رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فاطمة بنت يوسف الغزال

  Falghazal33@gmail.com

مساحة إعلانية

مقالات

882

فاطمة بنت يوسف الغزال

الأقارب: عقارب أم روابط مقدسة؟

02 يوليو 2025 , 01:00ص

في مجتمعاتنا العربية كثيراً ما يتردد المثل الشعبي “الأقارب عقارب”، في إشارة إلى أن الضرر أحيانًا يأتي من أقرب الناس، وليس من الغرباء، ورغم ما قد يحمله هذا المثل من تجارب شخصية مريرة للبعض، إلا أن تعميمه بهذا الشكل يتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي التي جاءت بتعظيم صلة الرحم، والحث على الإحسان إلى الأقارب، وجعل ذلك من أعظم القربات والطاعات، والأقربون أولى بالمعروف، وهذا القول يسيء إلى الأقارب ويحرض على قطيعة الرحم، وهي من الكبائر في الإسلام. قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [سورة النساء: 36]، {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [سورة محمد: 22]، {وَمَنْ قَطَعَ رَحِمًا قَطَعَهُ اللَّهُ} [الحديث].

ويُقال إن هذه العبارة نشأت من مواقف متكررة عاشها بعض الناس، حين شعروا أن الأذى جاءهم من أقربائهم بسبب الغيرة، أو الحسد، أو التنافس العائلي، وانتشرت العبارة على ألسنة الناس حتى أصبحت حكماً دارجاً، رغم أنها تحمل إساءة جماعية لفئة أمر الله ببرها وصلتها، بل وربط ذلك برضاه، لكن هل الخطأ في الأقارب أم في قلوب البعض؟ وهل تُبنى المواقف الإنسانية على حالات فردية؟ وهل نحكم على صلة الرحم من خلال تجارب سلبية ونغفل عن عظمة هذا الرابط الذي جعله الله سببًا للبركة في العمر والرزق؟

الدين الإسلامي لم يترك هذا الباب مفتوحاً للتأويل السلبي، بل وضع قواعد واضحة في القرآن الكريم والسنة النبوية تدعو إلى صلة الرحم، ولو كان في الأقارب من أساء أو جفا.

قال الله تعالى:

﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]

وفي هذا الأمر الإلهي دعوة إلى تقوى الله والاهتمام بالأرحام، إذ قرن الله بين تقواه وصلة الرحم.

وقال تعالى أيضًا:

﴿الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [الرعد: 21]

فهذه الصلة ليست خيارًا شخصيًا، بل هي أمر إلهي يجب أن يُطاع.

وفي الحديث الشريف، قال النبي ﷺ:

“من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه” [متفق عليه].

أي أن صلة الرحم سبب في البركة في الرزق وطول العمر.

وقال أيضًا ﷺ:

“ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها” [رواه البخاري].

وفي هذا تعظيم لصلة الرحم حتى في حال الجفاء أو القطيعة من الطرف الآخر.

لا يُنكر أحد أن بعض الأقارب قد يكون مصدر أذى أو سوء تعامل، لكن الإسلام لا يغفل عن هذه الحقيقة، بل يضع لها معالجة تربوية قائمة على الصبر والحكمة، لا على القطيعة والتحامل. فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يُقابل الخطأ بالخطأ، بل إن هداية القريب، ودفع الشر عنه، وصبرك عليه، قد يكون بابًا من أبواب الأجر العظيم، خاصة إذا نُظر إليه كنوع من الجهاد الأخلاقي والاجتماعي.

*كسرة أخيرة*

القول بأن “الأقارب عقارب” ليس إلا تعبيرًا عن ألم شخصي لا يصح تعميمه، ولا يجوز أن يُبنى عليه سلوك دائم تجاه الأرحام. فالإسلام يرفض هذا التشاؤم ويحث على الأمل والتواصل والإحسان، مهما كانت الخلافات، صلة الرحم ليست فقط عادة اجتماعية، بل عبادة ربانية، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، كما جاء في الحديث القدسي:

“أنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلتُه، ومن قطعها بتتُه” [رواه الترمذي].

مساحة إعلانية