رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ما أن رحل شهر رمضان المبارك عن السوريين وهو جد حزين من فرط القمع الوحشي الذي رآه في كل بؤرة من سورية وعلى كل شريحة في المجتمع دون أي اعتبار لقدسية أيام الصيام وليالي القيام حتى ليلة القدر أصبحت ليلة الدماء والأشلاء، حتى أتى شهر شوال الذي هو أول أشهر الحج، حيث ينتقل المسلمون من عبادة إلى عبادة أخرى حالين مرتحلين، فإذا بلهيب الظلم الطاغي الباغي على المتظاهرين العزل وعلى بقية الشعب يشتد قتلا وتعذيبا واعتقالا لم يسلم منه حتى الشيوخ والنساء والأطفال وحتى الشجر والحجر والدواب، وها نحن نشهد من بدء شهر ذي القعدة امتداد هذه النيران واحتدادها في كل موقع وموضع حتى طالت مدارس الأطفال بجنسيهم وهوجم الطلاب والطالبات بل الأساتذة والمعلمات بآلة القمع الذي لا يعرف أسودها إلا الشقاوة والقساوة والتعاطي البربري الدموي مع الشعب، حتى ظن البعض أن المحتجين ومن معهم سيتراجعون عن مظاهراتهم وأن صوت هدير المدافع بل والطائرات والراجمات والرشاشات سوف يسكتهم، وكم راهن النظام الأسدي منذ البداية على ذلك، ولكنه خاب ظنه فالشعب قال كلمته ألا عودة عن مناصرة الحق، والثوار مازالوا يهتفون: نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت وكم ألهبت حادثة قتل الشهيدة زينب الحصني في عاصمة الثورة السورية حمص صدور الجماهير فازدادت التظاهرات في طول سورية وعرضها كماً ونوعاً. ولكن مع قراءة الواقع المر الذي يضغط على الناس أمنياً واقتصادياً ومع استفحال الجرائم ضد المدنيين بكل أشكالها الرعيبة جدا فقد لاحظنا مؤخرا عشرات اللافتات في المظاهرات تناشد المجتمع الدولي ضرورة الحماية للمدنيين وممتلكاتهم، إذ بات الخطب جللا، يتعمد النظام إنزاله بالمنتفضين السلميين وذويهم ومن يلوذ بهم قريبا أو بعيدا مقتلا معتقلا مشردا سارقا راسما الحسم الأمني بالقمع الشديد خريطة طريق له بهدف تغيير موازين القوى السياسية بين نظامه الفاشي وثورة الحرية والعدل لترجيح كفته على كفة المظلومين، وإذ هو السلطة اللاإنسانية التي تحكم شعبها فلا يخطر على باله أن الله تعالى كرم بني آدم أيا كان (ولقد كرمنا بني آدم....)، "الإسراء: 70"، وبعلاقة الشريعة الإسلامية بالقانون الدولي الإنساني نجد الآخر موافقا لحماية المدنيين، مؤكداً على حرمة الآدمي ضد أي جريمة تهدد السلم والأمن وتثير قلق المجتمع الدولي معتبرا أن الاهتمام بهؤلاء المدنيين من أولى الأولويات، مؤكدا حق النظر في احترام الذات الإنسانية وما تملك ولذا كان نابليون – ومع كونه محتلا – قد وجه رسالة إلى الملك فرانسيس كما أشار هنري دونان يقول له: أطلب من جلالتكم الاستماع إلى صوت الإنسانية! ونحن في زمن السلطة السورية التي لا تعرف إلا صوت النار والدمار وتقتل الأبرياء بمعظم جيشها وأمنها الخائن العميل، مدعية أنها تسير على درب التقدم والمقاومة والممانعة ناسية أن أوروبا اليوم التي أراد وزير خارجيتنا المعلم أن يمحوها من الخريطة إنما حققت أهدافها في الرقي والازدهار لما طبقت قانون الإنسانية على شعوبها مؤخراً بالرغم مما كانت قد شهدت من الحروب قبل ذلك مستلهمة وصية جان جاك روسو: إن قانون الأمم لا يجيز امتداد الحرب والغزو إلى المواطنين العزل المسالمين.
ولكننا – وفي هذا الصدد – نريد أن نؤكد على حرص الإسلام في تشريعه حماية المدنيين وأن له السبق في ذلك قبل خمسة عشر قرنا، فقد قال جمهور فقهاء المسلمين بذلك مستندين إلى الروايات الصحيحة عن أبي بكر وعمر بن الخطاب وابن عباس ومجاهد وعمر بن عبدالعزيز ممثلين لهؤلاء المدنيين بالنساء والرسل والرهبان والسوقة كالتجار والأجراء والفلاحين – وكذلك الصبيان والشيوخ والزمنى – المرضى بعلل مزمنة – وحجة الجمهور عدة أدلة أولها القرآن الكريم بقوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، "البقرة: 190".
فالآية تنهى عن الاعتداء على غير المقاتلين كالنساء والصبيان والشيوخ وشبههم، وثانيها الحديث الشريف ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي خرجه أبوداود كما في عون المعبود 7/274 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله للجيش "انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة"، وثالثها: إجماع الصحابة فقد نقل القرطبي المفسر في الجامع لأحكام القرآن 2/349 ذلك معتمدا على وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهم وفيها: إني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا نخلا ولا تحرقها ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة ولاتجبن ولا تغلل" رواه الإمام أحمد في المسند وانظر في الوسيط في القانون الدولي العام ص 234 د. عبدالكريم علوان.
وتأمل أن كل ما جاء النهي عنه اقترفته السلطة السورية في حق شعبها تماماً حتى قتلت الحمير، أقول: وهذا ما فعله القرامطة منذ أكثر من ألف سنة، حيث قتلوا الدواب في حماة ومعرة النعمان والسَلَمية كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية.
أما رابع الأدلة فهو المعقول فالعقل أصل الشرع ولا يمكن للعقل أن يؤدي إلى إفساد العالم بقتل وإيذاء المدنيين وأعيانهم وإنما هو يسعى إلى الإصلاح ونفع الناس كما جاء في حاشية رد المحتار 3/225 لابن عابدين وانظر كذلك كتاب الجهاد وأوضاعنا المعاصرة للأستاذ حسان عبدالمنان المقدسي من ص 237 ففيه زيادة تفصيل ولكنني أقول بعد ذلك إن مشروعية حماية المدنيين وقبولها حتى من غير المسلم، إذا دعت الحاجة إلى ذلك وهي اليوم داعية لأنها غير قضية التدخل العسكري جائزة سواء كان المجير من أهل الكتاب كحماية النجاشي ملك الحبشة للمهاجرين من الصحابة وقد كان نصرانيا وقتها قبل أن يسلم أو كان المجير مشركا كأولئك الذين عاد المسلمون إلى مكة بحمايتهم عندما رجعوا من الحبشة التي كان ملكها لا يظلم عنده أحد، أو كأبي طالب عم الرسول، حيث حمى ابن أخيه محمدا فاستفاد من دفاعه بل منع من اعتداء العشيرة عليه، وكذلك دخل الرسول صلى الله عليه وسلم في حماية المطعم بن عدي المشرك لما رجع إلى مكة عائدا من هجرة الطائف حين ردته قبيلة ثقيف، انظر الهجرة في القرآن لأحزمي سامعون ص 290 والسيرة النبوية د. علي الصلابي ص 202 وعلى هذا فإن طلب المتظاهرين والشعب في سورية الحماية الدولية للمدنيين من قبل الأمم المتحدة أمر مطلوب ومشروع لأنه قضية إنسانية عامة لا علاقة له بطلب تدخل عسكري لنصر طرف على آخر وليس من مهمة المراقبين الدوليين العمل على إسقاط النظام بل حماية المدنيين وهو حق تقره جميع الشرائع، فكيف لا يلجأ إليه لمواجهة نظام يستخدم بشكل لا قانوني ولا إنساني كل وسائل القمع ويقترف الجرائم المروعة ضد الإنسانية بما فيها انتهاك الحرمات واغتيال الأساتذة الأكاديميين كما جرى في مدينة حمص إن هذا النظام إن لم تقم الحماية للمدنيين سوف يعزز إجرامه السلطوي كما ذكر غسان مفلح في مقاله في السياسة الكويتية 8 سبتمبر 2011 ولذلك فإنه يمنع الحماية والغوث ولجان التقصي للحقوق كما يمنع الإعلام الحر.
وإذا كان شرع الإسلام يدعو إلى حماية الذميين تحت حكمه، أفليس المسلمون وغيرهم في سورية بأمس الحاجة إلى هذه الحماية من غير المسلمين إذ كدنا نيأس من أن تفعل البلاد العربية وجامعتها والبلاد الإسلامية شيئا إن ذلك لابد منه للناس والمدن على غرار ما حدث مؤخرا وللأسف من حماية بعد حرب التطهير العرقي في البوسنة والهرسك وفي الشيشان وغيرها بعد المقابر الجماعية التي اكتشفت وكم من المقابر الجماعية في سوريا في القرن السالف وهذا القرن، ولا ننسى ذلك عند القذافي، أفتنتظر الأمم المتحدة حتى يصير المدنيون إلى هذا المصير، انظر القضايا الدولية د. حسن أبوغدة ص 226 إذا انشق ضباط وجنود شرفاء من الجيش ليحموا المدنيين ولا يظلوا مع المجرمين لدك المدن على أهلها كما حدث في الرستن حيث قتل المئات من المدنيين وهدم أكثر من مائتي منزل وأحرقت حتى مقبرة الموتى وتم تجويع الناس حتى عن الخبز والدواء بل نهبوا المنازل ولا تنس مثل ذلك في تلبيسة والحولة وسرمين وقبلها في حماة المجاهدة، حيث فر منها بداية رمضان أكثر من ثلاثمائة ألف مدني، ناهيك عن القتلى وعن اغتصاب واختطاف النساء وخاصة في حمص، حيث قالت المتزوجة الحصان أم عبدالله اقتحم خمسة من الشبيحة البيت وسألوها ما اسم ابنك الصغير هذا قالت عبدالله قالوا: هذا عبد بشار وماهر، ثم تناولوها بالاغتصاب متحسرة إنها ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة ونحن نعرف أن القانون الدولي بقواعده واتفاقيات جنيف عام 1949 والمضاف إليها عام 1977 تؤكد أن العنف الجنسي محظور والاغتصاب والدعارة جريمة حرب وكذلك الأطفال، ففي الرستن أعدم أول أمس السبت عشرون طفلا، فأين المادة الرابعة من اتفاقيات جنيف التي تنص على عدم إعدام الأطفال بل حمايتهم من كل أذى، وماذا نقول عن انتهاكات الأعيان المدنية، خاصة دور العبادة التي قصفوها وشربوا السجائر فيها ومزقوا المصاحف وألصقوا الصور العارية في المحراب وماذا نقول عن العبث بالجثث والأشلاء التي نص القانون في المادة 17 عليها وكذلك إسعاف الجرحى في المادة 30 وهم يقتلونهم أما عن المعتقلين فحدث ولا حرج عن قتل بسبب التعذيب أقول وإذا كان القانون الدولي يجيز الدفاع كذلك عن النفس فلا علينا إلا أن نفعل ونحن نرى العالم يقف مع الجلاد ضد الضحية!.
Khaled-hindawi@hotmail.com
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1821
| 24 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1119
| 22 ديسمبر 2025
تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في نسخة تحمل دلالات عديدة على المستويين التنظيمي والفني، حيث يؤكد المغرب مرة أخرى مدى قدرته على احتضان كبرى التظاهرات القارية، مستفيدًا من بنية تحتية متطورة وملاعب حديثة وجماهير شغوفة بكرة القدم الإفريقية. مع انطلاق الجولة الأولى للبطولة، حققت المنتخبات العربية حضورًا قويًا، إذ سجلت مصر والمغرب والجزائر وتونس انتصارات مهمة، مما يعكس طموحاتها الكبيرة ورغبتها الواضحة في المنافسة على اللقب منذ البداية. دخل منتخب المغرب، صاحب الأرض والجمهور، البطولة بثقة واضحة، معتمدًا على الاستقرار الفني وتجانس اللاعبين ذوي الخبرة. كان الفوز في المباراة الافتتاحية أكثر من مجرد ثلاث نقاط، بل رسالة قوية لبقية المنافسين بأن «أسود الأطلس» عازمون على استغلال عاملي الأرض والجمهور بأفضل صورة ممكنة. أما منتخب الفراعنة، صاحب الرقم القياسي في عدد الألقاب، فقد أظهر شخصية البطل المعتاد على البطولات الكبرى، وقد منح الانتصار الأول للفريق دفعة معنوية كبيرة، خاصة أن بدايات البطولات غالبًا ما تحدد الطريق نحو الأدوار المتقدمة. من جهته، أكد المنتخب الجزائري عودته القوية إلى الواجهة الإفريقية، بعد أداء اتسم بالانضباط التكتيكي والفعالية الهجومية. أعاد الفوز الأول الثقة للجماهير الجزائرية، وأثبت أن «محاربي الصحراء» يملكون الأدوات اللازمة للمنافسة بقوة على اللقب. ولم تكن تونس بعيدة عن هذا المشهد الإيجابي، حيث حقق «نسور قرطاج» فوزًا مهمًا يعكس تطور الأداء الجماعي والقدرة على التعامل مع ضغط المباريات الافتتاحية، مما يعزز حظوظهم في مواصلة المشوار بنجاح. كلمة أخيرة: شهدت الجولة الأولى من البطولة مواجهات كروية مثيرة بين كبار المنتخبات العربية والأفريقية على حد سواء. الأداء المتميز للفرق العربية يعكس طموحاتها الكبيرة، في حين أن تحديات المراحل القادمة ستكشف عن قدرة كل منتخب على الحفاظ على مستواه، واستغلال نقاط قوته لمواصلة المنافسة على اللقب، وسط أجواء جماهيرية مغربية حماسية تضيف مزيدًا من الإثارة لكل مباراة.
996
| 26 ديسمبر 2025