رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لو كان النساء كأم سليم بنت ملحان الأنصارية، لفضلت النساء على الرجال، إي وربي إن هذا لحق، سنعلم صدقه وصحته بعد حين يسير، فيما سنعرض من ومضات باهرات لسيرتها، وقصة حياتها التي عاشتها، ضاربة أروع الأمثال، بما كان لها من خلال، وما بذلته من فِعال، حتى أصبحت نموذجا بديعا صالحا للرجال قبل النساء.
اشتهرت بكنيتها أم سليم، التي غلبت عليها حتى نسي الناس اسمها أو كادوا، فقيل إن اسمها (سهلة)، وقيل غير ذلك، فقد اختلفوا فيه كثيرا، وكان لها لقب عرفت به أيضا هو الرُّميصاء، أسلمت في المدينة، وأخذت مكانها في طليعة صفوف المسلمات السابقات إلى الإسلام، وكانت متزوجة قبل إسلامها من مالك بن النضر، والد ابنها الحبيب العزيز أنس، ولكن زوجها مالك، أبى الإسلام، وصد عنه، وغضب حين أسلمت هي، فراح يعنفها ويعيب عليها إسلامها، قائلا: أصبوت؟. فكانت تقول: ما صبوت، ولكني آمنت بهذا النبي الكريم. فلم يزدها ذلك إلا تمسكا بدينها وحفاظا عليه، أمام عنف زوجها، وبغضه لدينها، الذي رأها يوما تلقن ولدها أنسا، وهو طفل صغير، الشهادتين، فصرخ في وجهها: لا تعلميه هذا الكلام، ولا تفسدي على ابني. فتقول هي: إني لا أفسده، بل أدعوه لسعادته وصلاحه. ثم تركها زوجها هذا وفارقها، وخرج في حاجة له إلى الشام، حيث هلك هنالك ولقي حتفه.
بعد وفاة زوجها عنها، تقدم لخطبتها أبو طلحة الأنصاري، وجاء إليها يكلمها في ذلك، وكان لمّا يسلمْ بعد، فقالت له: يا أبا طلحة، ما مثلك يرد، ولكنك مشرك، وأنا مسلمة، فإني أدعوك إلى الإسلام، ولا أريد منك صَداقا غيره، فإن تسلمْ، فذاك مهري، ولا أسألك سواه شيئا. فتفكر أبو طلحة، وكان ذا نفس كريمة، وبصيرة سديدة، فلم يعجل ويستجب لطلبها، دونما اعتقاد ولا يقين، ولكن لحاجة في نفسه، فيكون كاذبا، يعامل بالزيف والخداع، بل قال لها: دعيني حتى أنظرَ في أمري. ثم إنه جاءها ولم يلبث طويلا، وقال: من لي بذلك الذي دعوتني إليه؟. قالت: لك بذلك رسول الله. فانطلق أبو طلحة يريد النبي عليه الصلاة والسلام، فجاءه وهو جالس في أصحابه، فلما رأه رسول الله قال:( جاءكم أبو طلحة غُرة الإسلام بين عينيه)، فأخبر رسول الله، بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذلك.
وهكذا كان الإسلام مهر أم سليم، الذي رضيت به وطابت نفسها، فما عرف الناس ولا تاريخهم، مهرا، أُصدِقَت امرأة مثلَه، ولا رأوا مهرا أكرم ولا أعظم منه.
كان حب الله ورسوله والدين الذي جاء به، هو المسيطر على قلبها، والحاكم على عقلها، فمن ثم تجلى ذلك الحب صافيا بهيا على كافة أعمالها ومجريات حياتها، فابتغت أن تعيش في فيء مجتمعها المنعم بظلال الإسلام عاملة باذلة، بل مضحية فدائية، ذلك هو مقتضى حب أم سليم الصادق الذي سكن أعماق نفسها، أمسكت في يوم بيد ابنها أنس، وهو غلام في العاشرة من عمره، ومضت به إلى رسول الله، ووهبته له خادما، وقالت: خُوَيْدمك أنس. فتقبله رسول الله، وفرح به، ثم سألته الدعاء لولدها، بقلب الأم الحنون، التي تحرص على الخير لابنها، وتريد نفعه، وتسعى في صلاحه وفلاحه، فما كان من النبي الكريم، إلا أن دعا له فقال:(اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته)، واستجاب الله دعوة نبيه، فقال أنس بن مالك، بعد أن امتد به العمر، حتى كان آخر من مات من الصحابة:(فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولَدَ ولدي ليتعادُّون على نحو المائة اليوم).
عاشت أم سليم امرأة صالحة حسنت التَّبَعُّل لزوجها أبي طلحة الأنصاري، حتى كان منها هذا الموقف بل هذه المحمدة، مما تعجب منه النفوس، وتدهش منه العقول، فقد ولد لهما ابن، وكان أبو طلحة يحبه محبة شديدة، وأصيب هذا الصبي بمرض عضال، ألزمه الفراش، حتى تعبت من أجله نفس أبي طلحة، وتغير حاله، وكان الصبي يُداوى ويعالج، ولكن ما نفع فيه طب ولا فاد دواء، ففاضت روحه إلى بارئها، وأبو طلحة خارج الدار، يباشر عمله، فقالت أم سليم لأهل بيتها: لا يَنعينّ إلى أبي طلحة أحدٌ ابنه، حتى أكون أنا التي أنعاه له. فهيأت الصبي وسجّته، ووضعته في جانب البيت، ثم جاء أبو طلحة، وسأل كعادته عن حال ابنه، فقالت أم سليم: ما كان منذ اشتكى أسكن منه الساعة، وأرجو أن يكون قد استراح. وصدقت إذ الموت غاية راحة الحي، فاطمأن أبو طلحة وحسب أن ولده قد تحسنت حالته، ويوشك أن يبرأ من علته، ثم قربت له عشاءه، فأكل وشرب، ثم قام إلى فراشه لينام، وقامت هي فتطيبت وتصنعت له أحسن ما كانت تصنع له في غير هذه الليلة، وأقبلت عليه، فكان منه ما يكون من الرجل إلى أهله، وبات في ليلته هانئا، فلما أصبحا أنبأته بالخبر فقالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوما أعاروا قوما عارية لهم، فسألوهم إياها، أكان لهم أن يمنعوهم؟ قال: لا. قالت: فإن الله عز وجل، كان أعارك ابنك عارية، ثم قبضه إليه، فاحتسب واصبر. عَقَلت الصدمة لسان أبي طلحة، فما قَوِي على النطق، إلا أنه ملك أمره، فاسترجع وحمد الله، الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه.
هكذا صنعت أم سليم وما ملأت الدنيا بكاء وعويلا لا يغني عنها شيئا، وما جعلت بيتها مبعث نكد، ولا مصدر صُراخ، أتطيق مثل ذلك النساء؟! سبحان الله خالق أم سليم، إن ما فعلته حقا لشيء عجاب، وإنه ليدل على صبر نفس، وإيمان قلب، وحكمة عقل. ثم إن أبا طلحة غدا إلى رسول الله، فأخبره بما كان في ليلته، فقال عليه الصلاة والسلام: (بارك الله لكما في ليلتكما)، وقد كان ذلك، فرُزقا فيما بعد ولداً زكيّا رضيا.
بقي من جوانب حياة أم سليم، جانب جهادها مع رسول الله، في المشاهد والمعارك، فقد كانت تخرج للجهاد تسقي العطشى، وتداوي الجرحى، كما فعلت ذلك يوم أحد، ولها في يوم حنين موقف ثبتت فيه حول النبي ثبات الصناديد، حينما تراجع المسلمون عنه على إثر مباغتة العدو لهم في واديهم، الذي كَمَنوا فيه، فلما رأت ذلك اتجهت نحو النبي مسرعة الخطى، وقد حزمت خنجرا في وسطها، وكانت يومئذ حاملا، حتى بلغت رسول الله وقالت بشدة وانفعال: يا رسول الله، اقتل هؤلاء الذين يفرون عنك، كما تقتل الذين يقاتلونك، فإنهم لذلك أهل. فسُر بها الرسول وابتسم وقال: (إن الله قد كفى وأحسن، يا أم سليم).
تستحق أن تحظى عند رسول الله
نفس كنفس أم سُليم لا شك أنها تستحق أن تحظى عند رسول الله، وتجازى قربا وتقديرا ومحبة، لذلك كان عليه الصلاة والسلام، يكثر من زيارتها والدخول عندها في بيتها، وكانت هي رضي الله عنها، تُتحفه في كل زيارة بالشيء تصنعه له، وكان أعظم جزاء من النبي لها، هو تبشيرها بما لها عند الله في الآخرة، من بشرى دخول جنة عدن، فقال:(رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء، امرأة أبي طلحة).
لماذا تكتب؟..
من أكثر الأسئلة التي توجه لي في حواراتي الثقافية، أو توجه إلى غيري من الكتاب، هو لماذا تكتب؟.... اقرأ المزيد
42
| 30 أكتوبر 2025
الإزعاج الصوتي.. تعدٍ على الهدوء والهوية
في السنوات الأخيرة، أصبحت الأغاني تصدح في كل مكان نذهب إليه تقريبًا؛ في المطاعم والمقاهي والفنادق والأندية الرياضية،... اقرأ المزيد
60
| 30 أكتوبر 2025
وجوه صامتة
• ما معنى أن يعم الهدوء كل الأرجاء والوجوه؟ وما معنى ان تصادف إنسانا يلتزم الصمت في معظم... اقرأ المزيد
24
| 30 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6600
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6480
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3198
| 23 أكتوبر 2025