رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ما نراه يحدث بالعراق في وقتنا الراهن يجعلنا نعقد مقارنة سريعة بين النوريين، نوري السعيد ونوري المالكي.. فنوري السعيد رأى مستقبل العراق مشرقا من خلال نظارته البيضاء،أما المالكي فأدخل بلاده في ظلام من خلال نظارته السوداء والتي يرى بها كل ما في العراق قاتما.
فنوري السعيد الذي نتحدث عنه هو أبرز السياسيين العراقيين أثناء العهد الملكي والذي تولى منصب رئاسة الوزراء في العراق 14 مرة بدءا من وزارة مارس 1930 إلى وزارة الأول من مايو 1958.. كان جل هم السعيد هو الحفاظ على أمن المواطن العراقي ووحدة بلاده التي كان حالها أفضل بكثير من العراق اليوم.
أعتقد أن الشعب العراقي لما له من رصيد عظيم من الوطنية يملك مقومات تغيير حاضره إلى الأفضل، والشعب العراقي صاحب قراره حقيقة، وأعتقد أنه من كثرة ما تعرض له من محن وآلام، فليس أمامه سوى الأمل وأن يرفع صوته ضد كل ما يلاحقه يوميا حتى يشعر العالم بمعاناته على يد حكامه. وأحسب أن الشعب العراقي على بينة بما يحيق به من شرور، وأن بعض سياسييه لا يحبون التغيير من أجل مصالحهم. ولكن المؤكد أن بالعراق الآن الكثير من نوري السعيد بنظارته البيضاء التي يرى بلاده عبرها مشرقة ومستقبلها مزدهرا.. رجال مخلصون ووطنيون لا يهمهم أي شيء سوى مصلحة العراق والشعب العراقي.
والعراق أيضا مليء بنوري المالكي بنظارته السوداء المتشائمة التي لا ترى سوى أسود، وهؤلاء لن يقدموا لبلدهم سوى المحن والظلم والتخلف والارتماء في حضن الأجنبي وتأجيج الطائفية والمذهبية ونبذ الديمقراطية وإشعال الفتن وإقحام العراق في المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإقليمية بهدف الحفاظ على الكرسي فقط وليس غيره.
وللأسف.. لا يعترف المالكيون بأخطائهم رغم أن الاعتراف بالخطأ فضيلة ومن حكم العقلاء، وهؤلاء يستغلون الديمقراطية لتنفيذ مآربهم السياسية فقط ثم ينقلبون عليها طالما استفادوا من عباءتها ثم يظلمون المواطن والشعب والبلد كلها، غير عابئين بالمواطن الذي أحضرهم إلى الحكم، ولكن على كل هؤلاء أن يعلموا أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.
وأعتقد أن الشعب العراقي هو الأكثر دراية بمتطلباته في الوقت الراهن، وعليه الحفاظ على مكتسباته وأهمها الديمقراطية التي انقض عليها المالكيون، وتطويرها لينعم بها كل الشعب.. ولا داعي لترديد ما يزعمه أعوان المالكي بأن بعض الدول المجاورة ونقصد الخليجية منها، تستهدف تدمير الديمقراطية العراقية.. أي ديمقراطية يتحدثون عنها؟! ومن المؤسف أن نسمع أن بعض العراقيين ينسون أفضال الخليج الذي أسهم بعوائده في دعم جيش صدام ضد الجحافل الإيرانية ونجا العراق بلدا وشعبا من الزحف الفارسي.. وبأي حق يتحدث هؤلاء أو ما هي مصادرهم في الحديث عن مؤامرة خليجية للانقضاض على الديمقراطية العراقية؟ وعلى أي أساس يرصدون تلك المؤامرة المزعومة تكلفة تصل لنحو (250) مليار دولار لتدمير الديمقراطية العراقية!!. أعتقد أنه لو كان نوري السعيد بين ظهرانينا الآن لرد بنفسه على مثل هذه الخزعبلات التي تصدر من قلة داخل العراق للأسف الشديد، فنوري السعيد كان مثالا لرجل الدولة الذي يعرف قدر بلاده وجيرانها وكان يحترم الجميع واحترمه الآخرون، بعكس آخرين يعبثون بالسلطة والبلد من أجل بلاد أخرى.
ونقل عن نوري السعيد ذات يوم قوله : "العراق عبارة عن بالوعة وأنا أجلس على غطاء فوهتها، فإذا تنحيت عنها انتشرت رائحتها الكريهة".. ومع غرابة التشبه والحالة، فإن الوضع قد يكون صحيحا في وقتنا الراهن، فالعراق يقترب من تشبيه السعيد ولكن القائمين على الحكم هناك لا يستطيعون إحكام غطاء الفوهة وبذلك تنتشر المشكلات السياسية والاقتصادية وآخرها أزمة منطقة الأنبار التي تنبئ بربيع عربي جديد في العراق. وإذا كان أهل الحكم يريدون حقا مستقبلا أفضل لبلدهم، فأمامهم الديمقراطية التي تحل كافة المشكلات، فهي السبيل للقضاء على الطائفية سواء الدينية أو السياسية بشرط عدم حشر الدين في الشؤون السياسية.
ويعلم القاصي والداني أن العراق في عهد نوري المالكي دخل في متاهات سياسية عديدة بسبب عدم وجود البوصلة الحقيقية التي تقود البلاد إلى بر الأمان، فالمالكي أدخل بلاده في أتون أزمات متعددة ومتلاحقة، ويرفض الحوار مع الآخر وصولا إلى حل للأزمات، وهو لا يأبه أصلا بمسألة تقسيم العراق. وأصبحت المراوحة هي سيدة الموقف في العراق، ونقصد هنا المراوحة التي تعني التخلف.
الوضع السياسي في العراق اليوم يدعو للسخرية، فكل رجال المالكي يتحدثون عن الإنجازات في معرض تعليقاتهم عن الأوضاع الحالية، وهم يعتقدون بالخطأ أن التجربة الديمقراطية في العراق هي تجربة فريدة من نوعها وعلى العالم استنساخها. وهم للأسف لا يرون أصل المشكلة وهي أن شيعة العراق يتمسكون بالسلطة على حساب بناء دولة العراق القوية الديمقراطية حتى لو كان الثمن هو تدمير البلاد وتحويلها إلى أرض قاحلة.
أما لو كان نوري السعيد هو الذي على رأس السلطة الآن، لوضع مصلحة العراق وشعبه في المقدمة وليس في نهاية المطاف. فالمالكي يريد فض المظاهرات الرافضة لسياساته الظالمة بالقوة لإشعال الحرب الأهلية في العراق، فهو يهدد بتدخل الجيش لقمع المظاهرات، وهذا يؤكد تعطشه للدم خاصة دماء السنة.. فهو لا ينسى تاريخه عندما كان موظفا في دائرة التشييع السياسي والأيديولوجي قبل غزو العراق، ودخل قصر الرئاسة على ظهر دبابة أمريكية، فهو صنيعة الأمريكيين الذين أعدوه للسلطة وفقا لعملية سياسية – عسكرية مشتركة. والخوف كل الخوف أن يستمر المالكي في الحكم، فكل يوم يقضيه في السلطة يعني مئات القتلى من شعبه.
ثم يدعي نوري المالكي بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العراقي أن التوترات الطائفية في المنطقة ألقت بظلالها على بلاده، داعيا القوى السياسية إلى رفض التدخل الخارجي وحل المشاكل الداخلية. ثم يدعي أن التنافس الإقليمي والاستقطاب الموجود في المنطقة وما يحيط بالعراق من توتر طائفي أخذ يلقي بظلاله الثقيلة على العراق. وتناسى المالكي أن حكمه هو الذي كرس الاستقطاب وأصبح تركة ثقيلة بالعراق. ومع ذلك نراه يطالب بعزل العراق عما سماها بالتيارات التكفيرية التي تعصف بالمنطقة!! والداهي، أن المالكي يجرم الاستقواء بأي طرف إقليمي لتقوية طرف عراقي داخلي، لأن هذا يعد عملا خطيرا، يفتح أبواب الشر على العراقيين، في حين أن المالكي نفسه كرس سياسة الاستقواء بإيران والخارج لدعم حكمه وتقوية أواصره مقابل إضعاف بقية مكونات الشعب العراقي.
ولا يسعنا هنا سوى السخرية من قول المالكي :" الدول لا تبحث عن مصالحنا ولا تبحث عن مصالح تلك القومية أو المذهب بقدر ما تبحث عن مصالحها وهي مستعدة لدعم أي جماعة تضع نفسها في هذا السياق".. ثم يعود ويدعو دول الجوار والأصدقاء للتعامل مع العراق وفق سياقين : الأول احترام الشأن الداخلي وعدم دس الأنف فيه، والثاني الابتعاد عن إشاعة جو الإرهاب لأنه عمل ارتدادي سيصيب بلدانهم. قد يتناسى المالكي أن سياساته هي التي إشاعة الفوضى والفساد والضغينة والكراهية بين العراقيين، وبالتالي، لا لوم على الآخرين أو الجيران اللهم إذا كان هؤلاء الجيران من أهل فارس الذين يدسون أنوفهم في شؤون كل الدول المجاورة.
ولهذا، ليس من حق المالكي أن يصف الوضع الحالي في بلاده بأنه يمر بمنعطف خطير لأنه هو نفسه مسؤول عن هذه الأجواء، وليس من حقه اتهام أي طرف سوى إيران بإشاعة الفوضى في بلاده. الغريب أن المالكي ما إن رأى حجم المظاهرات بأم عينيه، إلا وحاول الانبطاح قليلا ليؤكد على أن جميع المشاكل يمكن حلها بالحوار الأخوي والانفتاح.. فهو الذي قال :" لا مطلب يصعب تحقيقه ولا خلاف يتعذر حله".. ولكنه للأسف، يعود لسياسة اللف والدوران ليرمي على غيره بالتهمة :" لكن إذا بقينا نتطلع إلى خارج الحدود ونراهن على هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، لن نجلب لبلدنا سوى الدمار والمآسي، وليكن عبرة ما يحدث حولنا".
نعم.. فالمالكي يتفنن في سياسة الاستفزاز، عبر شخصيته الإقصائية، فهو محنك في هذا، واستطاع إقصاء كل المعارضين له حتى ممن كانوا أقرب الناس إليه في الماضي لمجرد أن نصحوه بالتحاور مع الآخر وخصومه السياسيين.. وأخيرا وليس آخرا، فالعراقيون اليوم بحاجة لمراجعة تاريخهم وقراءة أيام بلادهم إبان عهد نوري السعيد لمعرفة الفارق.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4194
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1752
| 04 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1752
| 07 ديسمبر 2025