رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تختزن تفاصيل الصحفي محمد كريشان التي نشرها في كتاب "وإليكم التفاصيل"، تقاطعا بين مسيرته المهنية كصحفي عمل طوال أربعين سنة مع عدد من المؤسسات الإعلامية التونسية والعربية والدولية، وبين أحداث مفصلية عاشها العالم، والعالم العربي بالخصوص.
لا يعتبر كريشان كتابه مذكرات، ولا هو تأريخ للمراحل الإعلامية التي عاشها على امتداد مساره المهني، ولا هو كذلك تحليل لأحداث مفصلية واكبها، بل يصرّ على اعتبار الكتاب ذكريات رسخت بذهنه من أحداث واكبها، وشخصيات عاشرها، ومشاعر استبدت به أثناء لحظات مفصلية عاشها العالم العربي لا يمكن أن تترك الصحفي محايدا مهما تمسك بقواعد المهنة وتحكم في مشاعره.
بعد أن تنتهي من قراءة كتاب "وإليكم التفاصيل" يرتسم بذهنك سؤال أساسي، مفاده ماذا يعني أن تكون صحفيا؟
1. الحرية
اختار الطالب الشاب الذي تجاوز بالكاد العشرين من عمره أن يتوجه إلى مدير صحيفة الرأي المستقلة التي كانت ترمز إلى الحرية والتعدد والجرأة في تونس ضمن مشهد إعلامي تهيمن عليه سلطة مركزية قوامها الحزب الواحد والرأي الواحد.
وقد نجحت ثلاث أو أربع صحف حينها أولها صحيفة الرأي في كسر ذلك الحصار.
نجح في مغامرته فأصبح محررا للشؤون بالصحيفة بعد اقتناع مديرها حسيب بن عمار الوزير السابق الذي آمن بالتعددية السياسية والحرية الإعلامية.
اختيار صحيفة الرأي دون غيرها من الصحف، يبرز إيمانا بحرية الإعلام تواصل معه في مختلف المؤسسات التي عمل بها كما يتجلى ذلك في اختيار المواضيع والمحاور وزوايا التناول، ومثلما تعكسها أيضا التجارب الحقوقية التي خاضها بالتوازي مع العمل الصحفي بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان ولاحقا في اللجنة الدولية لحماية الصحفيبن. وإن كان لم يتطرق إلى التجربتين بالتفاصيل في كتابه.
كان يمكن للصحفي الشاب أن يختار صحيفة رسمية بدفع من بعض أساتذته النافذين في القطاع الاعلامي آنذاك ويضمن موقعا قد يكون مريحا، لكن الصحافة كما درسها وحلم بها لا تنفصل عن الحرية التي لم تكن تتوفر في مؤسسات تهيمن عليها الدولة، وأداؤها أقرب إلى الدعاية الحزبية والحكومية منه إلى الصحافة، بما لا يترك للصحفي مجالا لممارسة مهنيته حتى وإن كان على مستوى عال من الحياد، كما حدث مع كريشان حين تم إيقاف برنامجه من الاذاعة الرسمية التونسية مطلع تسعينات القرن الماضي في تجربة لم تعمر طويلا، وانتهت بمجرد وشاية على الرغم من نجاح البرنامج.
2 المخبرون وأخلاقيات المهنة
أن تتمّ "استضافة" تلميذ شاب في مكاتب أمن الدولة للتحقيق معه حول موقف عبّر عنه أثناء الدراسة أو رأي أبداه بالفصل، فبالتأكيد سيجعله يتساءل وهو الذي لم يخض تجربة سياسية، بل هو يتحسس معنى السياسة من خلال مطالعاته ومتابعاته لما يدور حوله، يتساءل قائلا: " هل يمكن أن يكون بيننا من يعمل مخبرا في هذا العمر؟ فجلّنا لم يتجاوز الثامنة عشرة أو بالكاد؟".
تجربة ستترك بالتأكيد بصمتها في ذاكرة صحفي لم يسلم من وشاية المخبرين، كذاك المخبر الذي وشى بنفسه حين اعترضه كريشان صدفة ولم يكن على معرفة مسبقة به وقال له دون مقدمات: "والله لا دخل لي في إيقاف برنامجك في الإذاعة التونسية، لست أنا من نقل كلامك في حفل السفارة الأمريكية".
لكن ثمة مخبر آخر حرص على إنهاء تجربة كريشان كمراسل لجريدة عكاظ السعودية من تونس بدعوى أن "كريشان شخصية معارضة ووجودها يعتبر مسيئا لعلاقات تونس بالرياض" كما سأل رئيس تحرير الصحيفة هاشم عبد هاشم الذي زار تونس ليلتقي وزير الإعلام التونسي حينها عبد الرزاق الكافي بغاية التحقيق في هذه المسألة بعد أن وصلت الصحيفة رسالة بهذا المعنى من جهات رسمية سعودية في الرياض، لم يكن الكافي مقتنعا بهذا الكلام لأنه يعلم بالتأكيد مواقف كريشان ونشاطه. لكن المخبر بقي سريا هذه المرة ونجح فعلا في إنهاء العلاقة بين كريشان والصحيفة السعودية بعد أن أخذت الوشاية أبعادا سياسية.
جهود المخبرين السريين سارت في نفس نهج المخبر العلني عبد العزيز الجريدي رئيس تحرير صحيفة الحدث التي اختصت في شتم الشخصيات المستقلة والحقوقية المعارضة في زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ولم يسلم من سهامه المسمومة كريشان فقد خصّص له الجريدي جملة من المقالات جرّاء دوره في الجزيرة وكتاباته في صحيفة القدس العربي، كلها ثلب وشتم واتهامات بالعمالة والخيانة مع اختيار أقذر الألفاظ.
حملة منظمة دفعت كريشان إلى اللجوء إلى القضاء بعد الثورة التونسية وربح القضية.
مقاومة المخبرين الذين تعتمدهم السلطة الديكتاتورية، لبسط سيطرتها المطلقة على الإعلام تكون مجابهتها باحترام أخلاقيات المهنة والدفاع عنها بمزيد الكتابة بما يؤمن به الصحفي، لأن المخبرين عادة ما يزولون بزوال من وظفهم في حين يواصل الصحفي مسيرته، تحميه مهنيته وتدافع عنه مضامين عمله. وكلما كان التمسّك بأخلاقيات المهنة قويا ومبدئيا كلما كان الدفاع أقوى.
** لطفي حجي
(مدير مكتب قناة "الجزيرة" في تونس)
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6540
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6423
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3138
| 23 أكتوبر 2025