رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
سمو الأمير يخاطب شعبه ويبشرهم بإنجازات الدولة التي تشهدها كل عام، وتعودنا من سموه الكريم بالبشريات في كل عام، وذلك عندما شمل برعايته الكريمة افتتاح دور انعقاد مجلس الشورى، وكانت لكلماته الصادقة الأمينة من القلب الى القلب المليئة بالتفاؤلات، وشمل خطابه كل تفاصيل مناحي الحياة اليومية للشعب القطري، منها الشؤون المحلية التي شملت الإنجازات المحلية سواء الاقتصادية منها أوالاجتماعية أو الأسرية أو التربوية، والإنجازات الدولية التي شملت الدور الحيوي والهام الذي لعبته في إحلال السلام وانهاء الحروب في كل من غزة ودولة تشاد وأفغانستان. استعرض سموه الإنجازات الاقتصادية التي حققتها الدولة، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة والاستثمار، وبشر سموه الشعب القطري بأن هناك مشاريع تنموية عديدة مستدامة سوف تشهدها الدولة في مقبل السنوات تشمل مختلف القطاعات. في إطار التنمية البشرية ورأس المال البشري وتعزيز الابتكار أوضح سموه باهتمام الدولة بالاستثمار في التعليم الذي يعتبر الأساس التي تقوم عليه نهضة بلادنا، والوسيلة التي نصنع بها مستقبلنا، وتأهيل الكوادر الوطنية وتستكمل هذه العملية باستقطاب أفضل الخبرات العربية والأجنبية التي تساهم في تأهيل كوادرنا، ونوه سموه الى ضرورة انفتاح المواطنين على الأفكار الجديدة وتنمية قدراتهم الذاتية في التطور التكنولوجي على مستوى العالم، وحذر سموه الكريم وهو ينصح أبناء شعبه من الظواهر السلبية منها التخلي عن نزعة الاتكال على الدولة وعلينا جميعا مسؤولية الارتقاء بالدولة والحفاظ على هويتها وقيمها الحضارية الوطنية دون تعصب، وتشجيع الشباب على البحث والتعلم والعمل فيما يعود على بلادنا بالخير والمجتمع والأجيال القادمة، منوهاً بان الحمد والشكر على النعم التي تنعم بها بلادنا لا تدوم الا بالعمل والاستثمار في الخير لبلادنا والأجيال القادمة، متمثلا بقول المولى عز وجل: (ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) سورة الأعراف (129). وفي إطار نهج الدولة في الشفافية والمصارحة مع الشعب أكد سموه على أهمية الشفافية بين القيادة والشعب، مشيرًا إلى أن سياسة قطر ترتكز على الواقعية السياسية والتوازن بين المبادئ والمصالح، وفي إطار حرص الدولة على تنظيم وتطوير الأنظمة العدلية في القضايا المفصلية التي تخص المواطنين والتطور التي تشهده المحاكم في سرعة الفصل في المحاكم، وكشفت الإحصائيات بان معدلات الفصل في تحسن مطرد وهذا الأمر اصبح ملموسا بالنسبة للمتقاضين، كما ان الدولة من منطلق مسؤوليتها لتكون شريكا فاعلاً في التصدي لما تواجهه الأمة العربية والإسلامية وتحقيق الأمن والسلم والعمل الانساني، وقامت الدولة بجهود مقدرة في إحلال السلام والأمن في عدة وساطات دولية واسهمت هذه الجهود في تعزيز مكانة دولتنا وربط اسمها بهذه الإنجازات العالمية، وكان لهذا الجهد ثمن مما عرض الدولة لهجومين غادرين مرة من جانب ايران ومرة أخرى من جانب العدو الإسرائيلي، وقد ادان العالم هذين الهجومين وخرجت قطر منهما اكثر قوة وحصانة واصراراً على الاستمرار في دورها الفعال في وساطتنا الفاعلة التي نتج عنها سلام ووقف لحرب إبادة لم يشهدها العالم، وأكد أن دولة قطر تدين الاختراقات الأمنية لاتفاق السلام من قبل إسرائيل وسعيها لضم الضفة الغربية وتهويد الحرم القدسي الشريف، وتأكيد الدولة على مبدأها الثابت بأن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية الموحدة، وتتفق قطر مع الرأي العام العالمي برفع كافة اشكال الاحتلال ومعاداة السامية والاسلاموفوبيا، ونقف مع العالم في إحلال السلام العادل بإقامة الدولتين، والتضامن مع الشعب الفلسطيني في سعيه لاسترداد حقوقه المشروعة. *كسرة أخيرة* في رسالة من أب إلى أبنائه، سمو الأمير دعا شعبه لبناء المستقبل، وبكلمات صادقة تنبع من قلب قائد محب لشعبه، تحث على العمل والنهضة، قطر تُبنى بسواعد أبنائها، دعوة صريحة من سمو الأمير للتمسك بالهوية والعمل من أجل الوطن، وتأتي هذه الروح الأبوية التي يستمدها من ولاء الشعب لسموه وتجسيد حي للعلاقة المتبادلة بين الشعب وقيادته الحكيمة.
162
| 22 أكتوبر 2025
في لحظة فارقة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ووسط صمتٍ عالمي أنهكته الدماء والدمار، وصرخات الأطفال التي دوّت في كل بيت، جاء الاتفاق الدولي برعاية قطر ومصر والولايات المتحدة الأمريكية ليضع حداً لحرب عبثية حصدت أرواح الآلاف من الأبرياء في غزة، وعرّت وجه الاحتلال الإسرائيلي أمام العالم أجمع. هذا الاتفاق لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة جهودٍ دبلوماسيةٍ مكثفة، قادتها الدوحة والقاهرة بشجاعةٍ ومرونةٍ، نجحتا من خلالهما في كسر جدار العناد الإسرائيلي، وإقناع الأطراف الدولية بضرورة وضع حدٍّ لآلة القتل والتدمير التي أرهقت المنطقة والعالم. لكن السؤال الذي شغل المحللين: هل كان الاعتداء الإسرائيلي على دولة قطر الشرارة التي عجّلت بانهيار الموقف الإسرائيلي العنصري؟ فبعد استهدافٍ صاروخي غاشم لبعثة عاملة في الإغاثة الإنسانية داخل الأراضي الفلسطينية، ثارت موجة غير مسبوقة من الغضب الدولي، ووقفت معظم الدول الإقليمية والإسلامية، بل وحتى بعض القوى الغربية، صفا واحداً خلف الدوحة، في مشهد عزز من مكانة قطر كقوة دبلوماسية ووسيط عادل لا يُمكن تجاوزه في ملفات الشرق الأوسط. لقد أدركت إسرائيل أن المواجهة لم تعد مع غزة وحدها، بل مع ضميرٍ عالمي يقظ، وأن استمرار عدوانها سيعني عزلة دولية خانقة، وهنا بدأ التراجع… وبدأت لغة القوة تستبدل بلغة الطاولة والمفاوضات، ووضح ذلك من خلال قمة السلام التي عقدت بشرم الشيخ والتي شارك فيها أكثر من 30 قائدًا وممثلًا دولياً، مما يعكس دعماً عالمياً غير مسبوق للسلام في الشرق الأوسط، كما رحبت الوثيقة التي تم توقيعها بالعلاقات الودية بين إسرائيل وجيرانها، مما قد يفتح الباب أمام تطبيع أوسع. حماس والقرار التاريخي اللافت أن حركة حماس، التي وُصفت طويلاً بأنها ترفض التسويات السياسية، أظهرت هذه المرة نضجاً استثنائياً في قراءتها للمشهد، فوافقت على بنود الاتفاق رغم ما تحمله من بعض الإجحاف في حق أهل غزة، إدراكاً منها أن السلام لا يولد بلا تضحيات، وقد شبّه كثير من المحللين موقف الحركة بموقف النبي ﷺ يوم الحديبية، حين قبل بصلحٍ بدا ظاهره الظلم، لكنه كان يحمل في جوهره فتحاً ونصراً مبيناً، فكما فتح الرسول ﷺ للحق طريقًا بالحكمة، فتحت حماس اليوم باباً للاعتراف الدولي بحق الفلسطينيين في أرضهم ووجودهم. * بقبولها الجلوس وجهًا لوجه مع قادة حماس، فقد اعترفت إسرائيل ضمنياً بواقعٍ جديد وهو أن حماس ليست مجرد فصيل مقاوم، بل كيان سياسي له شرعية شعبية في غزة، وأن أي حلٍّ دائم لا يمكن أن يتم دونها، لقد كانت هذه اللحظة مفصلية، ليس فقط في ملف الحرب، بل في مستقبل المعادلة السياسية الفلسطينية برمّتها. غزة دفعت الثمن الأغلى، سبعون ألف شهيد — أكثرهم من الأطفال والنساء — ليبقى دمهم شاهدًا على الظلم، وعنوانًا لانتصارٍ لم يُكتب بالحبر بل بالدم الطاهر، وفي هذه اللحظات لم يفت المؤمنين أن يتأملوا حديث النبي ﷺ عن عسقلان حين قال: “يُقدَّم منكم سبعون ألفًا، فينتصرون على عدوّهم»، فكأن القدر شاء أن تمتد هذه الحرب لعامين كاملين لتصدق النبوءة، وتثبت أن النصر لا يقاس بالمدافع والصواريخ، بل بثبات الإيمان وعدالة القضية. *كسرة أخيرة* لقد خرجت غزة من الحرب مدمَّرة البنيان، لكنها منتصِرة المعنى. وخرجت إسرائيل مثخنة الجراح سياسياً وأخلاقياً، بعد أن أُجبرت على توقيع اتفاقٍ لم تكن تريده، أما قطر، فقد برزت كصوت الحكمة والاتزان، وأثبتت للعالم أن الدبلوماسية حين تتسلح بالإنسانية، تستطيع أن توقف حتى أعتى الحروب، ومن بين الركام، ارتفع نداءُ السلام من غزة إلى العالم: كفى دماءً… فها هي الحقيقة تنتصر، والعدل يبدأ من هنا.
393
| 15 أكتوبر 2025
في كل عام يقف العالم أجمع في الخامس من أكتوبر ليُكرِّم صنّاع العقول وبُناة الحضارة (المعلمين) في يومهم العالمي، هذا اليوم الذي يُذكّرنا جميعاً بأن وراء كل طبيب ماهر، ومهندس مبدع، وجندي شجاع، وقاض عادل، معلّماً أميناً حمل أمانة الكلمة، وغرس بذور العلم في عقولٍ صغيرة لتزهر حضارات كبيرة. إن مكانة المعلم ليست ترفاً اجتماعياً ولا شعاراً احتفالياً، بل هي واجب ديني وأخلاقي وإنساني، فالمعلم هو من يضع اللبنات الأولى في بناء الإنسان، والإنسان هو الذي تبنى به الأوطان، وما من نهضة قامت، ولا حضارة أشرقت، إلا وكان المعلم هو أول من أضاء شمعتها.في اليوم العالمي للمعلمين لهذا العام، أطلقت اليونسكو ومنظمة العمل الدولية واليونيسف والاتحاد الدولي للمعلمين، نداءً للحكومات والشركاء والمجتمع الدولي إلى «الالتزام جماعياً بضمان الاعتراف بالتعاون كقاعدة أساسية في مهنة التدريس، لأن التعاون الفعال على جميع المستويات هو السبيل الوحيد لإقامة أنظمة تعليمية شاملة للجميع ومنصفة وقادرة على الصمود في جميع أرجاء العالم». المعلم في ميزان الدين لقد عظّم الإسلام من شأن العلماء والمعلمين أيّما تعظيم، فقال الله تعالى: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” (سورة المجادلة: 11)، كما قال النبي ﷺ: “إن العلماء ورثة الأنبياء” (رواه الترمذي)، فمن الذي يحمل ميراث الأنبياء بعدهم؟ إنه المعلم الذي يعلّم الناس الخير، ويُهذّب النفوس، ويزرع القيم، وينشر النور في العقول. المعلم أساس كل تنمية جميع الكوادر البشرية من الأطباء والمهندسين والضباط والإعلاميين والاقتصاديين مروا يوماً بين يدي معلم صبور حمل على عاتقه مسؤولية تعليمهم وتربيتهم، ولهذا فإن احترام المعلم ليس احترامًا لشخصه فقط، بل احترام لرسالة الأمة كلها. ومن هنا، يجب أن يكون وضع المعلم المعيشي والاجتماعي هو الأعلى بين موظفي الدولة، لأن مسؤولياته لا تنتهي عند نهاية الدوام، فهو يصنع المستقبل بيده، ويغرس في الأجيال حب الوطن والانتماء له. حين تُكرم الدولُ معلّميها تنهض الشعوب إن الدول التي أدركت قيمة المعلم جعلت منه تاجًا على رؤوس أبنائها، ففي فنلندا، تُعد مهنة التعليم من أكثر المهن احتراماً وهيبة، ولا يُسمح لأحد بدخولها إلا بعد اختبارات صارمة، كما تُمنح للمعلمين رواتب ومزايا تليق بمكانتهم. وفي اليابان، يُقدَّم المعلم في التحية حتى على الوزراء، لأنهم يرونه من صُنّاع النهضة والتقدم حتى بعد نزوله الى المعاش وأثناء حياته التقاعدية. وفي ألمانيا، يُروى أن المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، حين أضرب الأطباء يومًا للمطالبة بمساواتهم في الرواتب مع المعلمين، أجابتهم بعبارتها الشهيرة: “كيف أُساويكم بمن علّموكم وأوصلوكم إلى ما أنتم عليه من علم ورفعة؟”، كلمةٌ واحدة اختصرت فلسفة التقدير، وأظهرت أن احترام المعلم هو سرُّ تقدّم الأمم ورفعة الشعوب. المعلم في قطر صانع المستقبل ورافعة التنمية إن دولة قطر تسير بخطى ثابتة نحو تطوير التعليم وبناء الإنسان، وهو ما أكدته رؤية قطر الوطنية 2030 التي جعلت من التعليم محور التنمية المستدامة، ومن هنا، فإن تمكين المعلمين القطريين، ورفع شأنهم المادي والمعنوي، وتشجيع الشباب على الالتحاق بكليات التربية، يمثل استثماراً في مستقبل البلاد وأمنها الفكري والعلمي. ويجب أن تُعزَّز ثقافة احترام المعلم في نفوس الطلاب منذ الصغر، وأن تُدرج فضيلة تقدير المعلم في المناهج التربوية، ليشبّ الجيل على حب هذه المهنة الجليلة التي هي في حقيقتها رسالة لا وظيفة. واجب المعلم تجاه مهنته ودولته كما أن المجتمع والدولة مطالبان بتكريم المعلم وتقديره، فإن على المعلم أيضًا واجبات عظيمة: أن يكون قدوة في السلوك والانضباط والخلق، أن يؤدي رسالته بإخلاص بعيدًا عن التهاون والرتابة، أن يُواكب التطور العلمي والتكنولوجي ليبقى مؤثرًا ومواكبًا لعصره، أن يُغرس في طلابه حب الوطن والولاء له، وأن يُربّيهم على القيم النبيلة والإيجابية، فالمعلم الذي يحترم نفسه ومهنته يجبر الجميع على احترامه، مهما تغيّرت الظروف أو تبدّلت الأزمان. *كسرة أخيرة إن تكريم المعلم ليس مناسبة تُقام ليومٍ واحد، بل ثقافة تُغرس في المجتمع كل يوم، فبقدر ما نُعلي من شأن المعلم، نرفع من قيمة العلم، ونسمو بالوطن، وإذا أردنا لقطر أن تظل منارة علم وحضارة، فعلينا أن نُكرم معلميها، لأنهم هم الذين يصنعون الأجيال التي تصنع المستقبل. وكما قال الشاعر: قُمْ للمعلِّمِ وَفِّهِ التبجيلا كادَ المعلمُ أن يكونَ رسولا
780
| 08 أكتوبر 2025
في خطوة اعتُبرت سابقة في تاريخ الصراع بالشرق الأوسط، قدّمت إسرائيل اعتذاراً رسمياً لدولة قطر عن الاعتداء الأخير الذي استهدف أراضيها، بعد أن قوبل هذا الاعتداء بموجة غضب إقليمي ودولي غير مسبوقة، الاعتذار، فتح الباب أمام تحولات جديدة في مسار العلاقات الدولية والجهود الرامية لتحقيق السلام. الاعتداء على قطر لم يكن حدثاً عابراً، بل تحوّل إلى نقطة التقاء نادرة بين الدول الإسلامية والعربية، إلى جانب دول شقيقة وصديقة حول العالم. هذا التلاحم عزز صورة قطر كرمز للوحدة والتماسك، وأظهر أن أي تهديد لأمنها يُعتبر تهديداً للجميع. اللافت أن هذه الأزمة، التي بدأت باعتداء عسكري، تحوّلت سريعًا إلى فرصة لطرح خطاب جديد حول السلام، العديد من الدول الكبرى، التي لطالما تبنّت مواقف متحفظة، وجدت نفسها مضطرة لإعلان رفضها لحرب الإبادة التي تواصلها إسرائيل ضد غزة، والتشديد على ضرورة كبح جماح أي محاولات لضرب استقرار المنطقة، المفارقة الكبرى أن إسرائيل لا تكتفي بانتهاك حقوق الفلسطينيين، بل تتعدى ذلك إلى استهداف دول عربية وإسلامية سعت إلى دعم القضية الفلسطينية عبر الوسائل الدبلوماسية والإنسانية. ومن أبرز هذه الدول دولة قطر، التي تعرضت لحملات تشويه إعلامية وسياسية رغم دورها البارز في دعم جهود السلام والمساعدات الإنسانية. الرسالة كانت واضحة، المجتمع الدولي لم يعد يتساهل مع أي تهديد لأمن الدول المجاورة، ومع تزايد الأصوات المطالبة بوقف الانتهاكات، بدا أن إسرائيل مجبرة على إعادة حساباتها، في ظل ضغوط سياسية وإعلامية متصاعدة، وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة الترويج لخطاب سلام زائف، فإن الواقع على الأرض من اعتداءات متكررة، وتوسيع استيطاني غير مشروع، وتجاوزات إنسانية قد عرّى هذا الخطاب أمام العالم. والمفارقة الكبرى أن إسرائيل لم تكتفِ بانتهاك حقوق الفلسطينيين، بل تمادت في تجاوزاتها لتطال دولًا صديقة وداعمة للسلام، مثل دولة قطر، التي لم تسلم من حملات التشويه والاعتداءات السياسية والإعلامية. اعتذار إسرائيل لم يكن مجرد إجراء دبلوماسي، بل محطة مفصلية قد تعيد ترتيب أولويات المنطقة، وتفتح الباب أمام مسار جديد يوازن بين حق الشعوب في الأمن، وضرورة وقف نزيف الدماء في فلسطين. كسرة أخيرة ما حدث مع قطر قد يشكل منعطفًا مهمًا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فالعالم اليوم لا يتحدث فقط عن الاعتداء، بل عن السلام كخيار لا بديل عنه، وعن وحدة إقليمية ودولية بدأت تتشكل لتضع حدًا لسياسات العدوان، وتمنح الأمل لشعوب أنهكتها الحروب.
606
| 01 أكتوبر 2025
السلام ليس شعارًا رومانسيًا يُرفع في المؤتمرات، بل هو حاجة إنسانية وحق أصيل لكل فرد ومجتمع، ومع ذلك، يشهد عالمنا اليوم تناقضًا صارخًا، حديث متكرر عن «السلام العالمي” يقابله واقع من الحروب والاحتلالات والتجويع والتهجير، فهل تستطيع القوى الكبرى أن تحقق السلام؟ أم أن الشعوب هي التي تملك مفاتيحه الحقيقية؟ في الشرق الأوسط ما تزال إسرائيل تمارس سياسة الهيمنة على جاراتها، وتعتدي على سيادة الدول الأخرى، بينما تعيش غزة تحت حصار خانق وتجويع متعمد بدعم أمريكي وغربي، وفي أوروبا الشرقية هناك الحرب الروسية - الأوكرانية أدخلت القارة في صراع مفتوح، ودفعت الغرب إلى انحياز كامل لأوكرانيا، مما جعل العالم أقرب إلى حافة حرب عالمية ثالثة، أما في المجتمع الدولي فالمؤسسات الدولية ـ وعلى رأسها مجلس الأمن ـ أظهرت عجزها أو انحيازها، مما جعل مفهوم «السلام الدولي” رهينة بمصالح القوى الكبرى لا بآمال الشعوب. قطر تكشف إرهاب الدولة وتدعو العالم لوقفة جادة مع السلام: في خطاب تاريخي قوي ألقاه سمو أمير البلاد أمام الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة بالأمس، شدد سموه على أن الاعتداء الإسرائيلي على دولة قطر يمثّل خرقًا سافرًا للأعراف الدولية و”فِعلة شنعاء” وصفها سموه بـ”إرهاب دولة”، في موقف حازم لفت أنظار العالم وهزّ الضمير الدولي. سموه أكّد أن جهود قطر المضنية بالتعاون مع الشقيقة مصر والولايات المتحدة الأمريكية، والتي أثمرت عن تحرير 148 رهينة، لم تمنع إسرائيل من مواصلة نهجها العدائي ضد قطر، ما يفضح نواياها الحقيقية. وكشف سموه أن الحرب الإسرائيلية على غزة لم تكن إلا غطاءً لتوسيع الاستيطان وتغيير الوضع القائم في القدس المحتلة. وفي رسالة واضحة للعالم، أكد سمو الأمير أن قطر واجهت حملات تضليل ممنهجة، لكنها لم ولن تتراجع عن التزامها بالسلام العادل. وأوضح أن دولة قطر ستظل شريكًا فاعلًا في أي عملية سلام متى سنحت الفرصة لذلك. كلمة سموه لم تقتصر على الدفاع عن قطر، بل جاءت معبرة عن الهم العربي المشترك، حيث دعا سموه المجتمع الدولي إلى استغلال اللحظة التاريخية للوقوف مع تحقيق السلام في سوريا ولبنان، مشددًا على رفض قطر القاطع لأي تدخلات خارجية، وعلى وجه الخصوص محاولات إسرائيل لزعزعة الاستقرار في هذه الدول. وأكد سموه أن ثقة المجتمع الدولي في قطر لم تأتِ من فراغ، بل من سجل ممتد من النجاحات الدبلوماسية والإنسانية التي ميزت الدولة، لتصبح نموذجًا يُحتذى به في دعم السلام والحوار. كلمة حملت هم الأمة.. ورسالة إلى الضمير العالمي بهذه الكلمة القوية، أثبتت قطر مجددًا أنها ليست فقط صوتًا للحكمة، بل منبرًا للحق وعدالة القضية العربية، ومناشدًا صادقًا للضمير العالمي بأن الوقت قد حان للوقوف مع الحق، لا مع القوة. إن العالم اليوم، ومع تصاعد الدعوات لإنهاء الحرب العبثية التي تديرها الحكومة الإسرائيلية، بات بحاجة إلى أصوات شجاعة، ومبادرات جريئة، كالتي تقودها قطر. فسلام الدولتين لم يعد خيارًا سياسيًا فقط، بل هو ضرورة إنسانية، وضمانة لاستقرار العالمي. *هل الشعوب قادرة على تحقيق ما عجزت عنه الحكومات؟ أعتقد نعم، الشعوب قادرة على أن تُرسخ ثقافة السلام إذا امتلكت الوعي والإرادة، لأن الشعوب هي التي تدفع ثمن الحروب من دمائها ولقمة عيشها، فما تجارب المقاومة السلمية في الهند وجنوب إفريقيا وفلسطين إلا إثبات بأن إرادة الشعوب قد تُحرج الحكومات وتجبرها على مراجعة مواقفها، بالإضافة الى أن وسائل التواصل الحديثة جعلت الشعوب أكثر قدرة على إيصال صوتها وتبادل تجاربها، وهو ما يقلل من احتكار الحكومات لخطاب «السلام” المزيّف. كسرة أخيرة السلام لن يأتي من واشنطن أو موسكو أو بروكسل، بل من ضمير عالمي يتشكل عبر وعي الأفراد والمجتمعات، ما لم تُغير القوى الكبرى منطق الهيمنة والازدواجية، ستبقى الحروب مشتعلة، لكن الأمل في الشعوب قائم، فهي التي تستطيع ـ عبر التربية، والعمل الأهلي، والمقاومة المدنية ـ أن تفتح دروبًا جديدة للسلام العادل، سلامٌ يقوم على الكرامة لا على الإذعان، وعلى العدالة لا على التبعية.
630
| 24 سبتمبر 2025
منذ نشأة الكيان الصهيوني وهو يسعى إلى تحقيق حلمه الأكبر وهو بسط نفوذه على دول الشرق الأوسط، وجعلها تدور في فلكه السياسي والأمني، وبمساعدة الولايات المتحدة التي منحته الغطاء السياسي والعسكري، حاولت إسرائيل فرض نفسها كقوة لا تُقهر. لكن هل تحقق هذا الحلم؟ الجواب يتضح عند النظر بتمعّن إلى واقع المنطقة فإسرائيل قد تكون نجحت في استمالة أو الضغط على بعض القيادات السياسية، لكنها لم تتمكن من إخضاع الشعوب، هذه الشعوب المسلمة التي تقرأ القرآن الكريم وتدرك أن الله حذّرها من اليهود الذين لا يراعون إلاًّ ولا ذمة، والذين اشتهروا بنقض العهود منذ زمن موسى عليه السلام وحتى اليوم، ولذلك فإن الضمير الشعبي ظل ثابتا لا يتغير، يرفض التطبيع، ويقف بالمرصاد لكل محاولات الهيمنة. في تطور خطير وغير مسبوق، أقدمت إسرائيل على تنفيذ اعتداء غاشم استهدف وفدًا تفاوضيًا من حركة حماس داخل الأراضي القطرية، في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية لدولة قطر وللقوانين الدولية، هذا الاعتداء لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل كان بمثابة قنبلة سياسية فجّرت موجة من الإدانات الدولية، وأعادت تشكيل المواقف العالمية تجاه إسرائيل. وسط هذا المشهد، جاءت القمة العربية الإسلامية الأخيرة لتعلن بوضوح وقوفها مع قطر في مواجهة العدوان، القمة لم تكن مجرد اجتماع بروتوكولي، بل بدت وكأنها صرخة جماعية بأن الأمة قادرة على توحيد صفوفها عندما يشتد الخطر، لقد وضعت القمة أساساً يمكن البناء عليه لتشكيل جبهة موحدة ضد إسرائيل، إذا ما توافرت الإرادة السياسية الحقيقية. لطالما تمتعت إسرائيل بدعم غير محدود من دول غربية مؤثرة، إلا أن الاعتداء على قطر شكّل نقطة تحول حاسمة، فقد سارعت دول الخليج والدول العربية والإسلامية إلى إدانة هذا التصرف، وتبعتها دول أعضاء في الأمم المتحدة، وصولاً إلى مجلس الأمن الذي أصدر بيانًا رسميًا يدين الاعتداء ويعتبره تهديدًا للأمن والسلم الدوليين. يبقى السؤال الأهم: هل سيجبر هذا التحالف الإسلامي العربي إسرائيل على الجلوس إلى طاولة المفاوضات التي تقودها أمريكا وقطر ومصر؟ التجارب التاريخية تؤكد أن إسرائيل لا تأتي إلى التفاوض إلا إذا شعرت بضغط حقيقي يهدد مصالحها، سواء كان مقاومة على الأرض أو تحالفات إقليمية صلبة. ومن هنا، فإن وحدة الصف العربي الإسلامي ليست مجرد خيار، بل هي شرط أساسي لإجبار إسرائيل على الالتزام والجلوس إلى الطاولة بجدية. قيادة سمو أمير قطر الدبلوماسية درع للكرامة في لحظة فارقة من تاريخ الأمة، وقف حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، موقفاً شجاعاً وحكيماً، جسّد فيه معنى القيادة الحقيقية، حين تعرضت العاصمة القطرية الدوحة لاعتداء غادر استهدف الأبرياء والمفاوضين في مسكن آمن، في خرق صارخ لكل الأعراف والمواثيق الدولية، لقد كانت كلمة سمو الأمير في القمة العربية الإسلامية الطارئة التي عُقدت في الدوحة، بمثابة نداء ضمير للأمة، وصوت الحق في وجه الغطرسة والعدوان، تحدث سموه بوضوح وجرأة، مؤكداً أن قطر بلد صانع للسلام، وأن الاعتداء الإسرائيلي لم يكن فقط على قطر، بل على كل من يؤمن بالسلام والوساطة العادلة، وأثبتت أن الدبلوماسية القطرية بقيادته ليست فقط صوتًا للسلام، بل أيضًا درع للكرامة والسيادة، وأن قطر لن تنحني أمام أي عدوان، بل ستواصل دورها الريادي في الدفاع عن الحق، ودعم القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. كسرة أخيرة ما خرجنا به من هذه القمة العالمية بأن رد الفعل القطري كان حازماً وسريعاً، حيث اعتبرت الدوحة أن الاعتداء على أراضيها هو انتهاك لسيادتها ولن يمر دون محاسبة، هذا الموقف القوي دفع العديد من الدول إلى إعلان تضامنها مع قطر، ما أظهر تغيرا واضحا في المزاج الدولي تجاه إسرائيل، التي باتت تُنظر إليها كدولة مارقة تتجاوز الأعراف الدبلوماسية، وأثبتت هذه التحركات الدولية بأن دولة قطر في قلب المعركة الدبلوماسية.
363
| 17 سبتمبر 2025
في زحمة الحياة اليومية، قد لا نلتفت إلى أن أبسط المواقف تحمل أعظم الدروس التربوية، فالأب الذي يظن أنه يشتري فأرة للكمبيوتر أو يقضي حاجاته العادية، قد يجد نفسه أمام امتحان تربوي في غاية الأهمية امتحان الأمانة أمام ابنه أو ابنته. القصة التي تحولت إلى درس يروي أحد الآباء أنه أثناء شرائه لوازم منزلية، اكتشف أن البائع أعطاه ورقة نقدية ممزقة، بدلاً من أن يتخلص منها بطريقة صحيحة، حاول تمريرها إلى طفل يعمل في متجر صغير. وبالفعل ظن أنه «أذكى» عندما استطاع أن يضع الورقة في يد الصغير، لكن نظرة بريئة من ابنته، التي قالت له: «برافو يا بابا.. ضحكنا عليه»، كانت كفيلة بأن توقظ ضميره. عاد الأب إلى الطفل، واسترجع الورقة الممزقة، وأعطاه بدلها ورقة سليمة، ليُنقذ نفسه أولاً من ذنب الغش، وليعلم ابنته درسًا عمليًا لا يُنسى عن قيمة الأمانة. الدروس التربوية من القصة القدوة أبلغ من الكلام الطفل لا يتعلم من النصائح المجردة بقدر ما يتعلم من السلوك الذي يراه بأم عينه. تصحيح الأب لخطئه أمام ابنته كان أقوى من ألف محاضرة عن الأمانة. الدرس الثاني: الأمانة ليست خيارًا بل هوية الأمانة لا تظهر فقط في المعاملات الكبيرة، بل حتى في ورقة نقدية ممزقة قد تكشف معدن الإنسان وتربي جيلًا كاملاً على الصدق. الدرس الثالث: التربية موقف لا لحظة عابرة حين يتعامل الوالد أو الوالدة مع مواقف الحياة اليومية بوعي تربوي، تتحول المواقف العابرة إلى حصص عملية في غرس القيم. البعد الديني للأمانة القرآن الكريم جعل الأمانة معيارًا للإيمان: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا» [النساء: 58] كما قال صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» (رواه البخاري ومسلم). فالتربية على الأمانة ليست خيارًا تربويًا فحسب، بل هي واجب ديني يحفظ المجتمع من الفساد. كسرة أخيرة الأب الذي واجه نفسه بشجاعة وربَّى ابنته على الصدق خرج بدرس عظيم: الأمانة تُغرس في قلوب الأبناء بالفعل قبل القول، والذكاء الحقيقي ليس في الخداع ولا في استغلال الآخرين، بل في أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الله ومع الناس، ازرعوا في قلوب أبنائكم الأمانة منذ الصغر، فالقيم لا تُحفظ بالوصايا وحدها، بل تُترجم بالأفعال.
390
| 10 سبتمبر 2025
في زمن تتكاثر فيه الضغوط وتزداد فيه حدة التوتر في البيوت والعمل، نحتاج جميعاً إلى جرعة من التسامح والتغافل عن الهفوات الصغيرة، ومن أروع ما يمكن أن يُعلِّمنا هذا المعنى قصة إنسانية بسيطة، لكنها عميقة الأثر، وهي قصة الخبز المحروق. تقول القصة: بعد ﻳﻮﻡ ﻃﻮﻳﻞ ﻭﺷﺎﻕ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺿﻌﺖ ﺃﻣﻲ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺎﻭﻟﺔ ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻌﻪ ﺧﺒﺰ ﻣﺤﻤﺺ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻛﺎﻥ ﻣﺤﺮﻭﻗﺎً ﺗﻤﺎﻣﺎً.. ﻓﻤﺪ ﺃﺑﻲ ﻳﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﻗﻄﻌﺔ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻭﺍﺑﺘﺴﻢ ﻟﻮﺍﻟﺪﺗﻲ ﻭﺳﺄﻟﻨﻲ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻥ ﻳﻮﻣﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻪ؟ ﻻ ﺃﺗﺬﻛﺮ ﺑﻤﺎﺫﺍ ﺃﺟﺒﺘﻪ ﻟﻜﻨﻨﻲ ﺃﺗﺬﻛﺮ ﺃﻧﻲ ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻳﺪﻫﻦ ﻗﻄﻌﺔ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﺑﺎﻟﺰﺑﺪﺓ ﻭﺍﻟﻤﺮﺑﻰ ﻭﻳﺄﻛﻠﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻬﻀﺖ ﻋﻦ ﻃﺎﻭﻟﺔ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﺳﻤﻌﺖ ﺃﻣﻲ ﺗﻌﺘﺬﺭ ﻷﺑﻲ ﻋﻦ ﺣﺮﻗﻬﺎ ﻟﻠﺨﺒﺰ ﻭﻫﻲ ﺗﺤﻤﺼﻪ، ﻭﻟﻦ ﺃﻧﺴﻰ ﺭﺩ ﺃﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻋﺘﺬﺍﺭ ﺃﻣﻲ، ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ: ﻻ ﺗﻜﺘﺮﺛﻲ ﺑﺬﻟﻚ، ﺃﻧﺎ ﺃﺣﺐ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﺃﻥ ﺁﻛﻞ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻣﺤﻤﺼﺎ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﺰﻭﻡ، ﻭﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻪ ﻃﻌﻢ ﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻕ، ﻭﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻻﺣﻖ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺫﻫﺒﺖ ﻷﻗﺒﻞ ﻭﺍﻟﺪﻱ ﻗﺒﻠﺔ (ﺗﺼﺒﺢ ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺮ)، ﺳﺄﻟﺘﻪ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺣﻘﺎ ﻳﺤﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻣﺤﻤﺼﺎ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻕ؟، ﻓﻀﻤﻨﻲ ﺇﻟﻰ ﺻﺪﺭﻩ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺗﺄﻣﻞ: ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻛﺎﻥ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻋﻤﻞ ﺷﺎﻕ، ﻭﻗﺪ ﺃﺻﺎﺑﻬﺎ ﺍﻟﺘﻌﺐ ﻭﺍﻹﺭﻫﺎﻕ ﻭشيء ﺁﺧﺮ، ﺃﻥ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﺍﻟﻤﺤﻤﺺ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﺰﻭﻡ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﻣﺤﺘﺮﻗﺔ ﻟﻦ ﺗﻀﺮ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻷﺷﻴﺎﺀ الناقصة، ﻭﻟﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﺨﺺ ﻛﺎﻣﻞ ﻻ ﻋﻴﺐ ﻓﻴﻪ، ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﻌﻠﻢ ﻛﻴﻒ ﻧﻘﺒﻞ ﺍﻟﻨﻘﺺ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻣﻮﺭ، ﻭﺃﻥ ﻧﺘﻘﺒﻞ ﻋﻴﻮﺏ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ، ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﻗﻮﻳﺔ مستديمة، ﺧﺒﺰ ﻣﺤﻤﺺ ﻣﺤﺮﻭﻕ ﻗﻠﻴﻼ ﻻ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﺴﺮ ﻗﻠﺒﺎ ﺟﻤﻴﻼ، ﻓﻠﻴﻌﺬﺭ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻌﻀﻬﻢ بعضا، ﻭﻟﻴﺘﻐﺎﻓﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻵﺧر، هذه اللحظة البسيطة علمت أبناء البيت أن العشرة لا تُبنى على تضخيم الأخطاء، وإنما على التسامح والاحتواء. التغاضي عن الأخطاء الصغيرة ثقافة قرآنية؛ فقد قال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، وهذا توجيه إلهي إلى أن الحياة لا تسير بالكمال، بل بالصبر على النقائص وغض الطرف عن الزلات، كما قال النبي ﷺ: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» [رواه مسلم]، ومعنى الحديث أي «لا يفرك»: أي لا يبغض ولا يكره، «مؤمن مؤمنة»: أي لا ينبغي للمؤمن أن يكره زوجته، «إن كره منها خلقاً»: أي إن وجد في زوجته خصلة أو صفة لا تعجبه، «رضي منها آخر فليتذكر ما فيها من الصفات الحسنة التي ترضيه أي لا يبغضها لكثرة العيوب، فالكمال لله وحده، هذا الحديث يعلمنا التسامح والتوازن في الحكم على الآخرين، خاصة في العلاقات القريبة كعلاقة الزوج بزوجته، ويؤسس لمبدأ الرحمة والمودة في الحياة الزوجية. الحياة ليست كاملة، ولا يوجد إنسان يخلو من العيوب، لكن قبول هذه الحقيقة هو أول خطوة في بناء أسرة متماسكة ومجتمع متآلف، النقد المستمر يضعف الروابط ويهدم القلوب، بينما الكلمة الطيبة والستر على العثرات يزرعان المحبة، وقد قال ﷺ: «ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هين لين سهل» [رواه الترمذي]. أي أن اللين وحسن الخلق طريق النجاة في الدنيا والآخرة. * الخبز المحروق رسالة لكل بيت* قطعة خبز محروقة لم تفسد عشاء الأسرة، لكنها لو استُغِلَّت في اللوم والجدال لربما كسرت قلباً وأشعلت خصاماً. فالقصة تحمل رسالة بليغة: لا تسمحوا لصغائر الأمور أن تسرق جمال العلاقات، التسامح ليس ضعفاً، بل هو قوة تُعلي قدر الإنسان عند ربه وعباده. قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: 22]. كسرة أخيرة في زمن تتساقط فيه الأرواح بلا إنذار، ويطوي الموت قلوباً كنا نحبها، لنتعلم أن نغفر سريعاً، ونعذر كثيراً، ونمدح أكثر مما نلوم، فالحياة قصيرة، والدنيا فانية، ولا يبقى للإنسان إلا ذكر طيب وعشرة حسنة، التربية ليست تعليماً للمناهج وحفظاً للقوانين فحسب، بل هي مهارة بناء إنسان قادر على التعايش بمرونة وصبر، ولعل من أبلغ الدروس أن نتغافل عن «خبز محروق» في حياتنا اليومية، لنحفظ قلوب أحبّتنا ونزرع في نفوس أبنائنا قيمة عظيمة، أن التسامح أساس التربية الناجحة. فلنكن جميعاً كالأب الذي ابتسم وهو يأكل “الخبز المحروق”، ولنجعل من بيوتنا وصداقاتنا وبيئاتنا واحات تسامح ورحمة.
468
| 03 سبتمبر 2025
مع انطلاق العام الدراسي الجديد، تعود الحياة إلى المدارس وتدب الحركة في الشوارع، إيذاناً ببدء موسم مليء بالتحديات والطموحات، ويأتي هذا العام في ظل إجراءات جديدة اتخذتها وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، من بينها تخفيف ساعات الدوام، ما يفرض على الجميع — من أسر ووزارات وجهات معنية — مسؤوليات مضاعفة لضمان نجاح العملية التعليمية وسلامة المجتمع، وتطوير للمناهج واتباع سياسات تخطيطية متجددة، فهل الجهات المشتركة في هذا التحديات مستعدة لذلك؟. دور الأسرة الأسرة هي حجر الأساس في الاستعداد للعام الدراسي الجديد وتقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في تهيئة الأبناء نفسياً وجسدياً للعام الدراسي الجديد. ومن أبرز واجباتها: تنظيم الوقت والنوم لضمان تركيز الطالب خلال اليوم الدراسي، وتوفير المستلزمات الدراسية من كتب وقرطاسية وملابس مناسبة، والدعم النفسي والمعنوي خاصة للطلاب الجدد أو من يواجهون صعوبات تعليمية، وكذلك تعزيز قيمة التعليم عبر الحوار الإيجابي بين أفراد الأسرة لغرس حب المعرفة. دور وزارة التربية والتعليم قامت الوزارة في الآونة الأخيرة بعدة خطوات إيجابية نحو تحقيق رؤية وتطويرالعملية التعليمية تمثل في: تخفيف الدوام المدرسي بما يراعي صحة الطلاب ويقلل من الضغط النفسي، وتحديث المناهج لتواكب متطلبات العصر وتدعم التفكير النقدي، وتدريب الكوادر التعليمية لضمان جودة التدريس وتفاعل الطلاب، بالإضافة الى تعزيز التعليم الرقمي عبر منصات إلكترونية داعمة للتعلم عن بُعد. دور الجهات المرورية تعتبر الازدحامات حول المدارس خاصة التي تقع وسط الأحياء السكنية هو ما يقلق اكثر أولياء الأمور والطلاب، ويعتبر دور المرور تسهيل الحركة وتقليل الازدحام، ومع عودة الطلاب إلى المدارس، تشهد الشوارع ازدحاماً ملحوظاً، مما يستدعي تدخلًا من الجهات المرورية، تنظيم حركة السير خاصة في محيط المدارس، وتوفير دوريات مرورية لضمان سلامة الطلاب أثناء عبورهم، وتشجيع النقل الجماعي في المدارس لتقليل عدد المركبات الخاصة، بالإضافة الى التنسيق مع المدارس لتحديد أوقات دخول وخروج مرنة. توعية صحية لعام دراسي صحو لا يقل دور الجهات الصحية أهمية من الجهات الأخرى المشتركة مثل إطلاق مبادرات من الرعاية الصحية الأولية الطلابية لتقديم الدعم الكامل للطلاب خلال العام الدراسي الجديد من ناحية الصحة البدنية والنفسية والابتعاد عن الممارسات التي تؤدي للإجهاد البدني والنفسي، وتوجيه الكوادر التعليمية لتوفير البيئة المناسبة البعيدة عن الضغوطات النفسية، بما أن الأطفال والطلاب يقضون الغالبية العظمى من يومهم في المدرسة، ويستهلكون معظمهم ما يقارب من نصف سعراتهم الحرارية هناك، وهذا يجعل المدرسة مكانًا رائعاً لتعلّم وممارسة الأكل الصحي، ويكون اتباع نظام غذائي صحي بتناول الفواكه والخضروات الطازجة، والحبوب، ومنتجات الألبان، واللحوم الخالية من الدهون، إلى جانب الحد من الدهون المشبعة والسكريات المضافة والصوديوم، الذي يساعد النشاط البدني في تقليل القلق، ويساعد في زيادة تركيز الطفل في المدرسة، لذا يوصى بحصول الطفل على 60 دقيقة على الأقل من النشاط البدني يوميًّا (مثل: المشي، والجري، وممارسة الرياضة) مقسَّمة على سائر اليوم قبل وأثناء وبعد المدرسة، بالإضافة الى الارشادات الصحية المعتادة مثل التنبيه عليهم بغسل الأيدي جيدا بالماء والصابون بصورة منتظمة في كل الأوقات، واستخدام المنديل او منحنى الكوع عند السعال وتجنب الاتصال الوثيق مع الطلاب المرضى او مشاركتهم الأدوات، والبقاء في المنزل عند الشعور بالمرض. كسرة أخيرة إن نجاح العام الدراسي لا يعتمد فقط على الجهود الفردية، بل هو ثمرة تعاون بين الأسرة، والمدرسة، والجهات الحكومية. ومع الإجراءات الجديدة التي تهدف إلى تخفيف الضغط وتحسين جودة التعليم، يبقى الأمل كبيرًا في أن يكون هذا العام نقطة انطلاق نحو مستقبل تعليمي أكثر إشراقًا.
723
| 27 أغسطس 2025
في زمنٍ باتت فيه مقاييس النجاح تقاس بما يملكه الإنسان من أرصدة مالية أو عقارات شاهقة، يغيب عن الكثيرين أن الغنى الحقيقي ليس في حجم ما تملك من مال، بل في مدى قدرتك على أن تحيا حياةً متوازنة، تجمع بين الروح والعقل والجسد. ابدأ بتصحيح أفكارك تكون قد بدأت بالخطوة الأولى والأهم لتحقيق التوازن في حياتك، كما أنه يحتاج خلق التوازن في حياتك إلى أخذ جميع عناصر حياتك بعين الاعتبار من عناصر داخلية، تشملك أنت كشخص، ويندرج تحتها قلبك وعقلك والجانب الروحي فيك، بالإضافة إلى عناصر خارجية تشمل كلّ العوامل المحيطة بك من أشخاص أو أماكن، مثل العمل، النشاطات الاجتماعية، العائلة ووسائل الترفيه، لذلك فإن خروجك من البيت وانطلاقك إلى الحياة الطبيعية هو عنصر مهم في ما ترجو تحقيقه. الغنى ليس قصوراً من حجارة، ولا حسابات تتضخم في البنوك؛ الغنى هو أن تمتلك سكينةً في قلبك، وعِلماً يغذي عقلك، وإيماناً ينير طريقك، أن تعيش حياة تعرف فيها حق نفسك وحق غيرك، وتدرك أن كل إفراط أو تفريط يسرق منك جزءاً من سعادتك. لقد علمنا ديننا الحنيف أن المال وسيلة وليس غاية، وأن الغنى غنى النفس لا غنى الجيب، يقول النبي ﷺ: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس»، في إشارة واضحة إلى أن التوازن الداخلي هو أغلى ما يملكه الإنسان، أما من منظور أوسع. وكذلك الحال مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، التي كانت إذا جاءها المال أنفقته كله في سبيل الله حتى تنسى أن تترك لنفسها شيئًا، لكن غناها كان في علمها وإيمانها وفقهها، حتى أصبحت معلمة الأمة ومرجعها الأول في الحديث والفقه. ولعل أعظم الأمثلة على ذلك أولئك الذين تركوا زخارف الدنيا ليبحثوا عن غنى النفس والعلم. الإمام الغزالي، على سبيل المثال، كان محاطًا بالجاه والمال في بغداد، لكنه شعر بفراغ داخلي لا يملؤه سوى القرب من الله، فترك منصبه وعزل نفسه سنوات، ليعود إلى الناس بعلم راسخ وكتابٍ خالد هو إحياء علوم الدين، وفي العصر الحديث نجد قصصًا مشابهة، فـ (توماس إديسون) لم يولد ثرياً، بل كان فتى فقيرا اعتُبر بليداً في مدرسته، لكنه اختار غنى العلم بدل الركض وراء المال، وبعد سنوات من الكفاح صار أحد أعظم المخترعين في التاريخ، واسمه اليوم أغنى من أي ثروة مالية. حتى في واقعنا المعاصر نسمع عن شباب ورثوا ثروات، لكن المال لم يحقق لهم السعادة، أحدهم خسر ثروته باللهو، ثم عاد فالتفت إلى العلم، وتخصص في الطاقة المتجددة، وبعد سنوات أصبح خبيراً عالمياً يساهم في تنمية وطنه، أدرك أن المال يذهب ويجيء، لكن العلم يبقى ويصنع لك قيمة لا تُشترى. أما العالم المصري الشيخ محمد الغزالي، فلم يكن غنيًا بالمال، لكنه أغنى الأمة بفكره ووعيه، حتى لُقب بـ «داعية العصر»، وظل أثره حيًا في العقول والقلوب. هذه النماذج تذكرنا بقول الله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ}. فالتوازن هو أن تدرك أن الدنيا محطة عابرة، وأن الآخرة هي الغاية، وأنك حين تضبط حياتك بين طلب الدنيا بالحق والسعي للآخرة بالعمل الصالح، تكون قد بلغت قمة الغنى. *كيف نصبح أغنياء بدون أموال وثروات* تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والعمل يُعد من أكبر التحديات التي يواجهها الجميع اليوم، وإذا لم تتمكن من تحقيق التوازن بين عملك والتزاماتك العائلية وحياتك اليومية الخاصة، فإن ذلك سيؤثر سلبًا على أدائك في العمل وعلى حياتك الشخصية. لذلك ابدأ بأخذ عدد من الإجراءات التي تساعدك في تنظيم وقتك، فمثلًا خذ فترات قصيرة من الراحة خلال ساعات العمل وراحة الصلاة هي أفضلها، هذه اللحظات القصيرة تجدد طاقتك وتزيد من قدرتك على التركيز، تعلم أهمية إدارة الوقت بفعالية، فبدلاً من التركيز على عدد الساعات التي تقضيها في العمل، رَكِّز على الإنتاجية والفاعلية وضع قائمة مهام يومية وحدد أولوياتك، وهذا التنظيم سوف يساعدك على تحقيق المزيد دون الشعور بالإجهاد. كما أن ممارسة التعاطف مع الذات تجلب لك السعادة مثل القراءة وممارسة الهوايات، هذا الاعتناء بنفسك يعزز من رفاهيتك ويساعدك على التعامل مع ضغوط الحياة بشكل أفضل، وتحديد أولوياتك يساعدك على تجنب الإجهاد والتركيز على اللحظات المهمة مع الأسرة والأصدقاء. *كسرة أخيرة* الغنى الحقيقي هو أن توازن حياتك بين الدنيا والآخرة، وأن تجعل العلم والإيمان سلاحك في مواجهة تقلبات الزمن. لا تجعل المال غايتك، بل اجعله وسيلة تعينك على عمل صالح، وحفظ لكتاب الله، وخدمة للناس. تذكّر دائمًا أن كل ما تجمعه في الدنيا فانٍ، وما تزرعه من علم وإيمان وصلاح هو الباقي الذي ستجده في آخرتك.
390
| 20 أغسطس 2025
في زمن الثورة الرقمية، تحوّلت الألعاب الإلكترونية من وسيلة للتسلية إلى ظاهرة حياتية يومية تسيطرعلى أوقات أبنائنا، حتى باتت جزءًا من روتينهم اليومي، لكن المعضلة تكمن في نوعية هذه الألعاب، حيث غزت بيوتنا ألعاب العنف، وألعاب التحدي الخطيرة، التي تُغري الأطفال والمراهقين بخوض تجارب محفوفة بالمخاطر، مثل لعبة “روبلكس” وبعض الألعاب التي تقود للأسف في حالات عديدة إلى إيذاء النفس أو الانتحار. انزلاق في السلوك والأخلاق تؤكد الدراسات التربوية أن التعرض المستمر لمشاهد العنف والقتل في الألعاب الإلكترونية يعيد تشكيل منظومة القيم لدى الطفل، إذ يصبح أكثر تقبّلاً للسلوك العدواني، وأقل تعاطفاً مع معاناة الآخرين، هذه الألعاب تبني داخل ذهن الطفل لاعتياده على العنف، فيراه أمراً طبيعياً أو حتى مسلياً، كما أن بعض ألعاب التحدي تدفع المراهق إلى المغامرة المتهورة لإثبات شجاعته أمام أقرانه، دون إدراك لعواقب أفعاله، وهناك أمثلة في دول عربية عديدة اعدت دراسات أظهرت نتائج مخيفة في تأثير هذه الألعاب على السلوك الأخلاقي، مثلا السعودية أظهرت دراسات محكمة في السعودية نسباً ملحوظة من اضطرابات اللعب بين طلبة المدارس، حيث وصلت نسبة انتشار اضطراب الألعاب إلى نحو 20% بين طلاب لعبوا ألعاب الفيديو في عينة دراسية حديثة، هذا رقم يوضّح أن المشكلة ليست هامشية بل شائعة بين فئات المراهقين. مثال آخر دولة الإمارات أحدث تقييمات للأنماط الحركية والوقت الترفيهي تشير إلى أن نسبة كبيرة من طلاب المرحلة الثانوية يقضون وقت شاشة ترفيهيًا يتجاوز التوصيات (مثلاً تقرير سجلّ أن نحو 26% من طلاب الثانوية تجاوزوا حدود الزمن الموصى به في أحد الاستبيانات الوطنية). هذا يؤثر على النشاط البدني والتركيز، مثال أخير الأردن ومصر ومناطق عربية أخرى أظهرت دراسات محلية (مسوح ومقالات أكاديمية) انتشاراً واضحاً للاستخدام المفرط للإنترنت والألعاب، مع ارتباط قوي بالقلق والاكتئاب لدى بعض الشباب، وهناك دراسة أردنية أكدت أن الإدمان على الإنترنت مشكلة شائعة بين الشباب المقصودين بالدراسة). كما أن منظمة الصحة العالمية صنفت (اضطراب الألعاب) في تصنيف الأمراض ICD-11 كحالة يمكن تشخيصها سريرياً عندما يؤدي اللعب إلى تعطيل حاد للحياة اليومية والعلاقة والعمل أو الدراسة، لكنها تؤكد أن نسبة المتأثرين بالدرجة المرضية ضئيلة نسبيًا مقارنة بمجموع اللاعبين، هذا يوجب التمييز بين الاستخدام المفرط المؤذي والحب الطبيعي للألعاب الترفيهية تأثير مباشر على التحصيل الدراسي الإدمان على هذه الألعاب يسرق ساعات طويلة من وقت المذاكرة والنوم، فيدخل الطالب الصف مرهقاً ذهنياً وجسدياً، ومع مرور الوقت، يتراجع التركيز، ويضعف التحصيل الأكاديمي، ويزداد الغياب الذهني في الحصة، وتشير تقارير تربوية إلى أن بعض الطلاب يقضون أكثر من 6 ساعات يوميًا على هذه الألعاب، مما يجعلهم غير قادرين على الالتزام بخطط المذاكرة أو حتى بالمشاركة الصفية الفعّالة. البدائل التربوية والحلول الواقعية لمواجهة هذا الخطر من قبل الجهات المعنية بالدولة والمؤسسات التعليمية، لا تكفي التحذيرات النظرية، بل يجب إيجاد بدائل جذابة تستهوي الأبناء وتنافس هذه الألعاب مثل: تفعيل الأنشطة الرياضية والفنية في المدارس والمراكز المجتمعية، تشجيع الألعاب التعليمية التي تجمع بين المتعة وتنمية المهارات، تنظيم أوقات اللعب بوضع جداول استخدام الأجهزة، تعزيز الحوار الأسري وفهم اهتمامات الأبناء بدلًا من الاكتفاء بالمنع. تجارب دولية ناجحة الصين فرضت قيوداً صارمة على أوقات اللعب الإلكتروني للأطفال، وحددتها بـ 3 ساعات أسبوعيًا فقط، مع مراقبة المحتوى، وأصدرت تعليمات للأسر في حال تجاوز هذه المدة لابد من الاتصال بالجهة المعنية بالدولة، والكثير من الأسر أبلغت تلك الجهات بادمان ابنائها لهذه الألعاب وتم أخذهم بالقوة من منازلهم وادخالهم الى معسكرات تهذيب للأبناء ورعاية يومية لمدة ثلاثة اشهر وتخرج منها كل من ادخل في هذه المعسكرات شخص مختلف في حياته ومفيد للمجتمع. مثال آخر كوريا الجنوبية أطلقت “قانون سندريلا” الذي يمنع الأطفال دون 16 عامًا من اللعب بعد منتصف الليل، أما اليابان وضعت برامج مدرسية توعوية حول مخاطرالألعاب العنيفة، مع دمج حصص البرمجة لتوجيه اهتمام الطلاب نحو صناعة ألعاب هادفة. دور الأسرة والمدرسة في الإرشاد لا يمكن لأي قانون أو حملة أن تنجح دون وعي الوالدين، فالتوجيه المستمر، والمتابعة الهادفة، وإشراك الأبناء في أنشطة بديلة، هي خط الدفاع الأول ضد هذه الظاهرة، كما أن هناك اقتراحات علمية عملية يمكن ان تقوم بها الأسر لإقلاع الأبناء عن هذه العادة التي أصبحت سيئة، وذلك بوضع (قانون أسري) بسيط يوضح أوقات اللعب (مثلاً: بعد أداء الواجبات + ساعتان كحد أقصى في أيام الأسبوع، وزيادة معتدلة في إجازات نهاية الأسبوع)، والالتزام بالعقاب والمكافأة بوضوح، ومنع اللعب قبل النوم بساعة على الأقل لأن النوم المنتظم يحسن الذاكرة والتركيز، ويقضي على الاستثارة الناتجة عن اللعب. كسرة أخيرة ألعاب العنف الإلكترونية ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل قد تتحول إلى أداة لتشكيل العقول والسلوكيات بطرق مدمرة، حمايتنا لأبنائنا تبدأ من الوعي، والمتابعة، وتوفير البدائل، وصولاً إلى بناء جيل رقمي واعٍ يستخدم التقنية لبناء مستقبله، لا لهدم نفسه.
867
| 13 أغسطس 2025
في عالم القيادة تبرز عبارة خبير القيادة العالمي جون سي ماكسويل: (عليك أن تكون قريبًا بما يكفي لتتواصل مع الناس، لكن بعيدًا بما يكفي لتلهمهم)، هذه العبارة، رغم أنها وُلدت في سياق القيادة الإدارية، إلا أنها تنسحب بعمق على أحد أكثر الأدوار حساسية وتأثيرًا في الحياة دور الأب في الأسرة. الأب… حضور يتجاوز الجدران في كثير من البيوت، يبدو الأب وكأنه بعيد عن التفاصيل اليومية، منشغلٌ بعمله أو مسؤولياته. لكن هذا البُعد لا يعني الغياب، فالأب وإن لم يكن حاضراً جسدياً طوال الوقت، إلا أن تأثيره يظهر في اللحظات المفصلية:حين يُستشار في قرار تربوي مهم، حين يتدخل لحسم خلاف بين الأبناء، حين يُعبّر عن رأيه في مسار تعليمي أو سلوكي. هذا النوع من الحضور يُشبه إلى حد كبير ما يسميه ماكسويل بـ»القيادة الملهمة»: أن تكون بعيدًا بما يكفي لتُرى من زاوية عليا، لكن قريباً بما يكفي لتُحدث فرقاً. هيبة في الغياب… ووزن في الكلمة في دراسة تربوية نُشرت في مجلة (Parenting Science)، وُجد أن تدخل الأب في لحظات محددة يحمل تأثيراً مضاعفاً على الأبناء مقارنة بالتوجيهات اليومية المتكررة، فكلمة الأب، حين تأتي في توقيتها المناسب، تُحدث أثراً نفسياً وسلوكياً يفوق التوقعات. وهذا ما يُفسر لماذا يُنظر إلى الأب غالباً كـ»صمام أمان» في الأسرة، أما الأم، بحكم قربها اليومي، تمثل الحنان والرعاية، لكن الأب يمثل الهيبة والتوجيه الاستراتيجي، وهذا التوازن هو ما يمنح الأسرة استقرارها العاطفي والتربوي. القيادة الأسرية… فن التوازن جون ماكسويل يرفض فكرة القائد المتسلط أو المنعزل، بل يدعو إلى قيادة متوازنة، تُراعي القرب الإنساني دون أن تُفقد القائد مكانته، وهذا بالضبط ما يحتاجه الأب في بيته: أن يُصغي دون أن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، أن يُشعر أبناءه بالأمان دون أن يُغرقهم بالحماية الزائدة، وأن يُلهمهم من خلال القدوة، لا من خلال الأوامر، في هذا السياق، يقول المفكر التربوي «د. عبد الكريم بكار: (الأب الناجح هو من يُشعر أبناءه بأنه موجود دائمًا، حتى لو لم يكن حاضراً جسدياً). دروس من قلب الأسرة الأسرة، كما يراها كثير من علماء النفس، هي أول مدرسة للقيادة وفيها يتعلم الأبناء مفاهيم عديدة مثل: احترام السلطة دون خوف، اتخاذ القرار بحكمة، التوازن بين العاطفة والعقل، والأب، حين يُجيد لعب دوره القيادي، يُرسخ هذه المفاهيم دون أن يُلقي محاضرات، يكفي أن يروا كيف يتصرف، كيف يُعالج المواقف، وكيف يُعبّر عن رأيه. نموذج يعقوب عليه السلام في قصة نبي الله يعقوب عليه السلام، نرى كيف كان قريبًا من أبنائه، يستمع إليهم، ويشاركهم مشاعرهم، لكنه في الوقت ذاته كان قائدًا حكيمًا: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾. سورة يوسف الآية: (5)، يعقوب هنا يتدخل في الوقت المناسب، ويوجه ابنه يوسف بحكمة، دون أن يفرض أو يبالغ في الحماية، وفي لحظة أخرى، حين طلب منه أبناؤه أن يأخذوا يوسف معهم، نراه يتردد، لكنه لا يمنعهم تمامًا، بل يوازن بين الحذر والثقة:﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾. سورة يوسف الآية (13)، هذا التوازن بين القرب العاطفي والقيادة الحكيمة هو جوهر القيادة الأسرية التي تحدث عنها ماكسويل. ولنا في رسول الله ﷺ قدوة حسنة النبي محمد ﷺ كان نموذجا فريدا في القيادة الأسرية، فقد جمع بين اللين والحزم، وبين القرب من الأبناء والتوجيه الراشد، كان النبي ﷺ يحمل الحسن والحسين، ويُقبلهما، ويُشعرهما بالحب، حتى قال أحد الصحابة متعجبًا: (إن لي عشرة من الولد ما قبّلتُ أحدًا منهم)، فقال النبي ﷺ: (من لا يَرحم لا يُرحم)، هذا القرب العاطفي لا يُضعف القيادة، بل يعززها، ويُرسخ الثقة بين الأب وأبنائه. كسرة أخيرة في زمن تتداخل فيه الأدوار الأسرية، وتزداد فيه التحديات التربوية، يبقى على الأب أن يستحضر نموذج القيادة الذي رسمه ماكسويل: (كن قريبًا لتفهم… وبعيدًا لتؤثر)، فالأب ليس مجرد مُعيل، بل هو قائد تربوي، يُلهم أبناءه من خلال حضوره الرمزي، وتدخله الحكيم، وكلمته التي تأتي في الوقت المناسب.
327
| 06 أغسطس 2025
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4773
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3303
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2862
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2670
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2592
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1230
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
981
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
948
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
822
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
801
| 17 أكتوبر 2025
في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...
765
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل