رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تاريخياً؛ عُرفت صِناعة النقل البحري بأنها صِناعة مُجزئة تتسم بمحدودية التمايُز، وسُرعة تأثرها بالدورات الاقتصادية وتقلبات الأسواق، لكن التطور الذي شهدته والتكنولوجيا التي أُدخلت عليها من حيث التصاميم والأنظمة ساهم بتطويرها كثيراً، فنحن اليوم نعيش في اقتصاد عالمي مُتزايد الاتصال والترابط قوامه التجارة العابرة للمحيطات، لذا نجد علاقة مترابطة بين أنشطة النقل البحري والتجارة العالمية خاصةً عندما نتحدث عن النمو والتطور، وهو ما أشارت له الدراسات المختلفة في هذا القطاع والتي أثبتت وجود تأثيرات متبادلة بينها كونها علاقة اعتمادية، وتشير التقارير بهذا الصدد أن أكثر من 80% من حجم التجارة العالمية من حيث القيمة وأكثر من 85% من حيث الوزن يتم تداولها عبر مؤسسات وشركات هذا القطاع.
يواجه قطاع الشحن والنقل البحري العالمي تحديات تشغيلية وفنية عديدة، منها تحديات توافر البنية التحتية بالموانئ لاستقبال السفن والناقلات خاصة مع التوجه المستمر من قبل شركات النقل نحو امتلاك السفن الأكبر حجماً لزيادة كفاءتها، وتحديات أخرى منها تحديات بيئية وتكاليف الضرائب وشروط وأحكام التأمين البحري وكذلك تحدي الامتثال للتشريعات والقوانين الملاحية المُختلفة والتي يترقب العاملون بهذا القطاع دخول تحديثاتها حيز التنفيذ ومعرفة تأثيراتها على أنشطة النقل البحري المختلفة.
فمؤخراً ظهرت تحديات جديدة بهذا القطاع والذي أثر بشكل كبير على إيرادات الشحن، منها تقلبات الأسعار فقد تراجعت إيرادات الشحن بنسبة تصل إلى 50% في قطاعات شحن مُعينة عن عامٍ مضى، وكذلك انخفاض حجم الأعمال لأسباب ناتجةً عن الزيادة بحجم الأسطول العالمي من السفن وتبِعات الركود الاقتصادي من تباطؤ تعافي حركة التجارة العالمية والتي زادت حدتها مع تراجع مستوى الإنفاق على مشاريع التنمية وارتفاع حِدة المنافسة في الأسواق العالمية، والتي كانت تُواجه بالماضي من خلال خفض حجم الأسطول عن طريق إخراج السفن القديمة من الخدمة وإرجاء طلبات البناء الجديدة، لكن أسطول السفن الحالي يُعد الأصغر سناً، حيث يبلغ متوسط عمر السفنية ما بين (12 إلى 18 سنة – تبعاً لنوع السفينة) ويصل مُتوسط العمر الافتراضي للسفينة ما بين 20 إلى 40 سنة والتي يحددها مجال عملها. مما يجعل من هذه الآلية المُعتادة صَعبة التطبيق دُون تحمل شركات النقل ومُلاك السفن لخسائر مادية من استثماراتهم السابقة..
ومن جهة أخرى، فإن هذه المرحلة بما تحتويه من تحديات خلقت العديد من الفرص أمام مُلاك السفن والمستثمرين بهذا القطاع للاستحواذ على أصول جديدة من سفن وحاويات وناقلات نفط مُستفيدة من تراجع قيم تلك الأصول السوقية وذلك لمعاودة بيع هذه الأصول عند تحسن أسعار الشحن والاستفادة من فروقات أسعار تقييم تلك الأصول، وهو ما يعرف بــ "لعبة الأصول" وهي إستراتيجية اشتَهر بها أصحاب السفن اليونانية الذين تمكنوا من السيطرة على هذه الصناعة منذ قرون، فبغض النظر عن المحنة التي تواجها اليونان حالياً، فهم لايزالون يُسيطرون على صناعة النقل البحري العالمية من خلال استخدام الإستراتيجيات القديمة المعهودة لديهم مثل "الشراء عند الانخفاض والبيع مع الارتفاع" وغيرها.
إن تراجع إيرادات الشحن ومحدودية فرص النمو والتوسع بالأعمال أوجد تحدياً كبيراً أمام إستمرارية نمو شركات النقل البحري، وهو ما دفع حكومات دول ومجالس إدارات شركات مختلفة حول العالم إلى تَوجيه شركاتها العاملة في هذا المجال نحو دراسة جَدوى الاندماج أو رفع نسب تملكها بالأصول والمشاريع المشتركة وخلق تَكامل تَشغيلي مع شركات قائمة من خلال إعادة النظر في هَيكلية كياناتها وذلك إما رغبةً منها في خَلق كَيانات عِملاقة ذات مَلاءة مَالية قوية تُمكِنها من مُواجهة تقلبات الأسعار والدورات الاقتصادية والتصدي لتداعيات عاصفة الركود الاقتصادي، أو لمساندة أعمال شركاتها ودعم وضعها المالي لضمان استمرارية أعمالها ونمو أنشطتها وتوسعها بالأسواق وتحقيقها لعوائد مجزية لمساهميها.
فبالفترة الماضية شهد القطاع موجَة توجه نحو الاندماج والتضامن، وأحدثها تحالف شركات رائدة في مجال نقل الغاز الطبيعي المسال وهم شركة "Dynagas" و"GasLog" و"Golar" الذي أطلق عليه إسم (The cool pool) دَخلت تلك الشركات من خلاله في تحالف مُشترك يهدف إلى تحسين عملياتها وترشيد الإنفاق والاستفادة من سلسلة التسويق الموجودة بالشركات الثلاث والتي تمكنها من خلق قيمة مضافة لعملياتها، خاصةً بعد تراجع عائدات الشحن لمستوى 30 ألف دولار (spot market rate) في اليوم وهو نصف ما شهده القطاع بالعام الماضي، وكذلك انخفاض مستوى إشغال سُفنها بنسب تتراوح من 40% إلى 50%، كما تم الإعلان مؤخراً عن تضامن طويل الأمد بين مجموعة من شركات الشحن البحري العالمية وشركات إدارة سفن لخدمة الخطوط الملاحية المُختلفة، منها على سبيل المثال التضامن بين شركة "Maersk Line" و "MSC" لمدة عشر سنوات، الهادفة إلى تعظيم استخدام أصولها وتحسين مستوى خدماتها المقدمة وخفض تكاليفها التشغيلية السنوية.
هذا، بالإضافة إلى توجيه الحكومة الصينية اثنتين من أكبر شركاتها العاملة في مجال الشحن البحري وهما شركتا"China Shipping Group" و "China Ocean Shipping Group" - واللتان تتحكمان معا ً في ما يقارب من 80 بالمئة من أسطول السفن بجمهورية الصين - نحو عمل دراسة لدمج أنشطتهما، ومن أوروبا وآسيا إلى الخليج العربي وبالتحديد إلى السوق السعودي فقد شهد العام الماضي دمج أصول وعمليات شركة "فيلا" المملوكة من قبل (أرامكو) وشركة النقل البحري السعودي (بحري) والتي نتج عنها إنشاء واحدة من أكبر شركات النقل البحري على مستوى العالم، المالكة والمشغلة اليوم لأسطول قوامه 72 سفينة وناقلة عملاقة تعمل في مجالات متعددة، إضافةً إلى المفاوضات الجارية بين كل من شركة "ملاحة" القطرية والشركة العربية المتحدة لنقل الكيماويات (UACC) بشأن جدوى تضامن خدماتها في مجال نقل منتجات المشتقات البترولية والمواد الكيماوية والذي تنظر "ملاحه" إلى تعزيز مكانتها بهذا النشاط في حال تم التوصل إلى إتفاق نهائي بهذا الشأن.
إن التراجع الحاد في أسعار خدمات الشحن وإيرادات النقل البحري وقلة فرص النمو بالأسواق العالمية أدخل القطاع في مرحلة جديدة تتميز بالبحث الدائم في السبل المتاحة لتوطيد أعمال الشركات والمؤسسات العاملة في هذه الأنشطة وخلق التحالفات فيما بينها، وذلك للوصول لمستوى الملاءة المالية التي يُمكنها من تحقيق مستوى مستقر من الإيرادات والتدفقات النقدية خاصة خلال فترات تقلبات السوق والمحافظة على مستوى الخدمات المقدمة للعملاء حول العالم وجودتها، وهو ما يستدعي السعي الدائم نحو تحسين الأداء والارتقاء بمستوى التنافسيه بالأسواق.
تُعرف عملية الاندماج بأنها توجه شركتين أو أكثر نحو الانخراط لتوحيد عملياتها وخلق التكتل أو التحالف أو التكامل لخلق كيان جديد يكون قادراً على تحقيق الأهداف التي لا تستطيع تحقيقها بوضعها قبل الاندماج، وتعد أيضاً آلية للتغلب على مشاكل قائِمة أو مُتوقعة في المستقبل، ويمكنها من المحافظة على وضعها التنافسي وإستمرارية النمو والتوسع بأعمالها وأنشطتها، فبالنظر إلى اندماج أسطول وعمليات شركتي "بحري" و "فيلا"، والذي وُصِف من قبل مسؤولي الشركة ومصرفيين بأنه الاندماج الأكبر في تاريخ السوق السعودي حيث بلغت قيمته مليارا وثلاثمائة مليون دولار أمريكي، فالهدف من الاندماج هو ضمان المردود المجزي للمستثمرين بالشركة وخلق قيمة مضافة للاقتصاد السعودي، بالإضافة إلى دعم أعمال الشركة والتي احتلت المركز الرابع عالمياً بعد إتمام عملية الدمج كأكبر مالك لناقلات النفط العملاقة في العالم، مما يمنح الدولة الخليجية المنتجة والمصدرة للنفط مكانة مرموقة عالمياً، ورافد قوي للاقتصاد السعودي من خلال تأمين وسائل نقل بحري متطور جاهز لخدمة المملكة ومنتجاتها من النفط.
إن من فوائد الدمج بين الشركات المماثلة في ذات القطاع، أنها تعزز من تواجدها بالأسواق وتُمكِنها من التوسع في نطاق خَدماتِها، وتَحسين مستوى وجودة الخدمات التي تُقدمها وذلك من خلال الاستغلال الأمثل لهَيكَلِية أفضل للتكاليف عبر الاستفادة القُصوى من الاقتصاد الكلي، ويمكنها من النمو بوتيرة أسرع خاصةً في مجال اختصاصها والمجالات المُكملة لأنشطتها الرئيسية، مُستفيدة من توحيد السياسات والإستراتيجيات المُتبعة خاصة المتعلقة في التسويق والتكنولوجيا وكذلك تأمين المهارات والأيدي العاملة الماهرة.
آخذين في الاعتبار أن نجاح أي عملية اندماج يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية هي: سعر الصفقة أو قيمة الاستثمار بها، والهدف الإستراتيجي منها، والذي يكون الدافع لإبرامها، و"القيمة المضافة" من الدخول بها، سواءً على مستوى الشركات أو اقتصاديات الدول، ومن أبرز أسباب فشل عمليات الدمج بين الشركات هو الوقت والجهد الذي تستغرقه الإدارة في الشركة المستحوذة والتكلفة، والتي تكون ناتجة عن عدم جاهزية هَيكلية الشركة لمثل هذه العمليات، والمبالغة في تقييم الأصول، وكذلك توجه بعض الشركات نحو التوسع في أعمالها من خلال الدخول في أنشطة خارج نطاق أعمالها الأساسية والتي لا تُعطي قيمة مُضافة لأنشطتها، وخير مثال يذكر بهذا الموضوع الخسارة الكبيرة التي مُنيت بها (Mobil Oil Corp) من الاستحواذ على شركة (Montgomery ward) العاملة في مجال تجارة التجزئة في العام 1976، والتي كانت تهدف منها إلى تنويع أنشطتها، لكنها تكبدت خسائر كبيرة من هذا الاستثمار نتيجة فشل خُبراء مؤسسة البترول في إدارة واحدة من أكبر محال التجزئة الأمريكية، والتي شَهِدت خَسائِر مُتواصِلة أو عَوائد ضَئيلة على رأس المال المُستثمر منذ دخول (Mobil Oil Corp) بها.
يتردد حالياً بأوساط العاملين والمُهتمين بهذه الصِناعة أن التوجه العام القادم لمؤسسات وشركات القطاع البحري وقطاعات حيوية أخرى هو المُضي نحو الاندماج واستحواذات جديدة أو التضامن فيما بينها وإعادة النظر في هَياكلها التنظِيمية بهدف خلق تكامل تشغيلي في العَمليات والقُدرات التشغيلية وخفض التكاليف المرتفعة والتخارج من الأنشطة التي لاتدر عوائد مُجزية، والتي قد تُمثل إحدى الآليات المتاحة لمواجهة التحديات الحالية خاصةً على المنظور القريب.. ومن ناحية أخرى إن النظر في إمكانية إجراء عمليات تضامن أو خلق كيانات بحرية كبيرة من حيث الحجم تملك القوة والقدرة على المنافسة عالمياً ستتطلب تقييّم الشركات لأوضاعها المالية ومراجعة إستراتيجياتها الحالية لمعرفة مدى جاهزيتها من الناحية التنظيمية والهَيكلية للدخول في مثل هذه العمليات ومستوى نُضج ثقافة الشركة لإنجاحها، ذلك يستدعي إجراء دراسات مُفصلة عن المكاسب المُتوقعة من الدخول في مثل هذه العمليات، وتحديد السلبيات والتحديات التي ستواجها خلال وبعد الدمج لتقييمها، خاصةً على المدى الطويل، وذلك لتقدير مستوى المكاسب المتوقعة والقيمة المضافة التي من الممكن تحقيقها من خلال تنفيذ هذه العمليات سواءً لمساهميها أو اقتصادات الدول وإجراء التغييرات الهيكلية السليمة والمدروسة، والتي من شأنها إنجاح عمليات الدمج والتضامن بأنشطتها.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4335
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2184
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2091
| 10 ديسمبر 2025