رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

تقارير وحوارات

3262

المستشار ناجي دربالة لـ "الشرق": القضاء المصري تحول لأداة بيد النظام وتراجعت ثقة الرأي العام فيه

22 مارس 2017 , 09:33م
alsharq
أجرى الحوار: عبدالحميد قطب

المستشار ناجي دربالة نائب رئيس محكمة النقض المصرية السابق لـ "الشرق":

مصر تُذبح أمام الجميع دون أن يتدخل أحد لإنقاذها من مسار كارثي

براءة مبارك لم تكن مفاجأة خاصة بعد استبعاد كافة أدلة إدانته

بعض المتهمين عوقبوا بتهم لا يوجد لها تشريع قانوني أصلاً

كثير من القضاة تعاطوا بإيجابية مع هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء

المجتمع الذي يفتقر إلى الحرية لا يمكن أن يكون له مستقبل

المصالحة الوطنية خيار مصر الوحيد للخروج من أزمتها

المصريون لن يواجهوا الفقر والإرهاب إلا بالحرية وأن يكونوا أحراراً

لم أندم عن الموقف الذي اتخذته بعد الإطاحة بأول رئيس مدني

السلطة تراهن على هيمنتها وتضرب بدعوات المصالحة عرض الحائط

المصالحة الوطنية قادمة قادمة وتحقيقها يحفظ مصر من تداعيات أسوأ

بيان القضاة عكس رغبتهم في الحفاظ على الدستور والقانون وإرادة الشعب

بعض القضاة يستغلون قربهم من السلطة لتصفية حسابات مع تيار قضائي منافس

أكد المستشار محمد ناجي دربالة نائب رئيس محكمة النقض المعزول، أن القضاء في مصر يمر بأسوأ مراحله، بعد أن تحول لأداة بيد السلطة التنفيذية للتغول على الشعب، وتجاوز اختصاصاته بالتعاطي مع قضايا شاذة مثل إعلان حماس جماعة إرهابية، وإصدار إحكام بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دول بعينها.

ووصف دربالة في حواره مع "الشرق" الأوضاع السياسية في مصر بالقاتمة، منتقدا بشدة حالة الصمت التي تتعامل بها القوى السياسية مع هذا الوضع، مؤكدا أن افتقار الشعب المصري للحرية يقوده إلى نفق مظلم.

وشدد دربالة علي أن السبيل الوحيد لخروج مصر من مأزقها، هو وفق قاعدة الشرعية ومركزية دور الناخبين في تحديد وجهة مصر، منتقداً بشدة من يقفون عقبة أمام تحقيق المصالحة الوطنية في مصر دفاعا عن مصالحهم الشخصية.

وعبر دربالة عن اعتزازه الشديد بالبيان الذي أصدره القضاة عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، واصفاً البيان بأنه إنجاز حياته الأهم، مستبعدا بشكل قاطع أي تراجع عن هذا البيان الذي يعكس رغبة قضاة مصر في الحفاظ على الدستور والقانون وإرادة الشعب المصري، والابتعاد عن السيناريو الكارثي الذي وصلت البلاد إليه.

وإلى نص الحوار ..

*بداية هل تتفق مع التقارير التي تشير إلى تراجع ثقة الشارع المصري في القضاء خلال الفترة الماضية؟

** دعنا نؤكد أن شرف القضاء مرتبط بمدى ثقة الرأي العام به، وعندما تهتز الثقة العامة فيه، تتراجع هيبته أمام الشعب.

وكيف تستمر ثقة الرأي العام في القضاء، وهناك قاضٍ يحكم بإعدام 625 شخصا دون إتاحة حق الدفاع عن أنفسهم؟!، ولا يُمَكَّن المحامون من تقديم الدفوع، ثم يلي ذلك صدور أحكام أكثر غرابة أدانتها محكمة النقض، بل وأثارت الانتقادات المحلية والدولية تجاه القضاء، وبالتالي هذا يعدُ إخلالا جسيما ويستوجب عرض القاضي المتورط فيه للمساءلة، إذا كنا نريد إصلاح صورة القضاء أمام الرأي العام، وإعادة هيبته.

ثقة الرأي العام

* برأيك ما أبرز مظاهر انهيار ثقة الرأي العام في القضاء؟

** هناك مظاهر كثيرة، على سبيل المثال معاقبة بعض المتهمين بتهم لا يوجد لها تشريع قانوني أصلاً، بل إن بعض القضاة عاقبوا بعض المتهمين علي الامتناع عن الفعل، بالحبس ومصادرة الأموال، والمنع من السفر، والحرمان من الأهلية والشهادة أمام المحاكم المدنية، وهو أيضا القضاء ذاته الذي لم يتخذ أي موقف قانوني في العقود التي تبرمها الحكومة، سواء فيما يتعلق بخصخصة وحدات القطاع العام المملوكة للشعب، أو بيع الأراضي وتخصيصها، أو ضد عقود استثمار مع رجال أعمال أجانب.

تغول السلطة التنفيذية على القضاء

*إلى أي مدى وصل تغول السلطة التنفيذية على القضاء؟

** لقد وصل القضاء إلى درجة أن تشكل دوائر مخصوصة للنظر في قضايا بعينها، مثل دوائر الإرهاب التي يُختار لها قضاة بعينهم، طبقا لتكوينهم ومكانتهم، بل وصل الأمر إلى أن أحد القضاة وصف ثورة يناير بأنها "25 خسائر"، وهو ما يخالف الدستور، فضلا عن الجهر بكراهيته لتيارات سياسية بعينها، لدرجة أن المحكمة لم تجد بداً من رده في إحدى القضايا في سابقة هي الأولى منذ 50 عاما في تاريخ القضاء المصري.

القضاء منذ الثالث من يوليو يعمل وفق قاعدة "كل لبيب بالإشارة يفهم"، ومن لا يفهم ذلك ليس لبيباً، ولا يفهم، وإلا بما يفسر لنا، كيف صارت كل الأحكام ضد جميع التيارات السياسية وَفق هوى السلطة.

* هل توقفت عملية إقصاء القضاة من مناصبهم بتهم الانتماء لتيار معين؟

**بالطبع لا.. العصف بالقضاة مازال مستمرا، فالمستشاران يحيى جلال وهشام رؤوف، مهددان أيضا بالعزل، حيث جرى التحقيق معهما للمشاركة في منتدى قانوني لمواجهة التعذيب، ولازال التحقيق مفتوحا إذا حاول أي منهما الإدلاء بأي تصريحات أو مواقف تخالف رغبات السلطة.

* البعض يرى أن السلطة التنفيذية لم تتمتع بهذا النفوذ على القضاء إلا بعد 3/ 7.. كيف تفسر ذلك؟

**السلطة التنفيذية، أو أي سلطة ولو كانت من أطهر وأنظف الحكومات، لا تستطيع مقاومة رغبتها في الهيمنة علي القضاء، سواء في الدول المتقدمة أو المتخلفة على حد سواء، طالما قَبِلَ القضاء هذه الهيمنة، فالقضاء مع السلطة التشريعية يشكلون حائط صد أمام رغبة السلطة في تمرير قوانين وفق هواها.

* هل معنى ذلك أن بعض القضاة مع هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء؟

**نعم.. فكثيرون تعاطوا بإيجابية مع هذه المساعي ورحبوا بها، وعملوا على تكريسها، سواء لكراهيتهم لتيار سياسي معين، أو انحيازا للسلطة، بل عملوا على استغلال قربهم من السلطة في تصفية حساباتهم مع تيار قضائي منافس لهم، وعلى صعيد القضايا انقسم القضاة بين راغب في العمل بدوائر الإرهاب، ورافض لهذا النهج، ومنهم من اختار العمل في الدوائر المدنية أو محاكم الأسرة رغبة في الابتعاد عن أي جدل.

أنواع شاذة من القضاء

*هذه الحالة أنتجت شخصيات قضائية من القضاة لم تشهدها مصر طوال تاريخها.. هل تتفق مع ذلك؟

**بالفعل.. فقد ظهرت أنواع شاذة من القضاء، مثل القضاء المستعجل، والذي صار يتعاطى مع قضايا شديدة الغرابة مثل اعتبار حركة حماس منظمة إرهابية وإقامة دعاوى بخصوص قطع العلاقات مع دول بعينها، وطرد سفرائها، وهذا ليس اختصاصه، ولا يمكن الحكم عليه من ظاهر الأوراق بل يحتاج لآلاف الصفحات.

بيان رابعة

*بخصوص البيان هل تشعر بالندم على بيان رابعة الذي تسبب في عزلكم عن منصة القضاة ؟

**أحمد الله أنني لم أندم يوما عن الموقف الذي اتخذته بعد الإطاحة بأول رئيس مدني، بل أعتبر ما جرى في البيان أهم إنجاز في حياتي، وكنز أورثه لأولادي، ولعل قيمة هذا البيان أنه جاء في وقته تماما، وعكس دور القاضي في الدفاع عن القانون والدستور وشرف الوطن.

* ما رؤيتك كقاض للمشهد المصري المتعثر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ..ومن برأيك يتحمل مسؤولية هذا المأزق؟

**المشهد السياسي الحالي في مصر شديد القتامة، وجميع التيارات السياسية وغير السياسية تدرك ذلك بشكل يقيني، وتدرك أن الوطن بات الضحية الأولى، لاستمرار هذه السياسات، وهم يرون أثار ذبحه ماثلة أمام أعينهم، ولكن مع الأسف لا يتقدم أحدهم لإنقاذه أو التعاون في إنقاذه، ورغم افتقادي للخبرة السياسية، إلا أنني أجزم بأن المجتمع الذي يفتقد إلى الحرية، ويعاني مواطنوه القمع والاستبداد، ولا يضمن الناس أمنهم ولا أمانهم، لا يمكن أن يكون له مستقبل.

* أوضاع قاتمة كهذه هل مرشحة للاستمرار؟

** الأوضاع في مصر تخالف نواميس الكون، فالله خلق الإنسان ليسعى في الأرض حرا، فإذا فقد الإنسان الحرية لن يبدع، ويكون عرضة للانهيار الأخلاقي والفساد، وبالتالي لابد من التخلص من الاستبداد، فشعوبنا لا تستطيع أن تواجه الفقر والفساد والظلم إلا بالحرية، ولن نستطيع استئصال التطرف والإرهاب إلا بمواطنين أحرار.

* كيف تنظر لحكم محكمة النقض بتبرئة مبارك بينما يعاقب آخرون بتهم أقل؟

** لقد جاءت تبرئة مبارك لأسباب عديدة، منها غياب الأدلة والتلاعب في الأحراز، وإزالة كل الأدلة التي تدين مبارك ونظامه، في قتل ثوار يناير، كما أن محاكمته تمت بعد استبعاد كل التحقيقات التي أجرتها لجان تقصي الحقائق، وتحقيقات نيابة الثورة، التي كانت تضم 15 من أكفأ المحققين، الذين قدموا أدلة إدانة مبارك بالصوت والصورة، كونه كان يعلم بما يجري في ميدان التحرير، ولكن قرار استبعاد هذه تحقيقات هذه اللجنة، وعدم وضع كافة الأدلة تحت أيدي المحكمة، أدى للحكم له بالبراءة، ولكن ربما يجيء يوم وتعاد محكمة مبارك لتقول المحكمة كلمتها النهائية.

المصالحة الوطنية

*من آن لآخر يطرح البعض قضية المصالحة بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين لخروج البلاد من أزمتها.. هل ترى أن هذه المصالحة قادرة علي تجاوز مصر النفق المظلم الذي تعاني منه؟

** المصالحة الوطنية هي خيار مصر الوحيد للخروج من الأزمة، وهو ما أدركه قضاة البيان منذ اللحظة الأولى، ودعونا جميع القوى التي شاركت في فعاليات الثالث من يوليو، وفي مقدمتهم الجيش والقضاء والأزهر والكنيسة، لبدء حوار حول النقاط الخلافية بشكل يحفظ مصالح الوطن، ويحفظ للمواطنين أرواحهم وأموالهم، على أساس قادة الشرعية وإرادة الشعب واحترام الدستور والقانون، الذي توافق عليه المصريون، خاصة أن خارطة الطريق التي أعلنت لم تلغ دستور 2012، بل عطلته فقط، وهو ما جعل الوثيقة الدستورية الصاردة في 2014 تستند لقاعدة احترام الدستور.

ومن هنا فلن تتحقق المصالحة إلا في حال توافر الإرادة لدى جميع الأطراف، حتى لو تطلب ذلك العودة إلى الجماهير لتحديد وجهة مصر المستقبلية، عبر انتخابات حرة ونزيهة، وهو ما ترفضه السلطة الحالية التي تراهن على هيمنتها على المشهد للضرب بدعوات المصالحة عرض الحائط.

* كأنك تحمّل طرفا بعينه المسؤولية عن فشل جميع دعوات المصالحة؟

**المصالحة يعرقلها من يعتقد أنه الطرف الأقوى، غير أن لديّ يقين بأن استمرار الوضع الحالي في مصر يبدو مستحيلا، ومن ثم فالمصالحة قادمة قادمة، حتى وإن تأخرت في ظل تعاظم اعتقادي بكارثية المسار الحالي، ومن المؤكد أن هذه المصالحة تحفظ مصر من تداعيات أسوأ.

مؤتمر شامل للمصالحة

* كيف تتم المصالحة إذن؟

**المصالحة لن تكون إلا عبر عقد مؤتمر شامل يضم جميع الفرقاء السياسيين، لمناقشة نقاط الخلاف، وتحديد شكل النظام السياسي في مصر، وإزالة كافة الأسباب التي أوصلت مصر لهذه الحال، وعدم إقصاء أي طرف من المعادلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

مساحة إعلانية