رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

رمضان 1436

429

القرة داغي: الأقلية الإسلامية بحاجة لخطة استراتيجية للتعامل مع الأزمات

11 يوليو 2015 , 01:11م
alsharq
الدوحة - بوابة الشرق

الكتاب : فقه التعامل عن الإساءة إلى المقدسات الإسلامية

دراسة شرعية وتأصيلية وقانونية في ضوء فقه المواطنة مزودة ببرنامج شرعي للأقليات المسلمة في بلاد الغرب وعامة المسلمين

المؤلف: د. علي محي الدين القرة داغي

الحلقة : 23

إذا كان القول: الإرهاب لا دين له ، فإنه لا يجوز تحميل هذا الإرهاب للإسلام ، كما لا يجوز تحميل الإرهاب الذي يقوم به بعض أصحاب الأديان على تلك الأديان نفسها.. وإذا كنا نتحدث عن الإفراط والتفريط والتشدد في الشرق الإسلامي ، فإنه وجدت في الغرب مجموعة من الأعمال المتمثلة في الرسوم المسيئة والأفلام والمسرحيات والمقالات التي نالت من مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين.. سوف نتناول في هذا البحث المبادئ والقواعد العامة والأحكام المتعلقة بالأقليات الإسلامية .. والمبادئ والقواعد العامة المستنبطة من قصة سيدنا يوسف عليه السلام ، حيث يعتبر قدوة للأقليات ، ومن المهاجرين في حبشة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم . فقه المواطنة باعتباره مدخلاً للتعايش ومنطلقاً للاندماج الإيجابي.
ثم نتحدث عن فقه التعامل مع الآخر عند الاساءة إلى المقدسات الإسلامية حيث نبين المبادئ العامة الحاكمة فيه ، حق الإنسان في حرية التعبير ، موضحاً أسباب اندفاع البعض نحو الاساءة ، ثم بيان الموقف الشرعي (التأصيل الشرعي) بالنسبة للمسلم الذي يعيش في البلاد غير الإسلامية ، والواجب الشرعي للأقلية المسلمة نحو الاساءات الموجهة للمقدسات ، وواجب الدول والعالم الإسلامي نحوها ، وضرورة وجود خطة استراتيجية هادئة وهادفة لمنع الازدراء بالأديان.

موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الاساءات:
أ — وفي جميع هذه الأحوال كان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام التحلي بالصبر الجميل، والإعراض الحكيم، والهجر الجميل، فقال تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) وقال تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)، وتكرر لفظ (صبر) ومشتقاته 56 مرة لتثبيت الصبر في قلوبهم جميعاً أمام العواطف الجياشة التي قد تصبح عواصف تعصف بكل ثمار الدعوة فقال تعالى مبيناً بأن الصبر مفتاح التمكين: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) فقد بيّن الله تعالى بأن الصبر طريق جميع الأنبياء والمرسلين، وأنه مفتاح التمكين، وأن الصبر لا محيص عنه، وانه لو لم يصبر لن ينفعه ذلك، وقال تعالى في نتائج الثصبر لقوم موسى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) وقال تعالى على لسان الرسل: (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) وقال تعالى لرسوله بأن وعد الله بنصره إذا صبر حق: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ).
ب — وأما الأمر بالإعراض عن المستهزئين والمكذبين والساخرين فقد تكرر أيضاً في القرآن الكريم كثيراً فقال تعالى: (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) وقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) بل إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمنتهى الصراحة الإعراض عن المشركين والمستهزئين فقال تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ).
هكذا كانت الآيات القرآنية تنزل تترى فتتلى مؤكدة أهمية التحلي بالصبر والأناة، والتحمّل والإعراض عن الاستهزاء، ومبشرة بالنصر المبين بعد الأخذ بسنن الله تعالى.
ج — وحينما صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على الاستهزاء والسخرية والافتراءات كفى الله تعالى المستهزئين من عدة جوانب، منها:
— أن الجاهليين سمّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الرسالة (مذمّماً) بدل (محمداً) فكانوا يسبونه بهذا الاسم، وفي هذا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:( ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمّماً، ويلعنون مذمّماً، وأنا محمد).
— وكان أمية بن خلف يهمزه ويلمزه، ونزل فيه قول الله تعالى: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) وكان يستهزئ ببعث الأموات فنزل فيه قوله تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ).
— وكان أبو لهب وزوجته يستهزئان به، فكانت زوجته تقول: (مذمّماً عصينا، وأمره أبينا، ودينه قلينا) وكانا يؤذيانه فنزلت فيهما سورة المسد (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ. سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ)، وقام أبو جهل بسبّ الرسول صلى الله عليه وسلم وشتمه، وايذائه فقال: (والله يا محمد لتتركنّ سبّ آلهتنا، أو لنسبنّ إلهك) فأنزل الله تعالى قوله: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) حيث نهاهم أن يسبوا أوثانهم فيسبوا الله عدواً بغيرعلم.
— وأما عقبة بن أبي معيط فطلب منه أُبيّ أن يتفل في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك فنزل فيهما قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً).
وضع خطة استراتيجية هادئة، وهادفة للأقلية الإسلامية حتى لا تخضع للعواطف والاثارة:
إن الأقلية الإسلامية بأمس الحاجة إلى خطة استراتيجية شاملة للتعامل مع هذه الأزمات، تكون هادئة، وهادفة لا تخضع للعواطف والاثارة حتى لا تتكرر هذه المآسي في كل مرة بحيث تدرس دراسة شاملة ودقيقة من قبل المختصين والعلماء والمفكرين وتوضع لها أهداف واضحة ووسائل، وأدوات عملية للتنفيذ، وبرامج ومشروعات كبيرة ومتنوعة تغطي الأقلية الإسلامية والأكثرية، وبخاصة مراكز القرار السياسي والاعلامي، والاقتصادي، والاجتماعي، ويتم ترتيب ورض العمل في جميع البلاد يشتر فيها المتخصصون من المسلمين، ومن غيرهم من أهل هذه البلاد، وتستهدف ما يأتي:
(1) توعية المسلمين بالرد الحضاري وليس الرد العاطفي غير المدروس بالذي تكون آثاره السلبية كثيرة أو عكسية تضرّ ولا تنفع.
(2) توعية الأكثرية بضرورة التعايش والاحترام المتبادل.
(3) كسب المؤسسات الحقوقية والأهلية لصالح منع الازدراء بالأديان، وأن الحرية مسؤولية أيضاً، وأنها ليست مطلقة حتى في الغرب، وكما لا يجوز لها أن تمس عرض شخص عادي، فكذلك لا يجوز أن تمس عرض الشخصيات المؤثرة في العالم والمقدسات الدينية.
(4) توعية الشعوب غير المسلمة وبخاصة في الغرب، بالآثار السلبية للاساءة إلى المقدسات.
(5) بيان حقيقة الإسلام والتعريف برسول الإسلام المبعوث رحمة للأنام صلى الله عليه وسلم، وبسيرته العطرة، وأخلاقه العظيمة على جميع المستويات وبمختلف الوسائل الإعلامية.

مساحة إعلانية