجمهورية وكان من مسؤولي البرنامج النووي ومسؤولين من جميع برامج التسليح الصواريخ والكيماوي والبيولوجي والنووي. وكان الغرض هو إحاطة هؤلاء المسؤولين بالجو الجديد للعلاقة مع الأمم المتحدة بعد انقطاع الاتصال مع أجهزة الأمم المتحدة المعنية بالتفتيش عن مكونات ومخرجات هذه البرامج منذ خروجهم بإرادتهم أواخر عام 1998. فجاء الوفد كاملا منوعا من الدبلوماسيين والقانونيين والعلماء والتقنيين من توجهات شتى. استفزازات * لكن ذهابكم ألم يكن محفوفا بالمخاطر من قبل السلطات الأمريكية؟. ** كنا نأخذ تأشيرة الدخول للولايات المتحدة من السفارة الأمريكية في عمّان وحصلنا عليها وحجزنا للسفر للوصول حسب الجدول المتفق عليه. لكن السفارة أبلغت الوزير الدكتور جعفر ضياء جعفر بأن عليه أن يراجع اليوم التالي. لم نستطيع الانتظار. بقي الدكتور جعفر في عمان وسافرت ومعي بقية أعضاء الوفد إلى نيويورك وبدأنا في اليوم التالي أول جلسة صباحا. وصل الدكتور جعفر بعد الظهر وحدثنا عما حصل له بالطائرة، فقال إنه منح التأشيرة في اليوم التالي ثم ركب الطيارة المتجهة إلى نيويورك وإذا بموظف السفارة الأمريكية نفسه الذي حجز جوازه وأخره يوما يقترب منه ويجلس بجواره، ويقول له: " لماذا لاتنضم إلينا وتتعاون معنا. فالعراق مقبل على تحول كبير وسيسقط النظام وستكون هناك حرب وأنت وزير وعالم". في نيويورك كنت أقيم دائما في بيت السفير الصديق الدكتور محمد الدوري الذي كانت عائلته في بغداد. وكنت أفضل ذلك حتى أكون بعيدا عن المنغصات الأمنية والصحفيين وغيرهم، لكن الوزيرين عامر السعدي وجعفر ضياء جعفر أقاما في فندق في نيويورك، فاتصل بهما على هاتف الغرفة شخص قال لهما إنه من المخابرات الأمريكية ودعاهما لتناول فنجان قهوة معه وفاتحهما بالتعاون مع الأمريكيين. وأحد أعضاء الوفد اللواء مهندس حسام محمد أمين رئيس دائرة الرقابة الوطنية التي تتابع أعمال كل التفتيش على برامج التسليح في العراق التقى به في المطار شخص قال له أيضا "لماذا لا تتعاون معنا". زجره اللواء أمين مثل الآخرين على هذا الاسلوب الفج المنافي للسلوك الآدمي. فقال له " تعال معنا ونعينك وزيرا". فزاد في تعنيفه. فقال له: " نعينك رئيسا للوزراء".! وقبيل مغادرتنا نيويورك بعد الجولة الأولى، كنا في مطار جي أف كندي. وفجأة فقدَ أحد أعضاء الوفد وهو عضو في جهاز المخابرات العراقي جوازه، وذهب يبحث عنه في أرجاء صالة المغادرين قرب الأسواق الحرة. فاقترب منه سارق الجواز وهو أميركي وقال له: "جوازك عندي، أنا من المخابرات الأميركية أخذته لكي أطلب منك أن تتعاون معنا"! هنا بلغ الاستهتار حدا لايمكن السكوت عليه. فذهبت الى الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان وقلت له ان هذا السلوك الذي تمارسه الولايات المتحدة مع أعضاء الوفد العراقي أسلوب تمارسه عصابات وليس دولة كبرى ويتنافى مع مسؤولياتها في الحفاظ على السلم والأمن الدولي، كما يتنافى مع التزاماتها القانونية المحددة في اتفاقية المقر بينها وبين الأمم المتحدة والتي تعهدت بموجبها بتأمين سلامة المندوبين ووصولهم الى مقر الامم المتحدة. وقلت له "أنا أرفض أن يُعامل أعضاء الوفد العراقي بهذا الاسلوب الفظ المنافي للأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي. ولذلك لا أؤيد اللقاء بكم مرة أخرى هنا في نيويورك. ودعنا نلتقي في مكان آخر." واقترحت ان يكون في مكان وسط بيننا مثلا في جنيف أو فيينا. وبحكم وجود الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا وعضوية مديرها البرادعي في الوفد اتفقنا على أن نلتقي في فيينا في الخامس من تموز/ يوليو 2002. مهام اللجان المتبقية * ماذا كانت حصيلة اللقاءين في نيويورك إذن؟ ** لم يستطع الأمين العام كوفي عنان ان يقدم اجابات على ماطرحناه، وقال ان المسؤولين عن أجهزة التفتيش سواء الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو لجنة انموفيك للتفتيش أعضاء في الوفد الأممي وبوسعهم أن يجيبوا على تساؤلاتكم. بالطبع فهمنا ان مجلس الامن، بتأثير من الولايات المتحدة وبريطانيا، رفض الاجابة عن هذه الاسئلة لأن فيها تحريا شاملا وتقصيا دقيقا للموقف المطلوب من مجلس الأمن ازاء انتهاكاتهما لقراراته، رغم انها من صلب مهام مجلس الامن وتتصل بجوهر الازمة العراقية. في الموعد المتفق عليه للجولة الثالثة، تموز / يوليو، التقينا في فيينا مع وفد الأمم المتحدة، وغصنا في قضية التفتيش، وطلبنا من مسؤولي لجنة انموفيك والوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يحددوا المهام المتبقية في ولايتيهما في العراق الخاصة بالتخلص من البرامج والموجودات المحظورة لكي نتبين ما المطلوب من الجهات العراقية وندرس كيفية تلبيته. فرفض كلاهما الاستجابة لطلبنا، بذريعة عدم معرفتهما بما فعله العراق في فترة غياب المفتشين منذ أواخر عام 1998! وكانت تلك عرقلة واضحة من مسؤولي الجهتين المعنيتين بالتفتيش لحل المشاكل مع العراق. كان وفد الأمم المتحدة قد أضيف اليه السفير الروسي السباق يولي فورونتسوف المقرر الدولي الخاص بشؤون الممتلكات والمفقودين الكويتيين. وهو من المسؤولين الدوليين الذين كان المسؤولون في وزارة الخارجية العراقية يتجنبون اللقاء بهم قبل أن أتولى الوزارة، فالتقيت به ودعوته لزيارة العراق. وجاء الى بغداد واتفقنا معه على آلية اعادة الأرشيف الرسمي الكويتي وبدء مفاوضات مع الأشقاء الكويتيين في عمان من أجل التعاون في حل اشكالات هذا الملف. اقتربنا أكثر * ماذا أثمرت هذه الصفحة الجديدة مع الامم المتحدة وفائدتها والعراق وكيف تعاملت معها الولايات المتحدة؟ ** في اطار هذه العلاقة الجديدة مع الامم المتحدة، اقتربنا أكثر من فهم السبل اللازمة لحلحلة القضايا الشائكة وحل العقد التي كانت تفرضها الجهات الأميركية والبريطانية لعرقلة أي حل للمشاكل المعلقة بين العراق والامم المتحدة. وبدأنا نشجع المسؤولين عن لجان التفتيش لزيارة العراق رغم المعارضة الشديدة من الجهات الأميركية والبريطانية. واستطعنا أن نثبت حسن نيتنا وصدقنا في التعامل مع أجهزة الأمم المتحدة وخصوصا في هذا الملف مما كان له أثر كبير في موقف اطراف دولية مهمة ضد دعوات الحرب الأميركية البريطانية على العراق. فبدأنا نحن نمسك بزمام المبادرة ولا نبقى فقط في اطار رد الفعل. ونشطنا الصلة ببرامج الامم المتحدة ووكالاتها في العراق. وفي شهر ايلول/ سبتمبر عام 2002 ذهبت لحضور اجتماعات الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان الشغل الشاغل للوفود العربية هو موضوع العراق، بعد أن جاء الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الى اجتماع الجمعية العامة مهددا ومتوعدا المنظمة الدولية انها إن لم تتبع أميركا فإن الأخيرة ستمضي وحدها "لازالة الخطر العراقي الذي يهدد البشرية وامريكا والغرب" حسب وصفه.! كان خطابه يضج بنذر الحرب. فاجتمع وزراء خارجية الدول العربية بحضور الامين العام لجامعة الدول العربية في إحدى قاعات الأمم المتحدة لمناقشة هذا الوضع المتفجر. سألني الأمين العام وعدد كبير من الزملاء الوزراء عن موقفنا الآن من موضوع التفتيش والمطالبات بعودة المفتشين. وما أزال أذكر مناشدة وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل رحمه الله حيث كانت مناشدته لي وللرئيس صدام حسين رحمه الله مؤثرة جدا من أجل التحرك وانقاذ المنطقة من ذلك الوضع. شروط تعجيزية قبيل الاجتماع علمت ان كولن باول وزير الخارجية الاميركي كان موجودا في نيويورك ويعكف مع مجموعة من المستشارين الأميركيين والبريطانيين على صياغة مشروع قرار جديد لمجلس الأمن يدور حول ذريعة عدم موافقة العراق على عودة المفتشين. ويضع مشروع القرار شروطا تعجيزية عسيرة جدا ومستحيلة التنفيذ ويطلب من العراق تلبيتها في فترة وجيزة جدا، بحيث يستحيل على الحكومة العراقية تنفيذها. وحينها يفوض القرار شن الحرب على العراق باسم الأمم المتحدة الشرعية الدولية. وقبل أن أسافر الى نيويورك، كنت قد التقيت الرئيس صدام حسين. وقلت له: " سأسافر الى نيويورك غدا، فهل ثمة تحرك نقوم به بشأن عودة المفتشين؟ هل من موقف جديد بشأن عودة المفتشين؟" قال لي رحمه الله: "دعنا ننتظر ربما يكون هناك تحرك ايجابي من جانب دولة كبرى". تحريك سريع وحازم * هل كان الرئيس صدام ضد عودة المفتشين؟ ** الرئيس لم يقل لي نهائيا انه ضد عودة للمفتشين ولكنه لم يوافق على رغبتي في عودتهم. لنعد الى الاجتماع الوزاري العربي. خرجت من الاجتماع، وانا مقتنع تماما بضرورة التحرك السريع والحازم لحرمان الولايات المتحدة وبريطانيا من استخدام ذريعة عدم عودة المفتشين لاجازة حرب مدمرة أخرى على شعب العراق على نحو مماثل لقرار 678 في 29 نوفمبر عام 1990، الذي أجاز شن الحرب على العراق باسم الامم المتحدة،. وعلى الفور كتبت برقية الى الرئيس صدام حسين، وطلبت من السفير ارسالها بسرعة الى بغداد، أبلغته فيها أن "أميركا تعد الآن مشروع قرار لشن الحرب على العراق باسم الامم المتحدة واقترح الموافقة على إعادة المفتشين فورا بلا شروط لإحباطه". وبعد خروجنا من الاجتماع سألني السيد عمرو موسى عن ماذا أنوي عمله الآن. فقلت له قررت إعادة المفتشين فورا الى العراق. وأريد منك ان تساعدني ممثلا للمجموعة العربية في هذا الجهد لكي نضمن ان تكون عودة المفتشين في اطار قيام الأمم المتحدة بتلبية التزاماتها ازاء العراق في ما يخص احترام سيادته واستقلاله وحرمة أراضيه ورفع الحصار الظالم اللاإنساني أو التخفيف عنه. فاستجاب على الفور. وبعد نحو ساعتين اتصل بي سكرتير رئيس الجمهورية ليبلغني بموافقة السيد الرئيس على طلبي. تحركت مع السيد موسى الى الأمين العام، وبدأنا الاتصالات لصياغة رسالة العراق بهذا الصدد والاتفاق وبما يمكن الأمين العام من قبولها. وفي يوم 16 /9 /2002 سلمت الأمين العام رسالة بتوقيعي تعلن قبول العراق بعودة المفتشين الى العراق في اطار سعي الأم المتحدة لتحمل مسؤولياتها ازاء ما يعاني منه العراق من انتهاك لسيادته وأمن شعبه وحقه في الحياة الحرة الكريمة. وبذلك أسقطت هذا السلاح من يد الخصم وحرمته من محاولته الخطيرة الأولى لاضفاء الشرعية الدولية على مشروعه الجديد لغزو العراق واحتلاله. جن جنونهم وقد زلزل التحرك الدبلوماسي العراقي السريع والفعال للسماح بعودة المفتشين أركان الإدارة الأمريكية، التي كانت تملأ الارجاء صراخا للضغط على العراق لاعادتهم والتهديد بشن الحرب على العراق بسبب ذلك. وفي الحقيقة لم تكن تريد عودتهم لأن ذلك سيكشف مع الوقت كذب مزاعمها وحليفتها بريطانيا ويثبت صحة موقف العراق، وانما احراج العراق واظهاره بمظهر المتعنت والرافض للقرارات الدولية. وكانت متيقنة تماما ان العراق لن يوافق على عودة المفتشين. لذلك سحب قرارنا البساط من تحت المشروع الامريكي الخطير لشن الحرب على العراق بغطاء دولي. وقد جن جنون الادارة الامريكية فرفض البيت الابيض قرارنا، وشنّ هجوما علي واتهمني بالكذب والخداع والتزوير. وأعلن الرئيس جورج بوش نفسه رفضه للقرار. وأصدر السكرتير الصحفي للبيت الأبيض بيانا قال فيه ان إعلان الوزير ناجي صبري عن قبول عودة مفتشي الامم المتحدة بدون شروط هو خدعة، وإنه يعني في الحقيقة أن العراق سيضع عراقيل في وجه المفتشين ويفرض عليهم شروطه، وانه محاولة للالتفاف على قرارات مجلس الامن. وبعدها ألقيت كلمة العراق أمام الامم المتحدة يوم 19 /9 /2002 أشرت فيها الى اتفاقي مع الأمين العام على اعادة المفتشين في اطار السعي لتنفيذ العراق والامم المتحدة التزاماتهما التي تضمن للعراق احترام سيادته وأمنه الوطني واستقلاله وحرمة أراضيه وترفع عن شعبه الحصار الظالم. خطاب الرئيس ثم تلوت رسالة من الرئيس الشهيد صدام حسين طلب مني القاءها على الجمعية العامة للأمم المتحدة تضمنت عرضا لجوانب الازمة في علاقة الامم المتحدة بالعراق نتيجة هيمنة الولايات المتحدة على مجلس الامن، وأوضح اسباب إستهداف أمريكا للعراق قائلا:"تريد الولايات المتحدة أن تدمر العراق من أجل أن تسيطر على نفط الشرق الأوسط وبالتالي تسيطر على سياسة العالم كله". وأعلن السيد الرئيس عدم إمتلاك العراق أسلحة محظورة بقوله: " ها أنا ذا أعلن أمامكم أن العراق خال تماما من جميع الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، وإذا كان أحد بينكم لا يزال يشعر بالقلق من إحتمال أن تكون الإختلاقات التي يعلنها المسؤولون الأمريكيون عن العراق صحيحة، فبلدنا على إستعداد لإستقبال من تختارونهم لتمثيل أي من بلدانكم من الخبراء العلميين ومن يصحبهم من السياسيين ليخبرونا بالأماكن والمنشآت العلمية والصناعية التي يرغبون في رؤيتها، لاسيما تلك التي إختلق المسؤولون الأمريكيون القصص الكاذبة عنها". بينوكيو وبعد كلمتي هذه رد الناطق باسم البيت الابيض آري فلايشر بتصريح غاضب قال فيه: (إن قول العراق انه لايملك اسلحة نووية أو كيماوية أو جرثومية هو كلام كاذب برمته). وظهرت في اليوم التالي صحيفة نيويورك بوست الأسبوعية وقد خصصت صحفتها الأولى برمتها للتهجم علي شخصيا باسلوب فج. فنشرت صورتي في أثناء القائي كلمة العراق بالجمعية العامة للأمم المتحدة وقد شوهتها ومدت أنفي تشبيها له بالطفل الكذاب بينوكيو في قصة الروائي الإيطالي كونومري، ومع الصورة كتبت عنوانا ضخما (مانشيت) من كلمتين (كذاب كذاب) وكتبت تحته تعليقا اتهمتني فيه بذكر تسعة أكاذيب في 17 دقيقة. وتعرضت للمضايقة والاستفزاز اثناء المغادرة من مطار جي أف كنيدي حيث أخضعوني للتفتيش البدني، بعد علمهم بهويتي، وبالرغم من حصانتي الدبلوماسية. وحصل استفزاز مماثل في مطار موسكو عند توجهي الى نيويورك على متن طائرة لشركة اطلنطا الاميركية، حينما تعمد موظفوها الأميركيون أن يفرغوا حقيبتي ويبعثروا محتوياتها على مصطبة الحقائب بعصبية واضحة. وقبل اتخاذنا قرار السماح بعودة المفتشين طلب عدد من وزراء الخارجية اللقاء بي في نيويورك. فالتقيت بالوزير الفرنسي دومينيك دوفيليبان والوزير الألماني يوشكا فيشر. وكلاهما ناشدني الموافقة على عودة المفتشين تنفيذا لقرارات مجلس الأمن. ثم التقيت في اليوم الثاني وزير خارجية كندا بناء على طلبه ووزيرة خارجية جنوب افريقيا السيدة زوما بناء على طلبي. ودار اللقاءان حول مسألة العراق. ثم ذهبت للقاء وزيرة خارجية اليابان السيدة يوريكو كاواجوجي بناء على طلبها، ووجدتها محاطة بعشرات المصورين اليابانيين. تصافحنا وابتسمت للكاميرات وجلسنا وإذا بها تبدأ حديثا متصلا بدون انقطاع وكأن شريطا مسجلا قد انفتح. فقالت: "إن الشعب الياباني قلق من أسلحة الدمار الشامل العراقية" فقلت لها: " انتم قلقون من أسلحة العراق؟" واصلت الوزيرة الحديث بدون ان ترد على سؤالي، فقالت: "ونحن قلقون من أسلحة العراق النووية" فقلت لها: " أخشى أن تكوني قد أخطأتي العنوان، فنحن ليس لدينا أي اسلحة ". فاستمرت: " ونحن نطالبكم بالامتثال لقرارات مجلس الأمن والتخلص من اسلحتكم النووية والأخرى" قلت لها يا سعادة الوزيرة:" نحن لم نضربكم، اميركا هي التي ضربتكم بالقنابل النووية في الحرب العالمية الثانية". فواصلت بدون انقطاع وكأن شريطا مسجلا قد انفتح. فقلت لها: " لا جدوى من هذا اللقاء دعينا ننهيه"، ونهضت فنهضت وصافحتني وابتسمت للمصورين! وبعدها ذهبت للقاء وزير خارجية استراليا الكزندر داونر. فبدأ الحديث بذات الجملة التي بدأت بها الوزيرة اليابانية. فقال: " نحن قلقون في استراليا من أسلحة الدمار الشامل العراقية" قلت له: " سبحان الله، جئت توا من لقاء مع وزيرة خارجية اليابان. ويبدو أن الرسالة الأميركية نفسها التي وصلتها قد وصلتك أيضا." فلم يتمالك نفسه من الضحك، طبعا ضحك على نفسه. فنهضنا وأنهينا الاجتماع". حملة لقرار جديد كانت الولايات المتحدة تستخدم المفتشين ذريعة وسوطا تضرب به العراق. وبعد القرار العراقي أعلنت ان قرار 1284 (1999)، الذي كانت حتى يوم 16 /9 /2002 الى ما قبل صدور قرارنا بعودة المفتشين تطالب في كل منبر العراق بتنفيذه، لا يكفي وان ثمة حاجة ماسة لتزويد لجان التفتيش بسلطات أكثر وأشد. وبدأت حملة واسعة لاصدار قرار جديد. لكنها في الحقيقة بدأت الاعداد للمحاولة الثانية لدفع مجلس الأمن لاصدار قرار يجيز شن الحرب على العراق باسم الأمم المتحدة. فكان قرار مجلس الأمن رقم 1441 في 8 /11 /2002 أسوأ من كل ما سبقه من قرارات ولكن الولايات المتحدة عجزت عن اقناع المجلس باصدار قرار يضفي الشرعية الدولية على مشروعها وحليفتها بغزو العراق واحتلاله. فقد رفضت فرنسا وروسيا والصين وضع آلية تلقائية لشن الحرب على العراق من جانب أي دولة ترى العراق مقصرا في تلبية متطلبات نزع الاسلحة المحظورة. وهكذا أدى تعاون العراق والنهج الجديد الذي اختطه في التعامل مع اجهزة الأمم المتحدة وقراره باعادة المفتشين الى احباط المحاولة الثانية الخطيرة التي قامت بها الولايات المتحدة للحصول على غطاء دولي شرعي لنواياها العدوانية غير المشروعة. عودة المفتشين عاد المفتشون يوم 27 /11/ 2002. وقبل مباشرتهم أعمالهم شكل الرئيس المرحوم صدام حسين هيئة موسعة للاشراف على أعمال التفتيش وعملنا على أن تسير الهيئة وفق الرؤية الجديدة لاسقاط الذرائع وتفويت اي فرصة على من يقف وراء لجان التفتيش لاختلاق المشاكل والنزاعات مع الجانب العراقي. وبدأ المفتشون أعمالهم وانتشروا في طول البلاد وعرضها مستخدمين أحدث الأجهزة وأكثر الوسائل اقتحاما واستفزازا. وأبدينا كل التسهيلات للمفتشين رغم مطالباتهم المستفزة. وواصلنا التعامل بصبر والتعاون معهم، وتحملنا مضايقاتهم وطلباتهم الصعبة من أجل اسقاط الذرائع وكسب اطراف دولية أخرى الى جانب الموقف المناهض لمشروع الحرب والغزو والاحتلال الأميركي - البريطاني. ** لم تستسلم الولايات المتحدة لعدم استجابة مجلس الأمن لطلب التفويض الدولي لشن الحرب على العراق، وبذلت محاولات أخرى يستعرضها الدكتور ناجي صبري الحديثي في الحلقة القادمة. "يتبع "

2153

| 05 أبريل 2016

تقارير وحوارات alsharq
ناجي صبري يكشف "للشرق" فضائح ملف التعويضات والنهب المنظم لثروات العراق (3)

* فظائع وفضائح تضمنها ملف التعويضات ونهب منظم لثروات العراق 91-2003 * بوش الأب والابن تناوبا على قتل العراقيين وتعرضنا لـ 4 اعتداءات كبرى في عهد الديمقراطيين * لن ننسى تصريح أولبرايت بأن استمرار العقوبات يستحق وفاة نصف مليون طفل عراقي * البرادعي نفذ الأجندة الأمريكية وكذب على العرب والعالم وكان يبحث عن شيء يعرف أنه غير موجود * المجتمع المدني العربي تحدى الحصار بتسيير طائرات للتضامن مع الشعب العراقي * البرادعي لم يقل بأن العراق خال من أسلحة الدمار الشامل واكتفى بالقول إننا لم نجدها * تقرير البرادعي تلقفه الجنرال كولن بول لاستصدار قرار من مجلس الأمن بشن الحرب * إدعاءات ووثائق مزورة قدمتها أمريكا للبرادعي لإعلانها أمام مجلس الأمن * أمريكا مارست التزوير للترويج لوثائق مضللة لم يستطع البرادعي إثبات صحتها * صفحات في التقرير كتبها كبير المفتشين أبو شادي تؤكد خلو العراق من الأسلحة لكن أخفاها البرادعي عمداً أدار الحوار: جابر الحرمي أعده للنشر : طه حسين- عبدالحميد قطب لم يكن سقوط بغداد واحتلالها في 9/4/2003 يوماً عادياً للأمة العربية، فهي أول عاصمة عربية يتم احتلالها مجدداً في القرن الواحد والعشرين. وما يحدث اليوم في الواقع العربي من تداعيات إقليمية، ومشاريع متعددة تتنافس للاستحواذ على حصص من أرضنا العربية في غياب أي مشروع عربي وتفكك للمنظومة العربية.. ما هي إلا نتاج التحول الذي حدث بسقوط بغداد. لكن هذا السقوط أو الاحتلال لم يأت فجأة، إنما جاء نتيجة خطأ تاريخي واستراتيجي ارتكبته القيادة العراقية في 2/8/1990 بإقدامها على جريمة غزو دولة الكويت الشقيقة، واستباحة سيادتها، والذي مثل ضربة لمنظومة العمل العربي، وأوجد فرصة سانحة لتدخل قوى أجنبية بالمنطقة، ومن ثم تدمير دولة بحجم العراق، ليسهل فيما بعد احتلالها، وهو ما حصل بعد سنوات من الحصار، فكان أن سقطت بغداد في أبرايل 2003. هناك الكثير الذي قيل وكتب عن الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت الشقيقة، وهناك الكثير أيضاً الذي قيل وكتب عن فترة الحصار، التي امتدت منذ 1991 إلى يوم سقوط بغداد في 2003، ولكن من المؤكد أن من عاصر وعايش مرحلة غزو الكويت وسقوط بغداد، مروراً بفترة الحصار وتداعياتها وما تعرض له العراق من قصف متجدد، وهجمات تدميرية لأكثر من خمس مرات..، لديه ما يقوله. الدكتور ناجي صبري الحديثي، آخر وزير خارجية للعراق في عهد الرئيس صدام حسين هو شاهد على مرحلة مفصلية عاشها العراق. * معالي الدكتور، هل اختلف التعاطي الأمريكي مع الملف العراقي ما بين حزبي الرئاسة الديمقراطي والجمهوري وخاصة أنه تعاقب على الإدارة الأمريكية أثناء أزمة العراق رئيسان أحدهما ديمقراطي "كلينتون" والآخر جمهوري "بوش"؟ - نحن لم نشعر بفارق بين الإدارتين فهناك 4 اعتداءات كبرى شنتها الولايات المتحدة على العراق في عهد الرئيس بل كلينتون بين بداية عام 1993 وبداية عام 2001، وواصلت الطائرات الأمريكية في عهده استباحة أراضي العراق. وفي عهده أصدر الكونغرس ما يسمى بقانون "تحرير العراق" وهو في الواقع قانون ينظم الجهود الأمريكية لتحرير العراق من أهله وسيادته وأمنه واستقلاله السياسي. واستمر في عهده استنزاف طاقات العراق ومحاصرته والفتك بشعبه. ولا ينسى العراقيون والمنصفون من التنظيمات الأهلية الأمريكية المناهضة للحصار تصريح وزيرة خارجيته مادلين أولبرايت بأن التمسك بسياسة العقوبات (أي الحصار) يستحق وفاة نصف مليون طفل عراقي كما تناوب الجمهوريون على قتل العراقيين. * وكيف كان تفاعل البيئة العربية معكم في هذه الفترة.. هل كان هناك تضامن فعلي أم ماذا؟ - الوضع العربي آنذاك كان على مستويين، رسمي وشعبي، والأخير متفاعل مع العراق ومع أزمته والصعوبات التي يلاقيها ويدفع باتجاه نجدة العراق ومساندته في مواجهة ظلم الحملة الحربية الأمريكية، وهو تفاعل صميمي وصادق، أما المستوى الرسمي فقرارات مجلس الأمن والضغوط الأمريكية والبريطانية الشديدة منعت حكومات الدول العربية من التفاعل التام مع العراق. المجتمع المدني العربي * وهل كانت هناك مبادرات عربية رسمية لفك الحصار والوصول للشعب العراقي الذي كان يعاني أشد المعاناة؟ - بعد عام 96 بدأت منظمات المجتمع المدني العربية تُسيّر رحلات إلى العراق في اختراق واضح للحصار المفروض على شعبه بقرارات مجلس الأمن وقوة السيف المسلط عليه من الولايات المتحدة وبريطانيا. وكان أعضاء هذه الطائرات يأتون إلى العراق للتضامن مع الشعب العراقي، ولإشعاره أن الشعب العربي لن يقف متفرجا على مأساته . ورغم أن هذه الإجراءات كانت بسيطة، إلا أنها كانت تزعج الأمريكيين والبريطانيين كثيرا، لأنهم كانوا يعتبرون ذلك دلالة على انهيار الحصار. كذبة البرادعي * لكن البرادعي بعد أن عاد إلى مصر بعد ثورة 25 يناير حاول البحث عن شعبية وكان يردد أنه وقف ضد إرادة أمريكا وبريطانيا ولم يعطهم ما يستندون إليه في الغزو .. وأنه أعلن في مجلس الأمن أن العراق خال من أسلحة الدمار الشامل؟ - البرادعي لم يقل العراق خال من أسلحة الدمار الشامل، إنما قال "لم نجد" وهذه تعني أن هناك مسائل مخفية، تستوجب الضغط على العراق أكثر، وأن اللجنة الدولية يجب أن تستمر، بمعنى أنه يقول أنا فتشت بيتك فلم أجد أسلحة، لكن هذا لا يعني أنه خال، وربما تكون أخفيته في مكان ما . * وهل كان يقف ضد إرادة الأمريكيين كعربي يتضامن مع الشعب العراقي ويشعر بمأساته أو كان مثل جميع مديري الوكالة أداة لجهاز الاستخبارات الأمريكية؟ - إذا أخذنا في عين الاعتبار هو لم يكن لديه شيء، لأن الملف النووي الذي من المفترض أنه يفتش عنه أُغلق وانتهى منذ 92، لأن المنشآت النووية ليست شيئا صغيرا نستطيع أن نخفيه، عكس الكيماوي أو البيولوجي، الذي من الممكن إخفاؤه، وهناك الكثير من المفتشين غير عراقيين قالوا بكل صراحة "انتهى الملف النووي، وهذا الكلام عام 92". قبل العدوان * وكيف كان التقرير الذي قدمه البرادعي قبل العدوان؟ - البرادعي قدم تقريرا إلى مجلس الأمن يوم 9 يناير 2003 عن الإعلان الكامل والشامل الذي قدمه العراق يوم 6/12/2002 وضم 11807 صفحات تلبية لقرار مجلس الأمن 1441 الصادر قبل نحو شهر.وكان الإعلان شاملا لكل ما يتعلق ببرامج الأسلحة منذ البداية. قدم البرادعي تقريرا إلى مجلس الأمن يوم 9/1/2003 قال فيه نصا: " لم يقدم العراق حتى الآن معلومات جديدة ذات أهمية بشأن برنامجه النووي السابق لعام 1991، ولا بشأن أنشطته التالية خلال الفترة 1991-1998....الوثائق المقدمة لم تتضمن معلومات ذات علاقة باهتمامات وأسئلة الوكالة المعلقة منذ عام 1998، وعلى وجه الخصوص مسائل تصميم السلاح النووي والطاردات المركزية". ما قاله البرادعي تلقفه الجنرال كولن بول وزير الخارجية الأمريكي واستخدمه في عرضه المطوّل الشهير أمام مجلس الأمن يوم 5/2/2003 عندما كانت الولايات المتحدة تقوم بمحاولتها الثالثة لدفع مجلس الأمن لإصدار قرار يضفي الشرعية الدولية على مشروعها لغزو العراق واحتلاله فقال: " لقد طلبت عقد هذه الجلسة اليوم لغرضين، الأول هو دعم التقييمات الجوهرية التي أجراها السيدان بليكس والبرادعي.... حيث جاء في تقرير السيد البرادعي أن إعلان العراق المؤرخ 7 كانون الأول لم يقدم أي معلومات جديدة تتعلق بمسائل معينة كانت معلقة منذ عام 1998). البرادعي في طهران! وهكذا أعلن لمجلس الأمن في مراجعته لأوضاع التفتيش يوم 14/ 2/ 2003 ما نصه : " لم نجد حتى الآن أي دليل على القيام بأنشطة نووية أو ذات صلة بأنشطة نووية محظورة في العراق، غير أن عددا من المسائل ما زال قيد التحري ولسنا بعد في وضع يتيح لنا الوصول إلى استنتاج بشأنها". ومن الغريب أن البرادعي بعد عرض هذا التقرير ذهب في نفس الأسبوع إلى طهران، وهناك صرح: "لم ننجز بعد عملنا في العراق، وهم لا يتعاونون معنا تعاوناً تاماً". وفي 7/ 3 / 2003 حضر البرادعي جلسة مجلس الأمن لآخر مرة قبل الغزو وعرض تقريرا عن تقدم عمل الوكالة في العراق، خصص الجزء الأكبر منه للحديث عن ادعاءات ووثائق مزورة قدمتها له أمريكا وأمضى فترة طويلة في التحقق منها رغم سهولة الكشف عن تزويرها، مثل شراء العراق أنابيب الألمونيوم والمغانط لاستخدامها في أجهزة التخصيب بالطرد المركزي وشراؤه خامات اليورانيوم من النيجر، وأنهى كلمته بتأكيد حاجته لمزيد من الوقت واعتزامه مواصلة أنشطته التفتيشية، ودعا الدول إلى تقديم المزيد من المعلومات عن برامج العراق السابقة للتحقق منها قائلا: " بعد ثلاثة أشهر من عمليات التفتيش الاقتحامية لم نجد، حتى الآن، ما يدل أو يشير بشكل معقول إلى إحياء برنامج الأسلحة النووية في العراق ونعتزم مواصلة أنشطتنا التفتيشية". وبهذا أعطى البرادعي مبرراً لشكوك الولايات المتحدة وبريطانيا المفتعلة بوجود برامج عراقية محظورة، ولم يحدد أفقا لإنهاء عمله، وأنفق الكثير من الوقت والجهد والأموال العراقية للتحقق من وثائق مزورة وادعاءات باطلة كان يجب عليه أن يرفضها من أوّل وهلة. فمثلا الوثيقة المزورة التي تدعي استيراد العراق اليورانيوم الخام من النيجر في أواخر التسعينيات، والتي تحدث عنها بوش الابن في أكثر من مناسبة وضمّنها في خطابه السنوي عن حالة الاتحاد في 2003، لم يكلّف البرادعي نفسه بأن يخضع الوثيقة للفحص الجنائي للتحقق من تزويرها الذي كان تزويرا يسهل كشفه . بدلا من ذلك أرسل للعراق فرق التفتيش واحدة تلو الأخرى وطالب العراق بتقديم نماذج تواقيع جميع قناصله في سفاراته خلال التسعينيات، واستدعى وكيل وزير الخارجية المتقاعد الأستاذ وسام الزهاوي المقيم آنذاك في الأردن لاستجوابه عن جولته في بعض الدول الإفريقية في عام 1999. واكتفى في كلمته أمام مجلس الأمن يوم 7/3/2003 بالقول: "إن الوثائق التي تشير إلى شراء العراق اليورانيوم من النيجر ليس لها أساس من الصحة". أمريكا تمارس التزوير لنتصوّر لو أن صفحة واحدة فقط من آلاف الصفحات التي قدمها العراق في إعلانه الشامل والنهائي في كانون أول/ديسمبر 2002 كانت تتضمن وثيقة مزورة أو معلومات مضللة، هل سيكتفي البرادعي وبليكيس ومن ورائهما حكومتا أمريكا وبريطانيا بهذا القول، أم أنهم سيقلبون الدنيا صراخا عن (تحدي العراق للمجتمع الدولي وتعمده الغش والخداع وانتهاكه قرارات مجلس الأمن إلخ) " ؟ أمّا عندما تمارس الإدارة الأمريكية ورئيسها التزوير علنا يغض الطرف عنهما. والشيء نفسه حصل مع ادعاء أمريكا شراء العراق المغانط لاستخدامها في جهاز التخصيب بالطارد المركزي، فهنا أيضا قال البرادعي إنه لم تتوافر لديه الأدلة على صحة هذا الادعاء لكنه لم يغلق المسألة بل وعد بأن "يبقى موضوع جهود العراق الشرائية محل تحقيق شامل وسيجرى المزيد من التحقق عما قريب". وقبل ساعات من الغزو، عقد مجلس الأمن جلسة، لم يحضرها البرادعي، لكن تقريره للمجلس أعاد التذكير بما اعتاد أن يسميه (المسائل المعلقة وعناصر القلق) في برنامج العراق النووي السابق، فقال: "منذ ديسمبر 1998 لم تكن هناك مسائل نزع سلاح غير محلولة في المجال النووي، لكن هناك عددا من المسائل ومصادر القلق عن برنامج العراق النووي السابق، وإن تقديم العراق لإيضاحات بشأنها سوف يقلل من درجة عدم التيقن في إكمال معرفة الوكالة وفهمها، وبالذات في مسألة عدم التيقن بشأن التقدم الذي أحرز في تصميم الأسلحة النووية وفي تطوير الطاردات المركزية وذلك بسبب نقص الوثائق الداعمة". تواطؤ البرادعي وثمة تصريح يكشف خلفية هذا التقرير يفصح بما لا يقبل الشك عن تواطؤ البرادعي مع المخطط الأمريكي لغزو العراق بعد الاجتماع بساعات. فقد ذكر كبير مفتشي وكالة الطاقة الذرية المصري الدكتور "يسري أبو شادي" أنه شارك في كتابة التقرير الذي قدمه البرادعي لمجلس الأمن، وقال: " كتبنا في التقرير أن العراق خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، وليس لديه القدرة، ولا يستطيع تصنيع السلاح النووي، وأوصينا بأن يخرج العراق من تحت البند السابع الخاص بالعقوبات، وقبل وصول التقرير إلى مجلس الأمن تغيرت اللغة والصياغة، وأن البرادعي هو السبب في تغيير التقرير قبل تسليمه إلى مجلس الأمن". ملجا العامرية ببغداد قصفته طائرات امريكية حرب 91 وحرقت فيه حتى الموت 355 من الشيوخ والنساء والأطفال مهمات التدمير ومن المفيد التذكير بأن مهمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب قرار مجلس الأمن 687 في 3/4/1991 هي تدمير المواد النووية في العراق أو إزالتها أو جعلها عديمة الضرر والقيام بأعمال التفتيش للتحقق من إعلانات العراق وإنشاء منظومة للمراقبة المستمرة لضمان امتثال العراق لالتزاماته. وقد أنجزت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مهمات التدمير والتفتيش في العراق منذ عام 1992، وأعلن عن ذلك كبير المفتشين النوويين في الوكالة ورئيس فريقها التفتيشي الخبير الإيطالي السيد زفريرو يوم 2/9/1992 نصا: " أن برنامج العراق النووي يقف الآن عند نقطة الصفر". وفي تشرين الأول/أكتوبر 1993 وقّع الجانب العراقي مع الفريق النووي اتفاقا يقضي بغلق ملف التفتيش والبدء بمرحلة المراقبة المستمرة بقيام العراق بتسليم ملف مشتريات الطارد المركزي. وقد فعل العراق ذلك. وكان المفروض أن تبلغ الوكالة مجلس الأمن بهذه الحقيقة وتتوقف أنشطة التفتيش وتتحول جهود الوكالة إلى المراقبة المستمرة. لكن هذا لم يحدث حتى الغزو الأمريكي للعراق، لأن نهاية التفتيش وغلق ملف برنامج العراق النووي يعني فتح استحقاق رفع الحصار الشامل المفروض على العراق، ويعني أيضا وقف استخدام ذريعة أسلحة العراق النووية َغطاء للعدوان العسكري على العراق. مهمة غير منجزة ولذلك واصلت جميع تقارير البرادعي (ومن قبله بليكس) الحديث عن "مهمة غير منجزة وأسئلة معلقة ووثائق ناقصة ومصادر للقلق محتملة" وغالبا ما تنتهي بعبارة "لم نجد أدلة على أنشطة نووية محظورة حتى الآن". وواضح أن انتهاء التقارير بعبارة (حتى الآن) يعني أن المهمة مفتوحة للنهاية، وأن هناك إمكانية للعثور على أنشطة محظورة بمواصلة التفتيش. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1993 وقّع الجانب العراقي مع الفريق النووي اتفاقا يقضي بأنه عند تسليم الجانب العراقي ملف مشتريات الطارد المركزي يغلق ملف التفتيش وتبدأ مرحلة المراقبة المستمرة. وكان المفروض أن تبلغ الوكالة مجلس الأمن بهذه الحقيقة وتتوقف أنشطة التفتيش وتتحول جهود الوكالة إلى المراقبة المستمرة، لكن هذا لم يحدث حتى الغزو الأمريكي للعراق، لأن نهاية التفتيش وغلق ملف برنامج العراق النووي يعني فتح استحقاق رفع الحصار الشامل المفروض على العراق، ويعني أيضا وقف استخدام ذريعة (أسلحة العراق النووية) غطاء للعدوان العسكري على العراق. لم يفعل ذلك البرادعي وحجته أسوأ وأكثر غرابة من فعله، حينما قال لتسويغ تنكره للحق والحقيقة ولولايته ولضميره أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية واللجنة الخاصة المكلفة بإزالة برامج التسليح الكيماوية والبيولوجية والصواريخ هما مثل حصانين يقودان عربة واحدة ويجب أن يصلا معا إلى الهدف، وما دامت اللجنة الخاصة لديها المزيد من أعمال التفتيش فهو ملتزم بانتظار إنهائها عملها ! . اللجان الاقتحامية وكان البرادعي قد عمل على توسيع صلاحيات لجان التفتيش الاقتحامية بعد موافقة العراق يوم 16/9/2002 على عودة المفتشين وصدور قرار مجلس الأمن 1441 يوم 8/11/2002 . وكان يتذرع بأنها السبيل لكسب ثقة العالم بمصداقية التفتيش. فوافق العراق على مضض، فنشر البرادعي مفتشيه في طول البلاد وعرضها ومعهم أحدث الأجهزة للكشف عن أي نشاط نووي، وبدأ بنشر نظام للمراقبة الجوية ليس له في التاريخ مثيل للكشف عن كل ما يكمن فوق الأرض أو تحتها ويشمل ست مستويات تبدأ بالأقمار الصناعية فالطائرات ثابتة الجناح عالية الارتفاع وأخرى متوسطة الارتفاع وطائرات الهليوكوبتر وتنتهي بالطائرات المسيّرة منخفضة الارتفاع. معمل حليب الأطفال ببغداد قصفته طائرات امريكية بزعم أنه مصنع أسلحة كيماوية وبعد كل هذا يصرح البرادعي لصحيفة الغارديان البريطانية يوم 31/3/2010 قائلا إن جميع تقاريره حول ما أسماه بـ (نزع أسلحة العراق) في فترة التحضير للحرب على العراق صيغت بطريقة تجعلها "محصنة ضد سوء الاستخدام من قبل الحكومات" !!. ثم يزيد في مذكراته عن احتلال العراق أن هذه اللحظة كانت أسوأ يوم في حياته، وقال "كان ينبغي علي أن أصرخ أكثر" ! لا ندري ما الذي منعه من ذلك . لماذا صرخ العالم كله ضد عملية الغزو الأمريكي البريطاني الوحشية غير المشروعة لدولة العراق المستقلة ذات السيادة والمؤسسة للحضارة الإنسانية ورائدة الحضارة العربية الإسلامية ؟ ولماذا صرخ العديد من مسؤولي الأمم المتحدة الكبار من أبرزهم اثنان من مساعدي الأمين العام للأمم المتحدة الذين استقالا احتجاجا على ظلم الأمم المتحدة للعراق، وعشرات المسؤولين الغربيين بأعلى أصواتهم مستنكرين هذا الغزو، بينما لم يستطع البرادعي الحقوقي العربي المسلم أن "يصرخ" من أجل الحق والحقيقة. 11 ألف صفحة * ذكرت أن إعلان العراق النهائي مكون من أكثر من 11 ألف صفحة. ما الذي تضمنه تقرير بهذا الحجم؟ - الإعلان النهائي الكامل والشامل الذي أعده الخبراء العراقيون المختصون ويتضمن كل شيء بشأن برامج التسليح وبجميع التفاصيل، من نقطة البداية إلى تاريخ تقديمه، ويتضمن آلاف الوثائق والمستندات. * وماذا كان ردهم عليكم؟ - كانوا يقولون إن الإعلان العراقي لم يأتِ بجديد!. ما الجديد إذا كان هذا هو الواقع؟ ماذا عسانا أن نفعل لإرضائهم غير إبلاغهم بالحقيقة بكل جوانبها التفصيلية؟ لكنهم لم يكونوا يبحثون عن الحقيقة بل عن ذرائع لإطالة الحصار الإجرامي ولتوفير المسوغات للأمريكيين والبريطانيين لمزيد من الضغوط والاعتداءات وصولا إلى الغزو . * ولماذا صبرتم على هذا التعامل المستفز من قبل لجان التفتيش؟ - لأن سيف العقوبات والحصار الذي كان مسلطا على رقبة العراق، كان رهنا بإعلان لجان التفتيش أن العراق قد أنجز ما طلب منه، وأنه لم تعد لديه أي أسلحة أو مواد أو برامج محظورة بموجب قرار مجلس الأمن 678 ( 1991) . كان من شأن هذا الإشعار أن يفتح الباب لتنفيذ الفقرة 22 من هذا القرار التي تتيح للعراق معاودة تصدير نفطه، ويفتح الباب لتنفيذ الفقرة 21 من القرار نفسه ما يؤدي إلى رفع الحصار عن العراق أو تخفيفه. وكان الألوف من العراقيين يموتون كل شهر جوعاً ومرضا نتيجة استمرار الحصار وقصفا من طائرات أمريكا وبريطانيا. فماذا عسانا أن نفعل؟ وبمناسبة الحديث عن قصف الطائرات الأمريكية والبريطانية المتكرر للعراق أذكر أن الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش أجاب الصحفيين الذين تقاطروا عليه للاستفسار عن سبب الهجوم الجوي على بغداد في أوائل عام 2001 قائلا: "هذا أمر روتيني" ! . هكذا إذن، قصف عاصمة دولة أخرى مستقلة وذات سيادة والاعتداء على سكانها الآمنين أمر روتيني في عرف رئيس الولايات المتحدة التي تحتل مقعدا دائما في مجلس الأمن المكلف بحفظ السلم والأمن الدولي. إيران لم تحاصر * لكن إيران تعرضت لما تعرضتم له ومع ذلك فوّتت الفرصة حتى لا يحدث معها مثلما حدث معكم؟ - إيران لم تتعرض أبدا لمثل ما تعرضنا له، فلم تُشن ضدها حرب شاملة كما حدث مع العراق عام 1991 ولم تضرب بآلاف الصورايخ ست مرات في فترة وقف إطلاق النار كما ضُربنا، ولم يُفرض عليها حصار خانق شامل كالذي فرض علينا، ولم تطلق عليها رصاصة واحدة، ولم تتعرض لحرب استنزاف يوميا لما يزيد على 13 سنة تعرض فيها للقصف والتدمير يوميا حيث كانت تجوب سماءه الطائرات الأمريكية والبريطانية، وتختار ما تشاء من المواقع، والأهداف لكي تضربها. نظام شاذ * وماذا عن نظام التعويضات الذي فرضه مجلس الأمن، وهل بالفعل كان وسيلة لاستنزاف ثروات العراق؟ - كانت أول إشارة لموضوع التعويض عما تسبب به التدخل العسكري العراقي في الكويت من أضرار للكويت ولأطراف ثالثة قد وردت في قرار مجلس الأمن رقم 670 (1990) الذي حمل العراق المسؤولية القانونية وفق القانون الدولي . وعاد مجلس الأمن للتذكير به في قراره 686 (1991) . وقد أعلن العراق قبوله بتحمل المسؤولية القانونية عن التعويض وفق قواعد القانون الدولية المرعية. لكن قرار 687 (1991) جاء بنظام شاذ وغريب عن الممارسات المتبعة في القانون الدولي للتعويض في مثل هذه الحالات. فمنح مجلس الأمن نفسه بموجب القرار سلطة قضائية لنظر المطالبات والفصل فيها وهي سلطة لا يستحقها ولم يفوضه بها ميثاق الأمم المتحدة، لكونها من اختصاصات محكمة العدل الدولية . فالممارسات المتبعة في القانون الدولي تقضي بالحل الرضائي بين الدولتين المعنيتين، أو في حال الخلاف أن تذهبا إلى محكمة العدل الدولية وهي الذراع القضائية الأولى للتنظيم الدولي. وهكذا كانت لجنة التعويض التي أنشأها المجلس بموجب هذا القرار وترتبط به تمارس التسييس لقضايا قانونية بحتة بهدف إيقاع المزيد من الأذى بدولة العراق وإعاقة أي جهد لإعادة إعمار ما هدمته وخربته الحرب ومنعها من التفكير بالتنمية وبالتالي المزيد من إفقار العراقيين. وهكذا كانت ممارسات لجنة التعويضات توغل في منع العراق من ممارسة حقه في الدفاع عن نفسه أمام السلطة القضائية التي تولاها المجلس دون وجه حق. فلم تكن اللجنة تمنح العراق وقتا كافيا للتهيؤ للمرافعات، ولم تكن لديه آنذاك الموارد لكي يستعين بمحامين دوليين يردون عنه ادعاءات المطالبين. وبالكاد كان يدبر سفر خبراء قانونيين عراقيين إلى نيويورك للترافع عن العراق والرد في الوقت القصير أمامهم على ألوف المطالبات الكاذبة والمثيرة للسخرية. التعويض مرتين من ضمن العدد الكبير من هذه المطالبات ومن نماذج تعمد مجلس الأمن استنزاف موارد العراق وهدرها موافقته على الحكم بتكرار التعويض في 575 مطالبة أي الدفع مرتين عن المطالبة نفسها ! . وهناك سفارة دولة أجنبية في الكويت تخلصت من معدات عسكرية كانت تحتفظ بها فطالبت العراق بالتعويض، وسفير دولة أرسل أسرته لقضاء إجازة في أستراليا طيلة فترة الأزمة وطالبت دولته العراق أيضا بتحمل نفقات الإجازة الطويلة، وسفارات دول بعينها في بعض دول المنطقة وفي الأرض المحتلة طالبت العراق بتعويضها عما أنفقته في فترة الأزمة. والنماذج كثيرة على استنزاف موارد العراق . ومنها أن مجلس الأمن حكم للجنة الوطنية الكويتية للمفقودين بأكثر مما طلبته خلافا للمبادئ القانونية المتعارف عليها. حيث طالبت دولة الكويت بصرف مبلغ (, 452, 768 58 (دولار فحكم لها مجلس الأمن بـ(153, 462, 000) دولار أي أكثر من ضعف ونصف المبلغ الذي طلبته الجهة المدعية وهذه مخالفة صريحة للمبادئ القانونية فالمدعي هو من يقدر ضرره ومن يحدد المبلغ الذي يطلبه للتعويض عن هذا الضرر. بذخ * تكلمت وسائل إعلام آنذاك عن نجل كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة وقالت إنه تلقى رشاوى في برنامج "النفط مقابل الغذاء" .. هل تحدثنا عن هذا الأمر؟ - ليس لدينا معلومات عن هذا الأمر غير ما نشر ولذلك لا يمكن أن نجزم فيه، لأن الأمور الإدارية والمالية للبرنامج لم تكن تحت تصرفنا، بل تحت إدارة الأمانة العامة للأمم المتحدة. ولكن كما قلت سابقا فإن موظفي أجهزة الأمم المتحدة في العراق وتلك المعنية بالعراق، كانوا يأخذون اللقمة من أفواه العراقيين، فيبذخون ويهدرون الأموال التي كانت تقتطع من موارد العراق وتُعطى لجيوش جرارة منهم . كانوا يعتبرون وجودهم في العراق "إجازة" للمتعة والرفاهية، ويحصلون على رواتب ضخمة . وقد كانت هذه اللجان ترفض مطالباتنا المستمرة بتشغيل العراقيين في أعمال مكاتب الأمم المتحدة في العراق خصوصا أن العراق مليء بالكفاءات . وكانوا يأتون بموظفي هذه اللجان والوكالات من خارج العراق، وكل ذلك طبعا من أموال الشعب العراقي الخاضع للحصار. معركة دبلوماسية * لكن كيف أدارت وزارة الخارجية العراقية هذه المعركة الدبلوماسية في مجلس الأمن وكيف سحبت البساط من تحت كولن بول لتضطر في النهاية واشنطن إلى خوض الحرب على العراق دون غطاء دولي وبالخروج على الشرعية الدولية؟ وكيف نجحت الدبلوماسية العراقية في نقل المعركة إلى نيويورك وإلى مجلس الأمن وكيف نجحت في تسديد ضربات دبلوماسية استباقية للمخطط الأمريكي؟ هذا ما سيجيب عنه معالي الدكتور ناجي صبري الحديثي في الحلقة القادمة غداً إن شاء الله.

1786

| 04 أبريل 2016

تقارير وحوارات alsharq
حوار الشرق الوثائقي مع ناجي صبري: مليون و720 ألف عراقي قتلوا تحت الحصار (2)

مليون و720 ألف عراقي توفوا تحت الحصار من 91 حتى 2003 قذائف ألقت 3 آلاف طن من اليورانيوم المنضب تسببت في سرطنة أجيال من العراقيين التأثيرات الإشعاعية لقذائف اليوراينوم ارتدت على الجنود الأمريكان فيما يعرف بـ"متلازمة حرب الخليج" تعاون العراق مع المفتشين كان بنسبة 97% لكنها لم ترق لواشنطن فأطلقت "ثعلب الصحراء" مجلس الأمن اتخذ تدابير تعسفية انتقامية بالقرار 687 كشرط لاستمرار وقف النار 39 مليار دولار عائدات "النفط مقابل الغذاء" لم يحصل العراق منها إلا على 9،9 مليار واشنطن اعترفت علناً بأن فرق التفتيش كان يقودها ويشارك فيها جواسيس أمريكيون وبريطانيون حصول العراق على اليورانيوم من النيجر كذبة مفضوحة لا يصدقها طفل روجتها المخابرات الأمريكية بتلر كان يرفع تقاريره عن نتائج التفتيش للبيت الأبيض وليس لمجلس الأمن العراقيون قاموا الحصار بإرادة حديدية وجهود جبارة وأعادوا ما تهدم في حرب 91 الحصول على اليورانيوم من النيجر كذبة روجتها أمريكا وبريطانيا اعتماداً على وثيقة مزورة أمريكا وبريطانيا نفذتا عملية واسعة لإنهاك العراق عبر عدة مسارات تخريبية خانقة اتفقنا مع الأمم المتحدة على آلية لتفتيش المكاتب والقصور الرئاسية لكن أفسدتها المخابرات الأمريكية شرفاء أمميون — غير عرب — عارضوا نهج المفتشين وتعسف بلكس والبرادعي لجنة العقوبات منعت على العراق استيراد القلم الرصاص بحجة إمكانية إذابته وتحويله سلاحاً "النفط مقابل الغذاء" كان هدراً لأموال العراق وإبادة جماعية للشعب باعتراف مدير البرنامج استقطاعات الجهات غير العراقية أضعاف ما حصل عليه العراق من النفط مقابل الغذاء أدار الحوار: جابر الحرمي أعده للنشر: طه حسين — عبدالحميد قطب لم يكن سقوط بغداد واحتلالها في 9/4/2003 يوماً عادياً للأمة العربية، فهي أول عاصمة عربية يتم احتلالها مجدداً في القرن الواحد والعشرين. وما يحدث اليوم في الواقع العربي من تداعيات إقليمية، ومشاريع متعددة تتنافس للاستحواذ على حصص من أرضنا العربية في غياب أي مشروع عربي وتفكك للمنظومة العربية.. ما هي إلا نتاج التحول الذي حدث بسقوط بغداد. لكن هذا السقوط أو الاحتلال لم يأت فجأة، إنما جاء نتيجة خطأ تاريخي واستراتيجي ارتكبته القيادة العراقية في 2/8/1990 بإقدامها على جريمة غزو دولة الكويت الشقيقة، واستباحة سيادتها، والذي مثل ضربة لمنظومة العمل العربي، وأوجد فرصة سانحة لتدخل قوى أجنبية بالمنطقة، ومن ثم تدمير دولة بحجم العراق، ليسهل فيما بعد احتلالها، وهو ما حصل بعد سنوات من الحصار، فكان أن سقطت بغداد في أبرايل 2003. هناك الكثير الذي قيل وكتب عن الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت الشقيقة، وهناك الكثير أيضا الذي قيل وكتب عن فترة الحصار، التي امتدت منذ 1991 إلى يوم سقوط بغداد في 2003، ولكن من المؤكد أن من عاصر وعايش مرحلة غزو الكويت وسقوط بغداد، مرورا بفترة الحصار وتداعياتها وما تعرض له العراق من قصف متجدد، وهجمات تدميرية لأكثر من خمس مرات..، لديه ما يقوله. الدكتور ناجي صبري الحديثي، آخر وزير خارجية للعراق في عهد الرئيس صدام حسين هو شاهد على مرحلة مفصلية عاشها العراق. لم يأت د.ناجي صبري الحديثي فجأة إلى وزارة الخارجية، أو ينزل إليها بـ " الباراشوت"، بل شغل العديد من المناصب الإعلامية والثقافية والسياسية، فقبل أن يتولى منصب وزير الخارجية في 2001، كان وزير الدولة للشؤون الخارجية، وقبلها كان مديراً للإعلام الخارجي ووكيلا لوزارة الثقافة والإعلام ومستشارا في ديوان رئاسة الجمهورية وسفيرا في وزارة الخارجية، وبالتالي كان حاضرا في المشهد العراقي بكل تفاصيله الدقيقة. "الشرق" استضافت د.ناجي صبري الحديثي عبر سلسلة من الحوارات الوثائقية لأصعب مرحلة يعيشها العراق في تاريخه، والتي تمتد لنحو 22 عاما، 12 عاما فترة الحصار، وهي الممتدة من 1991 إلى 2003، ثم مرحلة الاحتلال من 2003 إلى 2013. حوارات وثقت لأول مرة عبر شخصية عراقية مسؤولة، قرار غزو دولة الكويت وما تلا ذلك.. وفترة الحصار وتداعياتها.. وقرارات مجلس الأمن.. ولجان التفتيش والأدوار التي لعبتها.. ووكالة الطاقة الذرية ودورها في غزو العراق.. والمحيط العربي وعلاقاته مع العراق.. وكيف بدأت إطلالة العراق على محيطه الخليجي، ومن هي الدولة التي كانت المحطة الأولى للانفتاح على الخليج والعالم العربي.. وأبرز المحطات في الاجتماعات الوزارية العربية.. واجتماعات مجلس الأمن.. ثم قرار الغزو الذي اتخذته أميركا وتبعتها بريطانيا دون غطاء أممي.. وصولا إلى سقوط بغداد..واختفاء الجيش العراقي.. ثم بدء المقاومة وكيف تشكلت.. وفي كل هذه المراحل ماذا كان موقف الرئيس صدام حسين.. وهل هرب بسقوط بغداد أم لعب أدوارا في مقاومة الاحتلال الأميركي. فصول متعددة نتناولها في سلسلة حلقات تنشرها "الشرق" على لسان د.ناجي صبري الحديثي آخر وزير خارجية للعراق في عهد صدام حسين. الحرب قائمة *بعد مارس 1991 وإخماد التمرد، لماذا استمرت وتيرة استهداف العراق؟ ** كان العراق قد أعلن رغبته في سحب قواته من الكويت يوم 15 /2/1991 بشروط، ثم تخلى عنها في يوم 21 شباط / فبراير، وفي يوم 27 أعلن عن سحبها من الكويت. وأثناء انسحاب القوات العراقية هاجمتها الطائرات الأمريكية والبريطانية وقتلت المئات من المدنيين والعسكريين ودمرت العربات والأعتدة. والذين استطاعوا الوصول إلى الأراضي العراقية تولى إرهابيو حرس الثورة الإيرانية مهاجتهم في جنوب العراق. وألقى الرئيس الأميركي جورج بوش خطابا يوم وقف إطلاق النار 28/ 2/ 1991 حدد فيه شروطا على العراق وصدر قرار مجلس الأمن رقم 686 يوم 2/3/1991، متضمنا هذه الشروط، متجاهلا انسحاب العراق من الكويت وموافقة العراق على قرارات مجلس الأمن. وبينما باشر العراق فورا بتنفيذ ما طلب منه في القرار، جمد مجلس الأمن حالة الحرب مؤقتا، لكنه أبقاها قائمة، وكان يبيت النية لإصدار قرار جديد خطير يكبل العراق ويكون بمثابة معاهدة استسلام يفرضها المنتصر الأميركي على دولة العراق التي خسرت الحرب. وصدر هذا القرار بالرقم 687 يوم 3/ 4/ 1991، وهو قرار خطير ينتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في عدة أوجه. وهو أطول قرار في تاريخ مجلس الأمن ويتألف من ديباجة من 26 فقرة تليها 33 فقرة عاملة. طلب القرار الذي صدر تحت الفصل السابع من الميثاق العراق لتدمير ما ادعى مجلس الأمن وجوده من أسلحة دمار شامل وصواريخ يزيد مداها على 150 كيلومترا، وهي أسلحة تقليدية، لكنها شملت بالتدمير من أجل إسرائيل ولإضعاف قدرات العراق العسكرية التقليدية في مواجهة الخطرين الإسرائيلي والإيراني. وأن يجري هذا التدمير تحت إشراف لجنة تفتيش خاصة شكلها وربطها به وأعطاها صلاحيات مطلقة تتجاوز على سيادة العراق واستقلاله. وجعل رضى هذه اللجنة بما يدمره العراق وبما ينفذه من مهمات في إطار تفويضها الخاص بأسلحة العراق شرطا وحيدا لاعتراف مجلس الأمن بأي إجراءات ذات صلة يتخذها العراق. تدابير انتقامية وتضمن هذا القرار الذي يعد وثيقة تاريخية لا سابق لها في الأمم المتحدة، إجراءات تعسفية أخرى مثل فرض تخطيط الحدود بين العراق والكويت، خلافا للممارسات المتبعة في القانون الدولي وفرض نظام ومنظومة لنظر مطالبات التعويض عما تسبب به التدخل العسكري العراقي في الكويت من أضرار للمؤسسات الكويتية ولأطراف ثالثة، حيث منح نفسه سلطة قضائية لنظر المطالبات لا يمتلكها ولا يفوضه إياها الميثاق، وبالتالي فرض التسييس على قضية قانونية بما يلحق المزيد من الضرر بالعراق. ثم قام المجلس بتغيير الهدف من فرض العقوبات أو الجزاءات على العراق بموجب قراره 661 في 6/8/1990، مما دفع العراق للقبول بتنفيذ الفقرة الثانية من قراره 660 في 2/8/ 1990، وهي الانسحاب بدون قيد أوشرط من الكويت إلى هدف جديد هو تنفيذ الشرط الجديد، وهو التخلص مما أسماه أسلحة الدمار الشامل والصواريخ التي يزيد مداها عن 150 كيلومترا وجميع ما يتصل بها من معدات ومخزونات، وذلك بعد أن أوفى العراق بالتزاماته بموجب القرار المذكور وسحب قواته من الكويت في يوم 27/2/1991. وجعل رفع الحصار أو تخفيفه والسماح للعراق بتصدير نفطه رهنا بموافقة المفتشين أولا ومجلس الأمن ثانيا بإجراءات العراق للتخلص من الأسلحة أو المواد المحظورة. وجعل مجلس الأمن قبول العراق بجميع ما فرضه في القرار من إجراءات وتدابير تعسفية انتقامية لا إنسانية ولا قانونية شرطا لاستمرار وقف إطلاق النار. وبخلاف ذلك، أعلن القرار في الفقرة 33 بكل وضوح أن الحرب المدمرة ستستأنف. وكانت آلاف المنشآت معطلة وكل الحياة المدنية خربت والجروح تنتشر في كل الجسد العراقي الذي لم تجف دماؤه بعد. فلم يكن أمام العراق إلا القبول بهذا القرار على مضض لدفع ما هو أعظم، أي استئناف الحرب التدميرية من جديد. ورغم أن الحصار كان شاملا وقاسيا والخراب والتدمير واسعين ومنتشرين في كل مكان، إلا أن الدولة العراقية لم تستسلم. فأعاد العراقيون بناء كل ما تهدم في حرب 1991 من منشآت ومرافق حيوية أساسية، مثل الكهرباء ومصافي المياه والنفط والكليات والمدارس ومراكز الاتصالات وطرق المواصلات والجسور في 6 أشهر بعملية واسعة لإعادة بناء ما هدمته القوات المعتدية في الحرب، وكانت العملية عراقية خالصة خبرة وكوادرَ وأجهزة. وقد سعى العراق لتنفيذ قرار مجلس الأمن 687 الملزم، واجتهدت الجهات المشرفة على التصنيع العسكري للبدء ببعض الإجراءات لتنفيذه قبل وصول مفتشي الأسلحة الدوليين بهدف التخفيف من أعباء التفتيش واختصار الوقت المطلوب للوصول إلى مرحلة رفع الحصار اللاإنساني الخانق على سكان العراق. وخلافا لما نص عليه القرار بأن يكون التخلص من الأسلحة والبرامج المحظورة تحت إشراف المفتشين، قامت هذه الجهات العراقية بتدمير الصواريخ بعيدة المدى التي يزيد مداها على 150 كيلومترا وبعض حلقات البرامج التسليحية غير المكتملة. فاعتبر المفتشون ذلك مخالفة لقرار مجلس الأمن وعملا متعمدا من العراق لإخفاء حقيقة برامجه التسليحية، مما زادهم تعنتا وقدم لهم وللأجهزة الأميركية والبريطانية الساندة لهم ذرائع إضافية لإطالة آماد التفتيش. إنهاك العراق وقد نفذت الولايات المتحدة وبريطانيا عملية واسعة لإنهاك العراق وإضعافه بعد حرب 1991 عبر عدة مسارات، فإضافة إلى استمرار الحصار الخانق، بدأ المفتشون، بناء على توجيهات الدوائر الرسمية في الولايات المتحدة وبريطانيا، بعملية تخريب جديدة لضرب المراكز العلمية والصناعية العراقية. ورغم أن الحرب الثلاثينية توقفت في 28 شباط / فبراير عام 1991، إلا أن طائرات أميركا وحليفاتها بدأت منذ اليوم الأول من آذار/ مارس تخترق الأجواء العراقية في حرب استنزاف واسعة استمرت حتى يوم الغزو عام 2003. كان العراق دولة قوية وذات قيادة قوية، فصمم العراقيون على مقاومة هذا المخطط بإرادة حديدية وجهود جبارة. وحرصت الدولة أولا على تأمين سلة غذاء كافية، ولو بالحد الأدنى، لمنع حدوث مجاعة. وأبدع في هذا المجال الدكتور محمد مهدي صالح وزير التجارة الذي وضع نظاما دقيقا عادلا وشاملا لتوزيع وإيصال الحصص التموينية لكل عراقي ولكل مقيم في العراق، حيثما كان في البلاد. وقد كافأه المحتلون باعتقاله بدون أي تهمة أو محاكمة لمدة تسع سنوات. واستطاعت الأجهزة الأمنية أن تفرض الأمن والنظام وتوفر الأمان للناس، كما تمكنت دوائر الدولة من التكيف مع الوضع الجديد وتسيير أمور الناس رغم كل المصاعب الناجمة عن الحصار وضغوط حرب الاستنزاف الأميركية البريطانية. أجندة فرق التفتيش *ماذا عن لجان التفتيش وما كانت تحمله من أجندة لوضع العراق تحت الوصاية؟ ** بدأت فرق التفتيش تدمر المنشآت العراقية العلمية والصناعية المتصلة ببرامج التسليح، وتلك التي لا تتصل مباشرة بهذه البرامج. فبعد أن دمرت فرق التفتيش جميع الأسلحة الكيماوية التي سبق أن أعلن عنها العراق قبل حرب 1991، وأنهت برنامجه النووي بنقل بضع جرامات من البلوتونيوم، كان علماء العراق تمكنوا من تخصيبها، إلى خارج العراق وتدمير كل المنشآت ذات الصلة، وبعد تسلمهم أطنانا من الوثائق عن البرامج العراقية، انتقلت هذه الفرق إلى المطالبة عام 1996 بتفتيش المواقع الأمنية والعسكرية، ومنها انتقلت إلى المطالبة بتفتيش مكاتب الرئاسة وقصور الضيافة الرئاسية في النصف الثاني من عام 1977. ولم تُسوَّ الأزمةُ إلا بعد زيارة قام بها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لبغداد في شباط/ فبراير 1998 وعقده اتفاقا مع الجهات العراقية على آلية معينة لترتيب زيارة المفتشين لمكاتب الرئاسة وقصور الضيافة الرئاسية. هكذا كانت الأزمات وحالات التوتر الشديدة تكتنفان علاقة المفتشين مع الجهات العراقية نتيجة تنكر مفتشي ومسؤولي لجنة التفتيش الخاصة والوكالة الدولية للطاقة الذرية لحقيقة تعاون العراق وتنفيذه الكامل لكل ما فرضته قرارات مجلس الأمن التعسفية وتعمدهم اختلاق الأزمات والتجسس على أمن العراق وعلى تحركات رئيس الدولة واستفزاز العراقيين جهاتٍ رسميةً ومواطنين. كان عدد كبير من فرق التفتيش يقودها أو يشارك فيها جواسيس اميركيون وبريطانيون، مثل ديفد كاي رئيس فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورجرد دولفر نائب رئيس اللجنة الخاصة للمفتشين وغيرهما. وكان العراق يشخصهم ويعلن على الملأ شكوكه في هوياتهم. واعترفت الادارة الأميركية بعد الاحتلال الاميركي بذلك علنا، وقالت ان هذين المسؤولين الكبيرين عضوان في المخابرات الأميركية. واستمرت هذه الحالة حتى منتصف كانون أول/ ديسمبر عام 1998 حينما سحب الاسترالي رجرد بتلر رئيس اللجنة الخاصة فرق التفتيش من العراق. ورفع رسالة، ليس لمجلس الأمن مرجعه الرسمي، بل للبيت الأبيض مرجعه الحقيقي، شكى فيها من عدم تعاون العراق وانتهاكه قرارات مجلس الأمن وتهديده السلم والأمن الدوليين، وذلك بعد أن اجرت 300 عملية تفتيش لمنشآت عراقية وجرت كلها بدون أي مشكلة، باستثناء 5 عمليات تفتيش لم ترق للمفتشين. أي ان نسبة التعاون كانت أكثر من 97 بالمائة ونسبة عدم التعاون كانت 2 ونصف بالمائة فقط، لو افترضنا ان شكواهم في الخمس عمليات كانت حقيقية وليست مفتعلة! وكانت تلك الرسالة ذريعة قدمتها لجنة التفتيش للادارة الاميركية لتشن هي وحليفتها بريطانيا، بعد خروج المفتشين، ببضعة أيام عدوانا جويا وصاروخيا على بغداد يوم 18 كانون أول / ديسمبر استمر 3 أيام وأطلقتا فيه أكثر من 300 صاروخ كروز على العاصمة العراقية لمعاقبته على (عدم التعاون)! وأطلقتا على هذه العملية تسمية (ثعلب الصحراء). تحريض علني وبعد العدوان قرر العراق عدم السماح بعودة المفتشين بعد ان وصل السيل الزبى في ممارساتهم المصممة لإلحاق أشد اشكال الضرر بشعب العراق، وآخرها تحريضهم علنا الادارة الاميركية للعدوان على بغداد وانسحابهم لفسح المجال لهذا العدوان الوحشي. وحينما كانت فرق التفتيش تصل إلى نقطة الصفر في تفتيشها وبحثها عن مواد محظورة وتضطر لقول الحقيقة ومفادها عدم العثور على مثل هذه المواد كانت تعمد إلى ابقاء الأبواب مفتوحة أمام الشك بنوايا العراق وباحتمال اخفاء المواد المحظورة بالقول: "لم نجد شيئا لكننا لا نستطيع ان نقول انه لم يبق شيء محظور في العراق ونحتاج وقتا اطول وتعاونا اكثر من العراق لكي نصل إلى استنتاج نهائي بتنفيذ مهمات نزع أسلحة العراق"! وهذا المنطق الأعوج هو ما يسمح للولايات المتحدة وبريطانيا للتذرع به لمواصلة خنق العراقيين بالحصار ومواصلة الاعتداءات الحربية عليهم. كذبة مفضوحة * كيف كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيفا مسلطا على العراق في تلك الفترة رغم أن من يرأسها كان عربيا أي البرادعي؟ ** البرنامج النووي كان أول برنامج يصل إلى نقطة الصفر، ففي وقت مبكر من عام 1992 أعلن العالم الايطالي زفريرو ان البرنامج النووي العراقي قد انتهى تماما ولم يعد فيه شيء ذو قيمة. لكن ادارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية استمرت في عهد هانز بليكس ومن بعده محمد البرادعي في انكار هذه الحقيقة بما يبقي الباب مفتوحا امام الولايات المتحدة وبريطانيا لإبقاء الحصار الظالم على شعب العراق ولاستمرار الاعتداءات اليومية على الأراضي العراقية. وكان سلوك البرادعي في ذلك الاتجاه متناغما مع الموقف الاميركي. فقد بقيت الوكالة في عهده تحقق وتسوف وتلوك في كذبتي استيراد العراق انابيب للتخصيب ويورانيوم من النيجر المفضوحتين رغم اتضاح التزوير في كليهما. * من كان خلف هذه الكذبة؟ ** المخابرات الاميركية دبرتها من خلال عميل لها في ايطاليا. وكانت الوثيقة التي استندت إليها مزورة بطريقة بدائية تدلل على ان المزور الذي أعدها من الهواة المبتدئين وليس محترفا، وكانت معدة على عجل لاختلاق ذريعة تستخدمها الولايات المتحدة وبريطانيا في حملتهما لحشد التأييد لمشروعهما بغزو العراق واحتلاله. وقد بقيت الوكالة الدولية تتابع الجهات العراقية بالتحقيق والاستجواب حتى استغرق التحقيق عدة أشهر والناس تموت بفعل الحصار، وكل تأخير في البت بهذه الاكاذيب وتجاوزها يكون على حساب مئات الارواح من العراقيين. وقد بلغ عدد العراقيين الذين توفوا بسبب الامراض الفتاكة الناتجة عن الحصار حتى نهاية كانون الثاني/ يناير 2003 حسب احصائية وزارة الصحة مليونا و720 الفا. فكان كل تأخير يعني مزيدا من الوفيات. شرفاء أمميون * ألم تقدموا على التواصل المباشر مع البرادعي خاصة أنه مسؤول عربي؟ * لم يكن هذا الشخص يتصرف معنا تصرفا يختلف عن تصرف هانز بلكس او أي مسؤول آخر في لجان التفتيش. وكلهم بالطبع كانوا ينفذون الأجندة الاميركية. بينما كان هناك عدد من المنصفين من بين المسؤولين الأممين (ولم يكونوا عربا ولا مسلمين) الذين انتقدوا بكل ضراوة الممارسات التعسفية لمجلس الأمن ازاء العراق ثم استقالوا احتجاجا على هذا الظلم مثل الايرلندي دينيس هاليداي والالماني هانز فون سبونيك وكلاهما كان بمنصب مساعد الامين العام للأمم المتحدة لشؤون ما سمي بالبرنامج الانساني في العراق. كما استقالت لسبب مماثل ايضا الالمانية غوتهارت مسؤولة برنامج منظمة الغذاء الدولي في العراق. * هل نجحت المخابرات في اختراق المجتمع العراقي في تلك الفترة؟ ** لم يستطيعوا ان يجدوا لهم موطئ قدم في الدولة العراقية. وكان الرفض شاملا، والحقيقة اننا كنا نعاني من شدة المزاج الشعبي الرافض لأي تعامل مع الامم المتحدة بسبب تصرفات لجان التفتيش التي أدت إلى تفاقم الضرر الناتج عن اجراءات الحصار فضلا عن استفزازاتهم لمشاعر العراقيين وتعمدهم خدمة خطط العدوان العسكري على العراق. وكانت هذه الحالة تنعكس حتى على سلوك الرسميين وعلى أعضاء القيادة الذين هم من أبناء الشعب ويحسوا بما يحس به ويعانون مما يعاني منه. لجنة 661 * عودة لبرنامج النفط مقابل الغذاء كم حجم الفساد الذي رصدتموه في البرنامج؟ ** البرنامج الذي سمي بالبرنامج الانساني لم يكن انسانيا تجاه شعب العراق وإنما انساني من حيث توفيره مبالغ طائلة من العراق لتمويل الأمم المتحدة. كان العراق يستورد مايحتاجه عن طريق لجنة 661 التي شكلت وفق قرار 661 الذي فرض مجلس الأمن بموجبه الحصار اللاانساني على العراق. واللجنة تضم اعضاء مجلس الأمن. كان العراق يحدد البضاعة المسموح بشرائها ومنشأها ويقدم طلبا لهذه اللجنة. فاذا وافقت تطلب من بنك فرنسي في اميركا تودع فيه عائدات العراق من بيعه النفط ان يدفع للجهة المصدرة. وفي حالة رفض أي عضو او شكه في البضاعة واستخدامها تلغ العملية او تعلق. وكان المندوبان الاميركي والبريطاني تعمدان تأخير الموافقة على الطلبات ويعلقان عددا كبيرا من طلبات العراق تحت ذرائع سخيفة شتى. أي ان عملية توريد المواد الانسانية في الرنامج المسمى بالانساني تخضع لأهواء وسياسة أعضاء لجنة 661 وخصوصا مندوبي اميركا وبريطانيا وبعض حلفائهما. وكانت بعثات اجهزة الامم المتحدة في العراق او المتصلة بالقضية العراقية تعيش على حساب العراق وتمول كل مصروفاتها من اموال الشعب العراقي. وكانت تبذخ وتشغل افواجا من الموظفين وتستبدل الاجهزة الحديثة بأخرى تستغني عنها باعادتها إلى الخارج. وكنا نقول لمسؤولي الأمم المتحدة هل هذا برنامج انساني لصالح العراق أو لصالح الأمم المتحدة وموظفيها؟ * كم كان يستفيد منه العراق؟ ** تشير الاحصائيات إلى أن عائدات تصدير النفط العراقي بموجب برنامج النفط مقابل الغذاء من أواسط عام 1996 حتى 14 شباط / فبراير عام 2001 كانت اكثر من 39 مليار دولار حصل منها العراق على بضائع وتجهيزات بلغت 9،9 مليار دولار واقتطعت الامم المتحدة نحو 13 مليارا ومبالغ للتعويضات، واحتجز مبلغ 11،4 مليار لدى البنك الفرنسي قيمة عقود معلقة بقرارات من لجنة 661. ووصل تعسف هذه اللجنة حدا انها منعت توريد أقلام الرصاص للمدارس العراقية انه يمكن للعراقيين ان يستخرجوا منه الرصاص ويذيبوه ويستخدموه في صناعة الاسلحة. كما منعت توريد سيارات اسعاف للمستشفيات العراقية بحجة انها يمكن ان تتحول إلى سيارات عسكرية. وهكذا كانوا يبررون منع البضائع المدنية بحجة الاستخدام المزدوج. سرطنة المواطن * تكلمت عن استهداف العراق كدولة.. هل لك أن تطلعنا كيف كان يستهدف المواطن العراقي في ظل تقارير تتحدث عن تعمد سرطنته ومنع الأدوية عنه خلال برنامج النفط مقابل الغذاء؟ ** أولا في حرب عام 1991، ضربوا الأراضي العراقية بـ 88 ألف طن من المتفجرات، بما يعادل 7 قنابل نووية من التي ضربت بها الولايات المتحدة هيروشيما وناغازاكي في اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية. ومن هذه الكمية 3 آلاف طن من قذائف اليورانيوم المنضب التي تستخدم في اختراق الآليات المدرعة والحصون. وحينما ترتطم قذيفة "اليورانيوم المنضب" بالهدف ينطلق منها غبار "سُمي" وإشعاع خطير ملوث للبيئة. وهذا ما تسبب في انتشار الاصابة بالسرطان والتشوهات الخلقية والوفيات خصوصا في جنوب العراق. الأمريكيون والبريطانيون من جانبهم ينفون حتى الآن الضرر البالغ الذي لحق بصحة الإنسان العراقي بسبب هذه القذائف، برغم ان التأثيرات السمية والاشعاعية لهذه القذائف قد ارتدت على جنودهم، الذين شاركوا في عمليات على الأرض، واصيبوا بأمراض مهلكة سميت فيما بعد بـ "متلازمة حرب الخليج". كما كشفت دراسة أعدها باحث أمريكي أن وكالة الدفاع التابعة لوزارة الدفاع الأميركية كانت تجري بحوثا ميدانية في العراق بين حين وآخر لكي تتبين حجم الضرر الذي أصاب صحة العراقيين نتيجة تعمدها تدمير مراكز تصفية وإسالة مياه الشرب ومنعها العراق من توريد المواد الكيماوية اللازمة لتعقيم وتطهير مياه الشرب. وهذا يبين انهم كانوا يقصدون تخريب الصحة العامة للشعب العراقي. كر وفر * هل كانت لجان التفتيش هي الحجة الحقيقية لغزو العراق أو أن هناك توجها من قبل القيادة الأميركية لغزو العراق حتى لو تعاونتم مع اللجان؟ ** كان هناك كر وفر بين السلطات العراقية ولجان التفتيش. فالعراق يحاول ان يضغط على مجلس الأمن لتعديل مسار التفتيش باتجاه انصافه والتجاوب مع تعاونه الواسع من أجل رفع أو تخفيف الحصار المرتبط بنتائج التفتيش، وذلك من خلال تعليق اعمال لجان التفتيش أحيانا ردا على ايغالها بإيذاء العراق واستفزازها للعراقيين. ثم تتدخل جهات خارجية للوساطة، مثل الحكومة الروسية، كما حصل في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2002، لكي تعود لجان التفتيش إلى عملها. ووصلت هذه المسألة ذروتها في أواسط شهر كانون أول/ديسمبر عام 1998، حينما سحب ريجرد بتلر رئيس لجنة "اونسكوم" الخاصة للتفتيش جميع مفتشيه من العراق، وبعث برسالة إلى الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وليس إلى مجلس الأمن الذي هو مرجعيته، أبلغه فيها ان "العراق لا يتعاون مع لجان التفتيش وانه ينتهك قرارات مجلس الأمن ويتحدى المجتمع الدولي" ...الخ من هذه الاسطوانة. وحذا حذوه محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية فورا، فسحب ايضا مفتشي الوكالة. وكان ذلك إيذانا بهجوم وشيك على العراق. وبالفعل افسح بتلر والبرادعي بهذا الاجراء المجال للولايات المتحدة وبريطانيا لكي تنفذا عدوانا جويا وصاروخيا على بغداد دام 3 أيام واطلقتا فيه أكثر من 300 صاروخ "كروز" وعددا كبيرا من القذائف. وهو الهجوم الخامس على العراق منذ وقف اطلاق النار عام 1991، واطلقتا عليه تسمية عملية "ثعلب الصحراء". تواطؤ على المكشوف وهنا كان واضحا تواطؤ البرادعي وريجرد بتلر على المكشوف مع مخطط الحرب الأميركية على شعب العراق، فكان سلوكهما بعيدا عن نصوص قرارات مجلس الأمن، رغم كل ما انطوت عليه من تعسف، وبعيدا عن ولاية الوكالتين بموجب قراراته. وهذا ما دفع العراق بعدها لرفض عودة المفتشين، على اعتبار انهم ألحقوا ضررا بالغا بالعراق وتعمدوا التنسيق مع هاتين الدولتين في اعتداءاتهما على شعبنا. فالعراق لم يطردهم، كما ادعت بعض الوسائل المقربة من واشنطن ولندن. وقد أحدث خروج المفتشين ضجة في الامم المتحدة، وتعالت الانتقادات خصوصا للمنهج الذي اتبعه بتلر، وانصياعه الكامل للولايات المتحدة، وهو ما لم يكن يخفيه هو وزملاؤه من مسؤولي لجان التفتيش في ما يدلون به من تصريحات سياسية، مثل "نحن لن نوقف التفتيش إلا بعد سقوط صدام" وايضا "صدام يهدد العالم" وهذه تصريحات لا تجيزها مهامهم ولا ولايتهم الفنية البحتة. ولكن كان واضحا ان هناك تنسيقا كاملا بينهم وبين الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية. وعلى ضوء ذلك شكلت الأمم المتحدة لجنة برئاسة السفير البرازيلي أموريم (الذي أصبح وزيرا للخارجية فيما بعد) للنظر في كل ملف التفتيش وبرنامج النفط مقابل الغذاء وقضية الحصار. ولم تعد مسألة قيام لجان التفتيش بتجاوز ولايتها وممارسة التجسس على العراق تقتصر على اتهامات العراق، بل بات يتحدث بها الكثير من المسؤولين في الأمم المتحدة. فاضطر مجلس الأمن لإقالة بتلر وتعيين هانز بليكس وتغيير اسم اللجنة الخاصة إلى انموفيك "هيئة الامم المتحدة للرصد والتحقيق والتفتيش". وواضح ان التغيير كان شكليا لامتصاص موجة النقد والفضائح التي تورط فيها بتلر وسابقه رولف ايكيوس ولجان التفتيش. كان ينبغي لمجلس الأمن ان يأخذ بالاعتبار نتائج مراجعة لجنة أموريم ووجهات نظر اطراف دولية أخرى تبينت بوضوح تجاوز لجان التفتيش ولايتها وتجاوزها الصارخ على سيادة العراق وأمنه وتعنتها وتنكرها لتعاون العراق وتضحياته في تنفيذ القرارات الدولية. لكن مجلس الأمن تجاهل كل ذلك وأصدر القرار رقم 1284 في 17 /12/ 1999، الذي قلص من الفرص القليلة المتاحة للعراق في التخلص من الحصار في القرار السيء الصيت قرار 687 لعام 1991، مما جعل العراق يرفض عودة المفتشين، خصوصا في ظل ازدياد المزاج الشعبي الرافض لعودة المفتشين، بعدما تبين للجميع ان هدف عملية التفتيش إطالة أمد الحصار وايقاع المزيد من الأذى بشعب العراق. وهذا المزاج انعكس ايضا على الرسميين ومنهم في قيادة الدولة. وكان هذا الجو سائدا، حين توليت الوزارة في أواسط عام 2001، وبدأت بمعالجة هذه المسألة تدريجيا، والنظر في عودة المفتشين، وأفسحت المجال للتواصل مع إدارة الوكالتين، ودعوتهم لزيارة العراق، واتخذنا إجراءات كثيرة في تسهيل لجان الأمم المتحدة، ومتابعتها بدقة وعزم، والابتعاد عن المنهج التصادمي الذي كان يطالب به المزاج الشعبي.

2898

| 03 أبريل 2016