رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من خلال متابعتنا لما يدور حول التعليم المستقل "المدارس المستقلة" من جدل وجدال وضجة إعلامية صحفية وإذاعية عبر صحفنا المحلية وبرامجنا الإذاعية باعتباره النظام التعليمي الوحيد المتاح حاليا، واعتبارا من بداية العام الدراسي القادم وفقا لآخر التصريحات الرسمية، والتي أعقبت جلسة مجلس الشورى التي تمت فيها مناقشة القضية وتقييمها من وجهة نظر أعضاء المجلس لما لاحظوه من شكاوى وتذمر وإحباط واستياء وسخط أولياء الأمور في جميع مراحل التعليم من سلبيات هذا النظام وما يشوبه من قصور، لاحظنا أن هناك أخذاً ورداً، وشداً وجذباً، وغمزاً ولمزاً، وتصريحاً وتلميحاً، وتشكيكاً وتجريحاً، واتهام أولئك الكتاب أصحاب الأقلام الحرة بالتخلف أحيانا، وبمعاداة التجديد والتغيير والتطوير والنجاح أحيانا أخرى من قبل أصحاب التراخيص والمؤيدين لهذا النظام، والمدافعين عنه ضد كل ما يكتب من وجهات نظر لا تتوافق مع وجهات نظرهم الشخصية.
وتعليقا منا على ذلك، فلا نرى ما يدعو لكل هذا التشنج والتعصب والغضب غير المبرر على ما يكتب من نقد بنّاء يخدم القضية الوطنية الأولى (التعليم) في نهاية المطاف. فكلنا مع التغيير والتجديد والتطوير، ولكننا لسنا مع التجديد لمجرد التجديد، ولسنا مع أي تغيير، بل مع التغيير للإصلاح والتحسين والارتقاء بالعملية التعليمية، ونرى أن كل ما يكتب من آراء ووجهات نظر تصب جميعها في هذا الاتجاه حيث الحرص على الأداء الأفضل، ووفقا لمعايير المنطق والموضوعية المبنيّة على الأسس العلمية للتغيير المستهدف.
ونتيجة لما كُتب، وما أُذيع من انتقادات موضوعية مستندة إلى واقع ملموس ومحسوس يراه كل متابع لسير العملية التعليمية من أفراد المجتمع، واستجابة لنداء التقطير، وتقطير الهيئة التدريسية في المدارس المستقلة، اتخذت هيئة التعليم خطوتها الأولى إلى الأمام لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة المدارس المستقلة، وما يرافقها من دعاية وإعلان وتلميع وبهرجة إعلامية، والعمل على حل مشكلاتها التعليمية وغير التعليمية مع الطلبة وأولياء أمورهم، وتحسين صورتها في عيون أفراد المجتمع القطري الساخط، فبادرت بمد جسور الاتصال والتواصل مع موظفي وزارة التعليم والتعليم العالي من خلال اجتماع موسع جمع قادة المجلس الأعلى للتعليم بأقطاب الوزارة أملا في استقطاب ما يمكن استقطابه من الكوادر الوطنية التربوية المؤهلة من معلمين وموجهين وإداريين وخبراء تعليم، وتشجيعهم على العمل في التدريس في المدارس المستقلة بهدف التقطير من جهة، وتطبيب التعليم المستقل العليل من جهة أخرى.
ويبدو للعيان، والمتابعين لمجريات الأحداث من خلال الصحف المحلية، ووسائل الإعلام الأخرى، أن البادرة جيدة لاحتوائها على مضامين مشجعة كثيرة معلنة بوضوح، مثل الراتب الأساسي وفقا لبنود ومواد قانون الموارد البشرية، وما يرافقه من بدلات وعلاوات، ومكافآت، واستحقاقات، وغيرها. ناهيك عن العلاوات التشجيعية المقترحة من قبل هيئة التعليم، مع التأكيد على ضمان الأمن الوظيفي للعاملين بهذه المدارس، وكل هذه مضامين مادية. أما فيما يتعلق بالمضمون المعنوي، غير المباشر، فيكمن في الاجتماع ذاته، فمجرد الاجتماع مع أطباء التعليم القدامى وخبرائه لبحث مشكلات التعليم الجديد وعلله، وتشخيصها لعلاجها، يعتبر في حد ذاته رد اعتبار لكل معلم محيّد ومغيّب عن مشروع التعليم الجديد منذ انطلاقته الأولى سنة 2004، حيث ينظر إليه على أنه عبء على التعليم لمرحلة جديدة، ودواء قديم لا يصلح لعلاج العلة الجديدة. ففي العرض من وجهة نظرنا المتواضعة رد اعتبار للمعلم الممارس لعمله حاليا (المتواجد على الساحة التعليمية، وعلى رأس عمله) من جهة، وللمعلم المُسَرّح من الوظيفة، والمحال على التقاعد أو على البند المركزي لعدم صلاحيته لمرحلة تعليم جديدة من جهة أخرى. وهذا يعني أنه لا غنى عنك أيها المعلم في أي مرحلة تعليمية كانت، فأنت الطبيب المداوي، والقادر بعلمك وخبراتك الميدانية على تشخيص العلل والمشاكل التعليمية، وتحديد أسبابها، والعمل على علاجها من جذورها.
ولنا مع هذا العرض التشجيعي وقفة. فلا شك أن هذه الإغراءات سخية ومجزية، ولكنها لا تتعدى في مضمونها العام الإطار المادي البحت لتعلقها في المقام الأول بالناحية المالية للمعلمين، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية، وهذا مطلوب دون شك، ولكنه ليس بالضرورة أن يكون مغريا لكل الكوادر التربوية الوطنية، ولذا، فربما تكون هذه المغريات كفيلة باستقطاب بعض هؤلاء المعلمين والمعلمات للعمل في المدارس المستقلة، إلا أنها غير كافية لاستقطاب كل الكوادر الوطنية الجيدة، وذلك لأنها لم تدق على الجرح الحقيقي لمشكلة العزوف عن المهنة والنزوح منها. وذلك لأن الوضع المادي للمعلم في هذه المرحلة التعليمية ليس هو السبب الوحيد في رفض الالتحاق بالتدريس في هذه المدارس، بل هناك سبب وجيه آخر، وربما رئيسي، ويشكل هاجسا كبيرا لفئة ليست بالقليلة من هؤلاء المعلمين، وهي لغة التدريس الأعجمية (الإنجليزية)، وليست العربية حيث يجد الكثير من المعلمين والمعلمات انفسهم أمام عقبة كبيرة في التعامل والتواصل مع بني جنسهم والمتحدثين بلغتهم الأم ومواطنيهم بلغة غير لغتهم الأصلية القادرين من خلالها على الاتصال والتواصل وتوصيل المفاهيم بسهولة وسلاسة وطلاقة دون تعثر وارتكاب أخطاء لفظية وارتباك وحرج، وربما سخرية في كثير من المواقف من قبل المتعلمين الذين ربما يكونون ملمين بهذه اللغة بحكم مراحلهم السنية والتصاقهم بوسائل الاتصال المعاصرة مثل الكمبيوتر والانترنت والقنوات الفضائية والإعلام الغربي وثقافته غيرها.
ومن هنا، وتعزيزا لمحاولة الاستقطاب هذه، نناشد قادة التعليم لمرحلة جديدة أن يحَكّموا العقل ويسيّدوا المنطق، ويصححوا المسار، ويتخلوا عن المكابرة، ويكملوا إحسانهم، ويعزّزوا عرضهم السخي ويوسعوه ليشمل لغة التدريس وتعريبها، وتعظيمها حيث عظمها الله سبحانه وتعالى وكرمها باختيارها لغة لكتابه العزيز "القرآن الكريم". وفي هذا التزام بقرار مجلس الوزراء الخاص باعتماد اللغة العربية لغة رسمية للدولة، وتفعيل لقرار وزيرة التربية والتعليم السابقة من بعده باعتماد اللغة العربية لغة اتصال وتواصل داخل الصفوف الدراسية في المدارس المستقلة. وبذلك تلقى هيئة التعليم قبولا لعرضهم السخي من قبل معلمي ومعلمات الوزارة دون تردد خصوصا في ظل ما رافق هذا العرض من امتيازات وضمانات، وإغراءات مالية، وعلاوات، وبدلات، وأمن وظيفي، واستقرار نفسي. فالتدريس بلغة غير لغة المعلم والمتعلم الأصلية عبث واستهزاء ومهانة لكرامة المعلم غير المتقن لهذه اللغة، وتشويه لصورته أمام المتعلمين، وخصوصا أننا أمة "اضحك".. نضحك على بعضنا البعض عند ارتكابنا لأي خطأ، ونتصيد أخطاء بعضنا البعض، ونسخر من بعضنا البعض في حالات التعثر في الحديث، وغياب الطلاقة والسلاسة في المواقف التعليمية أمام المتعلمين. فالمعلم بمظهره وعلمه وأساليب تدريسه ولغته الواضحة وطلاقته وسلاسة حديثه يعتبر نموذجاً وقدوة حسنة للمتعلم، وبذلك ترتقي مكانته الاجتماعية، وتتشكل صورته في ذهن المتعلمين، وأي خدش في هذه الصورة يؤثر سلبا على مكانته في الصف أمام المتعلمين أولا، وفي المجتمع ثانيا. أما التدريس باللغة العربية من قبل المتحدث بها والمتقن لمفرداتها بنسبة 100%، والملم بصغائرها، والمطلع على خفاياها، يضمن تفاعلا صفيا، وتعليما جيدا، وتعلما نافعا. وذلك نتيجة لقدرة المعلم القطري، بحكم ثقافته العربية على توصيل الرسالة العلمية والمحتوى العلمي التعليمي من حقائق ومفاهيم ومبادئ وقيم تربوية بكفاءة عالية إلى جمهوره وتلاميذه المتحدثين بنفس اللغة، والمنتمين إلى نفس الثقافة، والملمين بمفرداتها حيث إنها بالنسبة لهم لغة اتصال وتواصل فعالة. وليس هذا فحسب، بل هي لغتهم الأولى، ولا يعرفون غيرها في التواصل مع بعضهم البعض في الصف والمدرسة والحي والبيت، فلماذا التواصل بينهم وبين معلمهم بلغة غيرها. وما ذنب المعلم القطري المتميز والملم لمادته العلمية إذا لم يتقن التحدث باللغة الإنجليزية والتواصل من خلالها؟ وهل يعقل لهذا المعلم القطري في بلده وعلى أرضه في هذه المرحلة الجديدة من التعليم أن يختار بين التدريس باللغة الإنجليزية أو الخروج من الميدان التربوي لأن لغته العربية لا تصلح للتدريس في هذه المرحلة؟ فأين يذهب هذا المعلم؟ وأي باب يطرق في ظل غياب الخيارات الأخرى من نظم التعليم؟ فهذا يعني أنه لا مكان لهذا المعلم في بلده وعلى أرضه؟ وهناك حالة واقعية ماثلة أمامنا وردت عبر برنامج "وطني الحبيب صباح الخير" في أسبوعه الأخير لهذه الدورة الإذاعية، وهي حالة معلم الأحياء القطري المؤهل الذي تقدم لوظيفة مدرس في مدرسة مستقلة، ولم يقبل طلبه لأنه لا يتقن التحدث والتدريس باللغة الإنجليزية؟ فما مصير هذا المعلم "المواطن"، وغيره من المعلمين الآخرين من أمثاله؟ سؤال يبحث عن إجابة منطقية تخاطب العقل وتحترمه، ولا تغيبه وتستغفله.
وختاما، نضم صوتنا إلى صوت زميلنا في الميدان التربوي السيد راشد الفضلي، ونتفق معه في كل مقترحاته الرامية إلى تحسين الوضع التعليمي والارتقاء بالعملية التعليمية، واستقطاب الكوادر الوطنية للمساهمة في التعليم لمرحلة جديدة. (جريدة الشرق.. العدد رقم 7672.. الخميس 18 يونيو 2009).
الأبعاد العميقة.. بواقعية!
من أصعب ما نواجه هذه الأيام الاعتراف بالإشكاليات، حيث ندرك الصعوبات ونتجاهل الحلول لها. ونستيقن الأوضاع غير المرغوبة... اقرأ المزيد
195
| 09 ديسمبر 2025
نقلة جديدة في مسيرة الشراكة القطرية السعودية
شكلت زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى المملكة العربية السعودية،... اقرأ المزيد
84
| 09 ديسمبر 2025
عالم مائع.. مع سبق التخريب والتصهيُن!
أكثر ما يخيف في متابعة الشأن الدولي المعاصر هي حالة الغفلة العجيبة التي يعيشها الناس شرقا وغربا عما... اقرأ المزيد
189
| 09 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كلية التربية – جامعة قطر
al-saai@qu.edu.qa
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4242
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1941
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1773
| 04 ديسمبر 2025