رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. زين العابدين شرار

مساحة إعلانية

مقالات

1623

د. زين العابدين شرار

الذكاء الاصطناعي في المحاكم

04 ديسمبر 2024 , 02:00ص

في السنوات الأخيرة، ازداد اهتمام الدول باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في أنظمتها القضائية بهدف تسريع عمليات التقاضي، وتحسين جودة العمل القضائي، وصولا إلى تحقيق العدالة الناجزة. ومع ذلك، يظل هناك تحفظ في بعض الدول إزاء تطبيق هذه الأدوات في المحاكم، بسبب المخاوف من التأثيرات السلبية المحتملة عند استخدامها بشكل غير دقيق أو دون إشراف مناسب.

وتشمل التطبيقات الحالية لأدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة حاليًا في محاكم بعض الدول مهام متنوعة مثل أتمتة نظم ملفات المحاكم، وجدولة مواعيد الجلسات، والترجمة الآلية للنصوص الأجنبية، وتلخيص الوقائع القانونية، وتحديد النقاط المتكررة في المذكرات المقدمة، بل وحتى إصدار أحكام في بعض القضايا المحددة.

وعلى الرغم من الفوائد الواضحة لبعض هذه التطبيقات من حيث تعزيز الكفاءة والسرعة في عمل المحاكم، فإن اعتمادها بشكل واسع يثير تساؤلات حول مدى تأثيرها على نزاهة واستقلالية القضاء، وما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يحل محل القاضي البشري في دراسة ملفات الدعاوى وإصدار الأحكام، مع الحفاظ على العدالة والاعتبارات الإنسانية.

ومع ذلك، فقد بدأت العديد من الدول في اعتماد هذه التقنيات بدرجات متفاوتة وبإجراءات تنظيمية مختلفة، فعلى سبيل المثال، فقد قامت دول مثل نيوزيلندا، والمملكة المتحدة، وأستراليا، وكندا بمحاولات فردية لوضع معايير إرشادية تضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في أنظمتها القضائية. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة في وجود معايير دولية موحدة تكفل الاستخدام المسؤول لهذه التقنية، مما يعكس الحاجة إلى تعاون دولي لمعالجة هذه القضية.

ولقد أدركت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، المعروفة اختصارًا بمنظمة اليونسكو، أهمية وضع إرشادات دولية لضبط استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في المحاكم والهيئات القضائية. ومن هذا المنطلق، دشنت مشروعًا لتطوير مبادئ توجيهية شاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وضمان العدالة الإجرائية. وفي إطار هذا المشروع، أجرت اليونسكو دراسة استقصائية في عام 2023 كشفت أن 93% من الكوادر القضائية التي شملتها الدراسة تستخدم الذكاء الاصطناعي في أنشطتها المهنية. كما أظهرت الدراسة أن 9% فقط من الجهات القضائية التي تعتمد على هذه الأدوات قد أصدرت مبادئ توجيهية لتنظيم استخدامها، مما يبرز الحاجة الملحة إلى تطوير إطار عالمي موحد يضمن الاستخدام المسؤول لهذه التقنية.

وبناء على تلك المعطيات، دشنت اليونسكو مشروعًا لتطوير مبادئ توجيهية شاملة توازن بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وضمان العدالة الإجرائية. وقد تضمنت مسودة المبادئ ثلاثة عشر مبدأً، ركزت على حماية حقوق الإنسان وضمان العدالة الإجرائية والمساواة من خلال توفير وصول متكافئ للتكنولوجيا لجميع الأطراف. كما أكدت على حماية البيانات الشخصية، وضمان الخصوصية، وتجنب التحيز، حيث يعتمد الذكاء الاصطناعي على البيانات المُدخلة، والتي إن كانت متحيزة ستؤدي إلى نتائج غير عادلة.

كذلك، فقد شددت المسودة أيضًا على الالتزام بالقيم القضائية الأساسية كالحياد والاستقلالية، مع توفير التدريب المستمر للكوادر القضائية لتطوير مهاراتهم الرقمية. كما أوصت المسودة بضرورة وجود إشراف بشري مستمر على تطبيقات الذكاء الاصطناعي لضمان دقة المخرجات وتجنب الاعتماد المفرط عليها، حيث وردت تقارير في بعض الدول عن حالات اعتمد فيها قضاة ومحامون على معلومات غير دقيقة صادرة عن أدوات الذكاء الاصطناعي، مما أسفر عن إصدار قرارات قضائية أو إعداد مذكرات قانونية استندت إلى أحكام غير صحيحة أو غير موجودة.

وقد عرضت اليونسكو مسودة المبادئ على موقعها الإلكتروني لاستقبال الملاحظات من المهتمين، وكان آخر موعد لذلك في 25 سبتمبر 2024. ومن المتوقع أن تعتمد اليونسكو المسودة بعد مراجعة كافة الملاحظات وأخذها بعين الاعتبار، تمهيدًا لإصدار المبادئ بصيغتها النهائية.

ولقد أدركت دولة قطر أهمية أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث أصدر مجلس الوزراء الموقر القرار رقم (10) لسنة 2021 بإنشاء لجنة الذكاء الاصطناعي والتي تهدف إلى تنفيذ استراتيجية قطر للذكاء الاصطناعي ومتابعة تنفيذها. كما تشمل اختصاصات اللجنة الإشراف على البرامج والمبادرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، واقتراح خطط لتطوير الكوادر البشرية في هذا المجال، ودعم الشركات الناشئة، وتعزيز البحث العلمي، وإنشاء قنوات تعاون مع الجهات الدولية المختصة.

ولقد قامت محكمة قطر الدولية مؤخرًا بتدشين مبادرة لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي على موقعها الإلكتروني لإعطاء ملخصات عن أحكام المحكمة بواسطة الذكاء الاصطناعي، مما يضمن وصول المهتمين من المحامين والقانونيين والمتقاضين إلى المعلومات القانونية بسهولة. كما دشنت المحكمة المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تهدف إلى الإجابة على استفسارات العامة المتعلقة بالمحكمة.

وختامًا، من المتوقع أن يصبح استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في المحاكم أمرًا حتميًا، وإن كان بوتيرة متفاوتة بين الدول. لذا، من الضروري وضع معايير واضحة للاستخدام المسؤول لهذه التقنيات، بما يضمن احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، مع استعداد الدول لهذه المرحلة بطريقة تتماشى مع قيمها وعاداتها الثقافية والاجتماعية.

مساحة إعلانية