رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المجتمع القطري مجتمع صغير متجانس ومترابط، أفراده يعرف بعضهم بعضاً، بينهم أواصر قرابة ونسب وعلاقات سكنى وجوار. مصاب العائلة الواحدة يشمل عشرات العوائل والأفراد. مجتمعنا هذا مصاب بنزيف شبه يومي في خسارة أفراده من جراء الحوادث المرورية. فلا يكاد يمر أسبوع إلا وتجبرك الظروف على أداء واجب العزاء في وفاة، أو واجب المواساة لزيارة مصاب في المستشفى لضحية من ضحايا الحوادث المرورية. وأصبح عندنا - للأسف - نوع من التقبل لرتابة هذه الحوادث وما تسببه من ازهاق للأرواح وهدر للأموال، وكأنها ضريبة ندفعها مقابل التطور الاجتماعي والتقدم الاقتصادي.
أمس الأول دشن سعادة الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني وزير الدولة للشؤون الداخلية الحملة الوطنية للحد من الحوادث. وأسفر الحديث خلال الندوة المصاحبة لبدء الحملة التي شاركت فيها وزارتا الصحة والأوقاف عن أن معدلات الوفيات خلال 2004 جراء الحوادث المرورية قد بلغت 164 حالة وفاة، وأن المعدل للشهور الأربعة الأولى من 2005 قد بلغ 67 حالة وفاة، أي بمعدل حالة وفاة واحدة كل يومين!!! وأضافت وزارة الصحة انه خلال الـ 20 سنة الماضية ازدادت معدلات الوفاة بواقع 10% إلى 12% سنويا. وهذا يعني أن الوتيرة إذا استمرت على نفس المنوال فإنه سيكون لدينا حوالي 182 مجلس عزاء قبل نهاية السنة الحالية.
الحديث خلال الندوة تركز كالعادة على الحملات والدراسات السابقة التي لم تخرج عن نطاق ان الحوادث سببها السرعة الزائدة وتجاوز أنظمة وقواعد المرور، وأن العلاج يكمن في برامج التوعية وأهمية الالتزام بنصائح وارشادات وقواعد ونظم المرور وضرورة تعاون المواطنين لإنجاح الحملة إلخ.. إلخ.. إلخ.
وفي تصوري أن الحملة - المتوقع استمرارها عدة شهور - لن تسفر عن شيء يذكر للحد من الحوادث لأنها أغفلت السبب الأول والرئيسي لاستفحال الحوادث المرورية خلال السنوات القليلة الماضية. فهي شخّصت الداء وصرفت الدواء المختلف. كلنا نعرف أن أغلب الحوادث تأتي نتيجة السرعة والرعونة والتهور من قبل الشباب في قيادة السيارات والدراجات النارية التي قادت إلى حوالي 50% من الحوادث المرورية خلال العام الماضي.
فيكفي أن يمتلك الشاب سيارة فخمة ورقماً مميزاً ليحس بأنه اكتسب الحق لانتهاك قواعد المرور بالطريقة التي تحلو له. فتراه يقود سيارته بسرعات رهيبة أو يقطع إشارات المرور أو يتحدى زملاءه وأقرانه في عمل «تخميسات» يرسمها في وسط الشوارع والأرصفة وتعتبر كأنها تواقيع شخصية له. وتراهم يصعدون الأرصفة بواسطة سيارات الدفع الرباعي ليتخطوا صفوف السيارات الأخرى بدون أدنى احترام للآخرين. والأدهى والأمر هو قيادتهم السيارات ليلاً بأنوار مطفأة أو شبه معدومة، أو قيادة السيارة بسرعة بطيئة جداً في الطرق السريعة حيث تشاهد السائق وقد تمدد على كرسيه يرضع من هاتفه النقال أو يشاهد تليفزيونه الخاص.
أين رجال المرور من هذه النوعية التي تسرح وتمرح في شوارع الدوحة؟ ألا يعرفون ويشاهدون استعراضاتهم ومخالفاتهم المرورية؟ أين هيبة رجال المرور التي ينتهكها الشباب يومياً، وهم يمرون مسرعين أمام سيارات الدوريات؟ لماذا لا نرى أعداد رجال المرور ليلاً كما نراهم نهاراً؟ وهل اقتصر وجودهم على تسليك السير وعمل تقارير الحوادث فقط؟ هذه النوعية من السائقين تشبعت بمقولة «من أمن العقوبة أساء الأدب» ولا تفيد معها التوعية المرورية. وهؤلاء السائقون وأغلبهم مراهقون تصعب السيطرة على تصرفاتهم ولا يدركون المسؤولية ولن تجدي معهم الارشادات والتوعية المرورية. ولن تجدي معهم إلا العقوبات الصارمة. تراهم يلتزمون بقواعد ونظم المرور في الدول الأخرى خلال الإجازات الصيفية لأنهم يعرفون أن القانون هو السائد على الجميع هناك. والحل يكمن في تشديد العقوبة أولاً وثانياً وثالثاً ثم إعادة الهيبة لرجال المرور. وكلنا ثقة في أن سعادة وزير الدولة للشؤون الداخلية وقد كان شخصياً على رأس الحضور أمس الأول في الندوة المصاحبة لبدء الحملة، في دعمه الكامل لإدارة المرور ورجالها بتمكينهم من الصلاحيات والقوانين الرادعة واللازمة لفرض النظام والقانون على مقلي الأدب في الطرق.
ويبقى الأمر الأخير لأولياء الأمور في أن يتقوا الله في أبنائهم بعدم تمكينهم من قيادة السيارات في سن مبكرة، ومعرفة أين وكيف يقضون أوقات فراغهم، خاصة ليلاً، وأن يكونوا عوناً للمسؤولين في ضبط تصرفاتهم الصبيانية للحد من النزيف اليومي المستمر للدم القطري.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6375
| 24 أكتوبر 2025
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6201
| 27 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5103
| 20 أكتوبر 2025