رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

كمال أوزتورك

كمال أوزتورك

مساحة إعلانية

مقالات

4754

كمال أوزتورك

قوانين الحرب وأخلاق الصراعات

05 أغسطس 2015 , 01:52ص

قوانين الحرب، هي أخلاق الصراعات.

علينا أن نكافح لنحافظ على إنسانيتنا حتى في أقسى الحروب وأكثر المعارك وحشية، لذا فإن القوانين والأخلاق، هي الرابط الذي يحافظ على بقائنا داخل حدود الإنسانية، في أكثر اللحظات التي يسيطر علينا فيها الانفعال والدوافع المتوحشة. وهنا علينا أن نتذكر دومًا بأن تمكننا من الحفاظ على الحياة الإنسانية خلال المعارك هو الذي يعلي من قدرنا، لا المحافظة على تلك الحياة في زمن السلم فقط.

هنالك سلوكيات معينة يجب انعدام تخطي حدودها زمن الحرب، تعرف باسم "قوانين الحرب"، ولعل من أبرزها، عدم قتل الأسرى، وتعريضهم للتعذيب، أو قتل الأطفال، أو اغتصاب النساء، أو ارتكاب مجازر إبادة جماعية منظمة.. وفي حال تم ارتكاب أي نوع من تلك التجاوزات، فإن مرتكبيها يدرجون في قائمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، ويصنفون خارج التصنيفات المتعلقة بالجنس البشري.

إن الدين والأخلاق والأعراف، هي عناصر تحد من رغبات القتل والسحق والإزالة من الوجود، التي تكمن داخل البشر ضد أبناء جنسهم، وهي النواة المشكلة للقوانين الناظمة، لذا فإن قوانين الحرب، ولدت من رحم حاجة الإنسان لحماية نفسه من الفظائع التي يرتكبها أبناء جنسه.

داسوا على "قوانين الرب بأرجلهم"

تطرق الهولندي "هوغو غروتيوس" رائد القانون الدولي الحديث، إلى المشاكل المتعلقة بقانون الحرب، في بحثه الذي خطه عام 1625 فقال: "لقد اتبعت الأمم المسيحية في الحروب، وسائل مريعة لم يتبعها حتى البرابرة، وداست تلك الأمم خلال الحروب، على جميع القوانين سواء تلك التي شرّعها الله، أو التي وضعها الإنسان". (قانون الحرب والسلام، منشورات ساي).

ومع الأسف، فإن أوروبا لم تتمكن من إقرار ميثاق مشترك، حول قوانين الحرب، وجرائمها، والجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، إلا بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.

لقد بيّن الدين الإسلامي قانون الحرب، قبل أن تقره أوروبا بنحو 1300 سنة. كما نهت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة المسلمين، عن بعض السلوكيات التي يمكن اعتبارها على أنها "جرائم ضد الإنسانية"، وشددت على ضرورة عدم قيام المسلمين بها أثناء الحرب.

كما حض الإسلام على تعزيز السلام وخلق أجوائه، ولم يحض على الحروب والأعمال التي تؤدي إلى إزهاق أرواح الأبرياء، وشدد على بعض الحدود، التي يجب على المسلمين احترامها وعدم تجاوزها، حتى في حالة تعرضهم للعدوان، فقال الله تعالى في سورة البقرة (الآية 190) "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ".

وأبرز مثال على الأخلاق: الصفح عن "وحشي بن حرب"

لقد كانت السنوات الأكثر صعوبة على رسول الله، حيث كان المشركون المتفوقون عدديًا، قاب قوسين أو أدنى من سحق المسلمين، الأقل منهم عددًا وعدّة، وفي هذه الظروف، وقعت معركة أحد، التي استشهد فيها سيدنا حمزة بن عبد المطلب، عم النبي وحميه ومعينه في الشدائد.. استشهد بوحشية على يدي غلام يدعى "وحشي بن حرب"، وقطعت أوصاله، وشق بطنه، وقطِّعَ كبده.. لقد تجرد المشركون من إنسانيتهم في طريقة قتلهم لحمزة، وباتوا كحيوانٍ متوحش.

لقد أدى استشهاد حمزة، إلى قلق عميق، ممزوجٍ بالحزن والغضب في نفوس المسلمين، وتوعد بالثأر من العدو، وقتل العشرات من رجاله، وإراقة المزيد من الدماء.. فأنزل الله جل وعلا آية كريمة تؤكّد على ضرورة تحلي النبي والمسلمين بالفضيلة والإنسانية، رغم مقتل عم النبي حمزة بأكثر الوسائل وحشية على يد المشركين، حيث قال جل وعلى في سورية النحل، (آية 125 – 128): "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128)".

من الصعب أن يحافظ الإنسان على إنسانيته في أجواء الحرب، لكن من الأصعب أن يحافظ على إسلامه والأخلاق التي حض الإسلام على التحلي بها خلال الحرب، لقد نزلت التوصية الإلهية للنبي المكلوم والمفجوع بسبب مقتل عمه بمنتهى الوحشية، داعية إياه إلى عدم الرد بنفس الوسائل الوحشية، وإلى الصبر.. نعم الصبر وعدم الاندفاع نحو الأخذ بالثأر.. فصفح رسول الله عن "وحشي بن حرب"، ومنع الثأر.. هكذا تكون مكارم الأخلاق، وهكذا يكون الدين الطيب السمح الجميل، وهكذا يكون الإنسان.

تخيلوا لو أن عدوًا اعتدى على دياركم، وأحرق مدنكم، وقتل أهلكم، واغتصب نساءكم، فهل ستنحدرون إلى مستواه اللا إنساني في الرد بالمثل وأخذ الثأر؟، يرد عمر المختار قائلًا: "بالطبع لا.. لأنهم ليسوا معلمينا وقدوتنا في هذه الحياة".. ويقول علي عزت بيجوفيتش:"أنا دافعت ومازلت أدافع عن البوسنة في جميع المحافل الأوروبية والعالمية، لأننا لم نقترف شيئًا يدعونا للخجل، أمّا الصرب؟".. وعلاوة على كل هذا وذاك، ففي الحروب لا تستطيعون قتل العلماء والعمال ورجال الدين، ولا تستطيعون إلحاق الأذى بالشجر والمزارع.. أليس هذا ما حضنا عليه الإسلام؟

أولسنا مسلمين؟

نحن الذين حرم علينا حرق أسرى الحروب، أو قطع رؤوسهم بوحشية.. نحن من طلب منا التعامل مع الأسرى بطريقة لا تحط من قدر إنسانيتهم، والإفراج عنهم أحيانًا حتى من غير الحصول على مقابل، وتقاسم زادنا ولباسنا معهم، ذلك أن الإسلام لم ينزل ليبعث بالخوف في نفوس البشرة، بل جاء ليكون رحمة للعالمين.

ليس كل شيء مباحا في المعارك!

إذا كنّا نخوض معركة من أجل رفع الظلم ونصرة الحق وإحقاق العدل، فإن هذه المعركة محكومة بأخلاق وآداب، يجب عدم الابتعاد عنها.. فليس كل شيء مباحا في المعارك، فنحن مضطرون إلى النضال بأساليب إنسانية، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

إن تعاليم ديننا السمحة تأمرنا أيضًا بعد الدخول في التحالفات القذرة، وعدم الافتراء على الناس، وعدم نشر الأخبار الكاذبة، والابتعاد عن إهانة الناس، وتصغيرهم والحط من قدرهم، كما أن تعاليم ديننا السمحة، تأمرنا بعد التجسس على الناس، والتنصت على حياتهم الخاصة، والابتزاز.. كما لا يمكننا القيام بكل تلك الأعمال حتى لو قام أحدٌ بها ضدنا.

إذا كنّا حقيقة نتشرف بحمل نعمة الانتماء إلى الجنس البشري، والمسؤوليات التي يمليها علينا دين الإسلام، فنحن ملزمون باحترام قانون الحرب، والالتزام بأخلاقه، وعدم الإضرار بصورة الإسلام، واحترام وحرمة المسلمين في أنحاء العالم.. علينا التحلي بالمصداقية والوفاء بالوعد والالتزام بالمعاهدات التي أبرمناها، حتى في أصعب وأحلك لحظات الحرب، علينا أن نظهر موثوقيتنا ومصداقيتنا وأن نبرهن عن تمسكنا بها أمام العالم أجمع.

إن من يمتلك أخلاقًا في الحرب، يمتلك أخلاقًا في السلم أيضاً.

ومن كان عادلًا في الحرب، سيظفر بالاحترام والتبجيل في السلم.

إن محافظتنا على إنسانيتنا وعدلنا وأخلاقنا وشرفنا وعفتنا وقدرتنا على الصفح والمسامحة في الحروب والصراعات، يزيد من عزم شكائمنا وقوتنا واحترامنا لأنفسنا، واحترام الآخرين لنا.

مقالات ذات صلة

مساحة إعلانية