رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

3986

مسجد "الرشيد"بكندا.. الحلم الذي تحول إلى حقيقة

02 يوليو 2016 , 12:26م
alsharq
ألبرتا — خالد سلامة

د. سلامة: مركز إشعاع حضاري وإسلامي يقدم مختلف الخدمات الشرعية

حلوة حمدون من مهاجرة عربية مسلمة أدت عزيمتها لتأسيس أعرق المراكز الإسلامية بالمهجر

عمدة مدينة "إدمونتون" قرر منح الأرض للمسجد برغم اختلاف العقيدة والظروف

الكساد العظيم لم يكن حائلا أمام توفير الموارد المالية اللازمة لبناء المسجد

تجار "جاسبر أفينيو" من غير المسلمين كان لهم الفضل في توفير الأموال اللازمة للبناء

في الوقت الذي يرفع فيه الأذان وتقام فيه التراويح في مسجد الرشيد بمدينة إدمونتون بمقاطعة ألبرتا، يتذكر المسلمون والمصلون جيدا قصة هذا المسجد الفريد من نوعه الذي شهد خلال فترة قياسية أحداثا يذكرها التاريخ جيدا عندما يتحدث المؤرخون عن "المحمديين" وهو الاسم الذي أطلقه الكنديون الأوائل على المسلمين السنة المهاجرين من الدول العربية بالشرق الأوسط وبعض الدول الأخرى مثل باكستان والهند.

كانت كندا بلادا بعيدة يصعب السفر إليها حيث كانت أغلب السفرات تتم عن طريق البحر ورحلات تستمر أسابيع حتى يصل المهاجر إلى أرضه الجديدة التي قد لا يعرف عنها شيئا سوى أنها بلاد جديدة ولا يوجد بها سوى عدد محدود من المسلمين، ومما لا شك فيه أن قلة عدد المسلمين في ذلك الحين كان يعني بالطبع أنه لا توجد مساجد أو دور لعبادة المسلمين، في حين كانت دور العبادة المعروفة هي فقط الكنائس التي تمثل العديد من مذاهب المسيحيين وبعض المعابد اليهودية التي تعد على أصابع اليد الواحدة.

أول مساجد كندا

أول مساجد كندا وأقدمها على الإطلاق حيث تم بناؤه في ثلاثينيات القرن الماضي وتحديدا في عام 1931 عندما كانت تقديرات وزارة الإحصاء الكندية تشير وقتها إلى أن عدد المسلمين في كافة أنحاء كندا ومقاطعاتها لا يزيد على 645 مسلما فقط، وقتها وفي تلك الأوقات لم يكن لهؤلاء المسلمين مكانا يصلون فيه أو يقيمون فيه الشعائر،

من يعرف التاريخ يعلم جيدا أن هذه الحقبة من ثلاثينيات القرن الماضي كان العالم يواجه الكساد الاقتصادي العظيم وهكذا كانت أيضا كندا التي كانت تعاني من الكساد العظيم والذي جعل معظم المصانع والمتاجر ترزح تحت وطأة هذا الكساد الاقتصادي الكبير،

في مدينة "إدمونتون" بمقاطعة ألبرتا، كانت هناك جالية مسلمة ممن هاجروا من الشرق الأوسط ومن بعض الدول غير العربية مثل باكستان والهند، حالهم كحال الجميع هناك، كان الرجال وقتها يسعون في طلب الرزق ويعملون في وظائف وأعمال تتمثل معظمها في الزراعة أو المتاجر أو بعض الصناعات التي كانت تعاني كثيرا في ذلك الوقت، بينما كانت السيدات يقمن برعاية أطفالهن والقيام بأعمال أخرى لتوفير الرزق، بالإضافة إلى وظيفة مهمة وهي تربية الصغار والحرص على تعليمهم اللغة الإنجليزية وفي نفس الوقت تعليمهم قواعد دينهم وتعويدهم على الصلاة، إلا أن ذلك كان يبدو من الأمور الصعبة فكيف يعودن أطفالهن على الصلاة في المسجد بدون مسجد واحد في كافة أنحاء كندا وكان وجود مسجد بمثابة الحلم أو المستحيل.

الأم مدرسة وتصميم ومحرك للعزائم

ولكن يبدو أن النساء لا يعرفن المستحيل، وهذا ما أكدته سيدة عربية كان اسمها حلوة حمدون تنحدر من أصول لبنانية، كان يراودها ذلك الحلم، ولكن كانت العقبة بينها وبين تحقيق الحلم ليست كبيرة فقط، بل ضخمة، فلا أحد من الجالية المسلمة الصغيرة المهاجرة يملك تلك الأموال اللازمة للبناء في تلك الظروف الصعبة، خاصة أن الأموال سوف تذهب أولا لشراء الأرض وثانيا في تكاليف البناء والتجهيز،

فكرت حلوة حمدون ولم تتوقف كثيرا، توجهت إلى عمدة مدينة "إدمونتون" السيد جون فراي الذي سألها عن خطتها لبناء المسجد، فقالت له إنهم يريدون بناء مسجد للصلاة ولكن ليس لديهم الإمكانيات، نظر جون فراي للسيدة حلوة حمدون وقال لها: إنه في ظل تلك الظروف الاقتصادية الصعبة فإن خزينة المدينة لا تملك أموالا أو مخصصات تمكنه من تخصيص بعضها كمساهمة في بناء المسجد ولكنه قال: إن لديه ما يمكن أن يكون بديلا أفضل من الأموال.

وقال السيد جون فراي: إن كل ما يستطيع فعله حاليا هو تخصيص قطعة أرض مملوكة للدولة مجانا لبناء المسجد بشرط واحد ووحيد وهو أن يكون هناك مبلغ 5000 دولار لضمان بناء المسجد بعد تخصيص الأرض.

أول حملة تبرعات من نوعها

كان الدولار الواحد في ذلك الوقت يشكل مبلغا ضخما وبالنظر إلى عدد أفراد الجالية المسلمة في إدمونتون فإن تدبير 5000 (خمسة آلاف دولار كندي) كأموال البناء من الجالية المسلمة كان أمرا صعبا بل كان مستحيلا في ظل تلك الظروف الاقتصادية الطاحنة، لكن ذلك لم يثن حلوة عن حلمها،

راحت حلوة في جولة بين محلات ومتاجر ومكاتب أكبر الشوارع التجارية في المدينة أو الشارع الوحيد وقتها وهو شارع "جاسبر أفينيو" وراحت تتحدث مع أصحاب المتاجر والذين كان معظمهم من المسيحيين واليهود وبعض الهنود وقليلا من العرب، وبالرغم من أن حلوة حمدون كانت تخبرهم بوضوح أن دعمهم وتبرعاتهم النقدية ستذهب لبناء مسجد للمسلمين، إلا أن الجميع لم يتردد في تلك الظروف الصعبة في التبرع بما استطاع على الفور وبالفعل تمكنت من جمع حوالي 5750 دولارا كنديا.

حصلت حلوة على الأرض وأصبحت لديها الأموال اللازمة للبناء، إلا أن التحدي التالي كان يتمثل في وجود المقاول الذي سيشيد مسجدا، وهو لا يعرف على وجه الدقة تصميم المسجد.

المقاول كان متخصصا في بناء الكنائس

لجأت حلوة حمدون إلى مقاول يدعى مايك دريورس وهو كندي ينحدر من أصول أوكرانية، وكان مايك يتخصص في بناء الكنائس ولكنها قالت له: أنت تتخصص في بناء الكنائس ونحن كمسلمين نريدك أن تبني لنا مكانا للصلاة.

قام مايك بعمل تصميم المسجد كان طوله 50 قدما (15 مترا) وعرضه 30 قدما (10 أمتار) وبناه من الحجر الأحمر، تميز المسجد بنوافذ مقوسة وحجرتين للوضوء وقاعة للصلاة مع قبو كبير بمساحة المسجد، كما قام ببناء منارتين مستديرتين تشبهان في استدارتهما البصلة الكبيرة يعلو كل منارة منها هلال وكانت القبة فضية اللون وبالرغم من منارات المسجد والأهلة أعلاها إلا أن المسجد بعد اكتماله بدا وكأنه كنيسة روسية أرثوذكسية من بعيد إلا أن مناراته أشارت بوضوح إلى أنه مسجد للمسلمين.

حفل الافتتاح

ترأس افتتاح المسجد الشيخ العلامة عبد الله يوسف علي الذي كان يعمل كمترجم ويتخصص أيضا في ترجمة القرآن كما تحدث في الافتتاح عمدة إدمونتون جون فراي وبعض الشخصيات الأخرى سواء العربية وغير العربية من مسلمين وغير مسلمين.

وفي كلمته التي ألقاها في الافتتاح قال عمدة إدمونتون السيد جون فراي: إن تشييد هذا المسجد يعد فخرا للجميع خاصة أنه يتعذر بناء المساجد في أماكن أخرى.. وأضاف: إن هذا الحشد الذي حضر اليوم ليحتفل بافتتاح المسجد يشكل علامة فارقة لأن الحضور ليسوا من المسلمين وحدهم، بل من كافة المعتقدات والديانات الذين يعيشون معا على هذه الأرض ومنهم من ساهم في بناء المسجد ولاشك أن ذلك يؤكد على عظمة هؤلاء الناس في هذا المكان من العالم.

مركز إسلامي

الدكتور سميح سلامة عضو مجلس إدارة مسجد ومركز الرشيد يقول إن ما يميز مسجد الرشيد أنه تحول منذ اكتماله من مجرد مسجد إلى مركز اجتماعي متكامل لكافة الأنشطة التي تمس حياة الجالية العربية والمسلمة التي تمارس نشاطها بانسجام تام في المجتمع، فهناك في قاعاته أصبحت تعقد حفلات القران وتقام جلسات العزاء والاحتفالات الدينية خاصة في العيدين الفطر والأضحى حيث تقام ولائم خاصة تقدم فيها المأكولات والمشروبات التقليدية.

* الوجبات الساخنة للجميع في الثلوج

ولعل ما يميز مسجد الرشيد أيضا أنه لم يتوقف لحظة عن كونه جزءا من المجتمع لا يقتصر على تقديم المساعدة للمسلمين فقط، فعلى سبيل المثال وفي الأيام التي تهطل فيها الثلوج على المدينة وتلف الأجواء الباردة شوارعها يقوم المسجد بتشغيل مخابز وأفران خاصة لعمل الفطائر الساخنة والشوربة وكور اللحم والكبة وغيرها من المأكولات العربية التي يقدمها المسجد لقاصديه ممن ينشدون الدفء وبعض الطعام الذي يعينهم على البرد فيما يؤدي المصلون صلواتهم في المسجد.

أيضا في عطلات نهاية الأسبوع كان المسجد مقصدا للعائلات التي تجتمع مع بعضها البعض للتعارف وترتيب الزيجات من خلال التعارف في الجزء السفلي من المسجد والذي يجتمع فيه الجميع حتى إن بعضهم قام بالتبرع للمسجد ببيانو كان البعض يعزف عليه أنغاما عذبة لأغنيات وألحان عربية في ذلك الزمن.

خدمات لكافة الأعمار والمناسبات

أيضا يقول الدكتور سميح سلامة عضو مجلس إدارة " الرشيد" إن المركز أصبح اليوم مركز إشعاع دائم وخلية لا تكل تقدم كافة الخدمات في مختلف مناحي الحياة، فهناك الخدمات التي يقدمها المركز للمهاجرين الجدد وتعريفهم بالمجتمع وكيفية الاندماج فيه، فضلا عن خدمات الزواج، وبالإضافة للندوات الحديثة التي تناقش أحدث موضوعات الحياة في كندا، يتم أيضا تنظيم حملات اجتماعية وتبرعات وتنظيم دروس ودورات دينية في القرآن والفقه والحديث والسنة بالإضافة إلى تبنى الأفكار التي من شأنها أن تضيف وتخدم المجتمع الذي يعيش فيه المسلمون ويشكلون جزءا كبيرا منه خاصة بعد أن زادت أعداد الجالية المسلمة وتضاعفت بشكل كبير.

كما يقدم المركز أيضا خدمات في غاية الأهمية تتمثل في خدمات ما بعد وفاة المسلمين والتي تشمل نقل الجثمان من منزل المتوفى وتغسيله وتكفينه وحفظه ثم الصلاة عليه ودفنه في مدافن المسلمين، علما بأن هذه الخدمات من الخدمات المكلفة والتي تقدر تكلفتها بآلاف الدولارات حاليا.

الأول في كندا والثاني في أميركا الشمالية

تم افتتاح مسجد الرشيد في 12 ديسمبر 1938 والغريب أن الاحتفال بافتتاحه واكب أيضا موسم الاحتفال بأعياد الميلاد في كندا، ومنذ ذلك التاريخ أصبح مسجد الرشيد أول مسجد يتم افتتاحه في كندا وثاني مسجد يتم افتتاحه في أميركا الشمالية، وقد أصبح المسجد جزءا مهما من التراث الإنساني والثقافي في إدمونتون.

وفي عام 1946 وبعد فترة قصيرة من افتتاحه ظهرت الحاجة لمكان أكبر يناسب تزايد أعداد المسلمين الذين أصبحوا يفدون إليه من مختلف أنحاء العالم فانتقل المسجد من مكانه الأصلي إلى قلب مدينة إدمونتون ليتعزز مكانه كمركز ديني وثقافي ليشهد نقلة أخرى في عام 1982 خاصة وبعد أن سجل عدد الجالية المسلمة هناك ما يزيد على 20 ألف نسمة.

وبالرغم من انتقال المسجد مرتين، إلا أن المسجد الأصلي ظل في مكانه الأصلي دون أن تقام به صلوات أو اجتماعات حتى رأت المدينة أن يتم هدمه في إطار التجديد وهنا ظهرت مرة أخرى روح المرأة المسلمة الواعية والمقاتلة حيث قام عدد من النساء بتشكيل جبهة ضغط للحفاظ على المكان كمعلم تاريخي وشاهد على فترة من الزمن القديم، وبالفعل استجابت المدينة لطلب السيدات وأبقت على المبنى بقرار رسمي في عام 1988 لتتم صيانته وجعله مزارا تاريخيا وافتتح للزيارة رسميا في مايو 1992 ليصبح ضمن مزارات متحف التاريخ المعاصر في فورت إدمونتون بارك.

اقرأ المزيد

alsharq مؤتمر معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.. باحثون يدعون لذكاء اصطناعي عربي بمرجعية ثقافية

- بحث آفاق تطوير نماذج لغوية في سياقات رقمية -وضع أسس معرفية تمهّد لمشروعات بحثية -اقتراح حلول تعليمية... اقرأ المزيد

38

| 25 ديسمبر 2025

alsharq خلال بطولة كأس العرب 2025.. «كيومك» ينجح في نشر نظام إدارة المواقف الذكي

أعلن مركز قطر للابتكارات التكنولوجية (كيومك)، التابع لجامعة قطر، عن نجاحه في نشر نظام إدارة المواقف الذكي خلال... اقرأ المزيد

20

| 25 ديسمبر 2025

alsharq ملتقى المحكمين الثاني يناقش فن إدارة إجراءات التحكيم

عقدت جمعية الخبراء والمحكمين، التوعوية الثقافية القطرية ملتقى المحكمين الثاني بعنوان « فن إدارة إجراءات التحكيم من التأسيس... اقرأ المزيد

16

| 25 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية