رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كلما تعرّفتُ على نماذج جديدة لعشّاق اللغة العربية من غير العرب، وسعيهم لتعلّمها وإتقانها وخدمتها، وعرّفتُ بهذه النماذج، أدركتُ كم نحن مقصرون بحق لغتنا الأمّ، ومفرّطون في جنبها.
حدثتكم من قبل عن الطفلة آسية الباكستانية (11 عاما) التي حصلت على الشهادة الجامعية في المحادثة بالعربية وهي في السابعة من عمرها، ثم الدبلوم المتقدّم باللغة العربية من الجامعة الإسلامية بإسلام آباد وهي في سن تسع سنوات، ثم تأليفها لكتابها الأول بالعربية للأطفال وهي بنت ثماني سنوات، ثم تأليفها لكتابها الثاني وهي في عمر تسع سنوات (وهما لغير الناطقين العربية).. وأحدثكم اليوم عن "أمينة" التركية ـ تدرس في السنة الثانية بكلية الإلهيات "الشريعة" ـ التي تطلق على نفسها "عاشقة اللغة العربية وآدابها"، وكيف تسعى للتعمق وإتقان التحدث بها، أخبرتني كيف أنها قطعت مشوارا مهما بعد حفظها للقرآن الكريم، حيث استطاعت التحدّث بالعربية بعد زيارتها للمغرب في برنامج جامعي تبادلي لمدة 5 أسابيع، متغلبة على خوفها وخجلها، وكيف تستفيد من أساتذة جامعيين سوريين يقيمون في تركيا، وتتلقى دروسا لحفظ ألفية ابن مالك وشرح المعلقات.. كما أنها تستثمر موهبتها الأدبية بالتركية فتنتقل لكتابة القصص والخواطر بالعربية، ولا تقتصر على الأخذ بل تعطي، فهي تدرس اللغة العربية للمبتدئين في اتحاد الكتاب باسطنبول. وباختصار لخصتْ عشقها للعربية بالقول: حبّ اللغة العربية لامس شغاف قلبي، فأصبحت كروحي، وتطمح بكل عزيمة للتعمق بالعربية، ونيل درجتي الماجستير والدكتوراه فيها.
من المؤكد أن إهمالنا ـ نحن العرب ـ للغتنا الأم وتقصيرنا بحقها وتجاهلنا لها وتهويننا من شأنها أدى إلى غربة أجيالنا عنها، ولذلك مظاهر كثيرة ليس المقام للتفصيل فيها. ولكن ماذا عن تقصيرنا بحقّ لغتنا العربية مع غير الناطقين بها، إنه تقصير كبير ولا ريب، وهو يندرج في إطار "فاقد الشيء لا يعطيه"، فمن يقصّر بحق لغته الأم لا ينتظر أن يعنى بها مع غير الناطقين بها على الأرجح.
قبل أشهر زرتُ تركيا واستمعت إلى صديق من المثقفين الأتراك، كان يركّز على أهمية أن تستثمر بلاده وجود اللاجئين السوريين الموجودين في بلاده حاليا خصوصا في مجال تعلّم العربية والقرآن والعلوم الشرعية، لاسيَّما أن بينهم كفاءات كبيرة، وبعضهم يدّرس حاليا في الجامعات والمدارس، ومما سمعته من الفتاة الطموحة "أمينة" ـ كحالة ـ يؤكد أهمية هذا الاستثمار.
لغتنا العربية هي لغة القرآن ولها قداسة في نفوس مئات الملايين من المسلمين، وتعلمها يعزز من فهم كتاب ربهم وتعاليم دينهم، وتقوية صلاتهم في العالم العربي، وبالنسبة لغير المسلمين فثمة من يرغب في تعلمها في القارات الآسيوية والإفريقية والأوروبية أو الأمريكتين.. لاعتبارات مختلفة منها ما هو اقتصادي أو سياسي، ونشرها يقويّ من التعريف بثقافتنا، والترويج لتراثنا الحضاري، ولكن مع ذلك لم نفعل إلا النزر اليسير.
هناك أمور يمكن أن تحدث فرقا في نشر العربية في أوساط غير الناطقين بها، وليس من الصعب القيام بها.. نوردها من باب التذكير:
ـ زيادة اهتمام منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية الأهلية بتعليم العربية في أوساط العمالة غير العربية بدول كدول الخليج من خلال الدورات التدريبية و"الكروسات".
ـ إضافة مراكز تعليم العربية لغير الناطقين بها إلى كليات اللغة العربية والآداب بجامعاتنا العربية، وتوسيع نطاق نشاط الموجود منها على مستوى الدورات والدبلومات العلمية والمهنية.
ـ زيادة عدد مِنح تعليم العربية في جامعاتنا العربية على المستوى الجامعي والدراسات العليا.
ـ تخصيص كفالات طلبة علم لدى المؤسسات الخيرية في الخليج والعالم العربي للراغبين بدراسة اللغة العربية من الأعاجم على مستوى الجامعة وما فوقها، وتمويل إقامة دورات لتعليم العربية في الدول التي لا تنطق بها، وتمويل إعداد وطباعة المناهج اللازمة.
ـ تقديم دعم خاص للطلبة الموهوبين والمتميزين علميا من محبّي العربية والمتطلعين لإتقانها كآسية وأمينة، كتوفير فرص لهم للإقامة في دول عربية لعدة أشهر من أجل إتقان التحدث، أو كفالتهم تعليميا أو طباعة إصداراتهم وغيرها.
ـ قيام الملحقيات الثقافية للدول العربية في الدول غير الناطقة بها بدور في هذا المجال.
الأفكار كثيرة.. لكن الأهم من عرضها أن تتوفر القناعة الفعليّة لإعلاء شأن العربية بين أهلها، وتعليمها لغير الناطقين بها ونشرها في أوساطهم والتركيز على من يبلون عليها بحب وشغف.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13695
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1806
| 21 نوفمبر 2025
شهدت الجولات العشر الأولى من الدوري أداءً تحكيميًا مميزًا من حكامنا الوطنيين، الذين أثبتوا أنهم نموذج للحياد والاحترافية على أرض الملعب. لم يقتصر دورهم على مجرد تطبيق قوانين اللعبة، بل تجاوز ذلك ليكونوا عناصر أساسية في سير المباريات بسلاسة وانضباط. منذ اللحظة الأولى لأي مباراة، يظهر حكامنا الوطنيون حضورًا ذكيًا في ضبط إيقاع اللعب، مما يضمن تكافؤ الفرص بين الفرق واحترام الروح الرياضية. من أبرز السمات التي تميز أدائهم القدرة على اتخاذ القرارات الدقيقة في الوقت المناسب. سواء في احتساب الأخطاء أو التعامل مع الحالات الجدلية، يظل حكامنا الوطنيون متوازنين وموضوعيين، بعيدًا عن تأثير الضغط الجماهيري أو الانفعال اللحظي. هذا الاتزان يعكس فهمهم العميق لقوانين كرة القدم وقدرتهم على تطبيقها بمرونة دون التسبب في توقف اللعب أو توتر اللاعبين. كما يتميز حكامنا الوطنيون بقدرتهم على التواصل الفعّال مع اللاعبين، مستخدمين لغة جسدهم وصوتهم لضبط الأجواء، دون اللجوء إلى العقوبات القاسية إلا عند الضرورة. هذا الأسلوب يعزز الاحترام المتبادل بينهم وبين الفرق، ويقلل من التوتر داخل الملعب، مما يجعل المباريات أكثر جاذبية ومتابعة للجمهور. على الصعيد الفني، يظهر حكامنا الوطنيون قدرة عالية على قراءة مجريات اللعب مسبقًا، مما يسمح لهم بالوصول إلى أفضل المواقع على أرض الملعب لاتخاذ القرارات الصحيحة بسرعة. هذه المرونة والملاحظة الدقيقة تجعل المباريات أكثر انتظامًا، وتمنح اللاعبين شعورًا بالعدالة في كل لحظة من اللعب. كلمة أخيرة: لقد أثبت حكّامُنا الوطنيون، من خلال أدائهم المتميّز في إدارة المباريات، أنهم عناصرُ أساسيةٌ في ضمان نزاهة اللعبة ورفع مستوى المنافسة، ليكونوا مثالًا يُحتذى به على الصعيدين المحلي والدولي.
1263
| 25 نوفمبر 2025