رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ثقافة وفنون

1035

"المبخوت" يبوح بأسرار "الطلياني" في الصالون الثقافي

24 مايو 2015 , 08:35م
alsharq
هاجر بوغانمي

لم يكن يحيى حقي يعلم أن مقولته التي وصف بها ذات يوم روايته "قنديل أم هاشم" بأنها خرجت كالطلقة سيلوذ بها صاحب رواية "الطلياني" حين لم يجده التعبير نفعاً وهو يجمل ما فصلته الذائقة الأدبية في تونس والوطن العربي من انطباعات حولها.

حدث ذلك في مسامرة أدبية نظمها الصالون الثقافي مساء أمس، السبت، احتفاءً بالروائي التونسي الدكتور شكري المبخوت الذي يزور الدوحة بدعوة من سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري وزير الثقافة والفنون والتراث، إثر فوز روايته الأولى بجائزة البوكر العربية لعام 2015.

أدار المسامرة إبراهيم عبد الرحيم السيد استشاري التراث الثقافي بوزارة الثقافة، وحضرها لفيف من الكتاب والمثقفين، ووجه في مستهلها الدكتور شكري المبخوت عبارات الشكر للحضور، ولسعادة الدكتور حمد الكواري الذي أتاح له فرصة اللقاء لأسباب شتى، حيث قال: هو وزير مثقف، ولكن ربما ما لا يعرفه كثيرون أنه في أحاديث كثيرة ولقاءات عديدة بيننا نبهني إلى روايات لم أنتبه إليها، لأنه قارئ نهم للروايات، وينتقي الجيد منها، لذلك حين دعاني لم أعجب لذلك، لأنه محب للأدب، وتسعدني صداقته، علاوة على ما يقوم به من أجل تنوير العقل العربي بكل هدوء ودون ضجيج.

شكري المبخوت يتحدث عن تجربته الراوئية

وصف "المبخوت" الحديث عن رواية "الطلياني" بالأمر الصعب، لأنه جاء كي يصغي ويتحاور مع القراء، مُضيفاً: من الأشياء الطريفة أنني جئت إلى الدوحة أول مرة لأتحدث عن الجوائز العربية، وكان ذلك بمناسبة صدور الجزء الأول من ترجمة الزميل والصديق عبد الودود العمراني لمحاضرات الحائزين على "نوبل"، حينها قدمت مقالاً نقدياً عن الجوائز العربية.

وأضاف: أذكر أن أهم ما ورد فيه أن الجائزة ليست غنيمة، ولكننا مع الأسف ننظر إليها باعتبارها كذلك، في حين أن أصل الجوائز الأدبية هي جزء من المؤسسة الأدبية، فالإبداع قبل أن يتحول إلى كتاب لا معنى له واقعياً من النظرة المادية السوسيولوجية.. جئت بصفتي الأكاديمية، وها أنا أعود بفضل هذا "الطلياني" الذي فعل بي الأفاعيل!.

وتابع: أول سؤال يطرح عليَّ دائماً هو كيف انتقلت من الأكاديميات والبحث العلمي إلى الأدب وتحديداً الرواية؟.. طبعاً وراء السؤال ضمنيات عديدة، من بينها أن البحث الأكاديمي يتطلب صرامة منهجية ودقة في المفاهيم، في حين أن الأدب أقرب إلى الخيال والتدفق. ولكن حسب خبرتي، يمكن أن أقول إن الأدب يتطلب ما يتطلبه البحث من صرامة منهجية ودقة وانضباط، لأنه ليس من اليسير أن نبني عالماً منسجماً ومتناسقاً في غياب هذه الكفايات أو الوسائل الضرورية في العالم الروائي. فلا مجال للخطأ في تتبع ملامح الشخصيات أو حركتها في الزمان والمكان. بالمقابل فإن البحث العلمي يحتاج إلى الكثير من الخيال، لأننا نضع فرضيات ونحاول سبرها، وما تحمله من احتمالات، وهو ما يحدث في الرواية.

وأشار الروائي التونسي إلى أن الناقد المصري الدكتور صلاح فضل شبّه "الطلياني" بثلاثية نجيب محفوظ، لأن الجامع بينهما هو التعبير عن هوية بلد ما، فالرواية التقاط لخصائص الهوية التونسية، واصفاً هذه الملاحظة بالنبيهة من جهة وقوعها على دافع أساسي وهو يكتب "الطلياني".

جانب من حضور الصالون الثقافي حول رواية الطلياني للتونسي شكري المبخوت

وقال في هذا السياق: تونس فسيفساء اجتماعية وثقافية تحتاج إلى من يكتبها ومن يعبر عن روحها، والحق أنني منذ البداية أردت أن تكون روايتي معبرة عن هذه الروح التونسية، لأن تونس جديرة بأن تروى للناس.

وحول الأسباب التي أدت إلى نجاح الرواية قال: شخصيتا عبد الناصر وزينة لعبتا دوراً أساسياً ومهماً، فهما شخصيتان تعبران عن ترددات إنسانية عميقة، وكانتا آسرتين فاتنتين.

وقال المبخوت: تزعجني فكرة الرواية البكر بما تحمله من ضمنيات، فروايات كثيرة اشتهرت رغم أنها كانت روايات بكر مثل رواية الطيب صالح "عرس الزين"، وفي الأدب العالمي رواية "اسم الوردة" لـ أمبرتو إيكو، وفي تونس رواية "الموت والبحر والجرذ" لفرج الحوار، و"روائح المدينة" لحسين الواد وهي من أهم الروايات.

وأضاف: ليس في الإبداع مبدع شاب، ثم أنني لم أكتب متبعاً نصائح أمبرتو إيكو في كيف نكتب رواية تلقى رواجاً كبيراً، لكن يهمني أن أشير إلى بعض الجوانب، أهمها دار النشر، فلو أصدرت "الطلياني" في غير دار التنوير لما وصلت إلى هذه الحظوة. فأصدقكم القول إن ما نشر هو نصف المخطوط الذي قدم لدار النشر، وفاجأني المحرر بأنه دخل إلى مطبخ الكتابة دون أن أعرفه، وفاجأتني ملاحظاته الدقيقة، كل ذلك جعلني أقبل بجل مقترحاته، لأنني رأيتها مفيدة للعمل.

وختم المبخوت المحاضرة بقوله إن رواية "الطلياني"، كما قال يحيى حقي عن "قنديل أم هاشم"، "خرجت كالطلقة"، وأهم شيء في الكتابة الأدبية ليس ما نكتبه، بل ما نحذفه من الكتابة وهذا درس مهم.

قالوا عن "الطلياني":

طرح أحد الحضور تساؤلاً حول الصوغ المأساوي للمادة السردية في الرواية، قائلاً: هل الشخصية الإيجابية ينبغي في عالمنا أن تنتهي مهزومة أو معطوبة؟ مشيراً في سؤاله إلى الشخصيات المشبعة بقيم اليسار وقيم السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات والتي وصفها بالهشة.

أما الناقد الدكتور صبري حافظ فأبدى إعجابه بالرواية متفقاً مع صاحبها في أهمية السؤال الفلسفي الذي تطرحه، مشيراً إلى أن هذه الرواية تغني عن قراءة عشرات الكتب حول تاريخ تونس في المرحلة الحديثة، وعن الواقع الاجتماعي، وحتى عن جغرافيا المدينة من أول مقبرة الجلاز وحتى باب سعدون، وباب الخضراء، وباب الجديد، وضواحيها باردو، وقمرت.. إلخ.. فالرواية ثرية إلى حد كبير جداً وتطرح السؤال الذي طرح سابقاً عن هذا الجيل المعطوب.

أما الإعلامي جمال العرضاوي صاحب برنامج "المشّاء" فأكد أن الرواية أثرته شخصياً وأعادته إلى أجواء روسية أحبها، لأنه وجد في البطل رجلاً مشبعاً بالألوان الروسية.

وقال: عندما قرأت هذه الرواية وأتممتها أصبت بخيبة كبرى لأنني أحببت زينة ووقعت في هواها وهي امرأة كومة من الإبداع ومن الذكاء، كنت أتمنى أن يذهب الكاتب بزينة إلى فضاءات أخرى.

وقال الناقد الدكتور محمد مصطفى سليم: يبدو لي أن قدر الروايات التي تجترح عالم المثقفين وتقدم بطلاً من النمط الذي قال عنه لوسيان جولدمان البطل الإشكالي هو ذلك الذي يبحث عن قيم أصيلة في واقع منحط، مشيراً إلى أن اتكاء الكاتب على الهوية التونسية وتقديم "الطلياني" على أنها معزوفة تونسية شديدة الرهافة تتصل بمعدن هذا الشعب الأصيل هو ما يفسر اعتماده على التكثيف في الرواية حد التفاصيل والوقائع، حتى بدت وكأنها تقدم تاريخ تونس وهويتها وتبتعد قليلاً عن التماس في تقديم نماذج إنسانية.

جدير بالذكر أن مداخلات الحضور تنوعت بين الانطباعات التي أتت على تفاصيل دقيقة من الرواية، والتساؤلات التي تتعلق بالتجريب في الرواية العربية، ومسألة الأجناسية وغيرها من القضايا.

مساحة إعلانية