رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

4394

القرضاوي: لا يجوز للزوجة التصرف في مال زوجها إلا بإذنه

03 يوليو 2016 , 12:17م
alsharq
الدوحة - الشرق

الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة

المؤلف: د.يوسف القرضاوي

الحلقة : التاسعة والعشرون

الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته.

وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21).

فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه.

وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات.

ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض".

وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن.

وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228).

ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35)

أنواع النفقات

قال في الانتصار: ومذهب الشافعي، لا تجب أجرة الحمَّام وثمن الأدوية وأجرة الطبيب؛ لأن ذلك يراد لحفظ البدن، كما لا يجب على المستأجر أجرة إصلاح ما انهدم من الدار.

وقال في الغيث: الحجة أن الدواء لحفظ الروح، فأشبه النفقة. انتهى.

قلت: هو الحق لدخوله تحت عموم قوله: "ما يكفيكِ". وتحت قوله: {رِزْقُهُنَّ}. فإن الصيغة الأولى عامة باعتبار لفظ (ما)، والثانية عامة، لأنها مصدر مضاف، وهي من صيغ العموم واختصاصه ببعض المستحقين للنفقة لا يمنع من الإلحاق)). انتهى كلام الإمام الشوكاني، وقد نقله السيد صديق حسن خان في (الروضة الندية).

هل يدخل علاج الزوجة ضمن النفقة؟

من الفتاوى ما يحمل طابع زمانه؛ لأن الإنسان وإن كان من الفقهاء لا يستطيع أن يتحرَّر من تأثير زمانه ومكانه، إلا نادرًا، ولهذا قرر المحقِّقون من علمائنا: أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال. وهو ما يلحظه كل دارس للفقه وأثر هذا التغير فيه. وهو ما جعلنا نصدر كتابنا (موجبات تغير الفتوى في عصرنا). وأوردنا فيه عشرة موجبات في عصرنا لتغير الفتوى.

ومن ذلك: ما قرره الفقهاء حول دخول المداواة والعلاج في (نفقه المرأة) الواجبة على الزوج، والتي ينبغي أن تدخل ضمن المعاشرة بالمعروف، التي أمر بها القرآن في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:19]، وليس من المعروف أن يراها الزوج تتلوى أمامه من الألم، لوجع في الكلية او المثانة أو الضرس، ولا يُحضر لها الدواء اللازم لها، أو يعرضها على الطبيب الذي يشخِّص الداء ويصف الدواء.

وهذا يتنافى مع ما شرعه الإسلام من الرحمة بالضعفاء، والمريض منهم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".

بل هذا يتفق مع القسوة التي ذمَّ الله أصحابها، كما قال مخاطبًا بني إسرائيل: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}[البقرة:74]. {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}[المائدة:13].

ثم هناك قاعدة فقهية متَّفق عليها، وهي: لا ضرر ولا ضرار. وهي قاعدة قطعية عامة، مقتبسة من نص حديث نبوي، وهي كذلك مقتبسة من جملة آيات صريحة من القرآن في منع الضرر والضرار.

ومنها أخذت قواعد فرعية، مثل قاعدة: الضرر يزال بقدر الإمكان. ولا ريب أن المرض ضرر بصاحبه، وخصوصًا إذا كان مؤلِمًا لصاحبه، وإذا كان علاجه معروفًا.

مال الزوج

ليس للمرأة الحق في التصرف بمال زوجها إلا بإذنه، حتى الصدقة لا يجوز لها أن تتصدق إلا بإذنه، فإذا أذن لها إما بالكلام أو بدلالة الحال فيها، وإلا فليس لها أن تفعل، خاصة إذا علمت أنه يغضب لهذا، أو إذا نهاها أن تفعل، فعندئذ لا يجوز لها أن تخالف وتفعل بماله ما لم يأذن به.

الحقوق الجنسية بين الزوجين

إن العلاقة الجنسية بين الزوجين أمر له خطره وأثره في الحياة الزوجية، وقد يؤدي عدم الاهتمام بها، أو وضعها في غير موضعها، إلى تكدير هذه الحياة، وإصابتها بالاضطراب والتعاسة. وقد يفضي تراكم الأخطاء فيها إلى تدمير الحياة الزوجية والإتيان عليها من القواعد.

وربما ظن بعض الناس أن الدين أهمل هذه الناحية برغم أهميتها، وربما توهم آخرون أن الدين أسمى وأظهر من أن يتدخل في هذه الناحية بالتربية والتوجيه، أو بالتشريع والتنظيم، بناء على نظرة بعض الأديان إلى الجنس على أنه ((قذارة وهبوط حيواني)).

والواقع أن الإسلام لم يغفل هذا الجانب الحسَّاس من حياة الإنسان وحياة الأسرة، وكان له في ذلك أوامره ونواهيه، سواء منها ما كان له طبيعة الوصايا الأخلاقية، أم كان له طبيعة القوانين الإلزامية.

وأول ما قرره الإسلام في هذا الجانب هو الاعتراف بفطرية الدافع الجنسي وأصالته، وإدانة الاتجاهات المتطرفة التي تميل إلى مصادرته، أو اعتباره قذرًا وتلوثًا.. كما قرَّر بعد الزواج حق كل من الزوجين في الاستجابة لهذا الدافع، ورغب في العمل الجنسي الحلال إلى حد اعتباره عبادة وقربة إلى الله ولكن الإسلام راعى أن الزوج بمقتضى الفطرة والعادة هو الطالب لهذه الناحية والمرأة هي المطلوبة. وأنه أشد شوقًا إليها، وأقل صبرًا عنها، على خلاف ما يشيع بعض الناس أن شهوة المرأة أقوى من الرجل، فقد أثبت الواقع خلاف ذلك.. وهو عين ما أثبته الشرع.

ولهذا أوجب على الزوجة أن تستجيب للزوج إذا دعاها إلى فراشه، ولا تتخلف عنه كما في الحديث: "إذا دعا الرجل زوجته لحاجته، فلتأته وإن كانت على التَّنُّور"

وحذرها أن ترفض طلبه بغير عذر، فيبيت وهو ساخط عليها، وقد يكون مفرِّطًا في شهوته وشبقه، فتدفعه دفعًا إلى سلوك منحرف أو التفكير فيه، أو القلق والتوتر على الأقل: "إذا دعا الرجل امرأته، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح".

وهذا كله ما لم يكن لديها عذر معتبر من مرض أو إرهاق، أو مانع شرعي، أو غير ذلك.

وعلى الزوج أن يُراعي ذلك، فإن الله سبحانه — وهو خالق العباد ورازقهم وهاديهم — أسقط حقوقه عليهم إلى بدل أو إلى غير بدل، عند العذر، فعلى عباده أن يقتدوا به في ذلك.

وتتمة لذلك نهاها أن تتطوع بالصيام، وهو حاضر إلا بإذنه؛ لأن حقه أولى بالرعاية من ثواب صيام النافلة، وفي الحديث المتفق عليه: "لا تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه". والمراد صوم التطوع بالاتفاق كما جاء في ذلك حديث آخر، بخلاف صوم رمضان، فهو فرض عليها، فلا يحق له أن يلزمها بالفطر.

والإسلام حين راعى قوة الشهوة عند الرجل، لم ينس جانب المرأة، وحقها الفطري في الإشباع بوصفها أنثى. ولهذا قال النبي لمن كان يصوم النهار ويقوم الليل من أصحابه مثل عبد الله بن عمرو: "إن لبدنك عليك حقًّا، وإن لأهلك (أي امرأتك) عليك حقًا" ومما لفت الإسلام إليه النظر: ألا يكون كل هم الرجل قضاء وطره هو دون أي اهتمام بأحاسيس امرأته ورغبتها.

ولهذا روي في الحديث الترغيب في التمهيد للاتصال الجنسي بما يشوِّق إليه من المداعبة والقبلات ونحوها، حتى لا يكون مجرد لقاء حيواني محض، كل همه أن يفرغ ماءه فيها ويستريح.

ولم يجد أئمة الإسلام وفقهاؤه العظام بأسًا أو تأثيمًا في التنبيه على هذه الناحية التي قد يغفل عنها بعض الأزواج.

خلاصة القول

إن الإسلام عُنِي بتنظيم الناحية الجنسية بين الزوجين، ولم يهملها حتى ان القرآن الكريم ذكرها في موضعين من سورة البقرة التي عنيت بشؤون الأسرة:

أحدها: في أثناء آيات الصيام وما يتعلق به حيث يقول تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}[البقرة:187].

وليس هناك أجمل ولا أبلغ ولا أصدق من التعبير عن الصلة بين الزوجين من قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة:187] بكل ما توجبه عبارة "اللباس" من معاني الستر والوقاية والدفء والملاصقة والزينة والجمال.

الثاني: قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[البقرة:222، 223].

وقد جاءت الأحاديث النبوية تفسِّر الاعتزال في الآية الأولى بأنه اجتناب الجماع فقط دون ما عداه من القبلة والمعانقة والمباشرة ونحوها من ألوان الاستمتاع، كما تفسِّر معنى {أَنَّى شِئْتُمْ} بأن المراد: على أي وضع أو أي كيفية اخترتموها ما دام في موضع الحرث، وهو القُبُل، كما أشارت الآية الكريمة.

وليس هناك عناية بهذا الأمر أكثر من أن يذكر قصدًا في دستور الإسلام وهو القرآن الكريم.

مساحة إعلانية