رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الجرائم الإرهابية التي تنسب لـ"القاعدة" تدعونا إلى التأمل والتفكير والسؤال عن حقيقتها، وهل فعلاً أن "القاعدة" وراء كل هذه الجرائم الإرهابية التي نسبت إليها بدءاً من تفجيرات نيويورك الإرهابية التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء الأمريكان عام 2001م، مروراً بالجرائم الإرهابية في قتل المدنيين الأبرياء بالعراق الشقيق بعد الاحتلال وتلك الجرائم الإرهابية الأخرى في بعض الدول الأجنبية والعربية الأخرى ومنها تفجيرات لندن ومدريد وفي بعض الدول العربية مثل اليمن والسعودية وانتهاءً بجمهورية مصر العربية.
ولأننا ندعو إلى التأمل والتفكير والبحث عن الحقيقة بشكل موضوعي وهادئ وهادف، فإن العقل والمنطق لا يمكن أن يتصورا أن "القاعدة" وراء كل هذه الجرائم الإرهابية، خاصة إذا كانت مثل هذه العمليات الإرهابية تحتاج إلى قدرة تكنولوجية فائقة وخبرة عالمية عالية كما حدث في تفجيرات نيويورك الإرهابية، وهذا العمل الإرهابي سبق أن كتبت عنه مقالاً أوضحت فيه أن القاعدة "بريئة" من هذا العمل الإرهابي الشنيع ولا أريد العودة إليه مرة أخرى، وإنما اعتقدت أن من كان وراء تفجيرات نيويورك هم عناصر المخابرات الأمريكية والصهيونية لخلق ذريعة غزو واحتلال العراق وأفغانستان من أجل رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط التي بشر بها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.
أما في العراق الشقيق، فالجميع أصبح يعرف أن قوات الاحتلال الأمريكي بعد أن فشلت في العثور على أسلحة الدمار الشامل التي كانت تدعي الإدارة الأمريكية والصهيونية بوجودها في العراق أن العراق ونظام الرئيس الشهيد صدام حسين على علاقة بتنظيم "القاعدة"، وأنها غزت العراق للقضاء عليه والحقيقة أن تنظيم "القاعدة" لم يكن موجوداً بأرض الرافدين قبل الغزو والاحتلال وهذا أصبح معروفاً أيضاً، لكن الصهيونية والإدارة الأمريكية خططت لجعل هذا التنظيم "بعبعاً" ضد الشعب العراقي فقامت ومعها العملاء والخونة الذين جاءوا على ظهور دباباتها أو من تسلل خلفها بعدة عمليات إرهابية ومنها تفجير مسجد "العسكريين" في سامراء ونسبت هذا العمل الإرهابي للقاعدة وكاد هذا العمل الإرهابي أن يشعل حرباً أهلية وهو ما تخطط له الصهيونية وقوات الاحتلال لولا يقظة الشعب العراقي لكنها استمرأت هذا النهج الإرهابي وبدأت بتنفيذ عدة عمليات إرهابية وتنسبها للقاعدة حتى يومنا هذا لأنها وجدت في نفوس بعض المرضى من العراقيين أو من حلفاء العملاء والخونة تربة خصبة لتصديق ما تروج وتخطط، خاصة عناصر "الصحوة" التي تركت الاحتلال يقتل ملايين العراقيين ويهجر الملايين الأخرى وذهبت لقتال "الوهم" الذي صنعه الاحتلال وعملاء الاحتلال.
وبناء على هذا الاعتقاد الذي لا أستطيع الجزم به وربما أكون مخطئاً ولكن العقل والمنطق والتحليل الموضوعي والهادف تشير إلى امكانيته، خاصة أساليب العدو الصهيوني ومخططاته ومعه الحليف الأمريكي يدفعنا إلى مثل هذا الاعتقاد ومما يعزز هذا التحليل وهذه الرؤية ذلك العمل الإرهابي الذي حدث في كنيسة "القديسين" بمحافظة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية منذ أيام وذهب ضحيته العديد من الأبرياء من المسيحيين العرب بين قتيل وجريح والذي يذكرنا بالعمل الإرهابي الذي استهدف كنيسة "النجاة" في بغداد وأيضاً ذهب ضحيته مئات الأبرياء من أشقائنا المسيحيين ونسب العمل الإرهابي على الكنيسة في بغداد إلى تنظيم "القاعدة" بينما العمل الإرهابي في الإسكندرية فقد أشارت الأصابع إلى تنظيم "القاعدة" حتى يومنا وقبل أن تظهر نتائج التحقيق وهنا نرجو من الحكومة المصرية أن تقوم بواجبها الوطني بمتابعة التحقيق في هذه الجريمة النكراء وأن تطلع الرأي العام المصري والعربي والعالمي على نتائج التحقيق، وهل تنظيم "القاعدة" يقف وراء هذا العمل الإرهابي القذر أم أن "الموساد" الصهيوني يقف من ورائه حتى ولو كانت أداة التنفيذ من غير الموساد أو الصهاينة الذي يدعونا إلى ضرورة التحري والدقة ومعرفة المجرم الحقيقي والإشارة إلى الموساد الصهيوني لعدة أمور واضحة وجلية ولعل من أبرزها تلك الشبكات التجسسية الإسرائيلية التي تم اكتشافها مؤخراً في مصر التي كانت تخطط لضرب الوحدة الوطنية المصرية وإشعال نار الطائفية والعرقية والمذهبية كما حدث في العراق بعد الاحتلال ولأن العدو الصهيوني يعرف أن قوة مصر هي قوة للعرب جميعاً واستقرارها هو ضمانة لاستقرار الوطن العربي، وثانيها قطع الطريق أمام مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي تم بموجبه غزو واحتلال العراق بتفتيت وتقسيم الدول العربية إلى كيانات ومذاهب وطوائف، وثالثها وهو الأهم للمشروع الصهيوني-الأمريكي هو شطب ومسح الهوية العربية الواحدة والجامعة للأمة العربية لأن استهداف المسيحيين العرب هو استهداف للهوية العربية، فالمسيحيون العرب هم من ساهم مع أشقائهم القوميين العرب بالحفاظ على الهوية العربية القومية.
يبقى أن أضيف تصوراً مهماً برأيي وربما أكون مخطئاً أيضاً وهو أن بعض وسائل الإعلام فيها المصرية ذكرت قبل أسبوعين بأن تنظيم "القاعدة" أصدر من خلال ما يسمى "دولة العراق الإسلامي" أمراً باستهداف عدد من الكنائس القبطية في مصر ومن بين هذه الأهداف كنيسة "القديسين" والسؤال لماذا لم تؤمن السلطات المصرية الحماية لهذه الكنيسة وهي تعلم أنها مستهدفة، بل إن موعد الاستهداف كما يدعون كان معروفاً وهو أيام عيد الميلاد؟!
والسؤال الأكثر أهمية هنا لماذا يقوم تنظيم "القاعدة" بقتل الأبرياء من المصريين المسيحيين وهم إخوة لنا في الوطن ويقفون معنا ضد العدو الصهيوني ويترك الصهاينة آمنين؟!
لماذا إذا كان هذا التنظيم قادراً على تنفيذ مثل هذه العمليات لا يوجه هذه العمليات نحو "السفارة" الصهيونية بالقاهرة؟!
لماذا إذا كان هذا التنظيم وهو يدعي الإسلام يقتل من يقف معه من المسيحيين العرب ضد العدو الصهيوني ويترك سفارة عدوه وعدو المسيحيين آمناً؟!
لماذا إذا كان هذا التنظيم قادراً على اجتياز كل الحواجز الأمنية والحراسات لم يفجر تلك السيارة أو هذا الانتحاري بالسفارة الصهيونية التي يرفرف علمها بالقاهرة؟!
هذه الأسئلة الحائرة تدفعني إلى القول إن من قام بهذا العمل الإرهابي ضد كنيسة "القديسين" عناصر الموساد الصهيوني، أما إذا كان تنظيم "القاعدة" كما يدعون وكما يشيرون، فإن هذا التنظيم لا يفرق بين العدو والصديق ولا يفرق بين الأبيض والأسود وبين الإيمان والكفر، ونسأل هذا التنظيم إذا كان هو من يقف وراء هذه الجريمة من هو عدوه الحقيقي الكنيسة أم السفارة؟!
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
828
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025